رغم ان القرن 21 هو قرن مجتمعات الاعلام والمعرفة فما زال صناع القرار بالمغرب يعيشون خارج هذه المنظومة، وما زالوا غير واعين بأهمية التواصل السياسي وسلطة الكلمة في صناعة القرار السياسي وتوجيه الرأي العام،وهو ما برهنت عليه الأزمة القائمة بين المغرب والامين العام للأمم المتحدة حيث تم تغييب تواصل تدبير الازمات كعلم تلتجئ اليه الدول الديمقراطية في أزماتها السياسية الكبرى لتطويق تداعيات الازمة واحتواءها والتقليص من حجم حدتها بدل التصعيد بين اطرافها ، وهذا ما ينطبق على الازمة الدائرة اليوم بين المغرب والامين العام للأمم المتحدة والتي هي في حاجة ماسة اليوم- أكثر من أي وقت مضى- لتواصل تدبير الأزمات لأسباب متعددة نذكر من بينها: سياق الازمة بين المغرب وبان كيمون ليس في صالح المغرب: اندلعت هذه الازمة في وقت دقيق من تاريخ تطور ملف قضيتنا الوطنية لا يخدم مصالح المغرب في ملف الصحراء لأنها برزت شهرا قبل تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره لمجلس الامن الدولي لاتخاذ القرار النهائي في ملف النزاع المفتعل بين المغرب والجزائر اي 30 ابريل 2016 .صحيح ارتكب الأمين العام للأمم المتحدة أخطاء كبيرة في حق المغرب لكن الرد عليه يجب ان يكون مهنيا واخلاقيا واحترافيا لا يمس بكرامته لأنه في كل الأحوال هو امين عام للأمم المتحدة وهو في اخر سنة من ولايته الثانية وليس له ما يخسره عكس المغرب الذي هو في حاجة اليه على الاقل من زاوية الالتزام بمهامه المحددة في ميثاق الاممالمتحدة. والأكيد إن قادة الجزائر هم من كانوا وراء تحديد توقيت زيارته للمنطقة،وهم الذين دفعوا الأمين العام للأمم المتحدة التصريح بألفاظ تتعارض والقانون الدولي بهدف إعادة ملف الصحراء للواجهة شهرا قبل قرار مجلس الامن ليوم 30ابريل 2016، وعلى المغرب ان لا يسقط في فخ الجزائر التي ورطت الأمين العام للأمم المتحدة وتريد توريط المغرب في أزمة مع الأممالمتحدة لن تخدم إلا الأجندة الجزائرية . بان كيمون ضحية الفخ الجزائري: الانزلاقات التي وقع فيها الامين العام للأمم المتحدة بان كيمون بتندوف صنعتها النخبة العسكرية والمخابراتية الجزائرية وقد توفقت في خطتها لجعل بان كيمون يقع في أخطاء قانونية وسياسية ولفظية لا تليق بأمين عام للأمم المتحدة فهي التي اختارت زمن الزيارة ومكانها ومحتواها بهدف واحد هو تأزيم العلاقات بين المغرب والاممالمتحدة شهرا قبل عرض بان كيمون تقريره على مجلس الامن خصوصا وان الجزائر تدرك جيدا بان قضية الصحراء قد تلاشت ولم يعد يتحدث عنها احد فالتجأت إلى وضع الأمين العام للأمم المتحدة في مصيدة مدروسة لا عادة ملف الصحراء للواجهة عن طريق تأزيم العلاقات بين المغرب وبان كيمون شهرا على عرض الملف على مجلس الأمن الدولي، وبالفعل فقد سقط بان كيمون في الفخ الجزائري من خلال تحوله من أمين عام للأمم المتحدة إلى محامي عن جبهة البوليساريو. الرد المغربي صنعه حدث تصريحات السيد بان كيمون: من المؤسف أن ردود المغرب المختلفة حول ملف الصحراء – في سياقات مختلفة- تكون في أغلبيتها ردود فعل على أحداث ونادرا ما يصنع المغرب الحدث ، ونبرهن على ذلك بالمسيرة الشعبية المليونية التي نظمت يوم الأحد 13 مارس ومسيرة العيون ليوم 15 مارس حيث أن المسيرتان جاءتا كرد فعل على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة في حين أن ملف الصحراء في حاجة ليصنع هو الحدث .و كان يجب انتظار زيارة بان كيمون لتندوف والإدلاء بتصريحات معادية للمغرب لتتحرك الأحزاب والحكومة والنقابات والمجتمع المدني ناسين ما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى 6 نونبر 2015 حيث طالب جلالته من كل مكونات المغرب مواصلة اليقظة والتعبئة والتصدي لمناورات الخصوم بكيفية استباقية، وعليه على الحكومة والأحزاب والنقابات وكل مكونات المجتمع المدني أن تكون فاعلة وليس مفعولا بها في ملف الصحراء ويجب ألا ننتظر صدمة السويد وضربة المحكمة الاروبية وتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة لتتحرك, دور تواصل تدبير الازمات في عز الازمات: يعتبر هذا النمط التواصلي ضرورة حين تتأزم العلاقات بين الدول او المؤسسات ويهدف إلى محاولة الحفاظ على حد أدنى من التواصل مع الطرف / الخصم . وعليه ، وانطلاقا من مبادئ وأسس واصول تواصل تدبير الازمات يجب أن نتفق – نحن الشعب المغربي المجروح من تصريحات بان كيمون- أن ما وقع وقع ويجب أن نوجه المواجهة مع قادة الجزائر قبل الأمين العام للأمم المتحدة وان اختيار منهجية السب والقدف والاستهزاء من الأمين العام للأمم المتحدة لن يؤدي لأي نتيجة ، وإذا كان من حقنا انتقاد تصريحاته الجارحة لنا جميعا علينا ان ننتقده وفق معايير مهنية واحترافية واخلاقية وبكثير من المرونة خصوصا وان المغرب في وضعية لا يحسد عليها ، وان النقد الجارح للامين العام للأمم المتحدة سينتهي في آخر المطاف إلى تأجيج النزاع لا إلى حلّه. لذلك تدعو الحكمة ان نضبط خطاباتنا اتجاه بان كيمون والبحث عن فهم اسباب تحول موفقه وفي هذ الوقت الذات معتمدين في ذلك اسس علم تواصل تدبير الازمات وليس علم التصعيد بهدف تطويق الازمة معه واحتوائها لان الاستمرار في سب وشتم الأمين العام للأمم المتحدة بأقبح النعوت ليس في صالح المغرب ولا يساعد على تطويق واحتواء الأزمة، بل انهما يساهمان في تصعيد المواقف وتصلبها وهذا ما تريده الجزائر لذى على المغرب ان لا يقع في فخ الجزائر كما وقع بان كيمون. ليس من مصلحة المغرب التصعيد مع الأمين العام للأمم المتحدة: يؤكد علماء المفاوضات وعلماء تواصل تدبير الأزمات بأن أفضل الحلول للحد من تطور الأزمات ووجود حلول لها حلها هي تطويق الأزمة وهذا ما يجب أن نعمل به في أزمتنا مع بان كيمون التي تحاول الجزائر وصنيعتها البوليسا ريو اليوم توظيفه ضد المغرب من خلال استغلال بعض الالفاظ والجمل الماسة بالكرامة الانسانية التي رفعت ضد بان كيمون في مسيرة يوم 13 مارس ونشرتها في بعض المواقع الالكترونية والورقية وفاهت بها بعض القيادات السياسية وهي لا تمثل موقف المغرب الرسمي والشعبي ولكن تعبرعن بعض المناوشات الفردية اتجاه تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة وقد يلعب تواصل تدبير الأزمات دورا محوريا في حماية المغرب في الوقوع في أزمة كبيرة مع الأمين العام للأمم المتحدة عبر مدخلين أساسين: أ-ضرورة تطويق الأزمة: تعتبر عملية تطويق الازمة بين المغرب وبان كيمون ضرورة في الوقت الراهن ضرورة ملحة حتى لا تتسع دائرة المواجهة ، مع ضرورة التمييز بين هيئة الاممالمتحدة وتصريحات بان كيمون التي لا تعبر عن موقف الهيئة تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة رد عليها الشعب المغربي بمسيرته المليونية لكن يجب بعد هذه المسيرة ممارسة ضغوطً على الأطراف المعنية بملف الصحراء لتطويق الأزمة حتى لا تستغلها الجزائر والأكيد أن تطويق الأزمة مع بان كيمون سيفشل اجندة للجزائر التي تحاول بكل الوسائل صب المزيد من الزيت على الفتيل على الأزمة الدائرة اليوم بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة بهدف تصعيد المواجهة بينهما.
ب-احتواء الأزمة لكي لا توظف من طرف اعداء الوحدة الترابية: وضع المغرب يفرض عليه فتح حوار مع الأمين العام للأمم المتحدة بهدف احتواء الأزمة التي كانت وراءها الجزائر، لكون المنطق يتطلب من المغرب تصفية مشاكله وأزماته مع الامين العام للام المتحدة قبل 30 ابريل بدل الاستمرار في خوض حرب إعلامية واتهامات غير مدروسة توسع من مجال الازمة بدل احتوائها مما سيكون له تداعيات سلبية على مستقبل علاقات المغرب مع هيئة الاممالمتحدة تواصل تدبير الأزمات ضرورة لمواجهة أعداء الوحدة الترابية: جيد أن تناقش الأزمة من زاوية القانون الدولي والعلاقات الدولية والعلوم السياسية لكن الأجمل كذلك أن تدرس من زاوية علم تواصل تدبير الأزمات حتى يمكن أن نتفادى تكلفة بعض الكلمات آو المواصفات التي تطلق من طرف بعض القوى والمنابر الإعلامية المغربية على الأمين العام للأمم المتحدة دون أي وعي بسلطة اللغة وبخطورتها وبعيدا عن أي تقيد بقواعد المهنية والاحترافية والاخلاق في نقد تصريحات بان كيمون .إن الحكمة السياسية تفترض احتواء الأزمة وتطويقها ، فتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة كانت مفاجئة وغير متوقعة،و أمام هذا الوضع يجب أن يتدخل علم تواصل تدبير الأزمات ليحول أزمة المغرب مع الأمين العام للأمم المتحدة إلى فرصة للتفاهم عبر احتواء وتطويق الأزمة بينهما شريطة الوعي بان كل عمليات الاتصال في ظروف الأزمة تفترض امكانيات وقوع انزلاقات ومخاطر الأمر الذي يتطلب من تواصل تدبير الأزمات الكثير من المهنية والاحترافية والمهارات، لانه منذ القدم كان التواصل أداة أساسية من أدوات تدبير الأزمات لكن شريطة ان لا يكون التواصل في عز الأزمات تمرينا لغويا او تعبيرعاطفيا عن موقف بل يجب ان يكون هو سلطة تطوق وتحتوي الأزمة القائمة وهنا اتذكر جملة قالها الراحل الملك الحسن الثاني مخاطبا الراحل صدام حسين الذي رفض الخروج طوعا من الكويت رغم توسل كل قادة الدول له: -قلبي معك ولكن عقلي ليس مع- جملة بسيطة لكنها عميقة الدلالة تميز بين مواقف العواطف حيث ينتصر تواصل القلب وبين مواقف العقل حيث تنتصر تواصل العقل خصوصا في زمن الأزمات. الأمر الذي أصبح يفرض على صناع القرار بالمغرب- في ظل الأزمة القائمة بين المغرب والأمين العام للامم المتحدة حول ملف الصحراء- تحديد إستراتيجية تواصلية مسؤولة تستجيب لمتطلبات الأمن الإعلامي فى زمن اتسعت فيه دائرة الأزمات مع أعداء وحدتنا الترابية..