حتى نكون منصفين ونحافظ على قليل من اللياقة في علاقاتنا الإجتماعية العامة، نقول بملء فينا، أنه لا يحق لأي كان أن يتدخل بأي شكل من الأشكال في الحياة الخاصة لأي كان، ولا يحق له أن يدعو أو يسعى إلى هكذا أسلوب في المواجهة أو التشويه أو الدعاية الفارغة لأغراض تبقى غامضة ومبهمة لأنها حتما سوف تكون تافهة مثل تفاهة وجبن وبلادة أصحابها. ولعل ما تحتويه شبكات المواقع الإجتماعية اليوم والحروب الإفتراضية المعلنة بين فئات معينة من الناس ليدعو فعلا إلى كثير من إعادة النظر في سلوكنا وفي علاقاتنا الإجتماعية التي شملها القصف الرقمي، والعداون الإفتراضي ولم يعد يُنظر إلى الخصوصية الفردية بالإحترام والتقدير اللازمين وفقا لما تصدح به صراحة القوانين والأعراف والعقائد، والتي نجدها متقدمة جدا في هذا المجال لأنها تدعو بداية ونهاية وبكل وضوح إلى أن تُحترم الحيوات الشخصية للجميع دون تمييز أو استثناء. صحيح أن يتحدث الناس اليوم عن الحياة الخاصة والملكية الخاصة لأشياء في الجانب المظلم للشخصية، لأنه أولا: هذا الجانب يتحمل مسؤوليته القانونية/الشرعية، والتربوية/الأخلاقية أصحابه أنفسهم ما داموا في ستر من علم الناس به ولا يجرؤون على الجهر به فحسابهم عند الله تعالى، ولا حق لأحد أن يكشف سترهم. أما من يسعى إلى تتبع عورات الآخرين والحرص الشديد على الإيقاع بهم في أول زلة، والإستمتاع بكل هذا، فلعمري تلك أمراض يستحسن لأصحابها أن يعجلوا بعرض نفوسهم على أقرب مصحة نفسية حتى يلحقوا ما تبقى من ذواتهم. كيف يمكن تفسير ما يقع في التشويه الذي يتعرض له البعض في المواقع الإجتماعية سواء بالصوت أو بالصورة أو بهما معا، وبشكل مقصود ومتعمد؟ ما الذي يجعل البعض يستمتع بالتجريح والدعاية السلبية لغيره من الناس، أو تصيد لحظات ضعفهم ليظهرهم في أبشع صورة؟ هل تحولت تصفية الحسابات الشخصية والسياسية إلى حروب رقمية بالأساس نظرا لقوتها التدميرية، وكفاءتها في تحقيق الأهداف؟ ألم تعد للأعراض حرمة بين الناس؟ نعم هناك طرق كثيرة لتصفية الحسابات بين الخصوم، لكن الخصومات السياسية تصفيتها تكون من خلال الأشكال الديمقراطية وصناديق الإقتراع التي تحسم بشكل شعبي ونهائي بين الطرفين. أما عندما تتحول العوالم كلها الواقعية والإفتراضية إلى حلبات للصراع بل والقتال أحيانا دون قواعد ولا ضوابط قانونية ولا شرعية، فإننا نكون في الوضع الحيواني البهائمي الذي لا يرقب في الخصم إلاً ولا ذمة. مناسبة هذا الكلام تأتي بسبب ما أثاره من ردود فعل متباينة فيديو ماجن مسرب من إحدى العلب الليلية مؤخرا لشخصيتين عموميتين مغربيتين وانتشر في المواقع الإجتماعية بالمغرب، لكن أغلب هذه الردود كانت تميل نحو تعليقات صاحب الفيديو الذي قال فيها أن مثل هؤلاء لا أمان لهم ولا قدرة، ولا كفاءة لهم على الدفاع عن ملفاتنا الدولية في إشارة إلى مجون وزير الخارجية السيد مزوار، كما جاءت التعاليق نفسها أيضا تضرب في شخصية المستشار الملكي السيد عالي الهمة نظرا لمجونه هو أيضا وهو يحتسي بنهم كؤوس الشامبانيا والجميلات تحيط بهما من كل جانب. الآن وحتى نكون واضحين وواقعيين هل كان المغاربة قبل ظهور الفيديو في المواقع الإجتماعية، يعتقدون أن من يحكمهم ملائكة يمشون على الأرض أو أولياء الله تعالى؟ هل كانوا يعتقدون أن من يسوسهم أشخاص ذوي تربية عالية وأخلاق حميدة، وليسوا سكارى ولا مدمنين خمر وحشيش؟ ألم يكونوا يعلموا أن الإنتهازية والفردانية هي السمة الغالبة على سلوك هذه الشريحة من الناس سواء داخل أحزابهم أو داخل منظماتهم الدولية والوطنية؟ الكل اليوم يعلم أن أغلب الفاعلين السياسيين لديهم جنسيتان، وحسابات بنكية ضخمة في عدد من العواصم الدولية، وعدة ضيعات وبقع أرضية كبيرة وشاسعة في طريق زعير وفي غيرها، أخذوها عنوة بثمن بخس دراهم معدودة لأن لهم صفة "خدام الدولة"؟ لا أعتقد أن المغاربة يجهلون كل هذا ويجهلون أن إجازات بعض الوزراء والمدراء العامون والموظفون السامون يقضونها في الأماكن الأكثر غلاء ورومانسية في العالم، ألم يعلم المغاربة أن سياسيينا يحجون بيت الله الحرام على حساب الشعب وليس بأموالهم الخاصة، ولا يؤدون فواتير كثيرة يؤديها عنهم الشعب؟ ألم يكن المغاربة على علم بأمر أساسي ومهم وهو أن السياسة والمجون لازمتان أساسيتان في أنظمة الحكم في البلدان العربية؟ من الغباء أن يعتقد المغاربة أن سياسييهم هم فعلا منهم، ويسهرون لتحقيق مصلحتهم ومصلحة البلد، قطعا ليسوا منهم بحكم الإختلاف الكبير والبائن بين الشعب بعقليته البسيطة، وبميولاته الوطنية والعقدية، وبين النخبة بميولاتها البراغماتية المعقدة المتطرفة المغرّبة. ألم يتسائل المغاربة يوما أن أكثر من ستين سنة مرت على خروج فرنسا من المغرب ولم يستطع هذا البلد مع توالي الحكومات الحزبية ب"زعمائها" والتقنوقراطية ب"شخصياتها" أن ينفض عنه غبار التخلف والتبعية، ويجد لنفسه طريقا واقعيا ووطنيا وحقيقيا نحو الإقلاع الإقتصادي والتنموي بين البلدان بالرغم من الموارد البشرية والطبيعية الهائلة التي يتمتع بها هذا البلد؟ الجواب يا سادتي يكمن في الشخصية العمومية التي ليس لها من الأخلاق والتربية نصيب، ولا من الكفاءة ولا من الحرفية ولا من الإنتماء الوطني والعقدي ما يجعلها تُحْدث الفارق في كل مراحل تطور السياسة بالمغرب وهذا الأمر مع التطور الطبيعي للأشياء صنع لنا فسادا كبيرا في المغرب تحول إلى مؤسسة يحميها الدستور. المشكلة إذن ذاتية وليست موضوعية. شخصيا يبدو لي الأمر عاديا جدا أن ترى أحد الفاعلين السياسيين في وضع لا يحسد عليه سواء كشفه هو بنفسه أو كشفته كاميرات العالم الإفتراضي التي تجوب العالم الواقعي طولا وعرضا لاسيما عندما تعرف حقيقة المعني بالأمر. لكن ما يحز في النفس، ويجعل المرء يتحسر هو ارتباط هذه الشخصية العمومية ببلد اسمه المغرب، وتمثل شعبا اسمه المغاربة تحكمه مؤسسة إمارة المؤمنين التي تُسيّر الشأن العقدي والتربوي والمذهبي للمغاربة. هذه الشخصيات العمومية ليس من حقها بتاتا أن تجد لنفسها مخرجا أو عذرا مما حصل في العلبة الليلية رفقة الحسناوات العربيات وكؤوس الشامبانيا المتدفقة. فحتى المعلق في الفيديو المسرب انطلق في انتقاده من الصفة التي يحملها وزير الخارجية، والمستشار الملكي، وهاتان الصفتان تستدعيان تلقائيا المسؤولية داخل الحكومة المغربية، والمسؤولية داخل أكبر مؤسسة في هرم الدولة المغربية. هل يجوز التغاضي على هكذا سلوك من شخصية عمومية يفترض فيها أن تكون في منآى عن أي شبهة أخلاقية أو تربوية بحكم التمثيلية التي لديها لشعب عريق؟ أمَا كان لهذه الشخصية العمومية ذات المكانة الشديدة الحساسية في مراكز الحكم أن تتحلى بكثير من اللياقة والآداب في مكان عمومي يرتاده جميع الناس؟ أكيد أن الفيديو المصور من داخل العلبة الليلة بالدولة العربية الشقيقة، وفيديوهات أخرى سوف تليها مستقبلا لتعبير صارخ عن رفض شعبي لتمثيلية هؤلاء القراصنة السياسيين في أي حكومة تحترم نفسها، بل وسوف تتحول هذه الفيديوهات المسربة إلى أسلوب ضغط شعبي إنتقامي من هؤلاء الذين لا يمكن أن تطلهم أيادي المحاسبة داخل مؤسسة القضاء أبدا بحكم الصفة التي لديهم وبحكم امتيازهم وموقعهم الحساس. لكن يكفيهم الرأي العام الوطني الذي تشكله هذه التسريبات، والرفض الشعبي الكامل الذي يضعهم في موقف الإتهام والتشكيك الدائم حتى في مصداقيتهم الوطنية والسياسية.