في نهاية القرن العشرين سقط الاتحاد السوفياتي وأخذ معه النظريات الشيوعية والاشتراكية والماركسية وأنهى المعسكر الاشتراكي وتوزعت تركته بين روسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، التي أقامت قواعد وروابط متينة مع بعض دوله، وتركيا التي أخذت جانب دعم بعض الجمهوريات الإسلامية المستقلة. والأهم من كل ذلك أن القرن الجديد بدأ مع نهاية الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي وبدأ البحث عن عدو جديد (أو «فزاعة») يُستغل لإشغال الرأي العام به وبأخطاره والإبقاء على حالة الاستنفار الرامية إلى استغلال العدو المزعوم في تحقيق المصالح والمطامع والمطامح واستخدامه كمبرر لتوزيع المكاسب والمغانم. ومن دون بحث أو عناء، تفتقت عبقرية الإستراتيجيين والمنظرين والمغرضين وأغلبهم من الصهاينة واللوبي الصهيوني وأعداء العرب والمسلمين، فكانت النتيجة بأن الإسلام سيكون العدو الجديد للغرب ولما يسمى بالحضارة الغربية بعد شطب أخطار الشيوعية. ومن هنا انطلقت نظرية «الإسلاموفوبيا» أو «الخوف من الإسلام» وتم الترويج لها بشتى الوسائل والإمكانات الإعلامية والسياسية. انطلقت هذه الحملة من قبل عدد من الشخصيات الفكرية والزمنية كشفوا فيها النقاب عن أن نزعة العداء للمسلمين تعد سمة التسعينات في بريطانيا، وانها ستكون مركزة في نفسية الشعب البريطاني إذا لم يتم علاج الموضوع من قبل الحكومة البريطانية ومن قبل المسلمين أيضاً. وذكر فيليب لويس، مؤلف كتاب «بريطانيا الإسلامية» (صدر عام 1992) أن رواية سلمان رشدي «آيات شيطانية» زادت من مستوى الجدل حول الإسلام وأن الإعلام الغربي صبّ الزيت على النار. وصوّرت «الإسلاموفوبيا» الإسلام على أنه دين بربري ومتوحش، معيدة إلى الأذهان أسلوب التعامل في القرون الوسطى، ومذكرة بالحروب الصليبية، إلى درجة أن مستشاراً سابقاً لمارغريت ثاتشر نشر كتاباً بعنوان «التهديد الإسلامي لأوروبا المسيحية والاستعمار الإسلامي التدريجي لأوروبا الغربية والوسطى». كما أن برنارد ليفين كتب في صحيفة «التايمز»، أنه خلال قرن سيكون هناك معركة ينتصر فيها الأصوليون ويصبح اسم أوكلاهوما... الخرطوم! وادعى أن المسلمين يطالبون بتضمين الدين الإسلامي في قانون التمييز العنصري... وفي الفترة الأخيرة كانوا أكثر من تعرض لتحرشات عرقية. وقد ساهمت التغطية الإعلامية في إذكاء العداء ضد المسلمين في أوساط الشعب البريطاني. وخلال أيام انتقلت الحملة «كالنار في الهشيم» وامتدت إلى الولاياتالمتحدة والغرب ثم إلى الشرق وروسيا بالذات بعد المجازر في الشيشان... وروج لنظريات «صراع الحضارات» و «نهاية التاريخ»... وغيرها. وبكل أسف، فإن العرب والمسلمين لم يدركوا أبعاد هذه الحملة ونواياها الخبيثة بل ساهم بعضهم في صب الزيت على النار، إما عن طريق تحريض الجاليات الإسلامية على التمرد على القوانين أو بالقيام بأعمال وتصرفات بعض الأفراد ثم جاءت الثورة الإيرانية وعمليات احتجاز الرهائن ومجاهرة العداء للغرب لتكمل «العدة» التي استخدمها الأعداء لإثبات صحة نظريتهم المزعومة. أما أحداث زلزال العمليات الإرهابية في نيويورك وواشنطن وما تبعها من تفجيرات وعمليات انتحارية، فقد كانت ك «القشة التي قصمت ظهر البعير» وشكلت نقطة تحول في المؤامرة الخبيثة مهدت السبيل لغزو أفغانستان، إلى غزو العراق وكل ما تلا من أحداث وتطورات أججت نار الأحقاد وطرحت السؤال الغبي في الغرب، وهو: «لماذا يكرهوننا؟»، مع العلم أن العكس صحيح، وأن البادي أظلم والمظلوم أحق بطرح مثل هذا السؤال. واليوم فيما نرى أن حملة «الإسلاموفوبيا» قد خفت حدتها في الغرب وكادت أن تشهد إسدال الستار عليها، بل أكثر من ذلك أن الغرب بدأ بتقبل حكم أنظمة إسلامية معتدلة نجد أنه من المؤسف والمستهجن والمستغرب أن العرب استوردوا نظرية «الإسلاموفوبيا» ليتبنوها ويروجوا لها ويزرعوا بذور الخوف من الإسلاميين والسلفيين وصولاً إلى التلويح بانتصار المتطرفين والإرهابيين والأصوليين بعد ثورات الربيع العربي. ففي الوقت الذي بدأت فيه سفينة الحوار بين الإسلام والغرب بالإبحار في اتجاه شاطئ الأمان والتفاهم ونشر ثقافة قبول الآخر ونبذ التطرف نسمع أصواتاً عربية ترفع الصوت عالياً وتردد عبارات وتصدر بيانات عن أخطار المرحلة وتنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور على المسيحيين وما يسمى بالأقليات. وفي الوقت الذي تشهد فيه روما، عاصمة الكثلكة، جلسات الحوار الإسلامي المسيحي بمبادرة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز ويتم افتتاح أول مركز للحوار باسم خادم الحرمين الشريفين في الغرب تزداد حدة حملة «الإسلاموفوبيا» في ديار العرب والمسلمين. ومن دون الخوض في غمار تجربة الإسلاميين في الحكم، رغم حداثتها، فهذا مجاله مقال آخر بعد متابعة مجريات الأمور ورجحان الكفة بين النجاح والفشل، لا يسعنا إلا أن نذكر بوقائع التاريخ والجغرافيا وحقائق لا يمكن دحضها، وأهمها ان الحكم الإسلامي بدأ منذ أكثر من 1400 سنة ولم يقدم فرد واحد على التعرض للمسيحيين والأقليات وأديرتهم ومقدساتهم وحرية ممارسة طقوسهم وأكبر دليل على ذلك، أنها ما زالت قائمة حتى يومنا هذا بكل احترام وتقدير وتسامح، بل ان الانتهاك الوحيد لحقوق المسيحيين جاء على يد إسرائيل في فلسطينالمحتلة والقدس الشريف. ولا مجال في هذه العجالة للتوسع في الحقائق والوقائع لكن الواجب يفرض الاعتراف بالتقصير في إبرازها والإقرار بأن تصرفات بعض المجموعات والأفراد منفرة ومستهجنة ولا سيما في الآونة الأخيرة. ويكفي الاستشهاد بالقرآن الكريم للتأكد من قيم دين الإنسانية والمحبة. وأختار من آياته أمثلة على سبيل المثال لا الحصر وهي: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً»، و «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن». هذا التقصير في الدعوة والإيضاح تقع مسؤوليته على المسؤولين ورجال الدين والإعلام العربي، لاسيما في هذه المرحلة التي تربع فيها الإعلام على عرش القلوب والعقول، ففي قمة أولوياته يجب أن يضع محاربة التطرف والإرهاب وإطفاء نار الفتن والترويج للحوار. ومن مسؤولياته أيضاً الأهداف التالية: • التركيز على الإنسان ودوره الفاعل في المجتمع والأوطان ورفضه الانجرار وراء إغراءات الانحراف وموجات العنف وآفات العصر الجديد وأولها آفة المخدرات التي تهدد أجيالنا الصاعدة. • لا بد من إبراز أهمية دور كل فرد ولا سيما المرأة التي هي نصف المجتمع وتشجيعها على ممارسة هذا الدور ونشر التوعية لدى المواطنين، والرجال بالذات، لاحترام هذا الدور الذي كرمه الله عز وجل. • نشر الوعي الديني والإعلامي لدى الناس والمتلقين عن طريق الشرح السليم وإبراز القدوة الحسنة وتشجيع فهم الدين فهماً صحيحاً والتركيز على الجوهر والأساس لا القشور والمظاهر. • المساهمة في محاربة الظواهر المرضية والتصدي لكل الانحرافات والاتجاهات المسيئة والممارسات الخاطئة بكل جرأة وشجاعة وفق الأساليب الحضارية والعصرية وبعيداً عن التشنج والعنف والاتهامات والأساليب السلبية التي تثير الاستفزاز والعداوات والفتن. • المساهمة في مجابهة دعوات التطرف وأعمال العنف والإرهاب والتخلي عن دور «الشيطان الأخرس» الذي يخاف قول كلمة الحق وكشف الباطل ويسعى إلى طلب السلامة واتباع أسلوب النعامة. • العمل على إبراز سماحة الإسلام وعالميته وقدرته على مواكبة روح العصر وتحقيق السلام والتعارف والتعايش بين البشر وضمانه لحقوق الإنسان في أرقى صورها ومعاداته للتمييز العنصري والتطرف والتعصب، والتأكيد على أن الإسلام يحترم الأديان السماوية الأخرى ولا يكنّ أيَّ بغضاء للمؤمنين بها أو يسعى إلى عداوتهم، بل يجب التركيز على الوحدة والتعايش والسلام والمحبة بين أبناء الوطن والواحد والأمة الواحدة. إنها مسؤولية كل واحد منا، وهي مسؤولية تاريخية لوأد الفتنة وهي في مهدها وإزالة كل لبس أو سوء فهم وقطع الطريق على كل من يسعى إلى إثارة الفتن والبغضاء لتقسيم الأمة إلى كانتونات متحاربة ونزاعات طائفية ومذهبية ودينية وعرقية تسعى إلى نقل معركة «الإسلاموفوبيا» من الغرب إلى عقر دارنا لنضرب من بيت أبينا... ونروج لظلم ذوي القربى.