مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    جماعة طنجة تصادق على ميزانية 2025 بقيمة تفوق 1،16 مليار درهم    المغرب يعتبر نفسه غير معني بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري        إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    أساتذة كليات الطب: تقليص مدة التكوين لا يبرر المقاطعة و الطلبة مدعوون لمراجعة موقفهم    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    ابتدائية تطوان تصدر حكمها في حق مواطنة جزائرية حرضت على الهجرة    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزيز باكوش في حوار حصري مع هبة بريس
نشر في تازة اليوم وغدا يوم 15 - 08 - 2012


http://www.hibapress.com/details-28756.html

رشيد أكشار:هبة بريس
حاوره: رشيد أكشار
المقدمة:
في إطار تواصل هبة بريس مع كافة الفاعلين و الفعاليات المغربية بمختلف مشاربها و من مختلف التخصصات تنويرا للرأي العام و تجسيدا للدور المنوط بالصحافة الوطنية، نحط الرحال اليوم على أعتاب قلم مغربي تربوي إعلامي ناقد، سطر عشرات المقالات التي اختزلت المشهد الإعلامي و التربوي بالمغرب على مدى العقدين الأخيرين.
يتعلق الأمر بالأستاذ عزيز باكوش الإعلامي المعروف صاحب مئات المقالات النقدية و الجريئة، سواء من خلال عمله كمراسل لجريدة الإتحاد الإشتراكي و غيرها من الجرائد الوطنية الأسبوعية أو من خلال تدويناته التي يتابعها جمهوره بموقع الحوار المتمدن أو من خلال إدارته لجريدته الالكترونية تازة اليوم، و الذي يعمل حاليا كمكلف بالإعلام و الاتصال بالأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين بجهة فاس بولمان.
هبة بريس حاورت الزميل عزيز باكوش حول الوضع الإعلامي و التربوي ببلادنا فكان النتاج معلومات قيمة سنعرضها على قرائنا الكرام على جزئين فيما يتعلق بالإعلام المغربي مع وفود العنصر الرقمي عليه، و الجزء الآخر المتعلق بالوضع التربوي في ظل حكومة جديدة و منهجية جديدة في الحكم و قرارات وزارية تعليمية غير مسبوقة و مثيرة للجدل.
======================
1- بداية نود أن يضعنا الناقد عزيز باكوش في الإطار الصحيح للوضع الإعلامي الحالي بالمغرب مع وفود عنصر جديد و هو الصحافة الإلكترونية؟
بداية لا يزعم عزيز باكوش أنه يستطيع ذلك على وجه الدقة، لكن دعنا نتساءل سويا الزميل رشيد ما الإضافة النوعية التي وسم بها الإعلام الرقمي مشهدنا الثقافي على نحو عام و الإعلامي منه على نحو خاص، قبل أن نخوض في تفاصيل أخرى تتعلق بالوضع الإعلامي الحالي بالمغرب .
صحيح أن ثمة تدفقا كبيرا في الأسماء والعناوين والنطاقات بحيث أصبحت العديد من القرى النائية والهوامش والأحواز تحمل اسم موقع الكتروني ينافس كبريات المواقع الإخبارية على الأرض وعلى الهواء، كما أن هناك حركية ما غير معهودة على مستوى اقتناص تداول المعلومة وتداولها وبثّها على نطاقات بلا أمداء في سماوات الله المفتوحة في اللحظة والحين ، ولكن يجدر التساؤل لحظة حول عنصر المصداقية والموضوعية في هذا السباق المحموم كله، وعن درجة الجدِّية والتفاعلية الحقيقية في خدمة قضايا المجتمع وتنويره بدل استغلال هامش الحرية الممنوح عولميا لإنتاج وصناعة العبث، وأحيانا لبث التشكيك ونشر التضليل وخلق الفجوات المخدومة لأغراض وحسابات ضيقة وعلى نطاق واسع.
وارتباطا بالوضع الإعلامي الحالي بالوطن وعلى ضوء المستجدات الدستورية أكاد أزعم أن حرية الرأي والتعبير ومطية الحصول على المعلومة كهدف أسمى بالنسبة للصحفي ورجل الإعلام بشكل عام، أكان الصحفي رقميا أو ورقيا رغم إقرارها دستوريا هي في الواقع مقولة ما يزال يشوبها الكثير من الغموض والالتباس لأسباب يطول المقام لشرحها ، إذن الأمر هنا لا يتعلق بغياب قانون واضح بل في تنزيله بوضوح على الأرض حيث تبدو المقاربة الرسمية خجولة ومحتشمة جدا فيما يتعلق بتفعيل حقيقي للبنود المنصوص عليها في المجال الرقمي وكذا شبهة التحرر المغرر بها بالنظر إلى المنطق التفاؤلي للخطاب الرسمي وادعاءاته ، لكن وبالنظر إلى طبيعة الوضع الجديد المتمثل في وفود الصحافة الالكترونية فأزعم أن خلخلة ما حدثت على مستوى المعلومة وخلقت توازنات ما جاري التحليل والنقاش بشأن إفرازاتها الآنية والمستقبلية ، مع حرصنا الشديد على أن أمر تقييم التجربة يحتاج إلى منهجية علمية ومقاربة متخصصة لتعزيز هذا الطرح بهدف الوصول إلى استنتاجات حقيقية نابعة من مقاربة علمية متزنة للحقائق والأشياء.
ولعل ندرة بل غياب الدراسات الميدانية المعززة بالأرقام والمعطيات المبنية على الاستطلاعات وإبداء الرأي حول جدية المنحى التحريري لكل منبر إعلامي إلكتروني هو ما يخلق هامشا من التردد والانتظارية، فالمعطيات الحقيقية تكاد تكون منعدمة باستثناء ما توفره لنا محركات البحث من كوكل وأليكسا وأمازون وغيرها من آليات إحصاء نسب التداول غير القارة والمتحركة باستمرار عبر محركات البحث العالمية وهو ما يطرح أمامنا أسئلة كبرى بخصوص الاستراتيجية الإعلامية المواكبة لاستشراف التحديات المطروحة عولميا بالنسبة للإعلام الوطني بشقيه الورقي والالكتروني.
ولعل أبرز تحد يواجهنا بهذا الخصوص هو السبق الإعلامي الإلكتروني كميزة تسم هذا الصنف التواصلي بامتياز. خاصة الجانب المتعلق بنشر المادة الخبرية صوتا وصورة في وقت قياسي والتفاعل معها إيجابيا من طرف الرأي العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكذا تداعيات هذا التفاعل على الصحافة الورقية بعد 72 ساعة من تداوله رقميا سواء تلك الأخبار المتعلقة بتململات المشهد السياسي الوطني أو بما يتعلق بالنبش في الملفات المسكوت عنها والقضايا الساكنة خلف التجاويف المجتمعية والالتباسات الكبرى ذات الصلة بسوء تدبير آليات الاقتصاد الوطني والإفساد الاجتماعي في قنواته الى غير ذلك.
ولابد من التأكيد في هذا الصدد أن نسبة كبيرة من الأخبار الصادمة التي تشكل انفرادا إلكترونيا سبقيا بالنسبة لكبريات المشهد الرقمي الوطني سرعان ما يتم تكذيبها عن طريق بيات توضيحية رسمية ، ما يفيد التجاوب المرغوب فيه من ناحية ، ويرسخ ثقافة تكريس منطق التحري الشخصي المشروع في نطاق البحث عن المعلومة كإشاعة على خلفية انعدام تسهيل معطياتها رسميا ما يحيل إلى مجرد عملية دعائية مجانية لهذا المنبر أو ذاك من ناحية ثانية ، ومع ذلك ، يمكن القول بقليل افتخار أنه من أصل 500 منبر الكتروني في سوق التداول على المستوى الوطني بالنسبة لمحرك البحث العالمي أليكسا نجد منابر مغربية إلكترونية في الطليعة ليست قديمة المنشأ، وبلا رديف ورقي من حيث تحتل هسبريس مثلا المرتبة 5 وهبة بريس 12 إضافة إلى بضعة منابر الكترونية وطنية المنشأ ذات سمعة تداولية لابأس بها.وهي مواقع كان يجدر بجرائد ورقية قديمة ولها رديف الكتروني أن تحتلها.
والمحصلة، وبالنظر إلى حجم ما هو متداول من أسماء المنابر الالكترونية المعروفة والمتناسلة يوما بعد يوم بل ساعة بعد أخرى ، يمكن الجزم أن هناك تدفقا غير مسبوق على مستوى نقل الخبر وتخمة فيما يتعلق بتعدد مصادر المعلومة وصناعتها، لكن تقييما حقيقيا لقياس مدى تفاعلها مع القراء والواقع المجتمعي يقتضي الدراسة والتحليل العلميين من هنا تحديدا تنبع الإشكالية التي تجعل من كل مقاربة للوضع الإعلامي الوطني في شقيه الورقي والرقمي يعرف ارتباكا إيجابيا على نحو ما ، فعدد العناوين الصادرة بانتظام او بغيره في تنام ملحوظ ، لكنه في تقديرنا قد لا يعكس بالضرورة حركية معلوماتية جادة وموضوعاتية في ارتباط التحامي بقضايا الشعب وانتظاراته ما يكرس إبداء الرأي كانطباع ليس إلا .
2- من خلال ممارستكم الصحفية، سواء بمقالاتكم في “الحوارالمتمدن” أو بموقعكم الجديد “تازة اليوم” أو من خلال الصحافة الورقية، هل تؤيدون رؤية: (اتجاه الصحافة الرقمية لإلغاء الصحافة الورقية)؟
أعتقد أن الكثير من المداد سال حول هذه المقاربة الكيدية إن صح التعبير وأن الجدل سيستمر بشأن هذا التساؤل الجوهري طويلا قبل أن يستثب ، لكن واقع الأمر يعكس تفاعلا إيجابيا بين الحقلين ويسجل تأثيرا واضحا وتأثرا حقيقيا بين المجالين . لكن من المفيد القول هنا أن كل كتابة رقمية لابد أن تتم بخلفية ورقية إما نفيا أوتأكيدا كما أن استحضار المعطى الرقمي يشكل أولوية أثناء التحرير الورقي ما يفيد التكامل الموضوعي بين الحقلين ارتباطا بالتموج المجتمعي في الداخل والخارج.
لكن ورغم هذا الشد والجذب بين الورقي والإلكتروني الذي يبقي الأنظمة المتخلفة “العربية والإسلامية” خارج سياق تشكيل مصير العالم على مستوى صناعة حرية الرأي وتكريس منطق التعبيرالحر ، فإن آليات التكنولوجيا الرقمية في ذات المجال تشتغل بتواتر فائق السرعة حوالي 3200 اختراعا رقميا في اليوم والتطور المتسارع في وسائل الإعلام ينمو ويطرد بعيدا عن وجع حكامنا العرب البائدين الراغبين في بقاء الحال كما كان ، الأمر الذي يتيح أمام الصحفي الإلكتروني دون غيره فرصا حقيقية لممارسة شغبه الجميل بالكتابة والتنوير حتى تظل ذاكرة المجتمع يقظة وذاكرة حكامه لا تنام . لقد استطاعت التيكنولوجيا الرقمية دونما أدنى شك التغلب على هذه الأزمة المفتعلة بشكل لم يكن يخطر على
بال أي من العاملين في هذا المجال ، بل من الأنظمة العربية الحاكمة نفسها. على العكس من ذلك ، حيث يمكن تأكيد الموت السريري للعديد من الجرائد الورقية قبل وفود العنصر الجديد الالكتروني ، لكنها ماتزال حاضرة ،لأن ما يحدد الموت هو التنافس الشريف وليس التداعي بالألقاب.
صحيح أن ثمة مؤسسات صحافية ورقية عالمية تأثرت بفعل النشاط المحموم للتدوين الالكتروني ، مما أثر سلبا على تداولها في بورصة المال والأعمال ، ما قلص أيضا من معاملاتها وهامش ربحها كمقاولة تجارية بالأساس مما جعلها تقلص مواردها البشرية وتتخلى عن العديد من الصحفيين الذين سرعان ما أسسوا مواقعهم و انصهروا بحرفية عالية في صناعة الخبر بكيفية اكثر احترافية وجاذبية وهذا هو الجانب المظلم في كافة التحاليل والمقاربات المعطوبة التي ترد علينا ونتقبلها بواقعية . لماذا هذه الضجة إذن ولا طحين؟ الجواب بسيط جدا ، هو أن القادم إلى الصحافة الرقمية في العالم الغربي ليس متطفلا كما يحدث عندنا في العالم العربي ، فغالبا ما يكون الصحفي الغربي كائنا كفؤا مقتدرا يمتلك رصيدا حقيقيا من المعارف والخبرات كما يستند إلى تكوين حقيقي في مجال الصحافة والإعلام معزز بشواهد ودبلومات حقيقية ، وهو قطعا لا يكون جزارا تاجرا أوعاطلا أو مستثمرا فاشلا في قطاع البناء حتى يفد إلى مهنة الصحافة،كما هو الأمر عندنا اليوم ، حيث الحصول على رخصة بائع متجول أصعب من الحصول على بطاقة صحافي ، وإن حصل ذلك صدفة في الغرب من باب الديمقراطية في الولوج ، فسرعان ما يقذف به الرأي العام المتنور الى مزبلة الصحافة ويندم على اليوم الذي اختار فيه أن ينتسب الى مهنة المتاعب بامتياز.
ثمة إسقاطات عديدة تصدمنا كمغاربة وعرب ونحن نقارب هذا المجال من بينها السماح لأنفسنا بوضع الصحفي الغربي كمؤشر قوي والصحافة الغربية بمقوماتها الديمقراطية العصرية والحداثية في كفة واحدة مع الصحفي العربي بموانعه ومحظوراته السرية والمعلنة وبمكبوتاته ومنظومته المجتمعية الموسومة بالكبت والاحتقان ، والتغاضي بدافع كبرياء مزعومة على السماح بتنصيب الصحافة في الشمال والجنوب على درجة واحدة من الكفاءة والاقتدار رغم وجود هوة عميقة بين العنصرين غير قابل للتجسير. في غالب الأحيان سواء على مستوى التكوين والخبرة أو على درجة التعاطي مع الشأن المجتمعي على خلفية النزاهة والموضوعية .
ولكيلا نسقط في التعميم اللامنصف نجزم أن الكتابة الصحفية الإلكترونية بخلفية مهنية حقيقية تقدم فائدة كبيرة لمن يقدم على إنشاء موقع الكتروني فالمهم ليس هذا التصنيف القدحي صحفي إلكتروني وصحفي ورقي ، المهم الآن هو البحث عن الصحفي كمعدن خام أولا ، ثم بعد ذلك نتساءل هل نصب هذا الخام السائل في قالب الكتروني أم ورقي ، لأن امتلاك الأسس التقنية للكتابة الصحفية في تقديرنا لا
تقتصر على أحد دون الآخر ، ولا يعقل أن يتقمص أحدهم هذه الصفة من غير أن يكون قد تصفح قانون الصحافة والنشر بالمغرب ، أو يكون له اطلاع على مجمل التقارير السنوية التي تنشرها النقابة الوطنية للصحافة المغربية مثلا ، كما أنها من ناحية ثانية تمكن الصحفي عموما والإلكتروني على نحو خاص من أساليب التفاعل المهني على مستوى الكتابة واللعب بالكلمات وتوظيف التقنيات لخلق ملامح تحفيزية تخلق لدى القارئ البصري عوامل الاثارة والتشويق وإحداث مسارات خبرية متعددة داخل المادة الخبرية المقدمة التي تعمل على تجييش وجدان المتلقي وتجعله يراهن على تورطه في فعل التصديق للنص الخبري الكثيف والمركز .
لكن عندما نقرأ عبارة منمقة ونحن في شهر غشت من سنة 2012 دبجت بمناسبة تأسيس موقع إلكتروني على الشبكة قال عنه مؤسسه من دون أن يرف له جفن ” أول موقع الكتروني مغربي يحدث على مدار الساعة ؟؟؟ فتلك هي الفظاعة ؟؟ لنتصور حجم الصفاقة التي تسم هذا الطرح الإعلاني الفج العديم المصداقية من أول وهلة ، فكيف تصدق خبرا ينشره الموقع ، والحال أنه دشن عهده بالكذب ، حيث بدى ليس صادقا حتى مع نفسه ، لذلك كله أعتقد أن الأمر تأثير وتأثر ولكل صحافة ميزتها وقدرتها على التحمل والبقاء.
3- من خلال متابعاتكم للمواقع الإخبارية المغربية، هل من صفة(ات) تميزها عن نظيراتها العربية كما و كيفا؟ و هل باتت تشكل فعلا تجسيدا لحرية الصحافة بالمغرب؟
من شبه المحقق أن الصحافة الالكترونية بالمغرب خلال الأربع سنوات الأخيرة متفوقة على نظيراتها الورقية الى درجة لا تقبل الشك ، لتظل وسيطا إعلاميا مكملا لكن بتحديات ورهانات مفتوحة تحتاج إلى دفتر تحملات ملزم ، ولأن تنظيم وهيكلة مختلف أشكال التواصل يقي من الوقوع في انزلاقات فإن تقنين القطاع وهيكلته بمقاربة تشاركية يبقى المعبر السليم لبناء طريق معلوماتي سيار بروافد إعلامية تجعل نصب أعينها تنويع الوعي المجتمعي وإيقاظه على إيقاع مستقبلي منفتح ومتفاعل بحداثة وموضوعية.
لقد بات مؤكدا اليوم أن الصحافة الإلكترونية كسلطة رابعة أمس و اليوم وغدا تقوم بدور أساسي في خلخلة الوعي السياسي لدى كافة الشعوب، خاصة المقهورة منها ، كما تحدث تغييرات ملحوظة وملموسة في ذات الصحفي وذات القارئ إن على مستوى صياغة الخبر و معالجته ارتباطا بمصادر متعددة المسارات والأمزجة بالسرعة والفورية اللازمتين وبالجرأة المحسوبة والممنهجة أحيانا وحتى عندما أطلق على الصحافة لقب “السلطة الرابعة” فقد تم وضعها في وضع المساواة ” أفقيا “مع كل من السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، رغم أنها “عموديا ” لا تقوم بأي دور من الأدوار الثلاثة، حيث يقتصر دورها على مبدإ الرقابة بالإضافة إلى تنمية الوعي لدى الناس بأمور حياتهم المختلفة والمتعددة بكافة مستوياتها الواقعية وانتظاراتها المستقبلية ثقافيا واجتماعيا حيث السياسة لا تبدو جزءاً أساسياً من هذه التجليات “
ما من شك أيضا في أن الصحافة الإلكترونية بالمغرب استطاعت أن تحدث انقلاباً ليس فقط في نوعية فهمنا للخبر الصحفي فحسب ، بل في سرعة تناقل الخبر، و أيضاً في صياغته وشكله وطريقة تحريره من خلال التركيز والاختصار وهما في تقديرنا السمة المميزة للخبر على الإنترنت. على أن هذا التفاعل الإيجابي مع القارئ الافتراضي ، يعد من أهم سمات الصحفي الذي يعمل على الإنترنت، حيث يكون على استعداد لتلقي أية رسائل تحمل آراء مضادة لما كتب بل وتهاجمه،في غالب الأحيان بوقاحة ، وعليه أن لا يكتفي بتحمل القاسي منها والجارح بصدر رحب، بل عليه أن ينشره للرأي العام أيضا .
وانطلاقا من عملية جرد واسعة ومتابعة شبه دقيقة للشأن الصحفي عربيا عموما يمكن القول أن الحكومات العربية من أدهى شعوب العالم فيما يتعلق بالحفاظ على المكتسبات السياسية التي تراها ضامنة لاستمرارها وبقائها ، فهي تلعب دائماً لعبة الجذب والشد مع رجال الإعلام وعموم الصحفيين، فأحياناً ترخي لهم الحبل ليكتبوا ما يريدون وينتقدون دون أية خطوط حمراء أو خضراء، وخاصة مع الصحف الخاصة والمستقلة ، ثم تتراجع مرة واحدة لتشد هذا الحبل مرة أخرى متوعدة ومهددة بأن القوانين لا تسمح بمثل هذا التجاوز وأنه بموجب القانون الجنائي وليس قانون الصحافة ، يمكن أن يسجن أي صحفي تجاوز الخط المرسوم أو تطاول بما لا يخدم النظام ويؤيده ، وهو ما يحيلنا كصحافيين التأكيد من هذا المنبر على ضرورة التعجيل بتطوير القوانين وتعديلها مع ما ينسجم وانتظارات الربيع العربي التي لابد أن تعدل قبل أن تنطلق الأقلام الصحفية في حرية وتكتب وتقول ما تريد” طبعا في حدود الثوابت والمسؤولية.
وبقليل من التفاؤل يمكن القول أن الحديث عن تناسل المواقع وتعددها سواء داخل المغرب أوفي معظم الدول العربية لا يحيل بالضرورة سوى على هامش الحرية المتاح في البلد الوطن، ولنا في القنوات التلفزية الوطنية خير دليل على المفرد بصيغة الجمع أو الجمع المتفرد، فالقنوات التلفزية الوطنية الثمانية ماهي في حقيقتها إلا معزوفة رتيبة لطبق رسمي بلا نكهة ولا طعم لكن برائحة.
لكن على مستوى هامش الحرية في التعاطي مع الخبر على المستوى الالكتروني أو الورقي بالمغرب فالأمر يعني شيئا مختلفا تماما في تطوره ونزوعه نحو التحرر والمواكبة وهذا بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء.
4- تساءلتم في مقال لكم عن ماهية الصحفي الإلكتروني، و قدمتم عدة تصورات لهذا الكائن الجديد، هلا اختصرتم لنا وصفا دقيقا لمن هو الصحافي الإلكتروني؟
أجل ، انتفضت قبل أسابيع بحضور طلبة مسلك الإعلام والاتصال بجامعة سيدي محمد بنعبدالله خلال ندوة الصحافة الالكترونية التي نشط فقراتها الزميل أنور لكحل رئيس جمعية الاعلاميين الشباب بفاس ، وتساءلت بغضب ، والسؤال هنا هو جوهر القضية ، وقلت هل كل من يتقن النقر على مفتاح الحاسوب بسلاسة وانسيابية وينسج أفكارا ومشاعر إنسانية يمكن اعتباره كاتبا صحفيا الكترونيا ؟ وتساءلت كذلك باستغراب وأنا ألحظ إسناد الألقاب الصحفية بدون وازع ، هل كل من يتصفح المواقع الإخبارية بشغف يومي بتعدد ألوانها وفضاءاتها وأشكالها وأحجامها صحفيا الكترونيا و يهتم بما دبجته أقلام الصحفيين وما نشرته الصحف بأجناسها وتلاوينها السياسية والإيديولوجية هنا وهناك بهذه اللغة او تلك عن هذا القطاع او ذاك في هذا المجال أوذاك من غير أن ينتج تحقيقا صحفيا واحدا يمكن اعتباره صحفي؟ وأضفت قائلا ما مدى صحة أن كل من اهتم بتفاصيل قضية مجتمعية ما في حياته ومحيطه راقته وأراد أن يقدمها إلى نطاقه الافتراضي من الزملاء هو بالضرورة صحفي الكتروني ؟ ثم هل يمكن وصف مبدع يشرف على مدونة يسجل فيها همومه ومشاكله ويرصد فيها أحداث الذات والمجتمع والحياة من حوله دائم الولوج إليها ومتابعة ما يصل علبته بدأب ومثابرة بصحفي إلكتروني؟
وأخيرا هل كل من كتب بضع مقالات نشرها بذات الصفة والعنوان في بعض المواقع الالكترونية قديمة أو حديثة المنشأ ، بنفس الصيغة والعنوان ، يعتبر نفسه صحفيا الكترونيا ؟ ثم هل كل مدونة أو منتدى او موقع الكتروني بفضاء جذاب هو جريدة الكترونية ومحررها صحفي إلكتروني ؟
وخلصت إلى أن الصحفي الالكتروني قد يكون هو هذه الاشياء مجتمعة ، وقد تشكل هذه الاقتراحات جميعها مجرد مدخل ملائم في أفق الإمساك بالخيط الناظم للمشروع الصحفي عموما والإلكتروني على وجه الخصوص ، وبالتالي تعبيد الطريق نحو الصحافة الالكترونية بمعنى ما وسياق ما.
لكن للوصول إلى هذا الهدف وتحقيق الذات ضمن هذا الأفق ، أي لكي تكون صحفيا الكترونيا أومديرا أو مشرفا على منبر إعلامي تواصلي في سماوات الله المفتوحة لابد أولا وقبل كل شيء من وجود دفتر تحملات بين الذات وبين عالم افتراضي حقيقي موضوعي متشابك معقد وكاشف في آن ، رغم الفراغ القانوني الحاصل اليوم ، كما أن تراكم التجربة وترصيد الخبرات والمثابرة في إنتاج المادة الخبرية بأجناسها الصحفية الحقيقية مع هضم قانون النشر والصحافة بالبلد معبر أساسي يعبد الطريق نحو أفق في الكتابة الصحفية أرحب من ذي قبل ، لان المواظبة على نشر أخبار حوادث السير المريعة وأخبار الانتحارات …لم يسبق أن صنعت صحفيا حقيقيا.
لكن بالمقابل نجد أن الحركية الرقمية ذاتها أفرزت جيلا من الشباب المتحفز وأعطتهم الفرصة للتواصل والتعبير عن أنفسهم والتعليق على الأحداث بلغتهم السهلة السريعة، والتقنيات اللازمة، فجعلت الشباب ليس فقط متابعاً بل مفكراً ثم مشاركاً في الأحداث من حوله. هناك أمر غاية في الأهمية كشفت عنه منظومة التواصل المجتمعي المنتشرة في سماوات الله المفتوحة ،هو أن الإنترنت خلقت اليوم جيلا من الشباب ليس ساذجاً بمعنى ما، أو متخلفاً عن الأجيال السابقة ، بل هو رعيل حداثي متوثب يريد تحقيق فرصة إثبات ذاته والتعبير عنها بحرية وبلا قيود ، هو إذن جيل واع متحمس على مستوى عال من الجرأة التي تبهر المحيطين به من المهتمين والباحثين الذي لا يمتلكون سوى دعمه بغير قليل من التحفظات . لقد اكتشفنا عبر النت محللين سياسيين شباب و كتاب مقالات ومعلقين على الأحداث الجارية، لم تكن ستتاح لهم الفرصة أن يظهروا لولا هذه الفسحة الرقمية ، لقد كان عليهم أن ينتظروا دورهم كالعادة من أجل الحصول على فرصة، إلى أن تتعرض عقولهم للصدأ.
لقد استطاعت الصحافة الإلكترونية بدون شك أن تخلق جيلاً من الصحفيين الهواة أو المتطوعين الذين ينقلون الأخبار ويصورونها وينشرونها في الحين واللحظة ومن موقع حدوثها ، وهم صحفيون بالهواية ، ليسوا محترفين وليس لهم علاقة بالصحافة بشكل مباشر، ولكن لديهم الهواية والرغبة في نقل وقائع قد تغيب عن الناس أو يجهلونها . إن هذه المواقع الإلكترونية أحدثت بدون شك بلبلة للعديد من الصحف العتيقة والرائدة بنشرها وقائع لا يريد أحد نشرها، وفضحت أخبارا لبعض الأجهزة الحكومية التي ظلت على الدوام تريد إخفاء معلومات بعينها عن الناس، قامت هذه المواقع بنشرها بالصور التي لا تكذب دائماً وأماطت اللثام عن حقائق كانت سببا في ربك المؤسسات وصدم العديد من المسؤولين الراسخين.
5- تحدثم عن القرصنة الصحفية الورقية بشكل شديد جدا في مقال سابق لكم، لكنكم بالمقابل اعتبرتم القرصنة الإلكترونية مرفوعا عنها القلم سوسيو ثقافيا لعدة اعتبارات، ما هي هذه الاعتبارات؟
القرصنة عمل خبيث بكل المقاييس، وهناك نصوص قانونية تعاقب على فعله في جميع الدول التي حباها الله بالدمقراطية. وقد سبقت الإشارة كما تفضلت زميلي رشيد الى ذلك في حوار منشور ورقيا والكترونيا ، وقلت بقليل حرص أن القرصنة الإلكترونية مرفوع عنها القلم لأسباب قدرت أنها سوسيو ثقافية يمكن أن أجملها الآن وبعد مضي بضع سنوات على هذا التصريح في أمرين : الأول حداثة سن التدوين والتصحيف الإلكتروني بالمغرب ولوجود فراغ قانوني ينظم ويملأ الثغرات من جهة ثانية . مما يجعل التدوين الالكتروني خارج نطاق السيطرة ولازلت أعتقد أن ذلك جار به العمل اليوم لنفس الأسباب ، لأن الحديث بالعموميات في نظري دون الخوض في التفاصيل يفسح المجال واسعا أمام اللبس وتكييف الأقوال والالتباسات ، لذلك نؤكد ونحرص على أن واقع حوالي 400 موقع إخباري منسوب للصحافة الإلكترونية المغربية حسب إحصاء رسمي غير مطابق للواقع اليوم يحتاج إلى مسافة كبيرة للتأمل والسؤال ، فهي مبدئيا لا تختلف عن الصحافة الورقية من حيث المقاربة المهنية والأخلاقية ثم أن ممارساتها في سماوات الله المفتوحة تكشف عن تجليات وإفرازات ترتبط أساسا بأخلاقيات المهنة، فهناك القرصنة وعدم احترام الملكية الفكرية هناك إشكالية الميلاد وسمفونية تعزفها الكثير من المواقع بتفاهة إعلامية قل نظيرها ولعل حكاية أول موقع الكتروني يتجدد على مدار الساعة أكبر نموذج صارخ للعبث الإلكتروني المغربي والحال أن الموقع لم يتم تأسيسه إلا مع بداية الألفية الثالثة ” لكن مع ذلك يمكن القول بغير قليل تحفظ أن أزيد من 400 موقع إلكتروني ذو طبيعة إخبارية اليوم يشتغل بكفاءة تقنية عالية وبقدرات ذاتية تحتاج الى مواكبة ودعم.
6- “الصحافة المغربية عموما ، في مجملها غرقت في السياسوية و تصفية الحسابات و الدعاية ولو بطريقة لا شعورية” كان هذا هو جواب محمد نبيل مراسل قناة روسيا اليوم في حواركم معه جوابا عن سؤالكم : هل تنضج الصحافة المغربية بما يكفي؟. ماذا لو وجه نفس السؤال لعزيز باكوش؟
نعم صحيح إلى حد بعيد ، ويمكن في هذا الصدد إعادة طرح مفهوم الاستقلالية في المجال الصحفي ولو بكيفية مغايرة ، فالاستقلالية كيف وعن من ؟ نحن لم نتخلص بعد من أحادية هذا الطرح الكلاسيكي الملغوم ، والذي يذهب بنا توا إلى أن الاستقلالية لكي تتحقق لا بد أن تكون عن الأحزاب ، أما دون ذلك ، فهي استقلالية مشروعة ومقبولة . من هنا لابد أن ننجز المطلوب ونصحح هذا الفهم المعطوب للاستقلالية
الصحيفة الحزبية وجدت لهذا الغرض ، وجدت للسياسوية ولتصفية الحسابات مع الخصوم والدعاية الحزبية بكيفية شعورية ، هذا منطق السياسة ، فلكل حزب جريدة ولسان حال يبسط من خلالها برامجه واديولوجيته بشكل ينسجم كليا او جزئيا مع تطلعات مناضليه ، هذا شأن سياسي عالمي ، أما التفاصيل الأخرى الناتجة عن دواليب السياسة فيفهمها الجميع ، لكن هل تموت الاستقلالية بمجرد الانتماء للحزب هذا الكائن المعنوي المسجل رسميا والمعترف به قانونيا لا وألف لا ، إذ يمكن للصحيفة التي تدعي الاستقلالية أن تنتمي لرأسمال وهو أخطر حزب سياسي على الاطلاق ، فعندما تكرس جريدة مستقلة عن أي حزب مجمل صفحاتها للتغني بإنجازات الباطرون المقاولة المؤسس الحقيقي لروجانها والضامن الحقيقي لاستمرارها ، ألا يعتبر ذلك سياسوية ودعاية مجانية وتصفية حسابات مع الأحزاب الديمقراطية التي تناهض الفساء وترصيد الأموال واحتكار المشاريع الكبرى ؟
7 - قبل 3 سنوات تحدثتم عن البرامج التلفزية الكوميدية الرمضانية بنوع من التنقيص من قدرها و قيمتها، ما الذي استجد في هذه البرامج الموسمية حاليا، و ما هي اقتراحاتكم كمواد إعلامية هادفة تناسب هذا الشهر الكريم؟
أعتقد أنني ساهمت بأكثر من ألف مقال تأملي حول المشهد الإعلامي المغربي بداية من سنة 1984 كما أن جميع المقالات موثقة تم نشرها بالملحق الإعلامي الذي كان يشرف عليه الإعلامي والصحفي عبد الكريم الامراني بجريدة الاتحاد الاشتراكي وما تزال هذه المساهمات مستمرة إلى اليوم ضمن ملحق فنون وإعلام الذي يشرف على إعداده أسبوعيا وبإخراج جميل جدا الزميل جمال الملحاني بنفس الجريدة من غير أن يتطور الإعلام بهذا البلد إلى الصورة التي يأملها المغاربة حيث تعبر عن طموحاتهم في التنوير والتثقيف والترفيه . والحقيقة ، أن ما يقدم في وقت الذروة بتزامن مع الإفطار في الشهر الفضيل على مدى عقود مجرد خزعبلات وهرطقات كلامية لا يليق بالمغاربة سماعها ولا يستحقون هذا الجزاء من ناحية كما أنه لا يحتاج إلى تنقيص أو تقليل من الأهمية ، إذ هو التنقيص ذاته والتقليل من أهمية الذات بشكل لم يسبق له مثيل .
لنعد الى السؤال الجوهر: لماذا الكوميديا الفجة بتزامن مع الإفطار؟ ولماذا أسماء وتجارب مفلوجة أثبت واقع الحال أنها لا تنتج سوى العبث ؟ الجواب بسيط جدا هو سيادة تكريس ثقافة ما يبدو والله أعلم أنها الضامن الوحيد لاستمرار الحال على حاله ، لنقل صراحة أننا مثلما نقدم حريرة رمضان يوميا للفقراء والمساكين نقدم بضعة ملايين لبضعة فنانين أوما شابههم على غرار حريرة رمضان , لنقل للمغاربة بلغة واضحة أن الأمر لا يتعلق باستراتيجية حقيقية للتنوير بقدر ما يتعلق الأمر باستراتيجية واضحة “للتضبيع” والتبضيع إذا جاز الاستلهام والتعبير ، وكم وددت أن أقارب الموضوع على النحو الآتي :
يقوم التلفزيون المغربي بمناسبة شهر رمضان المبارك٬ بتوزيع حوالي 300 منحة دعم طيلة هذا الشهر المبارك، لفائدة الفنانين المفلسين وبعض الأشخاص المعوزين فنيا والمشتبه في قدراتهم الفنية والإبداعية بعدة مدن مغربية ، وذلك على غرار عملية الإفطار الجماعية لفائدة الأشخاص المعوزين التي يقوم بها القصر الملكي كل رمضان بعدة مدن مغربية ، وتتوزع منح الدعم لهذه السنة و المخصصة لبعض الفنانين وأشباه الفنانين المشتبه بارتباطهم بالفن والمتواجدين حصريا بالمراكز الكبرى للمملكة خاصة الرباط مراكش والبيضاء بمبالغ لا يعلمها إلا الله وأصحاب الشكارة ، وأن المستفيدين من هذه العملية التي باتت سنة حميدة تنهجها الدولة لا يخفون إعجابهم بالملايين من الدراهم الممنوحة لهم من المال العام سواء من خلال بعض المقالب عبر الكاميرا الخفية شاكرين في ذات الوقت القدرة الكبيرة التي منحهم الله اياها في امتصاص قدر كبير من اللعنات التي يمطرهم بها المشاهد المغربي أثناء كل وجبه إفطار ، كما يثمنون جرأتهم و”سنطيحتهم” في امتصاص غضب الجماهير المغربية وذلك من أجل الفوز بدون استحقاق بمبالغ مالية يؤديها دافعو الضرائب للخزينة بملايين الدراهم بالعملة الصعبة ، كما لا يرف لهؤلاء المتفانون ” من الفن ” جفن وهم يشكرون بلا ضمير دافعي الضرائب على هذا التآزر والسخاء المتواصلين في صمت رغم عدم تكافؤ الوجبات أو المنح المخصصة لإعداد السيتيكومات أو التنويه باحترافية الأشخاص القائمين على ذلك٬ كما يتضرعون إلى الباري تعالى بدوام هذا العته لسنوات طويلة قادمة ” ولله في خلقه شؤون.
إذن الأمر في تقديرنا لا علاقة له بالفن إطلاقا الأمر يتعلق بدعم مادي لأسماء محسوبة على الفن تظل عاطلة أو في شبه عطالة فنية الى حين الشهر الفضيل حيث تحصل على بضعة ملايين كي تعيش أسماء بعينها ، وتلهف شركات إشهار بذاتها ، وتنهب أعمال محسوبة على الفن بنفسها ، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
إلى هنا يهضم المغاربة المهزلة بجرعة ماء ، أما أن تقدم هذه التفاهات وتلك الحزم من العطب النفسي الثقيل على القلب بإجماع المغاربة باستثناء سكان حي الممثل وأسرته ، كما لو كانت قيمة فنية مضافة تستحق الملايين التي تصرف عليها من المال العام ، ويستفيد منها كبار المستثمرين بتحايل مكشوف ، فتلك حكاية لابد لها من ربيع فني على غرار الربيع السياسي العربي ، كما لابد كذلك من انتفاضة مليونية وحراك لجمعيات حماية المستهلك والمتلقي المغربي حتى يتكفل الجميع باللازم بل لابد للقضاء ان يقول كلمته.
الجزء الثاني: الواقع التعليمي بالمغرب قريبا
جميع المقالات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها وليس للموقع أي مسؤولية إعلامية أو أدبية أو قانونية
القسم : في الواجهة
أضيف في : 15-8-2012 الساعة : 9:22


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.