هل نحن المغاربة حقا أفارقة، أم أننا فينيقيون؟.. سؤال لم يكن يُطرح كثيرا في ما مضى، لكن مع التوجه المفاجئ للدولة المغربية نحو القارة الأفريقية لأهداف اقتصادية بالأساس قبل أن تكون سياسية، شرعت بعض الجهات الثقافية والسياسية في الترويج للوافد الثقافي الذي بدأنا نكتشف جزء سطحيا منه من خلال أفواج المهاجرين القادمين من أفريقيا. بدأنا نسمع بمهرجانات سينمائية تفتح واجهات فرعية لما يُسمى السينما الأفريقية على الرُغم من أنها من الناحية الإبداعية والمهنية لا تستحق تضييع وقت المشاهدة عليها، فبدأت هذه الأخيرة تغتنم الجوائز، تُنافس سينما عريقة كالمصرية، وتفوز على "نظيرتها" التونسية، وتتفوق على السينما المغربية في عقر دارها. بعيدا عن السينما، هنالك مجموعة استثمارية مغربية ضخمة شرعت تروج على موقعها شعار "هويتنا الأفريقية". وهنا نسأل هذه الجهات، الثقافية والاقتصادية والسياسية، أين كانت من هذه الهوية الأفريقية المزعومة قبل سنوات وعقود، أم هو مجرد انحراف رسمي نحو قارة كانت بعيدة عنا، ومازالت بعيدة عنا ثقافيا وهوياتيا واجتماعيا. نحن لسنا أفارقة، لون بشرتنا هو من يقول هذا الكلام، وهذا ليس تعبيرا تمييزيا، وإنما واقع ثقافتنا ولغتنا وواقعنا الاجتماعي اليومي، وكذا واقعنا السياسي، كلها تؤكد هذا الطّرح. الإنسان المغربي مرتبط ارتباط وثيقا بأرض أجداده، أرض المشرق، منذ أزيد من ثلاثة آلاف عام، فأول حضارة تأسست على أرض المغرب، كانت نتاج موجات الفينيقيين إلى هذه أرض. ولئن كان الفينيقيون أسياد البحار بطبيعتهم، فقد كان أنسب مكان يُوفر لهم وضعا مماثلا لأرض لبنان التي هي مهدهم، هو المغرب من خلال أكبر ساحل في شمال أفريقيا - ذلك أن الفينيقيين قوم لا يعيشون إلا على ضفاف البحر- ومن خلال طقس مماثل لأرضهم الأصلية ومناخ وجغرافيا وتضاريس مشابهة إلى حد بعيد، ومازالت أثار الفينيقيين شاهدة على فينيقية الأرض، كموقع سالا القديمة أو شاله حاليا، كما تشهد على ذلك، اللوكوس والصويرة التي هي شقيقة توأم لمدينة صور في لبنان، وآنفا (كازا بلانكا) وطنجيس (طنجة) وأصيلا و روسبسيس (مدينة الجديدة حاليا) وراسدير (مليلية) وعشرات، إن لم نقل مئات المواقع والمدن والمراكز الفينيقية الحيوية المكتشفة وغير المكتشفة على امتداد المحور الساحلي في المغرب. أجدادنا القدامى المؤسسين فينيقيون (كنعانيون) عرب، وهذه مسألة لا خلاف عليها، وجميع الأبحاث المختصة تسير في هذا الاتجاه، وأجدادنا الجدد هم عرب الفتوحات.. وهذه الحقائق التاريخية لا تلغي التنوع الاثني الحاصل في إطار عدة مكونات، أهمها المكونات البربرية، وهو المصطلح الذي يُحيل على الغنى الذي ميز منطقة حوض الأبيض المتوسط، كمحصّلة غنية لحركة بشرية وثقافية تبقى أقرب إلى النسيج الاجتماعي المسمى حاليا شرق أوسط، فأهل سوس ثقافيا أقرب إلى أهل اليمن ويتضح ذلك من خلال عدة مستويات كالملامح و تقاسيم الوجه والقامة ونبرة الصوت ومخارج الحروف وتطابق العادات والتراث والأهازيج الشعبية والمعمار، كذلك من خلال تشابه ما يسمى أبجدية "تيفناق" مع حروف المسند اليمنية. ولقد ساهم التشكيل الطبيعي لكل تلك العوامل الخارجية والدخيلة عبر حركية تاريخية وتجاذبات بشرية في تكوين شخصية متنوعة إثنيا لم تقصي الحضور الأفريقي، وإن كان محدودا لونا وثقافة.
ليس التاريخ والثقافة وحدهما يفرضان على المغرب والمغاربة مشرقيتهم، فهذا المشرق كان وما يزال الملجأ الروحي الذي يلجأ إليه المغاربة في حياتهم اليومية، واهتمامهم بالثقافة من مركزها الذي هو المشرق يزداد حضورا لا خفوتا، وهذا وضع نفخر به كمغاربة، بحجم افتخارنا بعمقنا وجذورنا المشرقية.