قال عبد الإله دحمان، رئيس المركز المغربي للأبحاث حول المدرسة إن تاريخ إصلاح المنظومة التربوية التكوينية بالمغرب منذ الاستقلال تاريخ أزمة، مؤكدا أن تدبير الموارد البشرية كان هو الحلقة الضعيفة في مسار إصلاح المنظومة دائما، مشددا على أن لا إصلاح للمدرسة الوطنية بدون تطبيق متقدم لمفهوم الحكامة الشاملة في معانيها المتجددة التي تستند على ثقافة الاستقلالية. وأشار في في حوار ل»التجديد»، إلى مداخل الإصلاح الأساسية التي تنطلق من تطوير البرامج والمناهج وتطوير الكفاءات اللغوية. ● ما هي قراءتكم التاريخية لمسار إصلاح التعليم بالمغرب؟ ❍ إن تاريخ إصلاح المنظومة التربوية التكوينية بالمغرب منذ الاستقلال، هو تاريخ أزمة حيث اختزل الاصلاح التربوي في تشكيل اللجان وصياغة الاستراتيجيات وبناء التوافقات حولها، دون اعتماد إرادة حقيقية في التطبيق والتنفيذ، سواء في التدبير أو التمويل أو التقويم، فمنذ تشكيل اللجنة العليا للتعليم سنة 1957 فاللجنة الملكية الملكية لإصلاح التعليم سنة 1958 مرورا بلجنة التربية والثقافة سنة 1959 فالمجلس الأعلى للتعليم برئاسة وزير التربية الوطنية 1959 فمناظرة المعمورة سنة 1964 فأول مجلس أعلى للتعليم يرأسه الملك سنة 1970 فمناظرة إقران لسنة 1970 والثانية سنة 1980، فاللجنة الوطنية للتعليم سنة 1994 فاللجنة الملكية للتربية والتكوين سنة 1999، والتي لم ير مشروعها النور، فاللجنة الخاصة بالتربية والتكوين التي صاغت الميثاق سنة 2000 وقدمت حصيلة عملها في منتصف العشرية، وسلمت تقاريرها إلى المجلس الأعلى للتعليم، الذي نصبه الملك في 14 شتنبر 2006، تأكد من خلال هذا المسار أن تدبيرهذا الملف أانجز تراكمات على مستوى صياغة الخيارات الإستراتيجية للسياسة التعليمية من خلال التوافق حول المرجعيات أو الأهداف العامة، لكن ارتهان المنظومة التعليمية بالمغرب إلى التوازنات السياسية «للحكومات المتعاقبة» وبعض دوائر القرار، وعدم الاشتغال وفق استمرارية الإدارة، حال دون ترصيد التجارب وتبني الآليات التنفيذية في إطار إرادة السياسية تتجاوز زمن التدبير الحكومي واكراهاته، فإخفاق المغرب في تبني سياسة تعليمية واضحة المعالم والأهداف يعزى بالأساس إلى هذا الالتباس على مستوى القرار السياسي الذي قارب الشأن التعليمي وإصلاحاته مقاربة انتقائية/ تقنية أفرغت جهود الإصلاح من محتواتها، حيث سيادة منطق الدولة وغلبة السياسي على التربوي مما أفضى إلى تضخم «الخطاب السياسي في مجال الاختيارات والتوجهات والمبادئ المرجعية للسياسة التعليمية»، في مقابل ضعف الربط بين الأهداف المرجوة والإمكانات الموجودة ودرجة كفايتها لتحقيق تلك الأهداف، كما أجمع جل المتدخلون في الشأن التعليمي أن منهجية التجريب التي سلكتها الحكومات المتعاقبة على تدبير الملف التعليمي بالمغرب، ساهمت في تأزيم واقع التعليم، ويؤكد الباحثون أن مشكل التعليم في المغرب يكمن في الخلل في توازن العرض و الطلب وإشكالية التمويل، وضعف النموذج لدى «المخططين» ولدى من تعاقب على مسؤولية القرار التربوي وعلى مسؤولية تنفيذه، وتأرجح النظام التعليمي بين نموذجين (وربما أكثر)، ولعل تقرير الخمسينية أجمل أعطاب التعليم في خمس توجهات كبرى، وهي «الاخفاق في مجال محاربة الامية وعدم تحول هذه القضية الى هدف سياسي راسخ»، و»ضعف القدرة الاندماجية للمدرسة»، و»تعثرالوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للمنظومة التربوية»، و»تقهقرالمردودية الداخلية للنظام التربوي»، و»الارتباك في السياسة التعليمية». ● وماذا عن تطوير البرامج والمناهج؟ ❍ نؤكد في هدا الصدد على ضرورة مواصلة مراجعة المقررات واصلاح الكتب المدرسية والوسائط الديداكتيكية والمقاربات البيداغوجية وتوحيد المرجعيات البيداغوجية، من أجل تجاوز سكونية البرامج والمناهج الحالية في أفق إبداع طرق ووسائل جديدة قادرة على المساهمة في إنتاج مجتمع متحكم في الاقتصاد الجديد للمعرفة، في ارتباطها بالرصيد الثقافي الوطني، وملاءمة البرامج والمناهج مع خصوصيات الأوساط القروية التي تفوق 70 %، والإسراع بإطلاق دينامية مشروع المناهج الجهوية التي كان من المفترض بداية تطبيقها منذ مدة، وذلك بإدماج المعطيات الخاصة بالجهة وهيكلة المنهاج وتحديد العدة البيداغوجية لتنفيذه، وبناء مشاريع وبرامج جهوية على ضوء معطيات الجهة مع استحضار أهمية الالتزام بالتنوع والتعدد في إطار الوحدة الوطنية، وضبط الكفايات التي ينبغي أن يكتسبها التلاميذ للتحكم في محيطهم والتأثير فيه في علاقتها بالمجالات المقترحة ضمن المناهج الجهوية والمحلية، والإسراع بإطلاق المرحلة الثانية من تأليف الكتاب المدرسي لجعلها تستجيب للتدريس بالكفايات وللمقاربات البيداغوجية الجديدية، وإنتاجه في إطار التعددية التي ينص عليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتجاوز فلسفة تعدد الكتب المدرسية القائمة التي لا زال يميزها الطابع التجاري، فلا بد إذن من الانتقال إلى مرحلة التحرير الكامل للكتاب المدرسي وتجاوز أشكال التردد المطبقة في هذا المجال. ● إلى أي مدى الجانب المؤسساتي مهم في أي مخطط للإصلاح؟ ❍ أظن أن الإصلاح المؤسساتي محدد أساسي للإصلاح التربوي، لكن يجب أن نجيب على أسئلة جوهرية مرتبطة بمكونات المنظومة في شموليتها، إذ يجب أن تعطى لها الأولوية وهي، إعادة الاعتبار لدور المدرسة الوطنية والحياة المدرسية، وعلى الرغم من المجهود المبذول لاضطلاع المدرسة الوطنية للقيام بأدوارها إن على مستوى تطوير الحياة المدرسية أو على مستوى تغيير مناهج وبرامج المواد التعليمية، أو على المستوى المنهجي أو البيداغوجي أو التقني والفني، فما زالت المدرسة غير قادرة على أجرأة مستويات التفعيل العملي والميداني وتحقيق الغايات الأساسية الكبرى من مثل، ترسيخ قيم المواطنة الحرة، وتنمية روح المسؤولية، ودعم التنمية الثقافية، كما أنها المدرسة الوطنية مازالت غير ملامسة لغايات ضمان التماسك الاجتماعي وصيانة الهوية الوطنية المتعددة الأبعاد، وبصيغة أخرى يمكن القول بأن المدرسة الوطنية مازالت على حالها، وغير مواكبة للاهتمام الذي يوليه لها المجتمع المغربي بمنظور إصلاحي، ليبقى الطرح القائم كيف يمكن النهوض بالمدرسة الوطنية لتقوم بوظيفتها على قاعدة ترسيخ القيم والمبادئ المحصنة للهوية الوطنية وتربية الأجيال على التشبث بقيم المواطنة والوطنية، ومواجهة واقع التنصل من ثقافة الالتزام والمسؤولية، وجعلها مساهمة في بلورة وتطوير التواصل المنتج مع محيطها الخارجي. ● هل تعتقدون أن ممارسة الحكامة في تدبير النظام التربوي لها دور مهم في إنجاح مسار الإصلاح؟ ❍ لا إصلاح للمدرسة الوطنية بدون تطبيق متقدم لمفهوم الحكامة الشاملة في معانيها المتجددة، التي تستند على ترسيخ ثقافة الاستقلالية، والاستقلالية التي تعني المبادرة والابتكار مع الاشراك، كما أنها تعني المسؤولية والمسؤولية التي تعني المساءلة والمحاسبة، فالحكامة المتوخاة هي ممارسة المسؤولية في مفهومها الجديد المستند أساسا على قيم الانصات والانفتاح والحوار مع مختلف الفاعلين والابداع والاجتهاد في ابتكار الحلول للاكراهات المطروحة، فممارسة الحكامة تتطلب تجاوز أسلوب التحكم والقطع مع منطق التعليمات وقلب الهرم داخل المنظومة عبر التطبيق المتناسق للمقاربة التصاعدية، المنطلقة من المؤسسة على المستوى المحلي إلى المستوى الجهوي ثم الوطني، وإعطاء صلاحيات أكبر لإدارة القرب في رسم الأهداف والتخطيط ورصد الموارد اللازمة؛ ليبقى الإشكال المطروح هو كيف يمكن تحقيق الحكامة الهيكلية والحكامة التشريعية والحكامة المالية والحكامة التدبيرية. من جهة أخرى، الحكامة لوحدها لا تشكل مدخلا أحاديا لإنجاح مسار الإصلاح التربوي، لأن هده المهمة هي مهمة مجتمعية جماعية، وهي مسؤولية شعب وأمة ودولة بكل قواها الفاعلة، وبالتالي لابد من مداخل متعددة للإصلاح، لكن مشكل الحكامة في القطاع يشكل جوابا عن المعضلة التربوية، بقدر ما نحاول أن نبلور جوابا جماعيا، ولهذا يشكل هذا المدخل أرضية من بين أرضيات مقترحة للنقاش العمومي، في أفق بلورة رؤية مندمجة وموحدة، وبالتالي فمدخل الحكامة في أبعاده التدبيرية والتنظيمية الإدارية له وجاهته في حقل يعج بالمشكلات، بل المعضلات التنظيمية مثل الحقل التعليمي، ذلك أنه بالرغم من التطور الحاصل في صياغة القوانين الأساسية لموظفي التربية والتكوين، هناك مستجدات تتسارع في كل يوم وحين، وتحولات تطرأ في هذا الحقل، تستلزم وضع هذا الورش في سلم أولويات الحكومة وكافة الفرقاء الاجتماعيين، من أجل الاجتهاد الجماعي في صياغة قوانين أكثر مرونة لتنظيم هذا الحقل والعمل على تجديدها باستمرار كلما ظهر أن الحاجة تستدعي ذلك، وعدم الإرتهان للمنطق السياسوي الضيق أو البيروقراطي المتقوقع أو الكسب الإنتخابي النفعي الخاص بالفاعل النقابي، وذلك في أفق ترسيخ قيم العقلنة والشفافية والإستحقاقية والدمقرطة الحقيقية لهذه الأنمظمة ولكافة التشريعات الخاصة بتديير الحقل التربوي من القوانين المؤطرة لتنطيم الإدارة التربوية أو القوانين المؤطرة للحكامة المالية، ومختلف الأساليب التي تعمل على تحقيق النجاعة الإدارية لتكون في خدمة المشروع التربوي وليس العكس. ● وبالنسبة إلى تدبير الموارد البشرية في إطار إصلاح منظومة التربية والتكوين، هل تشكل أولوية؟ ❍ تدبير الموارد البشرية، هي الحلقة الضعيفة في مسار اصلاح منظومة التربية والتكوين، وهي الصعوبة الكبرى التي تجدها وزارة التربية في تدبيرها لمواردها البشرية، فهناك عدة عقبات عجزت الوزارات المتعاقبة التغلب عليها وذلك نتيجة لتراكم طبيعة المشاكل وحجم القضايا المطروحة، إن على مستوى التوزيع والانتشار أو التحفيز والاستقرار، وبذلك فشلت في استثمار الطاقات الفردية والجماعية من الموارد البشرية للانخراط في إصلاح المدرسة والوطنية، فقد راهنت الدعامة الثالثة عشرة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين المخصصة للموارد البشرية على اقتران تجديد المدرسة بمدى جودة عمل المدرسين وإخلاصهم والتزامهم، وآليات التحفيز والتكوين و أساليب تحسين وضعيتهم الاجتماعية، وهو نفس الطرح الذي توصل اليه المجلس الأعلى للتعليم بكون إصلاح التعليم يتوقف بالدرجة الأولى على حفز هيئة التدريس والتكوين والنهوض بأوضاعها الاجتماعية والمادية، وتحسين ظروف عملها، وإتقان تكوينها، وتدقيق مقاييس توظيفها ومعايير تقويمها وترقيتها، وضمان تمتعها بحقوقها كاملة، والالتزام التام بواجباتها وهي قناعة راسخة و ثابتة ما فتئنا نؤكد عليها، بالموازاة مع هذه القناعة فحين نتحدث عن الموارد البشرية، فإننا نستحضر أولا مواصفات الأستاذ الذي يجب أن يكون قرار انضمامه إلى مهنة التعليم عن قناعة وليس من أجل الحصول على العائد المادي والضمان الوظيفي، كما هو عليه الحال عند أغلبهم، ونعتبر أن التربية والتعليم رسالة وليس مجرد مهنة، تتطلب أن يعي المعلم دوره ويتحرك بدافع ذاتي داخلي مدركاً لرسالته قادرا على مواكبة سياق الإصلاح، ملتزما بأداء واجبه التربوي وتجنب كل الانحرافات والسلوك الذي يتنافى وأخلاقيات المهنة وثقافة الواجب، مثل اللجوء إلى الدروس الخصوصية المفروضة على التلاميذ والإفراط في الاشتغال في التعليم الخصوصي، كما أن السلطة التعليمية أو التأطيرية أو التكوينية مطالبة بإعادة النظر في أدوار المدرسين عبر التخفيف ساعات العمل وعدم إثقال كاهلهم بعدد من المهام المتعددة واعادة النظر في منظومة التوظيف سواء المباشر أو التعقادي، وذلك لكونه يتعارض مع مبدأ بارز في الميثاق الوطني للتربية والتكوين وفي النظام الأساسي، وهو ربط التوظيف بالتكوين ووضع برامج تأهيلية استعجالية لتنمية قدرات الفاعلين التدبيرية والوظيفية؛ عبر توفير التكوين الأساسي الرفيع والتكوين المستمر. وأعتقد أنه مازال هناك عمل طويل ومجهود ينبغي ان يبذل من أجل تصفية كل الملفات العالقة والمؤثرة على مردودية الهيأة التعليمية، وهذا يقتضي تضافر جهود القطاع الحكومي من أجل خلق الاجواء الكفيلة بتحقيق أهداف الاصلاح التعليمي والتربوي والاستجابة لانتظارات الأسرة التعليمية. ● ما مداخل الإصلاح التي تقترحونها؟ ❍ من مداخل الإصلاح الاساسية التي نؤكد عليها، تطوير البرامج والمناهج وتطوير الكفاءات اللغوية، فكما يقول علال الفاسي «إن الأمة التي تتعلم بلغة غير لغتها لا يمكن أن تفكر إلا بفكر غيرها»، وذلك من خلال دعم وتقوية حضور اللغة العربية بإخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية، و تطوير تدريس اللغة الامازيغية بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، واعتماد مادة إضافية تسمى الثقافة الجهوية بشكل تعكس تنوع المغرب في ظل الثوابت الدينية والتاريخية للوطن، وتقوية التكوين في اللغتين الانجليزية والفرنسية، وتطوير المناهج المعتمدة في هذا الصدد، ومغربة المحتوى التعليمي للمادتين مع الانفتاح المتوازن على مختلف الثقافات العالمية، ودعم التعليم الأصيل ومنحه المكانة اللائقة به داخل المنظومة التعليمية بالرفع من وثيرة إنجاز البرامج المخصصة له، والرقي بجودة الكتب المدرسية والمعينات البيداغوجية وتكوين المدرسين على أحدث الطرق البيداغوجية الحديثة، في تدريس علوم الشريعة واللغات، والانفتاح الواجب على المواد العلمية والتقنية وحوار الثقافات والحضارات، والإقدام على إلغاء الحواجز الذهنية القائمة بين ما يدرس داخل الفصول وبين الممارسات اليومية خارج المدرسة، وكذا تقريب المعارف المجتمعية والرفع من مستوى التحصيل وإذكاء ملكة الفضول من خلال تناول الوضعيات الاشكالية المستقاة من محيط التلميذ، وانخراط مكونات الأسرة التعليمية في إحداث التغيير المنشود والقطيعة مع الطرق التقليدية، وموازاة مع ذلك لابد من استهداف الفضاءات البيداغوجية الأساسية داخل المدرسة الوطنية، ووضع المتعلم وحاجاته في قلب الإصلاح؛ من خلال تحسين ظروف الاستقبال والدعم النفسي والاجتماعي وإعادة الثقة الى المدرسة العمومية عبر العمل على توفير الأمان التعليمي داخل وخارج المؤسسات، والتصدي لانتشار ظاهرة الغش في الامتحانات والميوعة واللامبالاة وفقدان الأمل، و تفشي ظاهرة المخدرات والعنف والإجرام والتحرش الجنسي داخل وفي محيط المؤسسات التعليمية.