هذه النوعية من الكتب لا تتصدر عادةً مداخل المكتبات، خاصةً فى أروقة المطارات، وبصفة أكثر خصوصية فى مطار كمطار جون كينيدي فى نيويورك، لكنّ كتاباً يحمل عنواناً ثقيلاً هو «صعود إيران النووية: كيف تتحدى طهران الغرب» يتخذ على غير العادة موقعه إلى جوار قوالب الشيكولاتة وعلب الواقي الذكرى قرب الخزينة لعل الزبون يتشجع على شرائه فى اللحظة الأخيرة. يأتي هذا مثالاً آخر لسطوة اليهود على صناعة النشر فى الولاياتالمتحدة، فمؤلف الكتاب هو «دورى جولد»، المستشار السياسي لبنيامين نتنياهو أثناء فترة رئاسته الأولى للحكومة الإسرائيلية ومندوب إسرائيل الدائم لدى الأممالمتحدة من عام 1997 إلى عام 1999،ربما أقرب ما يقفز إلى الذاكرة عنه أنف معقوف ومقدمة رأس صلعاء تعلوها القبعة اليهودية الشهيرة ولهجة أمريكية رائعة ومنطق إسرائيلي فاجر. الرسالة التي يخلص إليها الكتاب فى النهاية بشكل متوقع هى أننا إذا لم نقف جميعاً أمام الطموحات النووية لإيران فإن العالم كله، لا إسرائيل وحدها، إلى فناء قريب. ومن أجل هذا فإنه يعمد مباشرة إلى قلب معدة الأوروبيين على أساس شخصى وتعميق شكوكهم نحو طهران بالتركيز على ما يزعم أن المسئول الإيرانى السابق، حسن روحانى (الذى مثل بلاده فى المفاوضات مع الاتحاد الأوروبى من 2003 إلى 2005) قد قاله قبل مغادرة منصبه فى اجتماع مغلق (لا يوضح جولد كيف اخترق ذلك الاجتماع المغلق). يقول جولد إن روحانى تشدق بخداع الغربيين فقال: «بينما كنا نتفاوض مع الأوروبيين فى طهران كنا نقوم بتركيب معدات فى قطاعات من مفاعل أصفهان» وأنه نتيجة لطريقته فى إدارة المفاوضات «سيواجه العالم بالأمر الواقع الذى سيغير المعادلة كلها»، و يبني جولد على مجموعة أخرى مما يقول إنها اقتباسات مباشرة من روحاني أنه بينما بدأ هذا يجلس إلى طاولة المفاوضات مع الأوروبيين لم يكن لمفاعل أصفهان أصلاً أى قدرة على تحوير اليورانيوم، وإنما تم ذلك أثناء فترة التفاوض، فى هذا المثال، وفى غيره من أمثلة عبر الكتاب الصادر بلغة إنجليزية أمريكية بسيطة بليغة فى أربعمائة صفحة، يقصد جولد تماماً أن يدعونا إلى الاعتقاد بأنه لا طائل من الحديث مع بنى فارس الشيعة. هؤلاء كما يبني حجته فى موضع لاحق من الكتاب لا يمكن ردعهم. فى هذا الإطار يلجأ إلى التاريخ فيبدأ بضرب إسفين بين أصحاب الدين الواحد، حتى وإن اختلف المذهب، فيقول إنك إذا أخطأت فوصفت إيرانياً بأنه عربى فإن ذلك يعتبر «سُبة»، ويدلل على ذلك بقوله إنه رغم أن معظم العرب لا يفتخرون بعصرهم الجاهلى، فإن الإيرانيين يتحدثون بكل فخر عن «أمجاد الحضارة الإيرانية» مثلما تحدث عنها الرئيس السابق محمد خاتمى مرفقاً إياها بالحضارتين الإغريقية والرومانية. لكنّ ما يعني جولد فى هذا كله أن يثبت لنا أن هذا «الصنف» من الفرس الشيعة صنف معقد نفسياً منذ ضياع الخلافة من آل البيت ومقتل الحسين مروراً بالدولة الصفوية التى حاربت الإمبراطورية العثمانية السنية وصولاً إلى «استخدام فرق من الأطفال لتنظيف حقول الألغام أمام القوات الإيرانية فى حربها الطويلة مع القوات العراقية»، هم إذن «لا يرعوون» وأحد أدلته على ذلك أن خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله، قال لأحد كبار المسئولين الأمريكيين ذات يوم بعد غزو العراق عام 2003: «لقد سمحتم للفرس، للصفويين، بأن يستولوا على العراق». وكما يمكن بكل تأكيد أن يتوقع القارئ، يركز جولد تركيزاً شديداً على التاريخ «الإرهابى» الحديث لإيران وصنائع إيران بطريقة تصل بسهولة إلى قلب القارئ الغربى، ثم يعرج من ذلك إلى ما يأمل أن يكون الضربة القاضية لإقناعنا بأن ضرب إيران أجدى كثيراً من الحديث معها: «لقد تحدث أحمدى نجاد فى خطابه أمام الأممالمتحدة عن الإسراع بظهور الإمام الغائب، وفى الواقع يمكن لذلك أن يحدث وفقاً لجمعيات دينية سرية ينتمى إليها أحمدى نجاد نفسه بشرط إحداث فوضى عالمية».