فئات متنوعة تنتمي لشرائح اجتماعية مختلفة وجدت في الحديث عن السيارات المقتناة من قبل رؤساء الجماعات الترابية متعة سادية، وبات البعض يزايد على البعض الآخر في انتقاء صور لأنواع مختلفة من السيارات تحمل رمز الجهة العمومية المالكة، مقارنا إياها بصورة عمدة أجنبي يركب حافلة عمومية أو وزيرا أجنبيا يغادر مكتبه على متن دراجة هوائية، ويشجب أولئك ويعلي من شأن هذين، معتبرا إياهما نموذجا للتعفف والحرص على عدم إتلاف المال العام ! وضجت برامج التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية بالحديث عن ذلك "البذخ"! من قبل "المسئولين المغاربة" و "التعفف وترشيد النفقات" من قبل "المسئولين الأجانب" وتبارى المعلقون في أيهم يكون أقدر على نحت عبارة تجسد الإسراف من الجانب المغربي و "التعفف" من الجانب الغربي.
وبعيدا عن تلك المزايدات التي قد تخفي وراءها حسابات سياسية أو تُبطن تشفيا من مؤسسات ظلت محط انتقاد شديد من المواطنين بسبب اقترافها لجرائم الضرب والجرح في "المال العام" ! دعونا نخوض نقاشا هادئا حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من "المعقول" !
ولنبدأ هذا النقاش بسؤال موضوعي:
هل تراه تصرفا طبيعيا أن يغادر رئيس وزراء أو وزيرا أو موظفا ساميا مقر عمله على متن دراجة هوائية أو حافلة أو تُرام عمومي ... الخ؟
وهل يناسب ذلك المسئول، الذي يفترض فيه أن يحرص على عامل الوقت، ويباشر عمله في أي ساعة من نهار أو ليل، لارتباطه بالشأن العام، أن يجعل وسيلة تنقله دراجة هوائية أو وسيلة نقل عمومية تبطئ من حركته وتمنع عنه مصاحبة ملفاته الحساسة التي تقتضي منه اتخاذ القرارات المناسبة في شأنها في أضيق مساحة زمنية ممكنة؟
إن زمن المسئول يختلف اختلافا كبيرا عن زمن شخص عادي، فالأول مطلوب منه تدبيرا عقلانيا للوقت حتى يتسم عمله بالنجاعة والفاعلية، وإلا أضحى، مع تلك التصرفات التي بات العديد من المسئولين يتعمدون تسويقها من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، كصورة رئيس الوزراء التركي أردوغان وهو راكب لترام عمومي، أو وزير العدل والداخلية النرويجي "كنوت ستوبرجيت" وهو يغادر مقر عمله على متن دراجة هوائية ...الخ، مجرد تصرفات "ديماغوجية" فاضحة تستهدف تسويق صورة فاضلة عن أنظمتهم للشعوب الأخرى، خصوصا الشعوب العربية والإسلامية لتكريس الصورة النمطية عن الغرب الفاضل، أو اكتساب شهرة وإعطاء نموذج للحاكم الفاضل سعيا وراء استعادة أمجاد الخلافة كما هو الحادث مع "أردوغان" !
ولإن كان ذلك المسئول اختار بالفعل، وعن قناعة، اتخاذ تلك الوسائل أداة لتنقله، فإنني سأكون أول الرافضين لهذا الاختيار، لأنه في أحسن الأحوال اختيار ساذج وغبي !
إذ كيف سيكون ذلك المسئول في مستوى تطلعات ناخبيه الذين ينتظرون منه البت في آلاف القضايا التي لها ارتباط وثيق بالمصلحة العامة وبعامل الوقت، وهو يستغرق مساحة زمنية طويلة للوصول إلى مكتبه أو منزله؟
إن من حق أولئك المسئولين أن يسوقوا تلك الصور عن أنفسهم، والتي تعطي انطباعا بكونهم متعففين عن المال العام، متقشفين في حياتهم الخاصة، رفعا لمكانتهم بين الناخبين واستزادة من هؤلاء في المقبل من الأيام، أو تسويقا لصورة فاضلة لدى الشعوب الأخرى تحقيقا لأهداف أكبر !
لكن من حقي أن لا أنجر وراء تلك التصرفات "الديماغوجية" وألهث وراءها بالتعليقات التي ترفع من قيمتها، فأكون بهذا بوق دعاية مجاني لسياسي ميكيافيلي !