تحل يومه الجمعة الذكرى 11 لأحداث 16 ماي، هل يمكن القول بأننا اليوم في منأى عن الأخطار الإرهابية؟ بكل أسف لايمكن الجزم بهذا الأمر أو تأكيده، وذلك انطلاقا من قراءتنا الميدانية على مدار 11 سنة على تأسيس جمعية الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش باعتبارها أول إطار جمعوي أسس في 9 يونيو 2003 بغاية إشراك مختلف مكونات المجتمع المغربي في التجند والتعبئة ضد ظاهرة الإرهاب الدخيلة عليه، بالاعتماد على مقاربات متعددة، منها الثقافية، التربوية، الإعلامية، الاجتماعية، والحقوقية ...، فمن جهة هناك التدخلات الأمنية التي تقوم بها مختلف مصالح وزارة الداخلية فيما يعرف بالمقاربة الأمنية الاستباقية التي مكنّت خلال كل هذه السنوات من تفكيك خلايا إرهابية ووضع اليد على إرهابيين محتملين وإفشال سيناريوهات دموية كانت تستهدف امن المغاربة وسلامتهم، مما يؤكد على أن المغرب ليس في منأى عن المخاطر الإرهابية، ثم هناك من جهة أخرى استمرار ارتفاع مد التكفير وخطابات التطرف التي تستهدف الأشخاص والمؤسسات، وتحرض على القتل واستباحة دماء المخالفين لآراء هؤلاء المنظرين باسم الدين لخطاب إسلامي، من منظورهم الخاص، بعيد كل البعد عن قيم ديننا الإسلامي الحنيف، بالإضافة إلى تنامي موجهة الكراهية والعنف، والتعصب للرأي الأحادي، بعيدا عن الإيمان بالتعدد والاختلاف في وجهات النظر، وما حادث مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي داخل الحرم الجامعي لدليل صارخ على تغلغل خطاب التطرف وسموه على خطاب العقل والعلم في محفل المفروض فيه أن يساهم في التأطير والتكوين وأن يكون مرتادوه على درجة متقدمة من الوعي والنضج. إلى ماذا تردون تواصل خطابات التكفير وارتفاع موجة العنف؟ هناك أسباب متعددة أسوق من بينها على سبيل المثال لا الحصر، التعامل مع موضوع الارهاب والتطرف، والغلو والتعصب في الفكر بشكل مناسباتي على الرغم من الخطورة التي ينطوي عليها، إذ تقاعست الحكومة ومؤسسات الدولة في القيام بمهامها ووظائفها في هذا الصدد، سيما في مجال التأطير والتكوين والتحسيس والتوعية، وكذلك الأمر بالنسبة لمختلف وسائل الإعلام، اللهم البعض المعدود على رؤوس الأصابع، التي انبرت لنقل أخبار الإرهابيين والأحداث الإرهابية عوض التحليل والمواكبة وإحاطة الموضوع من كافة الجوانب تنويرا للرأي العام، فضلا عن انتقائية التعاطي مع المبادرات الميدانية التي تشتغل على هذا الأساس، فضلا عن تراجع أدوار المثقفين في هذا الباب، وكذا الباحثين والمهتمين، بل وحتى دور الشباب عدد كبير من جمعيات المجتمع المدني هي خارج أي فعل من هذا القبيل مقابل الاكتفاء بردود الأفعال والتحركات التنديدية فقط. بعد 11 سنة يتأكد لنا من خلال الممارسة الميدانية على أنه هناك غيابا لأية تعبئة مجتمعية حقيقية من أجل استخلاص العبر من محطة 16 ماي - التي كنا نتمنى أن تكون استثناء - ، ومن محطات أخرى تلتها للأسف، ومن أجل استنهاض الهمم والعمل على مواجهة فكر التطرف والغلو، والإقصاء، وكل أشكال الدعوة بالعنف المادي والمعنوي للفكر الأحادي، بعيدا عن كل مايمت بصلة لقيم الإسلام كدين وسطي معتدل، وفي رفض مطلق لكل أشكال الإيمان بالتعدد والاختلاف والسلام والتعايش وسائر القيم الكونية الفضلى التي تدعو إلى احترام الغير بغض النظر على مرجعيته العرقية والدينية والفكرية، كما أن عددا من الجمعيات العاملة في هذا الباب يغلب على اشتغالها الطابع المناسباتي، وأخرى تسعى لان تكون ناطقة باسم ضحايا الارهاب، وهي أمور كلها تضعف أكثر مما قد تقوي لغياب جبة مدنية، اللهم تلك التي دعا إلى تشكيلها الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش والتي تعرف حضور جمعيات مغربية وأخرى دولية من اجل المساهمة في تحصين مجتمعاتنا من خطر الارهاب. خلال مساركم طيلة هذه السنوات وجهتم عدة مراسلات لعدد من القطاعات الحكومية لإثارة الانتباه إلى قضية من القضايا أو لتحقيق مطلب من المطالب، كيف تم التفاعل معها؟ هنا أود أن أذكر بالدور الذي منحه دستور فاتح يوليوز 2011 لجمعيات المجتمع المدني، مع العلم أن تركيبة هذا المجتمع المدني هي مثار نقاش بالنظر إلى فضفضته ومحاولة إغراقه بجمعيات تحولت إلى مقاولات أكثر منها إلى تنظيمات للتأطير والتكوين والتحسيس والمرافعة حول القضايا التي تهم الوطن والمواطنين، هذه الصلاحيات هي ماتزال معطلة وبشكل غير مفهوم، فكل المراسلات التي تم توجيهها قبل محطة يوليوز 2011 وبعدها لم تلق آذانا صاغية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الدعوة لإحداث صندوق وطني لدعم ضحايا الارهاب وذويهم إسوة بما هو معمول به في العديد من الدول صونا لكرامة الضحايا وذويهم، العجز عن تشكيل لجنة موسعة لتقصي الحقائق في أحداث 16 ماي 2003، علما بأنه وإلى حدود الأمس القريب، كان رئيس الحكومة الحالي ومعه ثلة من مناضلي حزب العدالة والتنمية، يشككون في الرواية الرسمية حول الخلفية التي تحكمت في «إنتاج» الانتحاريين الذين كانوا وراء أحداث 16 ماي، وما تلاها من أحداث إرهابية أخرى، فهل سيعود هذا الحزب لإنتاج نفس الخطاب بعد مغادرته للحكومة يوما ما؟، عدم اتخاذ تدابير إجرائية من أجل التصدي لموجة الارهاب الفكري ودعاة سفك الدماء تحت يافطة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وهي الحملة التي عادت بشكل أكثر قوة من التي كانت عليه قبل 16 ماي، مستهدفة ليست فقط المثقفين والمفكرين والسياسيين المعنيين بشكل مباشر، وإنما أمن واستقرار المغرب، وتهدف إلى ترويع المغاربة والمس بسلامتهم، وغاية أصحابها الاستفراد بالشأن الديني والتحكم فيه، عدم التفاعل مع انعدام تنشئة دينية سليمة لفئة الصمّ المغاربة الذين يشكل عددهم نسبة 4.1 في المئة من المغاربة، وانعكاسات ذلك عليهم. خلدتم قبل أيام ذكرى أركانة وذكرى 16 ماي من خلال مؤتمر دولي، ماهي الغايات من تنظيمه والأهداف التي استطعتم تحقيقها؟ بالفعل وبعد الاشتغال الداخلي على مدى 11 سنة بعدد مهم من المؤسسات التعليمية، والخزانات الثقافية والمؤسسات العمومية، وبالفضاءات الخضراء من خلال تنظيم برنامج طموح غير مسبوق هو الحدائق الفكرية، تبينت لنا الحاجة إلى ضرورة فتح نقاش موسع مع جمعيات ضحايا الارهاب من داخل المغرب وخارجه، والفاعلين المهتمين بالظاهرة الإرهابية، بهدف تقديم تقييم شامل ومن أجل القيام بتشخيص علمي حول مفهوم الارهاب، السياقات والتحولات، التجارب التي تمت مراكمتها، العقبات والآفاق، وبالتالي كان مؤتمرا نوعيا وحدثا دوليا الاول من نوعه في المغرب، تأتى من خلال الاستماع إلى مختلف تجارب الجمعيات الدولية التي تشتغل حول ظاهرة الإرهاب والتي تضررت دولها منه وفي مقدمتها جمعية عماد بن زياتن للشباب والسلام بفرنسا، والجمعية الدولية لضحايا الارهاب من خلال ممثليها بكل من إيطاليا وإسبانيا، وجمعية ضحايا الإرهاب بمدريد للعاملين في سلك الجيش والأمن والوقاية المدنية ، ثم تجربة جمعية ضحايا 16 ماي 2013، وشهادات ممثلي ضحايا أركانة بمراكش، وضحايا 16 ماي الذين خرجوا بإصابات وعاهات مستديمة، جمعية المغاربة ضحايا الترحيل القسري من الجزائر، جمعية ضحايا التعذيب والاختطاف والاحتجاز بمخيمات تندوف، وكان المؤتمر مناسبة للنقاش بشكل شمولي، شمل بؤر التوتر والمشاتل المشجعة على إنتاج الانتحاريين والارهابيين ومن ضمنها منطقة الساحل والصحراء ودور المنتظم الدولي في هذا الباب، وقد خلص بتوصيات هامة وجهت إلى العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية في إطار تفعيل الدبلوماسية الموازية كذلك. ما هي الآفاق التي تشتغلون عليها؟ نسعى إلى إشاعة ثقافة التعايش والتسامح ومعها كل القيم الكونية الفضلى، وغايتنا في ذلك المساهمة في تحصين مجتمعنا من آفة الإرهاب، ومن أجل ذلك فإن اشتغالنا هو متسم بالاستمرارية وليس بالمناسباتية، حيث يجب أن نطور الجبهة التي عملنا على تشكيلها، وأن نجعل من المؤتمر الدولي الذي نظمناه حدثا سنويا نضمن له التطور أكثر فأكثر، سيما أنه كان مناسبة لتقديم صورة جد إيجابية عن الدين الإسلامي من جهة وعن بلدنا من جهة أخرى، وسنعمل على حث مؤسسات الدولة على القيام بأدوارها ومعها كل النخب سيما الفكرية منها، وهنا يجب أن أشير على أن هناك العديد من الأبحاث والدراسات التي أنجزت من طرف شباب طلبة وباحثين يتحملون المسؤوليات في مواقع مختلفة، والتي تناولت الظاهرة الإرهابية بالدرس والتحليل وبالتالي وجب الاستفادة منها وأجرأة توصياتها وخلاصاتها، فالمغرب ليس عقيما في هذا الباب، ومايلزمنا هو أن تكون هناك إرادة فعلية جماعية لمحاولة القطع مع فكر الغلو والتطرف الديني، معالجة الاشكاليات الاجتماعية، وتوظيف البرامج المخصصة لهذه الغاية وضمنها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية توظيفا إيجابيا في المسار الصحيح، فهناك العديد من الإمكانيات المادية والمعنوية المتوفرة وما يلزمها هو التوظيف المعقلن والصائب وتفعيل الحكامة في هذا الباب. هل توفر المجالس المنتخبة والمقاولات دعما للمساهمة في تحقيق هذا المبتغى؟ الانخراط المادي والمعنوي من أجل تفعيل أهداف برامج غايتها التحسيس بخطورة التعصب والغلو والارهاب، وبأهمية زرع قيم التعايش والسلام، والايمان بالاختلاف والتعدد ،هو موضع علامات استفهام متعددة، لكون العديد من المجالس المنتخبة ومعها حتى المقاولات التي تقدم نفسها بوصفها مقاولات مواطنة هي بعيدة كل البعد عن قضايا من هذا القبيل، وقريبة جدا من برامج يغلب عليها طابع الترفيه والاحتفالية التي تنتهي أهدافها بانتهاء فقراتها، وهو الإشكال الذي صادفناه في التحضير للمؤتمر الدولي الذي نظمناه إذ غابت عن لافتات المؤتمر وملصقاته اسم أية جهة مستشهرة أو داعمة، وكأن هذا الموضوع لايمت للمواطنة بصلة أو ان أهداف المؤتمر بأهميتها البالغة هي ليست ذات أولوية أو جدوى، أو ربما أن الأمر يثير مخاوف بعض الجهات التي يمكن أن تقدم الدعم والمنح لأنشطة استهلاكية ولاتوظفها في أخرى من قبيل المقاربات التي نشتغل عليها، وبالتالي فإن تنفيذ برامجنا هو يعتمد بالأساس على الدعم اللوجستيكي الذي يوفره بعض الوطنيين الصادقين الغيورين على وطنهم والمتشبعين والمؤمنين بالأهداف التي تشتغل عليها الجمعية من مختلف المستويات، بالإضافة إلى مساهمات عضوات وأعضاء الجمعية، بل أن هناك أمرا آخرا عصي على الفهم والاستيعاب، وهو ان الجمعية لها مقرا للمراسلة فقط، وليس مقرا خاصا في مؤسسة اجتماعية أو دار للشباب، في الوقت الذي تغلق فيه أبواب هذه المؤسسات وتحضر فيها أسماء جمعيات لاتوجد إلا على الورق، وبالتالي فدعم العمل الجمعوي الجاد والهادف ماديا ومعنويا تطرح بشأنه علامات استفهام كبرى، نتساءل من خلالها إن كانت هناك فعلا رغبة حقيقية في التشجيع على مواجهة الارهاب والتطرف من عدمه، وتوفير الامكانيات لتحقيق ذلك وفقا لمشاريع واضحة ومضبوطة، لان واقع الحال لايؤكد ذلك بل يخالفه تماما.