يشير الوعي الاجتماعي في الفكر الفلسفي والسوسيولوجي لليقظة والإدراك العقلي والحسي في علاقة الذات بذاتها وبالموضوعات الخارجية .وعي الفرد بالوظائف العقلية والجسمية .وعي بالحقوق والواجبات .والوعي بمقتضيات الحياة الاجتماعية والسياسية . فالوعي إثارة انتباه الإنسان بشدة نحو المثير من الأشياء والأحداث. في علاقة متينة بين المثير والاستجابة .وبين الرغبة والحاجة في اكتساب المعرفة والتعلم .عملية الاتصال بالواقع والتأمل في قضايا العصر يزيد الفرد احتكاكا ورغبة في الفهم .لا يبقى الوعي حبيس الذات بل تخرج الذات من ذاتها نحو فضاء أرحب للعوالم الممكنة. فالوعي في منطق الفلاسفة ومنهم هيجل على سبيل المثال تركيب من الصورة النظرية والصورة العملية . تأليف بين وعي الذات والوعي بالموضوعات الخارجية .يتجاوز هذا النوع من الوعي اطلاقية الذات نحو عالم المحسوسات وإدراك الوقائع بالانفتاح على الآخر والعالم .في قراءة مثالية أو فكرية للتدرج بالفكرة من المجرد نحو المحسوس . يبقى سياق الوعي في الفكر الماركسي ماديا ومعكوسا على الواقع المادي في تمثلات الأفراد والحاجة نحو التغيير لإقامة وعي صحيح .وتجاوز الوعي المغلوط أو المزيف في عدم التناسب بين قوى الإنتاج والأنماط الإنتاجية . فالذات تدرك الأشياء وتحركها نوازع نحو التغيير والرغبة في تجربة بديلة . تتحرر من الحاجة وتصبغ المعنى على الأشياء عندما تمنحها دلالة ومعنى . الوعي أشكال وأنماط . من الوعي التأملي الخالص . والوعي الحسي والوعي الاجتماعي. والسياسي والأخلاقي . الوعي بوصفه فكرا ينصب على مستويات ومجالات عدة . في الوعي الاجتماعي حصيلة تراكمات وتجارب في قلب المجتمع . يكتسب هذا النوع من الوعي في سياق التفاعل بين الذات والأحداث الواقعية .وفي سياق الاحتكاك مع اليومي والمعيش . وعي طبقي ونتاج تمثلات اجتماعية ومعرفية . غير منفصل عن الاقتصادي والثقافي والسياسي والديني . فالطبقة الاجتماعية وما تحمله من أفكار وتمثلات ومبادئ أو ما يصطلح عليه بمفهوم الايديولوجيا باعتبارها نوع من الوعي المتطابق مع الواقع الذي ينتج الوعي الفردي والاجتماعي أو الوعي المزيف بالمعنى الماركسي الذي يعني اختلال العلاقة بين الفرد والمجتمع في ظل هيمنة النظام الرأسمالي وتكريس البعد الطبقي وإعادة إنتاج الثقافة السائدة الخاصة بالطبقة البورجوازية .
في الوعي الاجتماعي خرج الناس بعفوية وتلقائية للتعبير عن الممكن في رسائل اجتماعية وسياسية. في حاجة المجتمعات لفلسفة التغيير. وترياق يشفي الناس من أمراض السلطة .في عفوية التنظيم واندفاع الجموع نحو الشوارع والساحات العمومية للتعبير بأصوات عالية عن إمكانية تحقيق المجتمع المنشود . وتحقيق التوازن في السياسة عبر تصويب السهام نحو الفساد لاستصاله . لذلك أبان الحراك الشعبي في كثير من البلدان العربية عن مستوى النضج وسلمية الاحتجاجات. وعدالة المطالب في شقها السياسي والاجتماعي . شعارات في الإصلاح ومطالب حقوقية .ونداء للعبور نحو تجارب ديمقراطية ومجتمعات مدنية . فالحراك الشعبي الذي خرج من تونس ومصر والجزائر والسودان طالب بإصلاحات جذرية في مجال الاقتصاد والسياسة. وإصلاح القطاعات الحيوية من الصحة والتعليم والإدارة . الحراك الشعبي تضافر مجموعة من القوى الحية في الأوطان. ومن فعاليات المجتمع المدني .حراك بدون زعامات وقيادات غير جموع الجماهير التي تتلف على شعارات موحدة تنصب في أغلبها للحد من الاستمرار في السلطة للقائد العسكري الذي جاء بالقوة للحكم واستمر في الحفاظ عليها مدة بدون انتخابات حرة .وبالتالي تعطلت التنمية والتداول السلمي للسلطة .وغابت روح الديمقراطية عن المجتمعات تحت هواجس مزيفة من عدم الثقة بين الحاكم والشعب .
فالجماهير التي نددت وطالبت بدولة مدنية ومحاربة أشكال التسلط والاستفراد بالسلطة وجدت نفسها في معترك النضال والمطالبة بالحق في دولة مناسبة .مبنية وفق اختيارات الشعوب التواقة للحرية والتحرر.شعارات في الجزائر عن التغير للذات من اجل مصلحة الكل .شعارات مكتوبة عن كتاب ومفكرين ومنهم مالك بن نبي .وكفى من التبعية والاستعباد لفرنسا .وشعار العدل أساس الحكم .واستقامة الحاكم وفق غايات المجتمع في الإصلاح .وحل الملفات العالقة في القضاء والإدارة. ومحاسبة المفسدين وكل ناهبي المال العام .وترك السلطة للشعب . فلما كانت التبعية للغرب الرأسمالي فيجب أن تكون التبعية على الأقل مبنية على تقليد الغرب .واستلهام نماذجه في السياسة والمجتمع المدني. والتناول السلمي للسلطة وتحقيق دولة الحق والقانون . فكيف يمكن للعالم العربي أن تحكمه قوى للأبد ؟ عمر الإنسان بعمر الدول كما في الفكر السياسي الغربي والفكر الخلدوني . عطاء الحاكم في ثماني سنوات كافية في ممارسة الفعل السياسي .وتحقيق نتائج مأمولة . وبعد يترك الفاعل مكانه لآخر يضيف لمسات وأشياء في الإصلاح وهكذا تظل الحياة السياسية دينامية .
لقد شاهدنا في الندوات والمؤتمرات العربية مؤخرا سبات بعض الرؤساء .فكانت عدسة الكاميرات ذكية في التقاط الصور البالغة الوضوح والدلالة .عن شيخوخة النخب التي أنهكها الزمن .وتحتاج للتجديد بطاقات بديلة . واطر نشيطة. ففي الوعي الاجتماعي الجديد .هناك إدراك القوى الشعبية الحية في الأوطان العربية التراجع في مستوى العيش وتفاقم الفقر والهشاشة والشرخ الطبقي . أسباب مادية دفعت الناس في قناعات اجتماعية للتعبير بصوت عال عن الملل من السياسة العرجاء التي أنتجت قوى انتهازية. وفساد يستشري في كل مفاصل المجتمع. من المحسوبية والرشوة في الإدارة والقضاء وهزالة القطاعات الأساسية من التعليم والصحة .وعدم التناسب بين الخطاب والممارسة في الواقع . فالجماهير التي خرجت للتعبير انتزعت من الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني الخطاب. وعملت في إعادة صياغته فجاء التنظيم بعفوية .وعلى درجة عالية من التوافق بين الجماهير المختلفة في حراك شعبي. وأجواء من المسؤولية. وبدون قيادات وزعامات سوى الفكرة الموحدة للمطالبة بالانتقال الديمقراطي على غرار السائد في الدول الديمقراطية . شباب تمرس في شبكات التواصل
الاجتماعي من الفايسبوك والوات ساب وتويتر في الرسائل النصية الهادفة للوحدة بين الناس في مطالب معقولة ومشروعة . لا بد للحاكم العسكري أن يتنازل عن السلطة ويترك الأمور للشعوب أن تقرر إرادتها في اختيار المناسب لها في الحكم وفق مبادئ وأسس ديمقراطية .
في الحراك الشعبي تفاعل الناس بخصوص الفكرة التي تنامت وتشعبت في الوعي الاجتماعي والسياسي على درجة معينة من الصحة والمصداقية .في النظر إلى العالم العربي كأوطان أسيرة للاستبداد والحكم غير الرشيد .والتبعية العمياء للآخر والمغالطات المعبر عنها في خطاب الزعيم الميال للسلطة والبقاء بدافع القوة وتخويف الناس بالحروب الأهلية و تدخل القوى الخارجية . العالم العربي لم يعرف في تاريخه الطويل نماذج ديمقراطية .وعندما نفكر مليا في أسباب الإخفاق والفشل في بلورة النماذج العقلانية في التدبير والتسيير. سنجد بالفعل غياب نظريات في السياسة والحكم وغياب تصورات ناعمة في الفكر والسياسة .وثورات وانقلابات في الثقافة .
يدرك الفاعل السياسي أن للحراك الشعبي مطالب عامة ومشروعة . والوعي الاجتماعي الذي تبلور لم يستند بالكامل على نظريات بذاتها في الثورة وإسقاط البورجوازية. ومنح السلطة للبروليتارية العمالية كما في الأدبيات الماركسية . ربيع بزهور الورود البيضاء في الانتقال السلمي نحو المجتمع الديمقراطي . في الوعي الاجتماعي لعب الإعلام الالكتروني أدوارا في تشكيل الحراك وأهدافه . في ثورة العصر من الديمقراطية والإنصاف وحقوق الإنسان وإعادة الاعتبار للإرادة العامة للشعوب .لاحت ملامح الحراك الشعبي في الأفق . حسن التنظيم والعفوية .والجموع الغفيرة من الناس على أشكال توجهاتهم . يعبرون بمنطق ملتزم عن حاجتنا في بناء الأوطان والكف عن سياسة التمييز . وإلقاء اللوم على الآخر في نظرية المؤامرة والفتنة .والخروج عن جادة الصواب .خطاب السياسي والفقيه المتحالف والإقطاعي وأصحاب الامتيازات أمام ذهول وحيرة عن أسباب خروج الشعوب العربية بالكثافة. والفكرة الموحدة بدون ألوان ايديولوجية . الفقيه القطري لم يقل صراحة أن الآمر فيه خروج عن الشرع والحكم .والمثقف في أبراجه العالية التزم الصمت. وقال إن في الأمر ثمرة للفكر الذي يغذي المواطنة والقانون وفلسفة الإصلاح بطرق سلمية. والسياسي ارتبك في حيرة من أمره في وضعية جديدة وصعبة . لا الشماتة كما قال مبارك ولا قوى خارجية كما قال القدافي . ولا مؤامرة ودسائس الصهيونية وأفكار برنار هنري ليفي.
فهم الرئيس بن علي أن اللعبة السياسية في زمن اليوم انتهت بمجرد خروج الناس بعفوية للقول والتعبير عن إرادتهم في نقل السلطة ووضع قواعدها. نهاية الايديولوجيا السمة المميزة للحراك الشعبي في الأوطان العربية حتى لا يشكك الجانب الحاكم في دوافعه وأهدافه . ضجر الناس من سنوات الاستفراد بالسلطة ما يميز مطالب الحراك الشعبي , التنمية شعار .وخيار الديمقراطية لا بديل عنه .التناوب على السلطة وتكريس سياسة القرب ومحاسبة الفاعل عندما يتحمل المسؤولية. فلا فائدة من الدساتير والتشريعات عندما لا تطبق أو تفعل . فالجماهير استوعب الدروس من التجارب التاريخية . ومن تجارب الأمم في التقدم والتنمية البشرية .فالقرن الحادي والعشرين قرن وسائل الاتصال والمعلوميات. زمن سيطرة التكنولوجيا والتدبير الصائب للعبور بالمجتمعات نحو الرفاهية . الزعيم الكاريزماتي اختفى من عهد الحرب العالمية الثانية . ومن سقوط جدار برلين في 9911 . حيث اتجه العالم نحو فلسفة أخرى في التدبير والتسيير . برغماتية الأنظمة والتدافع بين الحضارات في
المنافسة والاستحواذ على الأسواق العالمية تستدعي أنظمة متمرسة في الفعل السياسي. ومتمرسة في الأعمال والمشاريع التي تفتح البلدان على استثمارات أجنبية .وتنمية الرأسمال المحلي . في إفريقيا تجارب دول في الحروب الأهلية. انتهت إلى فك الارتباط بالغرب نسبيا والنزوع نحو الاستقلالية .وتنويع من الشركاء . وبالتالي تنوعت الاوراش في الصناعة والفلاحة والتجارة .وأطلقت إصلاحات سياسية . فالوعي الاجتماعي في عالمنا ينمو ويتشعب مع مرور الزمن . في تطور وسائل التواصل .واتساع رقعة الشبكة في نقل الصور من دول بعيدة وقريبة .ودينامية المجتمع المدني من الهيئات والفعاليات في المراقبة للشأن السياسي .والمطالبة بالإنصاف والعدالة الاجتماعية .هذا ويتشكل الوعي الاجتماعي من الأسرة والعائلة والمدرسة والانخراط الايجابي في الجمعيات والمنظمات. ويستند الوعي الاجتماعي على رؤية علمية موضوعية في قراءة الأحداث والسعي إلى تغييرها بوسائل الضغط والاحتجاب والتنديد والرفض أمام تعنت الفاعل السياسي وذوي المصالح والامتيازات في الانصياع للإرادة العامة المشتركة . فلا بد من قيادة الإصلاح من الفوق إلى الأسفل . فالوعي الاجتماعي غير منفصل عن السياسة والحياة الثقافية والاقتصادية . ويتكون هذا الوعي في سياق الإحساس والشعور بالأوضاع القاتمة . ودور وسائل الإعلام في صناعة الرأي .والصور العابرة من بلدان عدة صاعدة ونامية في التحول الديمقراطي والتنمية . والاستثناء في بعض وسائل الإعلام الموجهة من قبل أصحاب الشركات وذوي المصالح المشتركة . حتى أدركت الجماهير زيف الإعلام الرسمي في نقل الحقيقة .فتحولت إلى شبكات التواصل الاجتماعي .والتصوير لكل إيقاعات الحراك الشعبي بالنقل المباشر . والتحليل معا .مما زاد من درجة الوعي السياسي والالتفاف على الكلمة في تحقيق رهانات المجتمع ...