يجعل الوطن الذي نعيش فيه، بحكم شهادة الميلاد وورقة التعريف الوطنية، وطنا يعيش فينا ويسكن في قلوبنا ويملأ وجداننا، ويجعلنا نسترخص في سبيل تحرره وتمدنه وخلاصه بكل غال ونفيس، ويمكن لهذا الاحتجاج السلمي والمدني أن يهزم دبابة وطائرة ومجنزرة، ويدحر طاغ وجلاد وبلطجي وعياش، فالكلمة هي أقوى من الرصاص، والدم يهزم السيف، والعين تنتصر على المخرز، والشعار العادل والصادق يهز أركان الاستبداد والفساد، والحنجرة الولادة لوعي التغيير والتحرير والتنوير قادرة على ايقاظ النائمين، وبعث الروح في رفات الميتين، وتذكير الغافلين.. والمسافة هي مسافة إرادة. بشعار وحنجرة يمكن اعادة توزيع مصادر القوة السياسية، بشكل يضمن الحضور الفعلي لقوى الممانعة الديمقراطية المدنية، فسلطة الدولة التسلطية لا تحدها إلا سلطة الحراك المجتمعي الموازية، ولا يمكن أن نعيش في ظل معادلة قوة الدولة التسلطية وضعف المجتمع المدني، لأن هذه المعادلة تكرس كل أنواع الاستبداد والفساد والتبعية، وتجعل الحياة جحيما لا يطاق، وهل يمكن أن يعيش الإنسان ويموت دون أن يكتشف حقيقة وجوده المفعمة بأريج الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟.. بشعار وحنجرة يمكن تجويف قوة السلطة الاستبدادية من الداخل، بفضحها وكشف عارها وإسقاط أقنعتها، لتبدو أمام الجميع عارية من زيفها، حتى يسهل سحب الشرعية والمشروعية عنها، وتفقد بوصلتها وتبدو للجميع أنها قوة متوحشة بلا ضمير، تضرب بلا رحمة، وتنهب الثروة الوطنية بلا رادع ولا محاسبة، وتسير بغير هدى ولا حكامة ولا شفافية ولا دستور ديمقراطي، ولا حرية صحافة واستقلال قضاء ولا عدالة اجتماعية، وتعتقل وتبطش عبثا، وتسخر القضاء الشامخ ليكون عذابا على الناس، ويوزع الأحكام بالمجان على من يشاء وبما يشاء بعيدا عن روح العدالة ومقاصدها وقيمها. بشعار وحنجرة يمكن أن نمارس قوتنا السلمية والحضارية بشكل جذري، والسلمية لا تعني المهادنة بتاتا ولا التسويات المنقوصة، ولا تركن للوعود الفارغة، ولا تستسلم لمنطق التوقيعات على بياض، ولا يجدي معها الضغط والقمع والاعتقال، بل هي ممارسة السياسة بشكل مبدئي تعلن أن لا تسوية مع الاستبداد والفساد والتبعية، ولا أحد يمتلك تفويضا كاملا لممارسة الوصاية على الحراك الاجتماعي الديمقراطي، ولا أحد بإمكانه أن يتنازل أو يساوم أو يجمد أو يعطل مسيرة الحراك الاجتماعي والديمقراطي، وينهي مطالبه العادلة. بشعار وحنجرة ندرك كيف نناضل على أرضية القضية العادلة، لأنها هي التي تمثل روح النضال ولبه، وبدونها يفقد النضال مبررات وجوده الأخلاقية، ويتحول إلى بلطجة وحسابات ضيقة وموازنات فاسدة.. ونعرف أيضا كيف نستخدم وسائل نضالية لا عنفية تواجه عنف الاستبداد بسلمية خالصة في شكل احتجاجات واعتصامات وعصيان مدني، ولا يستدرجها العنف الاستبدادي لأجهزة القمع الرسمية للرد بالمثل، بل تمتلك من الوعي والحصافة ما يجعلها تدرك معنى الاستدراج للعنف، وما ينطوي عليه من مخاطر تعطي للأجهزة الدولة القمعية المبررات الأخلاقية للاستخدام المفرط للقوة، السلمية هي أقوى من رصاص الاستبداد وأقوى من كل أشكال العنف المادي والرمزي من اختطافات ومحاكمات صورية واعتقالات وتعذيب جسدي ونفسي…الخ. بشعار وحنجرة يمكن ابتداء تفكيك كل أدوات القمع الرمزية المخزنية، التي يستخدمها النظام من أجل تبرير تسلطه وفساده، بالادعاء بأنه هو الضامن لوحدة الوطن واستقراره والحامي للأمن والمجنب للفوضى والقامع للفتن ونزعات الانفصال، وهذه كلها كلمات حق يراد بها باطل، فلا أحد يريد أن يعصف باستقرار الوطن وتعريضه للفوضى والمحن، ولا أحد يدعي أنه يريد أن يعيد النظر في وحدة الوطن والشعب ويروج لنزعات الانفصال، وإن وجد فهو معزول عن مقاصد الحراك الاجتماعي الديمقراطي وعن روحه ومطرود من ساحاته الفسيحة بلا ريب.. ولكن هناك فرق بين دعوى الاستقرار التي يريدها المخزن المتسلط وبين الاستقرار الذي تنشده قوى الممانعة الديمقراطية المدنية؛ فاستقرار المخزن المحتفل به في كل أبواق الصحافة المأجورة والإعلام الرسمي المتجمد هو استقرار العلاقات التسلطية، من قمع وانتهاكات جسيمة لحقوق هذا الشعب المقهور، هو استقرار النهب والفساد للثروة بدون مراقبة أو حسيب، هو نشر للأمية والجهل والغباء والخوف والجوع في أوساط المجتمع حتى يسهل استمرار التحكم في رقابه، حتى لا يصحو له ضمير فيطالب بجودة الحياة كباقي شعوب العالم، ويمكن القياس على ذلك باقي الأدوات والمفاهيم الأخرى فهي ذرائع لتحويل الإنسان المغربي إلى كائن هلامي بثلث إنسان أو جسد بلا عقل ولا روح، لا يعرف إلا ما لقنوه من هتاف وطاعة ورضى وصبر وصمت وخنوع.. أما الاستقرار في حقيقته عند قوى الممانعة الديمقراطية المدنية فهو استقرار قيم العدالة والحرية والكرامة بربوع وطننا إسوة بباقي شعوب ودول العالم المتحضرة. بشعار وحنجرة يمكن أن نغير موازين القوى لصالح قوى الممانعة الديمقراطية المدنية، من خلال كسب ثقة الشعب، وتوعيته بقضاياه العادلة ومصالحه المعتبرة وحقوقه السياسية والاجتماعية والبئية، فالشعب هو الهدف والوسيلة، فالنجاح في تحويل إرادة الشعب لتقف فوق برج الحياة والأمل، بعدما كانت غارقة في مستنقع الموت واليأس، وتحريكها لتكون معول بناء بعدما كانت معول تحطيم ذاتي وتدمير، وأنسنتها بقيم النضال المدني بعدما تم تشييؤها وتدجينها في إطار مسلسل الاستسلام الكامل والفشل العارم، التي منيت به في حضن مركب الاستبداد والفساد والتبعية، هو السبيل لكسب المعركة ميدانيا، وإلزام قوى القمع والتسلط والفساد للتراجع، وتجويفها من الداخل وتفكيكها تمهيدا للقضاء عليها نهائيا، ولا سبيل لكسب الرهاب إلا بكسب عقول وقلوب الشعب وتحرير إرادته، بدون ذلك لن يتحقق التغيير المنشود، لن يتم تغيير بدون دعم شعبي، بدون تغيير مواقفه من مركب الاستبداد والفساد والتبعية، بدون زحزحته من مواقع الحياد والسلبية، بدون تحريره من الخوف واليأس لن يستطيع الحراك الاجتماعي الديمقراطي المدني الممانع أن يحقق مطلبا واحدا من مطالبه.