يعتبر التعليم في بلدنا من القضايا الشائكة المنبلجة التي شكلت حيزا من إواليات وميزانية الدولة، وكذا من فكر و انشغال المهتمين بالشأن التربوي التعليمي ولا زال، شأنه في ذلك شأن باقي الدول، طبعا لأهميته العظمى. فبالعلم تقاس الشعوب، وبه تستطيع الحصول على تأشيرة العبور إلى قنطرة التنمية، وإلى ركوب قاطرة الثقافة العالمة بل إلى التبرك من محراب الحضارة، رافعين في كل مناسبة شعارات الإصلاح، أحيانا كمقتنعين و أحيانا يُظن أنهم يلُوكونها. لكن بالرغم من جميع هذه المحاولات و منذ فجر الاستقلال - بل قبيل- ظلت حال لقمان على حالها، عترة تلو عترة، إذ لم يستطع تعليم بلدنا الخروج من كبوته و كأنه جُذب إلى أعماق المثملة، ولا حتى مسايرة الدول التي جنت منه قطوفا دانية، و راكمت تجارب مهمة شُهد لها بالنّجاعة كفنلندا مثلا... إن تعليم بلدنا لم و لن يستطيع الإحراز على وسام الانتقال من عتبة التأخر، مادام هناك ضعف ملموس يشلّ محجّة المنظومة الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية والصحية، لوجود ترابط طبيعي وجدلي لا مناص منه بين هاته الأنظمة...فلكي نحصد النتائج المتوخاة إذن، لابد من مراجعة كل الأنظمة مراجعة شاملة و بعين فاحصة و متيقظة و من منظور متوازي و متوالي، حتى يمكننا الأخذ بيد تعليمنا لاستشراف بر الأمان...و لما لا تمني نيل قصب السبق...
إنّ ما يعاب على بلدنا كونه يقوم باستنساخ و نسخ تجارب و تطبيقات الآخر، تحت شعار الاقتداء بالإصلاحات الناجعة، ليس العيب في ذلك، إلا أنها تظل شعارا محبرا بخط عريض، لا تشريعا شاملا جامعا مانعا. طبعا لاختلاف أرضية الواقع والإمكانيات، فتارة تمس الجانب الديداكتيكي و البيداغوجي وتارة تمس المقررات و المناهج، وتارة تمس المدرسة كمحيط... فتثمنها برفع شعارات أخرى بدعوى إصلاح الإصلاح أو الإتيان بمشاريع متنوعة ومتباينة كمقاربات ونظريات جديدة،،، وهكذا دواليك، تُصرف من أجلها أموال طائلة، ولكن هيهات هيهات...وكأن واقعنا التعليمي محط مختبر للتجارب، بدعوى القادم أحلى بل أنجع.. و سنظل نتخبط بين عالم الإصلاح - وكأنه عالم افتراضي - و واقع التعثر - الواقع الحقيقي- واقع الفشل والكبوات، إنه الصراع بتحد ضد تيارات الطوفان.
هكذا توالت ( الإصلاحات) إلى أن وصل الدور على" المدرس" ولعل التجربة الميدانية الأخيرة التي سلكتها الدولة ألا وهي " تجربة التعاقد ".خير شاهد على ذلك.
لقد شرعت الدولة في هذه التجربة منذ سنتين ابتداء من الموسم الدراسي 2016-2017، انطلاقا من وصفة سريعة واستعجالية - بل سحرية - لسد الخصاص الذي يطال الأطر التدريسية، متوخية و آملة من وراء ذلك حصاد نتائج مرضية ‼... لكن السؤال الذي يفرض نفسه وبإلحاح هو: كيف لهذه الأطر التي لم تتلق تكوينا مستمرا يرقى بها إلى مزاولة مهمة و أمانة التدريس، ويسمو بها إلى مراقي عالم التربية والتكوين أن تحقق المبتغى المنشود؟؟؟... كيف نخطو مثل هذه الخطوة قبل أن ندْرس تبيعاتها ؟ كيف نسلم أذهان وأفكار فلذات أكبادنا إلى رجال ونساء لم يتلقوا أساليب وفنيات التدريس، بل إن البعض منهم لا زال يتخبط في كيفية صياغة التخطيط بأنواعه...كيف نسلمهم أمانة أكبر بل أهون ..أ للتخفيف من البطالة التي تنخر مجتمعنا أو حقا بغية السير بتعليمنا إلى أفق أفضل؟؟‼...
يعتبر محظوظا من كان قد اشتغل بالقطاع المدرسي الخاص، أو تلقى تكوينا في مجال علوم التربية و التكوين ،،،أو راكم تجارب من خلال قراءته لكتب علوم التربية، أو جالس قيدوما من رجال و نساء التعليم الأجلاء...صاغ من خلالها رزمانة تسلح بها لمواجهة الصراع اليومي مع نفسه أولا كمدرس و مع المتعلم و المعرفة ثانيا...الذي سيظل إكراها لا محالة منه يثقل طاقته وتطلّعاته وأمنياته. زدْ على ذلك كله الاصطدام بالواقع الاجتماعي و الاقتصادي المغربي،،، و كأنه جندي دخل ساحة الوغى متأخرا، فوقف وقوف المحتار التائه، هل يقاتل أو يجمع الأشلاء أو يتعاطف مع المعطوبين...؟؟
صحيح أن غالبية المتعاقدين تشكل فئة شابة ظمأى، كلها حيويّة ونشاط، تصبو إلى تحقيق الأفضل والارتواء من ينابيع علوم التربية و التعليم بالسعي إلى التكوين الذاتي، من أجل الدفع بتعليم مغربنا إلى بر الأمان حتى لا تتلاطمه أمواج التأخر العاتية، بكل طاقة شبابية و روح قتالية وغيرة وطنية، لكنها تبقى في حاجة ماسة إلى تدبير وتوجيه وتشجيع من طرف المؤسسات والمهتمين بالشأن التربوي التعليمي ...
فبالرغم من جميع الإكراهات التي يعيشها و يعانيها المدرس، بل الجندي المدرس، تبقى و ستبقى مهنة و مهمة التدريس بالنسبة له أحلى الأقدار وأمتعها...