ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرأي العام الإفتراضي ومقولة التفاهة: نموذج موقع فيسبوك
نشر في أخبارنا يوم 19 - 04 - 2020

في ظل التحولات والتغيرات العالمية والكوكبية، التي مست جميع المستويات في بنية المجتمع ككل، خصوصا في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة في الجانب التكنولوجي والثورة المعلوماتية على وجه الدقة، ظلت في هكذا وضعية تحتل مواقع التواصل الاجتماعي خاصة موقع فايسبوك مكانة مرموقة ومنفردة في محراب المجتمعات عامة، وأصبحت المتنفس الوحيد والاوحد الأكثر شهرة لكل الفئات العريضة من المجتمع في إبراز الذات وفي تكسير رتابة الوحشية اليومية المقلقة والمؤلمة، و مناقشة قضايا مختلفة ومتنوعة في كل المجالات المجتمعية قاطبة، أي كل قضايا الوجود والحياة، ثم قضايا السياسة والاجتماع. لدى فكل شخص من أي فئة كان، يدلي بدلوه ورأيه في مجموع هذه المسائل الاجتماعية والسياسية والثقافية، مما يجعل من الافتراضي فضاء مرتبط أكثر بسياقات المجتمع الذي يتفاعل فيه الانسان المحاور والنشيط و يلوح بذاته في أفق عريض لانهائي من التفاوضات والحوارات والنقاشات و التفاعلات والنشاطات الافتراضية دوما وأبدا، أضف إلى ذلك المجموعات الافتراضية والجماعات الافتراضية التي لها كذلك تواجد خاص في مناقشة مواضيع ذات صلة بحياتهم. فإذا كانت حسب زيغموند باومان "الجماعات الانفجارية في الكرنفالات أو غرف المعاطف( يقصد هنا باومان بتلك العبارة أن الجمهور حينما يذهب لمشاهدة عرض سينمائي ما يرتدي ثيابا لتلك المناسبة ويلتزم بسلوكيات راقية تختلف عن أنماط السلوك التي يسلكها دوما في حياته اليومية)، سمة لا غنى عنها في عصر الحداثة السائلة مثلما لا غنى عنها في مأزق العزلة التي يعانيها الأفراد الصوريون بحكم القانون وسعيهم الحثيث، بدون جدوى بوجه عام، للوصول إلى مستوى الأفراد الحقيقيين بحكم الواقع، حيث أن العروض المثيرة، والشماعات في غرف المعاطف، والاحتفالات الكرنفالية التي تجذب الجماهير الحاشدة، كثيرة ومتنوعة، وتراعي كل الأذواق"، فإن الشيء نفسه في نظري ينطبق على المجموعات والجماعات الافتراضية، حيث تؤسس عالم جديد افتراضيا مع الأخرين تثبت فيه ذاتها بسبب مأزق العزلة الواقعية من حيث الاعتراف، نظرا للكثير من

الأشياء التي لا يستطيع تحقيقها الفرد في الواقع، مما يرى هذا الافتراضي مكسب سهل المنال لكي يخلق فيه عالم تفاعلي برحابة واسعة بدون توقف، مما أصبح مع الوقت موقع يؤسس ويمؤسس لرأي عام افتراضي يؤثر ويؤثث حسابات السلطة والنفوذ ويبعث الحيرة والارتباك في ال الفوق، في مقابل الرأي العام الواقعي الذي كان يعرف منذ قدم التاريخ كمعنى ودلالة واقعية معاشة يؤسس لتصورات وخطابات موجهة في الساحة المجتمعية نحو أفق كسب الاعتراف المستمر بالكثير من الاشكالات والقضايا المرتبطة جوهريا بالمعيش الإنساني، من حرية وعدالة وحقوق وديمقراطية وعدالة اجتماعية، دفاعا عنها باستماتة صلبة. هاهنا إذن انبثق للوجود رأي عام افتراضي، ربما يتكون من نشطاء ومتفاعلين أصحاب هويات مباشرة أو مجهولي الهويات يصعب بالمرة تصنيفهم من هم، ومن فئات عريضة مختلفة الانتماء ثقافيا وسياسيا وفكريا واقتصاديا وموقعا ولغتا، بالإضافة الى فئات من جميع الأعمار على وجه التقريب، هنا أتحدث عن العمر بالمفهوم المرتبط أكثر بالقدرة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الخصوص موقف الفاسبوك كموقف الأكثر استخداما في العالم والأكثر شهرة، فهذه الفئات المتعددة والمختلفة والمجهولة في بعض الأحيان لهويتها ولتواجها الافتراضي بسبب عدم كشفها لذاتها الحقيقية، شكلت في اعتقادي الشخصي وفي نظر مجموعة من الكتاب كمحمد مصطفى رفعت في كتابه الرأي العام في الواقع الافتراضي وقوة التعبئة الافتراضية، رأيا عاما افتراضيا بطريقة شعورية وغير شعورية في بعض الاحيان، أي يمكن القول بشكل مقصود وغير مقصود في أن ذاته، لأنه تفاعلت مجموعة من الشروط الموضوعية في ذلك التأسيس جعلته في قوة وصلابة واستماتة، معنى هذا أن نشأة الرأي العام هنا ارتبط أساسا وبشكل أكثر دقة وتحديدا بكثرة التفاعلات والتد وينات المستمرة في هذا الموقع، سواء كان من باب الترفيه عن الذات أو من باب الانتهاء من أشغال الحياة اليومية وجعل هذا الفضاء الافتراضي المتنفس الوحيد للراحة من تعب العمل في الحياة المعيشية المرتبطة أكثر بواقعنا الحياتي في علاقته بالأخرين وبذواتنا التي تتوق دوما للعيش في سلام روحي ونفسي وجسدي نوعيا مع الأغيار، أو من باب حب الافتراضي ومحاولة الغوص فيه بشكل دائم لكونه منبع الراحة والابتعاد عن ضغوطات الواقع المرير وشدته في نظر البعض منا، من تم تفاعلت

تلكم الشروط والمحددات الأولية والتأسيسية للرأي العام الافتراضي ليناقش بشدة قضايا مختلفة في شتى الحقول والميادين، في أي لحظة من لحظات التواجد الافتراضي للشخص أو للمتفسبك( من أصل الفيسبوك) افتراضيا، لكون أن هذا الفضاء الشاسع يخلق تأثيرات مستمرة على صناع القرار، الشيء الذي اعتبرناه بأنه شكل من أشكال الرأي العام الافتراضي الذي له قوة خطابية وحوارية وتفاعلية في تأثيث مشاهد المجتمع سواء كان ذلك نابع من وعي عميق بإشكالات الحياة وهمومها أو بدون وعي منا اللهم السير في خلق نقاشات عادية كما يفعل الاخرين.

كان من الضروري كما قلت أن ينشأ رأيا عاما افتراضيا، من خلال تفاعل تلك الشروط والمحددات، يترك تأثيرات كبيرة في الحياة اليومية للإنسان بطريقة شعورية أو لا شعورية وبدون قصد ووعي دقيق بيه، وهذا الظهور الجدير والمهم له جعل من كل شخص في هذه القارة الخضراء يعطي رأيا معين حول قضايا مختلفة ذات أهمية كبيرة جدا في حياتنا الاجتماعية، وفي علاقتها بنا نحن كمواطنين وبالدولة والسلطة التي تعد البناء المؤسساتي الوحيد الذي يمتلك الحق والشرعية في الكثير من الممارسات القانونية والسياسية، ففي ضوء هذا التفاعل المستمر في الفضاء الافتراضي، أصبح في بعض الأحيان كتقليد افتراضي أو إن صح التعبير كثقافة افتراضية يلزم عليا أنا كرائد من رواد هذا الفضاء الافتراضي أن أتفاعل فيه وأنخرط في ذلك المحراب الافتراضي، بمعنى أكثر دقة أن أعلق وأكتب وأدون وأشارك وأجمجم وأنتقد وأصرح في بعض القضايا المجتمعة أصبح أمر ضروري لكل شخص منخرط في هذا الفضاء الشبكاتي الواسع، وفق منطق كوجيتوا التفسبك: أنا أتفسبك إذن أنا موجود، ورغم أنه في بعض الأحيان يكون بغير وعي تام بذلك اللهم أنه يرى الأخرين يتفاعلون في موضوع معين، ثم سرعان ما تجده هو الأخر يدخل غمارها في رحابة واسعة وشاسعة بلهفة جنونية عظيمة كأنه إحساس هيولاني بعالم مملؤوء بالتسلية والامتاح والارتياح النفسي والروحي، فهذا المستوى التفاعلي أصبح كجزء من ثقافة الإنسان في وجوده اليومي الشبكي، وأسميته بالثقافة الافتراضية التي يتشارك فيها أغلبية مزاولي مواقع التواصل الاجتماعي في مناقشة جل المواضيع

المختلفة بدون حسب ولا رقيب، ويتشاركون في قيم ومبادئ ومعايير محددة ينذر لها بالاستمرارية والفناء معا في ظل السيولة المستمرة التي أضحينا نعيشها هنا والان، لدى فأصبح العالم الافتراضي حسب ذلك المنطق، بيت من البيوت الافتراضية، يراها أغلب الناس أنها تجربة منفردة ونوعية تلوح بنا في أفق لامتناهي من الهويات المتعددة، إنه بيت افتراضي منفتح على عادات وتقاليد جديدة لا نهائية عكس البيوت الواقعية المبنية بالطوب والحجر، التي تعصف بعادات رتيبة مغلقة ومحدودة وبقيم مقننة وتوقعات معتادة لا تترك للشخص منطقة من مناطق اللايقين بتعبير ميشيل كروزي لكي يعبر فيها عن حريته وعن ذاته وعن تواجده الحر، بقدر ما هي بيوت واقعية مادية تلزم الشخص بالتقيد بمعايير من أجل الكلام والبوح، ذلك يجعله يجد متسع لانهائي و رحابة واسعة جدا في البيت الافتراضي كي يعبر عن كل أفكاره وتمثلاته نحو الحياة.

ففي ظل هذا البناء المستمر واللامحدود لعقل جمعي افتراضي يمتهن مهنة التدوين المستمر في بعض الأمور الحياتية المتعلقة بالمعيش اليومي، أو إن صح التعبير بلغة ها برماس المتعلقة بالعالم المعيش ككل من اقتصاد وسياسة واجتماع الذين شكلوا رايا عاما افتراضيا له تأثيرا عظيمة، فإنه في الجانب الأخر لم يعد العالم الافتراضي يناقش فقط مسائل الحياة والذات وخلق تفاعلات ايجابية بصددها، بل بقيت بعض المواضيع تدخل رويدا رويدا إلى الفضاء الافتراضي وتتسرب خلسة بعض الأحيان لتخترق روح التفاعلات اليومية والمستمرة لبعض من المنخرطين في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى ظلت مع مرور الوقت هي المواضيع الأكثر رواجا وشهرتا في هذا الفضاء بشكل دائم، وطبيعيا أن يتم التفاعل معها كباقي المواضيع التي كانت أساسية ومهمة في عالمنا الافتراضي، على سبيل المثال فقط لا الحصر، تلك المتعلقة بالكثير من الاحتجاجات المستمرة وببعض الإضرابات التي نظموها الأساتذة أطر الاكاديميات في كفاحهم المستمر نحو تحقيق الكثير من الحقوق العادلة والمشروعة، وقس على ذلك القضايا المتعلقة بمأساة الهجرة والفقر والاقصاء الاجتماعي المستمر والممنهج في واقعنا اليومي من طرف جهات مسؤولة عليه. لدى من بين تلك القضايا السخيفة والتافهة هي تصدر بعض الاشخاص التافهين والرديئين الواجهة العامة

للمجتمع في مواقع التواصل الاجتماعي ككل، ويبقى الحديث والحوار والتفاعل لا يخرج عن نطاقهم الضيق والمحدود والدنيء الذي يؤسس لمسارات تافهة لبعض المتفاعلين فقط في ذات الفضاء الافتراضي في تلك المواضيع بالذات، وهنا لا أعمم هذا الافتراض لأنه هناك من يؤسس لتباعد كبير بينه وبين هذه المواضيع التافهة بل أتحدث فقط على صناع التفاهة. لدى هذا التصدر للوجاهة الأمامية لمثل هؤلاء الأشخاص أو لبعض المواضيع السخيفة والرديئة جعلت جانب من الرأي العام الافتراضي يسير نحو ذلك ويجدر فكرة التفاهة بدون شعور، بالإضافة إلى مساهمته اللاشعورية واللاواعية في بعض الأحيان أو في أحايين كثيرة في تكريس ذلك النوع من الخطاب التافه والرديء وجعله يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار، الشيء الذي أدى بنا نحو التيه والظلال عن القضايا ذات الأهمية القصوى في معيشنا اليومي الواقعي في العالم الافتراضي، وما يجعل هذه القضايا والاهتمامات التافهة سواء كانوا أشخاص تافهين أو مسائل تافهة مرتبطة ببعض المواضيع المريضة والدنيئة، هو ذاك الارتباط المستمر بها لا واعيا، وجعلت قضايا الواقع تتذوق من مرارة العدم والتهميش والنفي، مما جعلنا ذلك نعمق من جرحنا الأصيل من قلق المجتمع واهتماماته وهمومه وريباته، وتنسيانه بكل أساسياته و أولوياته الماتحة من حب وعشق الحياة، ومن حقيقة العيش المشترك لجعل وجودنا اليومي يسير عقلانيا ومنطقيا بعيدا عن هشاشة العيش وصخب وضجيج المعاناة، وسرنا نحو أفق من التيه والظلال والتفاهة لعقل هاوي لمتن القداحة والتسلية الواهية والمزيفة، ويبرز ذلك حينما يتم مناقشتها باستمرار سواء في التعليقات أو في التد وينات أو في بعض الفيديوهات القصيرة، وسبب ذلك هو ذلك الارتباط الميكانيكي بالفضاء الافتراضي الذي لحق بالبعض منا فقط، بمعنى أن أي موضوع سمعنا به سوف نخلق نقاشات فيه، وهذا الشيء أدى إلى حمولة عظمى من التفاعلات أسست لبنية من الأفكار عميقة جدا بقيت متجذرة فقط في الإعلاء من التفاهة وإهمال مختلف القضايا الاخرى الأساسية في حياتنا، وقس على ذلك الكثير من الأمور ذات الأهمية نفسها في محراب واقعنا المستمر، ومن ثمة فإن الإنسان الذي يتفاعل في هذا المجال الافتراضي في جل المواضيع من كل حدب ودب، طبعا بدون تعميم، لا يضع تريث نوعي وذاتي مرتبط به خلال دخوله غمار النقاش والحديث، معتقدا أنه

حينما يكتب أو يدون عن مسألة تافهة مؤيدا لها أو منتقدا إياها يعتقد أنه يقدم الأصوب دائما، وهذا ما يؤسس لا شعوريا لبنية تفاعلية لا تخرج عن هذا التيه في سراديب القضية التافهة، وسرعان ما يفعل الأمر نفسه باقي المتفاعلين في هذا الفضاء المشترك الافتراضي، مما تجد تلك القضية تتصدر الوجاهة باستمرار دون توقف، وتبقى محط الأنظار والنقاشات الدائمة حولها سواء كانت من باب الانتقاد كما قلت من قبل، أو من باب خلق عالم تفاعلي لا يبالي بنوعية المواضيع التي تطرح له في حيزه الشخصي والجمعي من ذات الفضاء نفسه، دون أن يدرك أنه يساهم في رواج مضمون تافه ورديء وظال وسخيف، وفي هذا السياق يحجب عنا هذا المضمون اللاشعوري الذي يخلقه الانسان الافتراضي بعض المسائل والمعضلات ذات أهمية قصوى، سواء التي ترتبط ببعض المفاجئات النادرة في بعض الميادين العلمية من طرف براعيم تخلق المستحيل، أو في بعض الميادين التي ترتبط بقلقنا حولها كالصحة والتعليم والفقر والهشاشة والعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية، وتجد أن جانب من الرأي العام الافتراضي لا يعيرها أهمية بسبب قوة المواضيع التافهة والخسيسة التي انطرحت إلى الوجود الافتراضي وتتسرب بطرق غير مباشرة إلى بنية التفكير للإنسان حتى يبقى حبيسها دوما وأبدا، وهذا الانغماس في هكذا أمور لا يمكن أن نبرر هولها ونقول أنها تأتي فجأة إلى الواجهة، بل هنالك جسور أخرى تساهم في نشرها بقوة سواء أن قصدها لم يسير نحو خلق بنية من التيه والظلال والتفاهة، بل من باب توجيه الرأي العام الى كل المواضيع بكل أنواعها دون تمييز بين الأهم والتافه، وهنا تأتي في المقدمة مؤسسات خفية تتفاعل في هكذا مواضيع في الخفاء وتساهم في نشر المزيد منها حتى يتسنى لجانب من الرأي العام الافتراضي أن لا يتوجه كتابا تجاه قضايا الحياة والوجود وقضايا المصير والانسان، ويبقى حبيس بنية مشوهة من الافكار والآراء التي لا معنى لها في حياتنا الحقيقية.
مما لا شك فيه أن مسألة التفكير في التفاهة وأثرها في تحريف وتشويه مضامين الحياة الجوهرية، ظل من المساءل المهمة والجوهرية التي يقتضي التأمل فيها دوما، عبر تفكيكها واستكشاف عوراتها وضعفها وهشاشتها، لكونها لا تقدم شيء للمجتمع اللهم المزيد من إنتاج التافهين والتافهات، وتسوقوهم نحو التيه والمجهول بدون وعي منهم هاويين للعبة التسلية والامتاح، يعتقدون أنهم يمارسون لعبة الترفيه عن النفس والذات، وغير مدركين تلك التفاهات المستمرة في الواقع والافتراضي، تحجب عنا نيران مرارة الحياة والواقع، وهول الهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي يواجهنا باستمرار وبقوة خارقة جدا من طرق المتحكمين في منافذ القوة والسلطة في المجتمع حسب أهوائهم، وتحجب عنا النقاش والحوار البناء والمستمر في مواضيع الساعة والراهن، التي تعد ذات أهمية وجودية كبرى في حياتنا المعيشية، لكون أن منطق التفاهة يسير في المظهر بشكل عفوي، يعني أنه سرعان ما يظهر حدث ما تافه فجأة حتى تجده يوجه أنظار الرأي العام الافتراضي، وننغمس فيه بدون حس نقدي وبدون قراءة ماورائية له، فإنه بشكل غير مباشر نزيد تكريسا له بقوة في مخيلاتها، ثم مرة أخرى يظهر حدث أخر من نفس الفصيلة، ونتعامل معه بالطريقة ذاتها وهكذا دواليك...، نعتقد كما قلت بأنها أحداث تافهة تظهر فجأة، بل في وجهة نظري، ليس هناك حدث بريء يظهر من تلقاء ذاته، بل ثمة مأسسة له بشكل دقيق جدا سواء بقصد أو بدون قصد، بغية جعل الكل يتجه نحوه، انتقادا أو خطابا أو تعليقا أو إعجابا أو كرها، وهكذا يتم ذلك بشكل مستمر، حتى يتم تكريس ثقافة موحدة في الغالب نجدها تتفاعل فقط مع الأحداث التافهة والخسيسة، والأكثر غرابة بأنه يحدث ذلك أحيانا بدون وعي منهم، أي بدون وعي أنهم يساهمون في نشر ثقافة التفاهة في الافتراضي ويترجم ذلك في الواقعي عبر ممارسات متعددة، وهذا ما يصيب الكثير منا للأسف، هنا ربما في هذا السياق، تم قلب المعادلة في علاقة الواقعي والافتراضي، فإذا كان من قبل الواقعي هو الذي يحدد الإفتراضي من حيث الخطابات والسلوكيات، فالأن أصبح العكس، لم يعد للواقعي قوة التأثير على خطابات الانسان، بل فقط يجب أن تكون ثمة إشارة بسيطة من الواقعي، كحدث ما، فإنه يتحول للافتراضي، ويعطى له هالة عظيمة جدا، ويصبح موضع نقاشات وخطابات وتفاعلات بعض رواد المواقع الاجتماعي، حتى تتشكل ثقافة مؤقتة نوعا ما أو ثقافة تستمر لبعض الأيام، ويتحول هذا النقاش الافتراضي في الحدث التافه، إلى الواقعي لكي يحدد لنا سلوكياتنا وممارساتنا مع الأخرين ويؤثر على طبيعتها ونوعيتها، سواء من خلال منطق أنني فقط ألعب معه أو أمزح معه، من خلال تقليد ذلك الحدث التافه الذي أعطيت له هالة كبرى، مما يصبح كقدوة عظيمة، أقلد ما يقوم به.
طبعا يظل التفكير في مقولة التفاهة ضرورة اجتماعية هامة، لكونها مقولة يمكن أن تختفي التجليات المعبرة عنها في بعض الأحيان حينما تفرضها الضرورة الوجودية والاجتماعية كظهور أزمة معينة تتطلب أناس لهم كفاءات في صالح المجتمع تنذر بطمس هوة التفاهة في لجة العدم. لدى فحينما تتغير الأحداث والوقائع وتظهر للساحة الاجتماعية حالات الاستثناء والشك والريبة، فإنه يتغير معها منطق التفاهة ويضعف إلى أن يختفي عن الأنظار فجأة، لكن هذا الاختفاء أو التستر لا يتولد عبثا، بل يتولد من خلال ظهور حدث كوني أو أزمة كونية كما أشرت سابقا لها تأثير عميق جدا على الكل في المجتمع، وعلى سبيل المثال أزمة فيروس كورونا، الذي ظهر مؤخرا على الساحة الوجودية للعالم، باعتباره وباءا خطيرا وجائحة العصر المعاصر، إنه ساهم فعلا في تحديد خريطة المجتمع الواقعي والافتراضي، في التمييز بين الاهم والمهم والتافه في تداول الأحداث والمواضيع، وطبعا هنا في هذا السياق الدلالي الراهني، اختفى كل ما يتعلق بالتفاهة والخساسة والبلاهة، سواء التافهين أنفسهم أو من يساهمون في صنعها، كل ما لا يقدم نفعا للمجتمع ككل، اختفى كل من كان يتصدر وجهة الاعلام والافتراضي. وما الذي بقي؟، بقي طبعا الوجوه البشوشة المنورة لحياة المجتمع التي تزده بريقا وترياقا نفعيا مستمرا، أو إن صح التعبير، ظهر من لجة العزلة والتهميش، ما هو مهم وأساسي هو الطبيب والاستاذ، لكون أن هذا الأهم والمهم في الأيام العادية كان محجوب عن الأنظار، أي كان مطموس في هوة سحيقة من التهميش، بسبب الواجهة التي كانت معطاة لعشاق التفاهة أو التافهين بحد ذاتهم.
إذن، فمنطق التفاهة كشف زيفه وهشاشته ولايقينيته في التواجد الراهني مع هذا الوباء الكوني الذي كشف لنا حقيقة التمييز بين الكثير من السرديات المتداولة في حياتنا، لكن ما هو أخطر في منطق التفاهة الخفي حينما يوجه جانب من الرأي العام الافتراضي نحو نوع من الخطابات الرديئة والبغيضة.

هاهنا يتضح إذن أن الإنتصار للجدي وللمهم هو الذي سوف يستمر ويبقى له أثر نفعي على المجتمع ككل، أما الإنتصار للتافه والرديء فإنه سوف يسوقنا لا محالة نحو الهاوية والمجهول وانسداد الأفق، وحتما فإنه ينذر له بالفناء والموت، هذا إن تعلمنا الدرس الراهني والكوني من هذه الجائحة التي لا تبقي ولا تذر، التي طبعا أعادت ترتيب أساسياتنا وأولوياتنا وحقولنا التي تلوح في أفق المنفعة العامة للمجتمع. إنها لحظة عصيبة و درسا قاسيا يتطلب أن نتعلمه من هذه الآنية الراهنية التي أصابتنا، لكن شتانا وذلك الدرس أن يستمر، ربما ثمة عوائق تحول دون تعلم ذلك الدرس بشكل مستمر واقعيا وليس فقط تصوريا ونظريا، عوائق ربما هي بنيوية عميقة جدا يصعب التخلص منها في فترة وجيزة، لكن هذا لا يخنق ويقلص أمالنا في استثمار هذا الدرس الراهني مستقبلا في إعادة بناء خريطة حياتنا المجتمعية عامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.