لا يخفى على الجميع أن العمل الجمعوي الآن أصبح من متطلبات الحياة المعاصرة في كل المجتمعات و الدول المتقدمة أو السائرة في طريق النمو , نظرا للأدوار الجليلة التي يقوم بها من اجل تحقيق الازدهار و التنمية للوطن ,و من اجل المساهمة في تأطير و تعبئة إمكانيات الشباب و صقل إبداعاته , و مده بأسس معرفية ثقافية تقدمية تمكنه من مواجهة كل التصورات الفكرية التي تهدم تشغيل العقل , و تكرس ثقافة التطرف و سلب الحقوق و الظلم , و تحارب من زاوية أخرى الهشاشة الاجتماعية و الفقر و الأمية و الجهل, و كل المظاهر التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق التقدم الاقتصادي و التنمية المجتمعية على حد سواء . انه بهذا المعنى أي العمل الجمعوي حقل متميز ومجال خصب مادام يسعى إلى التعبئة والتكوين و التأطير لتحقيق انتقال ديمقراطي سلس و تنمية شاملة لمختلف المجالات التي تلامس و تمس اهتمامات المواطن . و بما أن العمل الجمعوي قد يكون مساهما في ترسيخ القيم الوطنية و الإنسانية و الأخلاق النبيلة التي تسمو بالمواطن و ترقى بالوطن ,فقد يكون أيضا منبرا من منابر الترويج لخطاب آخر مناقض وهو خطاب التطرف و التشدد حيث تعمل بعض النفوس على زرع ثقافة الكراهية و تزكيتها في نفوس الناشئة من خلال الأنشطة و البرامج التربوية المخصصة لهدا الغرض , و التي قد يسهر على تنفيذها أطرا لا يؤمنون بالحوار و لا يعترفون بقيم الاختلاف و الاعتدال , و يبقى همهم هو تهييج الشباب و شحن عقولهم بأمور غير معقولة قد تهدد فيما بعد الأمن و الاستقرار , و قد تؤدي لا محالة إلى ممارسة العنف . مما يسبب في التشريع لثقافة العنف بين أفراد المجتمع بشكل لا شعوري . و على هدا الأساس فالعمل الجمعوي ادن في حاجة أكثر من أي وقت مضى الى التحصين والتكوين والى رد الاعتبار عبر تصحيح مساره ليخدم كرامة و قيمة الإنسان , و عبر تنقيته من كل المغذيات الفكرية و الثقافية التي تستغله للترويج لخطاب التطرف و العنف بين أفراد المجتمع . و من جهة ثانية لابد من محاربة الأشخاص الانتهازيين الدين يتاجر ون به و يسترزقون من مشاريعه الإنسانية . بل على العمل الجمعوي أن يضل مستقلا من الحسابات السياسية الضيقة و الصراعات الحزبية و الأيديولوجية , و ينبغي أن يبقى همه الوحيد و شغله الشاغل هو العمل على ترسيخ قيم التعاون و التضامن و المساهمة في التنمية المجتمعية و المشاركة الفعالة في تقديم البرامج و الاقتراحات التي تنهض بالوطن و ترقى بقدرات المواطن و بمصالحه و حقوقه .