جلالة الملك محمد السادس يترأس جلسة عمل خصصت لموضوع مراجعة مدونة الأسرة        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء        أخبار الساحة    الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب        بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرأي العام الإفتراضي ومقولة التفاهة: نموذج موقع فيسبوك
نشر في أخبارنا يوم 19 - 04 - 2020

في ظل التحولات والتغيرات العالمية والكوكبية، التي مست جميع المستويات في بنية المجتمع ككل، خصوصا في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة في الجانب التكنولوجي والثورة المعلوماتية على وجه الدقة، ظلت في هكذا وضعية تحتل مواقع التواصل الاجتماعي خاصة موقع فايسبوك مكانة مرموقة ومنفردة في محراب المجتمعات عامة، وأصبحت المتنفس الوحيد والاوحد الأكثر شهرة لكل الفئات العريضة من المجتمع في إبراز الذات وفي تكسير رتابة الوحشية اليومية المقلقة والمؤلمة، و مناقشة قضايا مختلفة ومتنوعة في كل المجالات المجتمعية قاطبة، أي كل قضايا الوجود والحياة، ثم قضايا السياسة والاجتماع. لدى فكل شخص من أي فئة كان، يدلي بدلوه ورأيه في مجموع هذه المسائل الاجتماعية والسياسية والثقافية، مما يجعل من الافتراضي فضاء مرتبط أكثر بسياقات المجتمع الذي يتفاعل فيه الانسان المحاور والنشيط و يلوح بذاته في أفق عريض لانهائي من التفاوضات والحوارات والنقاشات و التفاعلات والنشاطات الافتراضية دوما وأبدا، أضف إلى ذلك المجموعات الافتراضية والجماعات الافتراضية التي لها كذلك تواجد خاص في مناقشة مواضيع ذات صلة بحياتهم. فإذا كانت حسب زيغموند باومان "الجماعات الانفجارية في الكرنفالات أو غرف المعاطف( يقصد هنا باومان بتلك العبارة أن الجمهور حينما يذهب لمشاهدة عرض سينمائي ما يرتدي ثيابا لتلك المناسبة ويلتزم بسلوكيات راقية تختلف عن أنماط السلوك التي يسلكها دوما في حياته اليومية)، سمة لا غنى عنها في عصر الحداثة السائلة مثلما لا غنى عنها في مأزق العزلة التي يعانيها الأفراد الصوريون بحكم القانون وسعيهم الحثيث، بدون جدوى بوجه عام، للوصول إلى مستوى الأفراد الحقيقيين بحكم الواقع، حيث أن العروض المثيرة، والشماعات في غرف المعاطف، والاحتفالات الكرنفالية التي تجذب الجماهير الحاشدة، كثيرة ومتنوعة، وتراعي كل الأذواق"، فإن الشيء نفسه في نظري ينطبق على المجموعات والجماعات الافتراضية، حيث تؤسس عالم جديد افتراضيا مع الأخرين تثبت فيه ذاتها بسبب مأزق العزلة الواقعية من حيث الاعتراف، نظرا للكثير من

الأشياء التي لا يستطيع تحقيقها الفرد في الواقع، مما يرى هذا الافتراضي مكسب سهل المنال لكي يخلق فيه عالم تفاعلي برحابة واسعة بدون توقف، مما أصبح مع الوقت موقع يؤسس ويمؤسس لرأي عام افتراضي يؤثر ويؤثث حسابات السلطة والنفوذ ويبعث الحيرة والارتباك في ال الفوق، في مقابل الرأي العام الواقعي الذي كان يعرف منذ قدم التاريخ كمعنى ودلالة واقعية معاشة يؤسس لتصورات وخطابات موجهة في الساحة المجتمعية نحو أفق كسب الاعتراف المستمر بالكثير من الاشكالات والقضايا المرتبطة جوهريا بالمعيش الإنساني، من حرية وعدالة وحقوق وديمقراطية وعدالة اجتماعية، دفاعا عنها باستماتة صلبة. هاهنا إذن انبثق للوجود رأي عام افتراضي، ربما يتكون من نشطاء ومتفاعلين أصحاب هويات مباشرة أو مجهولي الهويات يصعب بالمرة تصنيفهم من هم، ومن فئات عريضة مختلفة الانتماء ثقافيا وسياسيا وفكريا واقتصاديا وموقعا ولغتا، بالإضافة الى فئات من جميع الأعمار على وجه التقريب، هنا أتحدث عن العمر بالمفهوم المرتبط أكثر بالقدرة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الخصوص موقف الفاسبوك كموقف الأكثر استخداما في العالم والأكثر شهرة، فهذه الفئات المتعددة والمختلفة والمجهولة في بعض الأحيان لهويتها ولتواجها الافتراضي بسبب عدم كشفها لذاتها الحقيقية، شكلت في اعتقادي الشخصي وفي نظر مجموعة من الكتاب كمحمد مصطفى رفعت في كتابه الرأي العام في الواقع الافتراضي وقوة التعبئة الافتراضية، رأيا عاما افتراضيا بطريقة شعورية وغير شعورية في بعض الاحيان، أي يمكن القول بشكل مقصود وغير مقصود في أن ذاته، لأنه تفاعلت مجموعة من الشروط الموضوعية في ذلك التأسيس جعلته في قوة وصلابة واستماتة، معنى هذا أن نشأة الرأي العام هنا ارتبط أساسا وبشكل أكثر دقة وتحديدا بكثرة التفاعلات والتد وينات المستمرة في هذا الموقع، سواء كان من باب الترفيه عن الذات أو من باب الانتهاء من أشغال الحياة اليومية وجعل هذا الفضاء الافتراضي المتنفس الوحيد للراحة من تعب العمل في الحياة المعيشية المرتبطة أكثر بواقعنا الحياتي في علاقته بالأخرين وبذواتنا التي تتوق دوما للعيش في سلام روحي ونفسي وجسدي نوعيا مع الأغيار، أو من باب حب الافتراضي ومحاولة الغوص فيه بشكل دائم لكونه منبع الراحة والابتعاد عن ضغوطات الواقع المرير وشدته في نظر البعض منا، من تم تفاعلت

تلكم الشروط والمحددات الأولية والتأسيسية للرأي العام الافتراضي ليناقش بشدة قضايا مختلفة في شتى الحقول والميادين، في أي لحظة من لحظات التواجد الافتراضي للشخص أو للمتفسبك( من أصل الفيسبوك) افتراضيا، لكون أن هذا الفضاء الشاسع يخلق تأثيرات مستمرة على صناع القرار، الشيء الذي اعتبرناه بأنه شكل من أشكال الرأي العام الافتراضي الذي له قوة خطابية وحوارية وتفاعلية في تأثيث مشاهد المجتمع سواء كان ذلك نابع من وعي عميق بإشكالات الحياة وهمومها أو بدون وعي منا اللهم السير في خلق نقاشات عادية كما يفعل الاخرين.

كان من الضروري كما قلت أن ينشأ رأيا عاما افتراضيا، من خلال تفاعل تلك الشروط والمحددات، يترك تأثيرات كبيرة في الحياة اليومية للإنسان بطريقة شعورية أو لا شعورية وبدون قصد ووعي دقيق بيه، وهذا الظهور الجدير والمهم له جعل من كل شخص في هذه القارة الخضراء يعطي رأيا معين حول قضايا مختلفة ذات أهمية كبيرة جدا في حياتنا الاجتماعية، وفي علاقتها بنا نحن كمواطنين وبالدولة والسلطة التي تعد البناء المؤسساتي الوحيد الذي يمتلك الحق والشرعية في الكثير من الممارسات القانونية والسياسية، ففي ضوء هذا التفاعل المستمر في الفضاء الافتراضي، أصبح في بعض الأحيان كتقليد افتراضي أو إن صح التعبير كثقافة افتراضية يلزم عليا أنا كرائد من رواد هذا الفضاء الافتراضي أن أتفاعل فيه وأنخرط في ذلك المحراب الافتراضي، بمعنى أكثر دقة أن أعلق وأكتب وأدون وأشارك وأجمجم وأنتقد وأصرح في بعض القضايا المجتمعة أصبح أمر ضروري لكل شخص منخرط في هذا الفضاء الشبكاتي الواسع، وفق منطق كوجيتوا التفسبك: أنا أتفسبك إذن أنا موجود، ورغم أنه في بعض الأحيان يكون بغير وعي تام بذلك اللهم أنه يرى الأخرين يتفاعلون في موضوع معين، ثم سرعان ما تجده هو الأخر يدخل غمارها في رحابة واسعة وشاسعة بلهفة جنونية عظيمة كأنه إحساس هيولاني بعالم مملؤوء بالتسلية والامتاح والارتياح النفسي والروحي، فهذا المستوى التفاعلي أصبح كجزء من ثقافة الإنسان في وجوده اليومي الشبكي، وأسميته بالثقافة الافتراضية التي يتشارك فيها أغلبية مزاولي مواقع التواصل الاجتماعي في مناقشة جل المواضيع

المختلفة بدون حسب ولا رقيب، ويتشاركون في قيم ومبادئ ومعايير محددة ينذر لها بالاستمرارية والفناء معا في ظل السيولة المستمرة التي أضحينا نعيشها هنا والان، لدى فأصبح العالم الافتراضي حسب ذلك المنطق، بيت من البيوت الافتراضية، يراها أغلب الناس أنها تجربة منفردة ونوعية تلوح بنا في أفق لامتناهي من الهويات المتعددة، إنه بيت افتراضي منفتح على عادات وتقاليد جديدة لا نهائية عكس البيوت الواقعية المبنية بالطوب والحجر، التي تعصف بعادات رتيبة مغلقة ومحدودة وبقيم مقننة وتوقعات معتادة لا تترك للشخص منطقة من مناطق اللايقين بتعبير ميشيل كروزي لكي يعبر فيها عن حريته وعن ذاته وعن تواجده الحر، بقدر ما هي بيوت واقعية مادية تلزم الشخص بالتقيد بمعايير من أجل الكلام والبوح، ذلك يجعله يجد متسع لانهائي و رحابة واسعة جدا في البيت الافتراضي كي يعبر عن كل أفكاره وتمثلاته نحو الحياة.

ففي ظل هذا البناء المستمر واللامحدود لعقل جمعي افتراضي يمتهن مهنة التدوين المستمر في بعض الأمور الحياتية المتعلقة بالمعيش اليومي، أو إن صح التعبير بلغة ها برماس المتعلقة بالعالم المعيش ككل من اقتصاد وسياسة واجتماع الذين شكلوا رايا عاما افتراضيا له تأثيرا عظيمة، فإنه في الجانب الأخر لم يعد العالم الافتراضي يناقش فقط مسائل الحياة والذات وخلق تفاعلات ايجابية بصددها، بل بقيت بعض المواضيع تدخل رويدا رويدا إلى الفضاء الافتراضي وتتسرب خلسة بعض الأحيان لتخترق روح التفاعلات اليومية والمستمرة لبعض من المنخرطين في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى ظلت مع مرور الوقت هي المواضيع الأكثر رواجا وشهرتا في هذا الفضاء بشكل دائم، وطبيعيا أن يتم التفاعل معها كباقي المواضيع التي كانت أساسية ومهمة في عالمنا الافتراضي، على سبيل المثال فقط لا الحصر، تلك المتعلقة بالكثير من الاحتجاجات المستمرة وببعض الإضرابات التي نظموها الأساتذة أطر الاكاديميات في كفاحهم المستمر نحو تحقيق الكثير من الحقوق العادلة والمشروعة، وقس على ذلك القضايا المتعلقة بمأساة الهجرة والفقر والاقصاء الاجتماعي المستمر والممنهج في واقعنا اليومي من طرف جهات مسؤولة عليه. لدى من بين تلك القضايا السخيفة والتافهة هي تصدر بعض الاشخاص التافهين والرديئين الواجهة العامة

للمجتمع في مواقع التواصل الاجتماعي ككل، ويبقى الحديث والحوار والتفاعل لا يخرج عن نطاقهم الضيق والمحدود والدنيء الذي يؤسس لمسارات تافهة لبعض المتفاعلين فقط في ذات الفضاء الافتراضي في تلك المواضيع بالذات، وهنا لا أعمم هذا الافتراض لأنه هناك من يؤسس لتباعد كبير بينه وبين هذه المواضيع التافهة بل أتحدث فقط على صناع التفاهة. لدى هذا التصدر للوجاهة الأمامية لمثل هؤلاء الأشخاص أو لبعض المواضيع السخيفة والرديئة جعلت جانب من الرأي العام الافتراضي يسير نحو ذلك ويجدر فكرة التفاهة بدون شعور، بالإضافة إلى مساهمته اللاشعورية واللاواعية في بعض الأحيان أو في أحايين كثيرة في تكريس ذلك النوع من الخطاب التافه والرديء وجعله يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار، الشيء الذي أدى بنا نحو التيه والظلال عن القضايا ذات الأهمية القصوى في معيشنا اليومي الواقعي في العالم الافتراضي، وما يجعل هذه القضايا والاهتمامات التافهة سواء كانوا أشخاص تافهين أو مسائل تافهة مرتبطة ببعض المواضيع المريضة والدنيئة، هو ذاك الارتباط المستمر بها لا واعيا، وجعلت قضايا الواقع تتذوق من مرارة العدم والتهميش والنفي، مما جعلنا ذلك نعمق من جرحنا الأصيل من قلق المجتمع واهتماماته وهمومه وريباته، وتنسيانه بكل أساسياته و أولوياته الماتحة من حب وعشق الحياة، ومن حقيقة العيش المشترك لجعل وجودنا اليومي يسير عقلانيا ومنطقيا بعيدا عن هشاشة العيش وصخب وضجيج المعاناة، وسرنا نحو أفق من التيه والظلال والتفاهة لعقل هاوي لمتن القداحة والتسلية الواهية والمزيفة، ويبرز ذلك حينما يتم مناقشتها باستمرار سواء في التعليقات أو في التد وينات أو في بعض الفيديوهات القصيرة، وسبب ذلك هو ذلك الارتباط الميكانيكي بالفضاء الافتراضي الذي لحق بالبعض منا فقط، بمعنى أن أي موضوع سمعنا به سوف نخلق نقاشات فيه، وهذا الشيء أدى إلى حمولة عظمى من التفاعلات أسست لبنية من الأفكار عميقة جدا بقيت متجذرة فقط في الإعلاء من التفاهة وإهمال مختلف القضايا الاخرى الأساسية في حياتنا، وقس على ذلك الكثير من الأمور ذات الأهمية نفسها في محراب واقعنا المستمر، ومن ثمة فإن الإنسان الذي يتفاعل في هذا المجال الافتراضي في جل المواضيع من كل حدب ودب، طبعا بدون تعميم، لا يضع تريث نوعي وذاتي مرتبط به خلال دخوله غمار النقاش والحديث، معتقدا أنه

حينما يكتب أو يدون عن مسألة تافهة مؤيدا لها أو منتقدا إياها يعتقد أنه يقدم الأصوب دائما، وهذا ما يؤسس لا شعوريا لبنية تفاعلية لا تخرج عن هذا التيه في سراديب القضية التافهة، وسرعان ما يفعل الأمر نفسه باقي المتفاعلين في هذا الفضاء المشترك الافتراضي، مما تجد تلك القضية تتصدر الوجاهة باستمرار دون توقف، وتبقى محط الأنظار والنقاشات الدائمة حولها سواء كانت من باب الانتقاد كما قلت من قبل، أو من باب خلق عالم تفاعلي لا يبالي بنوعية المواضيع التي تطرح له في حيزه الشخصي والجمعي من ذات الفضاء نفسه، دون أن يدرك أنه يساهم في رواج مضمون تافه ورديء وظال وسخيف، وفي هذا السياق يحجب عنا هذا المضمون اللاشعوري الذي يخلقه الانسان الافتراضي بعض المسائل والمعضلات ذات أهمية قصوى، سواء التي ترتبط ببعض المفاجئات النادرة في بعض الميادين العلمية من طرف براعيم تخلق المستحيل، أو في بعض الميادين التي ترتبط بقلقنا حولها كالصحة والتعليم والفقر والهشاشة والعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية، وتجد أن جانب من الرأي العام الافتراضي لا يعيرها أهمية بسبب قوة المواضيع التافهة والخسيسة التي انطرحت إلى الوجود الافتراضي وتتسرب بطرق غير مباشرة إلى بنية التفكير للإنسان حتى يبقى حبيسها دوما وأبدا، وهذا الانغماس في هكذا أمور لا يمكن أن نبرر هولها ونقول أنها تأتي فجأة إلى الواجهة، بل هنالك جسور أخرى تساهم في نشرها بقوة سواء أن قصدها لم يسير نحو خلق بنية من التيه والظلال والتفاهة، بل من باب توجيه الرأي العام الى كل المواضيع بكل أنواعها دون تمييز بين الأهم والتافه، وهنا تأتي في المقدمة مؤسسات خفية تتفاعل في هكذا مواضيع في الخفاء وتساهم في نشر المزيد منها حتى يتسنى لجانب من الرأي العام الافتراضي أن لا يتوجه كتابا تجاه قضايا الحياة والوجود وقضايا المصير والانسان، ويبقى حبيس بنية مشوهة من الافكار والآراء التي لا معنى لها في حياتنا الحقيقية.
مما لا شك فيه أن مسألة التفكير في التفاهة وأثرها في تحريف وتشويه مضامين الحياة الجوهرية، ظل من المساءل المهمة والجوهرية التي يقتضي التأمل فيها دوما، عبر تفكيكها واستكشاف عوراتها وضعفها وهشاشتها، لكونها لا تقدم شيء للمجتمع اللهم المزيد من إنتاج التافهين والتافهات، وتسوقوهم نحو التيه والمجهول بدون وعي منهم هاويين للعبة التسلية والامتاح، يعتقدون أنهم يمارسون لعبة الترفيه عن النفس والذات، وغير مدركين تلك التفاهات المستمرة في الواقع والافتراضي، تحجب عنا نيران مرارة الحياة والواقع، وهول الهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي يواجهنا باستمرار وبقوة خارقة جدا من طرق المتحكمين في منافذ القوة والسلطة في المجتمع حسب أهوائهم، وتحجب عنا النقاش والحوار البناء والمستمر في مواضيع الساعة والراهن، التي تعد ذات أهمية وجودية كبرى في حياتنا المعيشية، لكون أن منطق التفاهة يسير في المظهر بشكل عفوي، يعني أنه سرعان ما يظهر حدث ما تافه فجأة حتى تجده يوجه أنظار الرأي العام الافتراضي، وننغمس فيه بدون حس نقدي وبدون قراءة ماورائية له، فإنه بشكل غير مباشر نزيد تكريسا له بقوة في مخيلاتها، ثم مرة أخرى يظهر حدث أخر من نفس الفصيلة، ونتعامل معه بالطريقة ذاتها وهكذا دواليك...، نعتقد كما قلت بأنها أحداث تافهة تظهر فجأة، بل في وجهة نظري، ليس هناك حدث بريء يظهر من تلقاء ذاته، بل ثمة مأسسة له بشكل دقيق جدا سواء بقصد أو بدون قصد، بغية جعل الكل يتجه نحوه، انتقادا أو خطابا أو تعليقا أو إعجابا أو كرها، وهكذا يتم ذلك بشكل مستمر، حتى يتم تكريس ثقافة موحدة في الغالب نجدها تتفاعل فقط مع الأحداث التافهة والخسيسة، والأكثر غرابة بأنه يحدث ذلك أحيانا بدون وعي منهم، أي بدون وعي أنهم يساهمون في نشر ثقافة التفاهة في الافتراضي ويترجم ذلك في الواقعي عبر ممارسات متعددة، وهذا ما يصيب الكثير منا للأسف، هنا ربما في هذا السياق، تم قلب المعادلة في علاقة الواقعي والافتراضي، فإذا كان من قبل الواقعي هو الذي يحدد الإفتراضي من حيث الخطابات والسلوكيات، فالأن أصبح العكس، لم يعد للواقعي قوة التأثير على خطابات الانسان، بل فقط يجب أن تكون ثمة إشارة بسيطة من الواقعي، كحدث ما، فإنه يتحول للافتراضي، ويعطى له هالة عظيمة جدا، ويصبح موضع نقاشات وخطابات وتفاعلات بعض رواد المواقع الاجتماعي، حتى تتشكل ثقافة مؤقتة نوعا ما أو ثقافة تستمر لبعض الأيام، ويتحول هذا النقاش الافتراضي في الحدث التافه، إلى الواقعي لكي يحدد لنا سلوكياتنا وممارساتنا مع الأخرين ويؤثر على طبيعتها ونوعيتها، سواء من خلال منطق أنني فقط ألعب معه أو أمزح معه، من خلال تقليد ذلك الحدث التافه الذي أعطيت له هالة كبرى، مما يصبح كقدوة عظيمة، أقلد ما يقوم به.
طبعا يظل التفكير في مقولة التفاهة ضرورة اجتماعية هامة، لكونها مقولة يمكن أن تختفي التجليات المعبرة عنها في بعض الأحيان حينما تفرضها الضرورة الوجودية والاجتماعية كظهور أزمة معينة تتطلب أناس لهم كفاءات في صالح المجتمع تنذر بطمس هوة التفاهة في لجة العدم. لدى فحينما تتغير الأحداث والوقائع وتظهر للساحة الاجتماعية حالات الاستثناء والشك والريبة، فإنه يتغير معها منطق التفاهة ويضعف إلى أن يختفي عن الأنظار فجأة، لكن هذا الاختفاء أو التستر لا يتولد عبثا، بل يتولد من خلال ظهور حدث كوني أو أزمة كونية كما أشرت سابقا لها تأثير عميق جدا على الكل في المجتمع، وعلى سبيل المثال أزمة فيروس كورونا، الذي ظهر مؤخرا على الساحة الوجودية للعالم، باعتباره وباءا خطيرا وجائحة العصر المعاصر، إنه ساهم فعلا في تحديد خريطة المجتمع الواقعي والافتراضي، في التمييز بين الاهم والمهم والتافه في تداول الأحداث والمواضيع، وطبعا هنا في هذا السياق الدلالي الراهني، اختفى كل ما يتعلق بالتفاهة والخساسة والبلاهة، سواء التافهين أنفسهم أو من يساهمون في صنعها، كل ما لا يقدم نفعا للمجتمع ككل، اختفى كل من كان يتصدر وجهة الاعلام والافتراضي. وما الذي بقي؟، بقي طبعا الوجوه البشوشة المنورة لحياة المجتمع التي تزده بريقا وترياقا نفعيا مستمرا، أو إن صح التعبير، ظهر من لجة العزلة والتهميش، ما هو مهم وأساسي هو الطبيب والاستاذ، لكون أن هذا الأهم والمهم في الأيام العادية كان محجوب عن الأنظار، أي كان مطموس في هوة سحيقة من التهميش، بسبب الواجهة التي كانت معطاة لعشاق التفاهة أو التافهين بحد ذاتهم.
إذن، فمنطق التفاهة كشف زيفه وهشاشته ولايقينيته في التواجد الراهني مع هذا الوباء الكوني الذي كشف لنا حقيقة التمييز بين الكثير من السرديات المتداولة في حياتنا، لكن ما هو أخطر في منطق التفاهة الخفي حينما يوجه جانب من الرأي العام الافتراضي نحو نوع من الخطابات الرديئة والبغيضة.

هاهنا يتضح إذن أن الإنتصار للجدي وللمهم هو الذي سوف يستمر ويبقى له أثر نفعي على المجتمع ككل، أما الإنتصار للتافه والرديء فإنه سوف يسوقنا لا محالة نحو الهاوية والمجهول وانسداد الأفق، وحتما فإنه ينذر له بالفناء والموت، هذا إن تعلمنا الدرس الراهني والكوني من هذه الجائحة التي لا تبقي ولا تذر، التي طبعا أعادت ترتيب أساسياتنا وأولوياتنا وحقولنا التي تلوح في أفق المنفعة العامة للمجتمع. إنها لحظة عصيبة و درسا قاسيا يتطلب أن نتعلمه من هذه الآنية الراهنية التي أصابتنا، لكن شتانا وذلك الدرس أن يستمر، ربما ثمة عوائق تحول دون تعلم ذلك الدرس بشكل مستمر واقعيا وليس فقط تصوريا ونظريا، عوائق ربما هي بنيوية عميقة جدا يصعب التخلص منها في فترة وجيزة، لكن هذا لا يخنق ويقلص أمالنا في استثمار هذا الدرس الراهني مستقبلا في إعادة بناء خريطة حياتنا المجتمعية عامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.