حلقتنا اليوم من برنامج "حكايات من زمن فات" الذي يُقدمه "اليوم 24" لقرّائه الأعزاء خلال شهر رمضان المُعظم، عن أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم العظماء، الفاروق أمير المؤمنين وأحد العشرة المُبشرين بالجنة، وأحد أشهر الشخصيات في التاريخ الإسلامي، إنه الصحابي الجليل عُمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. ولد الفاروق رضي الله عنه بعد عام الفيل، بثلاث عشرة سنة، لأسرة شريفة، وكان من القلائل الذين تعلموا القراءة والكتابة، وعمل راعيًا للإبل وهو صغير، وكان والده غليظًا في معاملته، كما اشتهر بضخامة البنيان، فكان قوياً شديداً مُصارعاً وفارساً يهابه الجميع، كما اشتهر بالتجارة التي جمع منها مالاً كثيرا، وكان لشرفه بين أبناء قومه يبعثونه سفيراً عن قريش في الحروب وغيرها، كان أنه كان مغرمًا بالخمر والنساء، كما اشتهر بعداءه للإسلام والمسلمين في بداية الدعوة، فكان أكثر أهل قريش أذى للمسلمين، وكان غليظ القلب تجاههم، فكان يُعذب جارية له لما علم بإسلامها، وكان كلما علم بإسلام أحد ذهب إليه وأخافه وجعله يفر من تلك الدعوة. وذات يومٍ ضرب حمزة بن عبد المطلب أبو جهل رداً على اعتداءه على النبي، وكان أبو جهل خال عمر رضي الله عنه، فخرج عمر من بيته شاهراً سيفه يُريد أن يرد الإهانة عن خاله، وفي الطريق قابله "نُعَيم بن عبد الله العدوي"، فقال له: أين تريد يا عمر؟، فرد عليه قائلا: أريد محمدا صلى الله عليه وسلم هذا الصابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله، فخاف نعيم على النبي حيث كان من الذين أخفوا إسلامهم، فقال له: والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الارض وقد قتلت محمدا؟، أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟، فإن ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب قد والله أسلما وتابعا محمدًا صلى الله عليه وسلم على دينه؛ فعليك بهما، فانطلق مسرعاً غاضباً إليهما، فوجد الصحابي خباب بن الأرت يجلس معهما يعلمهما القرآن، فضرب سعيد زوج اخته، ثم ضرب فاطمة اخته ضربة قوية شقت وجهها، فلان قلبه عندما رأى الدم يسيل من وجه اخته، فسقطت منها صحيفة كانت تحملها، وحين أراد عمر قراءة ما فيها، رفضت وقالت له إنه قرآن كريم لن تمسه إلا إذا توضأت، فتوضأ عمر وقرأ { طه ( 1 ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( 2 ) إلا تذكرة لمن يخشى ( 3 ) تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا ( 4 ) الرحمن على العرش استوى ( 5 ) له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ( 6 ) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ( 7 ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى}، فاهتز عمر وقال: ما هذا بكلام البشر، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام" وعلى الفور، توجه عُمر إلى دار الأرقم حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما طرق الباب خاف الصحابة أن يفتحوا الباب إلا أن حمزة رضي الله عنه قام ليفتح الباب وقال: إن كان يُريد خيراً قضيناه له، وإن كان يُريد شراً فله السيف، فلما فتح الباب خرج إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل السيف (صدر السيف وأضلاعه) وقال: "أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، اللهم هذا عمر ابن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب"، فقال عمر: أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلل الصحابة وكبروا واستبشروا خيرا بإسلام عُمر، وبالفعل بعد دقائق من إسلامه، يُشير على الرسول بالخروج أمام الناس، ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيه، ويخرج المسلمون في مظاهرة أمام الناس لأول مرة في صفين أحدهم يتقدمه حمزة والأخر عمر بن الخطاب، وسُمي يومها الفاروق، اي الذي فرق بين الحق والباطل. وكان عُمر رضي الله عنه شديداً في الحق ولا يخاف لومة لائم، وشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم جميع المشاهد والغزوات، وكان هو الوحيد بين الصحابة جميعا الذي هاجر إلى مكة علناً وفي وضح النهار، إذ كانوا يخافون أذى قريش، إلا أنه عندما خرج خاطب قريش وقال لهم: من كان يُريد أن تثكله أمه وييتم ولده فليلقني خلف هذا الجبل، فما جرؤ أحد على أن يتكلم أو يرد عليه. وكان عُمر أحد المُقربين من الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فكان يستشيره هو والصديق في كل الأمور فكان يقول صلى الله عليه وسلم: لو اتفقتما لي ما شاورت غيركما، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمرني أن أتخذ عمر مشيرًا. ولما توفى الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذه الخليفة أبو بكر وزيراً ومساعده الأول وكان يستشيره في الأمور كلها، فكان يقول عنه الصديق رضي الله عنه: ما على ظهر الأرض رجل أحبّ إليَّ من عمر، وكان مستشاره العسكري الأول في حروب الردة وغيرها من الحروب، وعند وفاته رضي الله عنه أوصى المسلمين بمبايعته خليفة له، فكان خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقبه الصحابة يومها ب "أمير المؤمنين" وفي عهده توسعت الفتوحات واستحدث نظام الدواوين في الدولة الإسلامية حيث كان معمولا به في الأنظمة الفارسية، وقام بتنظيم الجيوش وحدّث من آلاته ومعداته وجلب كل جديد في مجال الحرب مثل المنجنيق وغيره من الآلات الحربية، كما استحدث نظام "العسس" والشرطة، وأول من استحدث نظام السجن، وكان يقوم بالقضاء بين الناس بشخصه، ولما توسعت الدولة قام بتعيين القضاة في البلاد المفتوحة، فولَّى أبا الدرداء قضاءَ المدينة، وشريحًا الكندي قضاء الكوفة، وعثمانَ بن أبي العاص قضاء مصر، وأبا موسى الأشعري قضاء البصرة. كما عُرف رضي الله عنه باجتهاده في الدين والتفقه فيه، فكان أول من جمع الناس في صلاة القيام في رمضان، كما إنه أول من أوقف إعطاء المؤلفة قلوبهم من أموال الزكاة، فقد رأى أن الإسلام أصبح قويًّا، يُخشى بأسه، وتُسمع كلمته في العالم كله، كما أنه اجتهد في عام الرمادة فلم يُقيم الحد على السارقين وإنما قام بتعذيرهم. ويروى أنه قد قدم المرزبان "رسول كسرى" غلى المدينة يريد مقابلة امير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فسأل عن قصر الخلافة، وكان يُريد أن يرى الرجل الذي اهتزت خوفا منه عروش كسرى وقيصر، فلم يجد أية قصور فسأل الناس عن الأمير فقالوا له هو ذاك النائم تحت تلك الشجرة، فقال قولته الشهيرة: حَكَمت … فعَدلت … فأمِنت … فنِمت … يا عمر. وذات يوم بينما كان رضي الله عنه يُصلي الفجر في المسجد النبوي، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بخنجر مسموم 6 طعنات، ثم طعن نفسه، فنادى عُمر على عبد الرحمن بن عوف وامره ان يُقيم الصلاة، وقال لأهله ان مت أغمضوا عيني ولا تغالوا في كفني، وسمى 6 من الصحابة، وأمر بأن يختار المسلمون واحداً منهم خليفة من بعده وهم "عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص"، وأوصى صهيب الرومي بأن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى، ثم صعدت روحه رضي الله عنه بعد ثلاثة أيام من طعنه، ودُفن يوم الأحد أول محرم سنة 24 ه، ودُفن بالحجرة النبوية بجوار صاحبيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، وكان عمره 65 سنة، وكانت خلافته عشر سنين ونصف. فرضي الله عن الفاروق وأنزله خير منزلة.