محمد عويس أوصى المشاركون في مؤتمر «الإسلام في مواجهة العنف»، الذي عُقد في مدينة تلمسانبالجزائر، بنشر الفهم السليم للدين الحنيف عبر مختلف الأجهزة الإعلامية والتربوية والثقافية، وضرورة تجنيد المجتمع المدني ليكون وسيطاً فاعلاً في المجتمع لترسيخ صورة الإسلام السمح، وحل النزاعات على كل المستويات والمساهمة في حل جميع المعضلات والمشاكل عن طريق الحوار الحكيم، وكشف المتسترين وراء الدين الحنيف للقيام بأعمال منافية لمبادئه، والتفريق بين جريمة الإرهاب وحق الشعوب في الدفاع الشرعي والمقاومة، وأن البديل الإنساني الوحيد المطروح أمام الحضارات هو الحوار من أجل تحقيق السلم والعدل والوئام. وشارك في فعاليات المؤتمر عدد كبير من الباحثين والأكاديميين من مصر والجزائر والمغرب وتركيا وفرنسا والسويد وسويسرا، على مدار ثلاثة أيام برعاية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، وذلك ضمن فعاليات اختيار مدينة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية 2012. وقال وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، بوعبد الله غلام الله، إن «الملتقى يُعقد وسط أجواء استثنائية يعيشها العالمان العربي والإسلامي، خاصة في ضوء الهجمة الكبيرة التي يتعرض لها الدين الإسلامي من قِبل الغربيين، الذين لم يفهموه جيداً ملصقين الإرهاب به، وإن الإسلام دين حب وتسامح وإخاء ورسالته نبيلة منذ بروز الدعوة الإسلامية خلافاً لما يدعيه الذين يسعون إلى الخلط بين الإرهاب والإسلام». ودعا غلام الله إلى «فهم جيد لرسالة الإسلام عن طريق الحوار الذي يعتبر من أفضل الوسائل الحالية للقضاء على ظاهرة العنف أو الحد منها على الأقل»، معتبراً أن «الملتقى الختامي جاء ليكشف المعاني الحقيقية للإسلام ودوره الكبير في التصدي لظاهرة العنف التي لا تقتصر على الإرهاب فقط، وإنما تتعداه إلى الجريمة المنظمة والمخدرات والاعتداءات وغيرها». ورفض وزير التعليم العالي الجزائري السابق، مصطفي شريف، في دراسته «الإسلام والمشروع الحضاري»، التعددية الثقافية والأديان، معتبراً أن الظاهرة «قديمة»، لكنها زادت في إطار الوضع الجيواستراتيجي، بعد هدم سور برلين. وأكد حق الشعوب في تقرير مصيرها، واعتبار الدفاع الشرعي على سيادتها وهويتها وكرامتها حقاً مشروعاً، نافياً ادّعاءات الغرب للحداثة، وقال: «لا توجد حداثة في الغرب، لأن الحداثة مبنية على العقل والعدل، والغرب ركّز على العقل وضيَّع العدل». وأعتبر النظام العالمي «نظاماً غير ديموقراطي وغير عادل، ويدعو إلى العنف الهمجي والهيمنة على الشعوب المستضعفة». وأشار أستاذ اللغة والآداب والحضارة العربية في جامعة ستراسبورغ بفرنسا، الدكتور عبد الكريم ميشال باربو، في ورقته «محاربة عنف معاداة الإسلام»، إلى أن الشعب الفرنسي «يعيش منذ قرون بعض التناقضات التاريخية والأيديولوجية التي تؤيّد الحملة الأخيرة على المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى الامتناع عن مواجهة ماضيها الاستعماري، خاصة في الجزائر». وانتقد باربو «عدم اهتمام الإعلام الفرنسي بحرب التحرير الجزائرية عكس الولاياتالمتحدة التي أولت اهتمامها بحرب فيتنام»، معتبراً ذلك الأمر تناسياً منها لمعاداة الشعب الجزائري. وأشار الدكتور رفعت سيد أحمد الخبير في دراسة الحركات الإسلامية – مركز يافا للدراسات والأبحاث – القاهرة في ورقته «الإسلاموفوبيا الصورة النمطية عن الإسلام»، إلى أن «خلط الحقائق والقضايا عمداً سمة ثابتة وغالبة (إلا من استثناءات قليلة) في رؤية الغرب، ساسة ومفكرين، تجاه الشرق الإسلامي وقضاياه الرئيسية، خلال المائتى عام الأخيرة، ولقد زادت هذه السمة وضوحاً أخيراً نظراً لطبيعة الأحداث والثورات المتلاحقة التي تلم بالمنطقة. ومن بين أبرز القضايا التي يتم فيه غربياً خلط المفاهيم، قضية «الخوف من الإسلام» أو «العداء للإسلام»، ما اصطلح على تسميته ب «الإسلاموفوبيا»؛ والتي تعني في أبسط معانيها، أن الإسلام دين للعنف وأن المسلمين دعاة تعصب وكراهية للآخر، وأن الحضارة الإسلامية ترفض الحرية والعدل وقيم الحق والجمال، على النقيض تماماً مما دعا إليه هذا الدين وأتباعه من المسلمين، عبر تاريخهم الممتد وبنته حضارتهم من نماذج منيرة لأنبل القيم الإنسانية». وطرح الباحث بعض الآليات والوسائل لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا من خلال «ثلاثة محاور، الأول يتصل بالبعد القيمي وجذور الخلافات الروحية بين الإسلام والغرب، وكيف أن مناط الخلاف الرئيسي بين الغرب كثقافة ومشروع هيمنة وبناء حضاري مادي، وبين الإسلام كحضارة ومشروع نهضة، يتصل بنظرة كل منهما للإنسان، ودوره في بناء الحضارة والقيم، وغلبة النظرة المادية الغربية قياساً بالنظرة الإسلامية – الوسطية - التي تمزج الدين بالدنيا، والمادة بالروح عندما تنظر إلى الإنسان؛ أما المحور الثاني فهو البعد الاستراتيجي لظاهرة الإسلاموفوبيا، والذي يُعنى بدراسة وفهم الأسباب الاستعمارية الجيوسياسية التي دفعت الغرب للعداء للإسلام، سواء من حيث الموقع الجغرافي المتميز والمترابط لبلاد الإسلام وفي القلب منها الوطن العربي، أو الثروات الطبيعية التي يحتويها وفي مقدمتها النفط، والتي يعتمد عليها في حياته الاقتصادية أو انطلاق روح الثورة والمقاومة منه، التي يسميها الغرب إرهاباً، وخاصة في العقدين الأخيرين اللذين شهدا انتفاضات فلسطينية باسلة وانتصاراً عراقياً على الاحتلال الأمريكي وانتصارين لبنانيين بقيادة حزب الله على العدو الصهيوني، ثم انطلاق ما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي التي كان بعضها (مثل مصر وتونس) (وليس كلها) بمثابة صدمة استراتيجية للغرب ومصالحه، فانطلق عداؤه من عقاله نحو الإسلام والمسلمين والعرب بثوراتهم ومقاومتهم». أما في المحور الأخير «في تناول السبل الصحيحة لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا»، فقدم «وسائل عدة منها: العمل بقوة على تقديم الإسلام الوسطي للعالم، البعد عن التعصب الديني والمذهبي المفرق للأمة، الاستخدام الجيد للإعلام، نشر النماذج المضيئة في تاريخنا الإسلامي، إبراز وفضح الدور الصهيوني والأمريكي في تشويه الإسلام وتقديم صورة مستفزة عنه، تنشيط دور السفارات العربية والإسلامية في إيضاح صورة المسلمين الصحيحة في المجتمعات الغربية، دور المساجد والمراكز الثقافية والفضائيات والجمعيات الإسلامية في الغرب في نشر الإسلام الصحيح». وفي ورقته «ملامح الخطاب الإسلامي في بلاد الغرب»، أكد الدكتور حسان موسى، نائب مجلس الإفتاء السويدي «ضرورة تغيير الخطاب الإسلامي مراعاة للحال والمكان، لأن الفتوى تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان»، مشيراً إلى أن «هذا الخطاب جاء للبشرية كلها ودعوة للفطرة الأصلية، باعتباره قائماً على خطاب النّفس كلّها، عقلاً ووجداناً وحساً»، موضحاً أن «الوجود الإسلامي في الغرب لا يعيش منعزلاً عن محيطه، فهو يراعي التغيرات والتقلبات، سواء كانت محلية أم دولية، ويتفاعل معها ويستجيب لمقتضياتها». قال إن الغرب يحاول «منع بناء المآذن، ثم منع بناء المساجد، ثم منع النقاب، ويسعى إلى منع ارتداء الحجاب ومنع الدعوة إلى الإسلام»، مؤكداً أنّ «الإسلام أتى ليبقى في أوروبا، ولن يحدث انتقال بعز عزيز أو بدل دليل، كما حدث بعد سقوط الأندلس». وأوضحت الدكتورة أسماء بن قادة من الجزائر في ورقتها «الإسلاموفوبيا عندما تتحوَّل إلى أيديولوجيا: الأبعاد الاستراتيجية للظاهرة» أنّه «تمّ تجاوز الإسلاموفوبيا كحال سيكولوجية إلى محاولة بناء مُسلَّمَة تستلزم تبنّي موقف فكري وأيديولوجي دائم تجاه هذا الدِّين، من خلال مقاربات علمية تسعَى إلى تثبيت صورة ذهنية تقوم على حقائق علمية تقضي بأنّ العقل الإسلامي عاجز بنيوياً عن هضم الفلسفات الغربية، منذ أرسطو إلى اليوم». وانتقدت بن قادة «مساندة المفكر الفرنسي ألكسيس دي توكفيل سياسة العنف التي انتهجتها فرنسا ضدّ الجزائر والمقالات التي كتبها أثناء زياراته المتكررة للجزائر بين 1841 1846 في حين كان يدعو للديموقراطية والحرية ومحاربة الاستبداد ومساندة النظم العادلة وحرية التعبير ودولة القانون».