حلقتنا اليوم من برنامج "حكايات من زمن فات" الذي يُقدمه "اليوم 24" خلال شهر رمضان المُعظم، عن الصحابي الجليل أنس بن النضر، الذي أنزل الله فيه آيات تُتلى إلى يوم القيامة. وهو أنَسُ بن النَّضْر بن ضَمْضَم الأنصاري، عم الصحابي أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وينسب إلى بني النجَّار في المدينةالمنورة، وأسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحسن إسلامه، ويروى أنه ذات يوم كسرت "الربيع" ابنة النضر، ثنية جارية فطلبوا الأرش "التعويض" وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم بينهم بالقصاص، فقال أنس: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أنس كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره"، ورضي القوم وقبلوا الأرش "التعويض"، أي أن بعض الناس لو حلفوا على وقوع شَيْءٍ أَوْقَعَهُ اللَّهُ إِكْرَامًا لَهُ بِإِجَابَةِ سُؤَالِهِ وَصِيَانَتِهِ مِنَ الْحِنْثِ فِي يَمِينِهِ، وَهَذَا لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وتأتي غزوة بدر، فيتخلف عنها أنس، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر وليس معه إلا ثلاثمائة وبضع عشر رجلاً ولم يكن يريد القتال، وإنما كان يريد عيرَ قريشٍ التي كانت فيها أموالٌ كان جزءٌ منها للمهاجرين المسلمين من أهل مكة، وقد استولت عليها قريش ظلمًا وعدوانًا، ولم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا أن يخرج ولم يدع إليها أحد وإنما خرج إليها الخفاف من الناس، معه فتخلف عدد كبير من المسلمين، كان من بينهم أنس رضي الله عنه، فحزن لذلك وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع." وتأتي غزوة أُحد وينتصر المسلمون في أول النهار على المشركين، إلا أن رُماة الأسهم يُخالفون أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بالحفاظ على مواقعهم وعدم تركها، ويُسارعون بالنزول لجمع الغنائم، فانكشف المُسلمون وهجم عليهم المشركون، وجُرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُسرت رُباعيته، وفر عدد كبير من الصحابة وجلس أخرون على الأرض وعمت الفوضى في الجيش، فقال أنس: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه -وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين -، وتقدم أنس ليبر بقسمه فيُقابل عمر بن الخطاب وعدد من الصحابة جالسين على الأرض، فقال: ما يقعدكم ؟، فقالوا :قُتل رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، فقال: وما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم انطلق في طريقه نحو المشركين، فقابله سعد بن معاذ فقال له: ابا عمرو أين؟، فقال له أنس: يا سعد والله إني لأجد ريح الجنة خلف جبل أُحد، ثم انطلق بين صفوف المشركين يشُقها بسيفه غير مكترث بكثرتهم، وظل يُقاتل وسط المئات منهم كي يبر بقسمه لله. وبعد المعركة وجده المسلمون وقد قتله الكفار ومثلوا بجثته ووجدوا في جسده اكثر من ثمانين جرح ما بين ضربة بسيف او طعنة برمح او رمية بسهم، وما عَرفهُ أحد إلا اخته "الربيع" من علامة في بنانه. فنزلت فيه آية {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} وقال عنه عمر بن الخطاب: إني لأرجو أن يبعثه الله أُمَّةً واحدة يوم القيامة. فرحم الله أنس وأنزله خير منزلة.