ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب الانتماء : «ما معنى أن يكون المرءُ عالم اجتماع في أيامنا ؟»(*)
نشر في آسفي اليوم يوم 19 - 10 - 2012


مصطفى محسن
عالم اجتماع ومفكر عربي
الرباط - المغرب .
أيها «الأصدقاء الخلّص للسوسيولوجيا » المنظمون لهذا المحفل الفكري التكريمي الحميمي الصادق ، البليغ في دلالاته وأهدافه العلمية والإنسانية النبيلة...
أيها المحتضنون لهذه المبادرة الطيبة، من مؤسسة ومسؤولين وهيئات وفاعلين وجهات داعمة مختلفة المهام والمشارب....
أيها الحضور الكرام، من مفكرين ومثقفين وزملاء وطلبة ومهتمين...
حُيّيتم تحية الأخوة المخلصة، وعمتم مساء خير ومحبة وشكر وإكبار للجهود التي أفضت بنا إلى هذا الجمع النوعي المعبّر، وإلى أن أمثل فيه بين أيديكم محفوفا بالكثير من طقوس ومشاعر الاحتفاء والتكريم...
لا أكتمكم أيها الأفاضل أنني قلّما أدري لماذا تهاجمني -كلما وجدتني في وضعية مؤثرة كهذه التي تطوقني الآن- أمواجٌ عاتية غالبة من ذكريات الماضي ولواعج الراهن وهواجس المستقبل...، يذكيها تواشج غريب بين هموم الذات ومواجع وأحلام الوطن والأمة والإنسان... وهكذا أُلفي نفسي، في غير ما شرط إنساني مشابه، مفتقدا - أو أكاد- لبوصلة وصرامة التفكير، مقذوفا بي في مفازات تيه جارف عتي، حيث تتقاذفني التداعيات والذّكَر والأفكار والمشاعر... مجنحة تترحّل بي بين أطرافها القصية بلا ضوابط أو حدود، وإنما وفق منطقها الخاص الذي تخلّفه اللحظة وشجونها الكثار. وذلك على الرغم من كوني، في هكذا موقع أو ظرف، كثيرا ما أُجهد الفكر والوجدان في أن أجعل من «خطابي»، وعلى قدر المستطاع والممكن، ملائما «لمقتضى المقام». وهو بهذه المناسبة خطاب انتمائنا جميعا إلى حقل السوسيولوجيا : قيما علمية واجتماعية متآزرة.
لذا، أستسمحكم أيها الإخوة في أن تمنحوني من سعة الصدر وأريحية التقبل ما يتيح لي فرصةَ القول المنساب المتحرر من مجمل القيود المقننة لمجريات الكلام ومسارات التفكير الصارم المقنن، حتى وإن كنت أهدف إلى أن أجعل من هذه الأوراق ومحمولاتها عناصر أو مقدمات أو مداخل أولية للإجابة على هذا السؤال، سؤال الوجود والهوية والانتماء، الذي أقترحه عليكم عنوانا إشكاليا لها : «ما معنى أن يكون المرء عالم اجتماع في أيامنا؟».
والمقصود بكلمة «أيامنا» هو هذا الزمن العربي الهادر، الحابل بشتى صنوف التحول، وانهيار الكثير من القيم المادية والرمزية، ومن الآمال والتطلعات المصادرة، التي أنعش بعضها هذا الحراك الثوري الراهن الذي ندعوه : «ربيعا عربيا» أملا في أن يُحيي «أرضنا اليباب»، وأن يمحق ذلك الجدب المميت الذي تجذر في مجتمعاتنا في النفوس والعقول والممارسات والعلاقات... فلعل ذلك يُزهر في ربوعنا المقفرة خيرا عميما قابلا واعدا بالخير وبالمستقبل المشرق الجميل !
ولعل مما عمق انهمامي بأبعاد ومدلولات السؤال الإشكالي الآنف هو أني - وأنا أدون ، قبل بضعة شهور، «بعض الهوامش والأسئلة السوسيولوجية على متن الربيع العربي» المتفجر الآن - قد صُدمت بما يشبه غياب الفكر السوسيولوجي، أو على الأقل بحضوره الباهت، في معترك مواكبة بحثية فاعلة مُسائلة لما يجري من ضروب الاحتجاج أو الثورة أو التحول في بلداننا العربية بالذات وهي تسعى إلى أن تنضو عنها أردية فوات حضاري مريع، لتخلق مجتمعا جديدا، ولتكتب بإرادتها تاريخا جديدا ممهورا بالقيم الأصيلة للحرية والعدالة والديمقراطية والحداثة والكرامة الإنسانية... لذا فقد بادرتُ وقتها إلى كتابة «بيان أو نداء »، أو ما في حكم ذلك، وجّهتهُ إلى علماء الاجتماع العرب داعيا إياهم إلى ضرورة تحمل مسؤولياتهم العلمية والتاريخية، والالتزام بما ينتظر منهم من أدوار ومهام، ولاسيما فيما يتعلق بالتفكير في تفاعلات الشرط العربي الثوري المحتدم الآن، ومحاولة الفهم العميق لبواعثه وجذوره، وللقوى الفاعلة فيه، ولدروسه ونتائجه وتداعياته... وكذلك استشراف ما يُتوقع أن يكون له من آثار على مسارات التنمية والتحديث والبناء الديمقراطي في مجتمعاتنا، بل وأيضا على «مشروع النهوض القومي والتجدد الحضاري» للأمة بشكل أعمّ وأشمل. وما يعترض بناءه من مصاعب فكرية وسياسية، ومن عوائق ذاتية وموضوعية متعددة...
* * * * * * *
وهكذا، فأن يكون المرء عالمَ اجتماع في ظل أوضاعنا الفكرية والتربوية والسوسيوحضارية الراهنة، فإن عليه أن ينتهج نقدا إبستمولوجيا واجتماعيا عقلانيا وهادفا إلى مقاومة مجموعة لا يستهان بها من القيم والرؤى والمواقف وأساليب البحث والتكوين والتدريس والممارسات المختلة التي قد تنزاح بالعمل العلمي الجاد عن الأصيل من قواعده وأعرافه وأخلاقياته وأغراضه المنشودة... لذا يغدو مطلوبا من عالم الاجتماع، في بعض شروط سياقاتنا هذه، أن يتخذ، كما سلف الذكر، موقفا نقديا صارما، ومنفتحا وحواريا في الآن ذاته، من الإشكالات النظرية والمنهجية والمعرفية والاجتماعية المعقدة الآتية ، وذلك حتى نمتلك بالفعل جدارة الانتساب إلى علم الاجتماع : فكرا وممارسة اجتماعية فاعلة مُنتجة:
1- مقاومة بعض أشكال «التمهينية» الضيقة، التي غالبا ما تحنّط ممارسات عالم الاجتماع في أدوار تعليمية أو تكوينية أو بحثية، تظل، رغم أهميتها المعرفية والتربوية، محدودة الآفاق، ودون الانفتاح المطلوب على محيطها العلمي والاجتماعي في ترابطاته المحلية والكونية إلا بالقدر الذي تسمح به بعض الملابسات والإمكانات والظروف وتحولات الواقع المعني... وهكذا تظل هذه «الحرفية» المحدودة أحد أهم أعطاب النظرية والمنهج والتطبيق....
2- التفكيك النقدي لما قد يُفضي إليه ذلك من «اختبارية» فجّة وساذجة، مبخّسة للعديد من أنماط ومستويات الإبداع النظري والمنهجي، قي مقابل «امتداحية» مغالية للعمل التطبيقي ولبعض عُدده وأدواته وتقنياته المنهجية...، مما قد لا تكون له فوائد معرفية كبرى إلى بالقدر الذي تكون فيه هذه «المنظومة الوسائلية» منضوية ضمن شروط إطار نظري. وذلك على اعتبار «النظرية» ، في كافة مسارات ومجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية، بمثابة «مرشد عمل ودليل توجيه» للتفكير والممارسة العلمية في آن. ولذا فإن المبالغة في تمجيد التحصّن بهذه الاختبارية في مواجهة الانزياحات النظرية للإيديولوجيا قد تمسي هي ذاتها منزلقا نحو السقوط في مفاعيل الإيديولوجيا، التي من الممكن أن تتجلى في «جبرية سوسيولوجية» متطرفة، مكرسة بدورها ل «دوغمائية» منغلقة لا تنظر إلى الواقع موضوع التفكير والمقاربة إلا من زوايا اهتمامها أو مصالحها الذاتية، أو توجهاتها النظرية والمنهجية...، والتي تظل - مهما تمسكت بموضوعية مثالية أو موهومة- موسومة / موصومة بالإيديولوجيا، بقدر ما وبشكل معين، كما هي حال المعرفة في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية بشكل عام.
3- المجابهة النقدية أيضا لما ينجم عما سبق أحيانا من بعض التوجهات ونماذج الفعل التي تنحو نحو «تسليع المعرفة وتبضيع العلم». وخاصة في إطار توسع بعض أنماط «الطلب الاستهلاكي» لما توفره بعض «البحوث التطبيقية» من بيانات ومعطيات اجتماعية متنوعة لبعض مكاتب الدراسات ومراكز البحوث ومؤسسات المجتمع المدني... وذلك بغرض توظيفها في بعض مشاريع التنمية والتحديث والإصلاح... غير أنه إذا كان من المفترض اعتبار هذه البحوث فُرصا للتكوين وتدريب الكفاءات وتطوير الممارسة العلمية والإفادة العملية منها ، فإن ذلك لا يمكن، في تقديرنا، أن يتحقق بشكل إيجابي ناجع إلا إذا انتظم في مكونات مشروع مجتمعي متكامل، متضمن لسياسات تربوية وعلمية وسوسيواقتصادية واضحة المعالم، متناغمة المقومات والأسس النظرية والمنهجية والمقاصد والرؤى الفكرية والاجتماعية والحضارية... الموجهة لما أصبح مطلوبا في راهننا المعولم من «حكامة معرفية واجتماعية» عقلانية متكاملة.
4- ملحاحية إعادة النظر في مجمل آليات اشتغال المؤسسة الجامعية، والعمل على إعادة اكتشاف أدوارها العلمية والتربوية والثقافية والاجتماعية الخطيرة، ولاسيما على ضوء تحولات اللحظة الحضارية الراهنة المعولمة، وما أصبح يتسم به «النظام العالمي الجديد» من بروز دال ومؤثر ل «مجتمع المعرفة الجديد» بكل متغيراته ومقوماته المعرفية والقيمة والتقنية، وما يتواشج معها من مستجدات في مجالات التعليم والتكوين والتشغيل والمعلوميات والإعلام والتواصل الاجتماعي...، وفي العديد من العلاقات والتبادلات المادية والرمزية...، والموضات والسلوكات وأنماط العيش والتعايش والاستهلاك...إلخ. مما أخذ يتجه نحو «ثقافة كونية جديدة» معبّرة، ضمن حدود ومواضعات سوسيوحضارية معينة، عن «مواطنة عالمية» تصبو إلى أن تكون عابرة للقوميات والحدود والسياقات الثقافية والسياسية المختلفة، ناظمة للكل الكوني العام.
لذا، وحتى تكُفّ المؤسسة الجامعية عن أن تظل مرتهنة لأدوار ووظائف وقيم تربوية وثقافية وعقليات وممارسات تعليمية تقليدية متهالكة، رغم فائدة بعضها - ولاسيما فيما يتعلق بمحتديات ومناهج تدريس علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية عامة - فإن عليها، بالموازاة مع أهمية الحفاظ على بعض مهامها المعرفية والثقافية والاجتماعية المؤسسة لجذور وغايات «فكرة الجامعة» في بدايات تبلورها التاريخي، أن تنفتح أيضا على مكونات محيطها العام والتبادل معه، مجددة ومطورة لبعض شعبها وتخصصاتها وبرامجها ومناهجها الدراسية النظرية والتطبيقية. وذلك وفق ما أصبحت تمليه تحولات ومتطلبات أسواق الشغل ودورات الاقتصاد وآفاق الاندماج المهني والثقافي والسياسي والاجتماعي للطاقات الشبابية المؤهلة، بما هي «رأسمال بشري» يفترض في المؤسسة الجامعية وغيرها من مؤسسات التربية والتكوين والتدريب أن تستثمر فيه بشكل عقلاني رشيد، وضمن سياسات تربوية واجتماعية متكاملة وهادفة، لتجعل منه «مخرجات إنسانية مواطنة»، ممتلكة لقدرات وكفايات الإبداع وجانبيات «التوجيه المطابق السليم»، والتأهيل المناسب... مما يجعل منها دعامة مفصلية لمشاريع التنمية والتحديث والتحول الديمقراطي في مجتمعاتنا الناشئة، التي ما يزال جلها أسير أوضاع الاستبداد والفساد والتبعية والتخلف... مما كان من بين أهم عوامل الانتفاضات الثورية العربية الراهنة.
5- وتأسيسا على كل ما سبق، فأن يكون المرء عالم اجتماع في زمننا المغربي والعربي هذا، معناه أنه مطلوب منا جميعا، نحن المشتغلين بهذا العلم والمهتمين به، تكثيف وسائل التصدي لما يعيشه من غياب عفوي أو مغرض أو تغييب أو إقالة قسرية في ظرفيتنا الحالية هذه. وهي وضعية لا تخص فقط ميادين البحث والإنتاج وتحقيق التراكم المفيد والمساهمة في جهود إنتاج المعرفة المراد تكوينها حول المجتمع المعني، الأمر الذي تكفلت به أحيانا علوم اجتماعية وإنسانية أخرى، حتى ولو لم تكن مؤهلة لذلك نظريا ومنهجيا كما يجب، وإنما تمتد وضعية هذا الغياب لتشمل مجالات الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية والثقافية وقضايا الهامش، وأساليب وخطط وضع السياسات العمومية ونظم الحكامة وبرامج وخطط التنمية ، ومجمل مسارات التغيير والتحديث، ومستويات ومراحل وقوى ومراكز استصدار وصناعة وتصريف وتقييم وتقويم الكثير من القرارات التي ترتبط بتدبير مختلف دواليب ومؤسسات ومرافق الشأن المجتمعي العام. إنها عُزلة لا تعود عواملها وتداعياتها السلبية إلى عالم الاجتماع وحده، وإنما هي منتوج لتداخل الذاتي والموضوعي، وبالتالي فهي تشكل «وضعية سوسيومعرفية» تنتظمها عملية تشابك علائقي بين جملة من المقومات والخصوصيات التربوية والثقافية والسياسية والاجتماعية المُحيلة إلى سياق سوسيوحضاري محدد في الزمان والفضاء... وهي كلها شروط لم توفر للمعرفة العلمية عامة والسوسيولوجية خاصة ممكنات التجذر العميق في مكونات البنية الاجتماعية، ولم تتح للاهتمام النظري والعملي بها، بالتالي، فُرص الارتقاء إلى مستوى «ثقافة مجتمعية» شمولية ناظمة وموجهة للتفكير والممارسة، ومكرسة لقيمة ومكانة العلم ولنجاعته المعرفية والتاريخية، كما يستفاد من دروس وتجارب غربية متقدمة أمست الآن نماذج اقتدائية بامتياز !
6- إنها، بالفعل، أيتها الأجيال الشابة والمخضرمة من علماء الاجتماع، ومن مختلف الباحثين والمهتمين...، ملامح «أزمة» خانقة، هذه التي تعيشها السوسيولوجيا في مجتمعنا حاليا، وهي، كما ينبغي الفهم الموضوعي السليم، ليست مجرد أزمة «قطاع علمي أو معرفي » كما قد يختزلها البعض، وإنما هي، في أبعادها ومدلولاتها الاجتماعية العامة «أزمة بنيوية مركبة»، أزمة قيم وهياكل وبُنى وسياسات واختيارات ورُؤى... أي «أزمة مجتمع» ما يزال في أوضاعنا مُستغرقا في متاهات البحث عن مسار تطور وتحول ونماء، وعن بعض معالم هُوية «مشروع مجتمعي وحضاري» واضح المكونات والأهداف والقيم والرهانات وآليات الاشتغال والتبادل مع مُعطيات المرحلة وتحدياتها الجسام... وذلك بالمدلول الدينامي الجدلي لمفهوم «المشروع» وليس بالمعنى المثالي أو السكوني الجامد.
وإذا كانت هذه الأزمة لا تقتصر فقط على وضعية السوسيولوجيا في مجتمعاتنا «النامية» وإنما تتعداها لتمتد إلى المجتمعات الغربية، التي شكلت المهاد السوسيوثقافي والتاريخي لنشأة وتطور هذا العلم، فإن من أهم ما يميز هذه المجتمعات عن بلداننا هو توفرها على جملة وازنة من الشروط ومقومات التنظيم والعقلنة والمَأْسَسَة والحكامة والتخطيط والتدبير وإدارة الجودة وتقييم الأداء والمنتوج. وذلك ضمن رؤى ومشاريع وسياسات ثقافية وعلمية واجتماعية واقتصادية منسجمة، بقدر ما، في أسسها ومضامينها ومرجعياتها الموجهة. الأمر الذي يمنحها قدرًا لا يستهان به من الجدارة أو الاقتدار، ممّا يمكنها من تطويق معين لهذه الأزمة المعنية هنا، بل ومن تحويلها، ضمن حدود ومواضعات معينة، إلى أفق للتطوير والتجديد والنقد والنقض والاستيعاب والإبداع والتجاوز... وذلك على شاكلة ما عرفته تواريخ العلوم الحديثة المختلفة من «أزمات في الأُسس» كانت فاعلة وحاسمة التأثير في تطور وتقدم وتجدد أنساقها وبراديغماتها ومعارفها وأطرها النظرية والمنهجية والسوسيوحضارية المتعددة...
ولعل في العودة إلى قراءة متأنية للكثير من طروحات ماركس، وفيبر، ودوركايم، وهابيرماس، وبورديو، وآرون، وتورين، وبودون، وجيدنز... وغيرهم، ما يفيد في التعرف على بعض خلفيات وعوامل وأبعاد وتداعيات أزمة السوسيولوجيا في المجتمعات الغربية بالذات، وعلى بعض أشكال وآليات مجابهتها وتخطيها واستثمارها معرفيا واجتماعيا... والمقارنة النقدية في ذلك بين ال (هنا) وال (هناك).
غير أن تفاعلات هذه الأزمة في مجتمعنا لم تعد تقتضي فقط مجرد الوعي الإبستمولوجي والاجتماعي بها، وإن كان ذلك شرطا لازما لأي فهم معمق لها ولأي تعامل مطلوب معها. وإنما أصبح الوضع يستلزم، من عالم الاجتماع، تحديدا ضرورة الاجتهاد في اجتراح الآفاق الممكنة لاحتواء هذه الأزمة وتجاوزها : بواعث وجوانب وأبعادا ومستتبعات متباينة... وذلك في إطار مساع وجهود ومبادرات فردية وجماعية ومؤسسية... تستهدف تحقيق «نهوض علمي وحضاري» وطني وقومي متكامل المسارات وأنماط ومستويات التشارك والاعتماد المتبادل، متناغم المرجعيات والبراديغمات والأطر المعرفية والاجتماعية الموجهة...
* * * * * * *
ولذا، فإنه يبدو لي أن من مسؤوليات «كون المرء عالم اجتماع في أيامنا» أن يبادر إلى التفكير الجاد في القضايا والأوضاع الإشكالية الآتية، والتي لا تسمح المناسبة هنا سوى بالإشارة إلى بعض أهمها وأبرزها، وبتركيز شديد لا يتغيّى بالضرورة أي تحليل مفصّل أو توسّع أو إلمام شمولي بها. ونوجز ذلك فيما يلي:
أ- الاجتهاد في إعادة الروح والاعتبار والمعنى ل «القيمة النقدية لعلم الاجتماع»، المتمثلة في أدواره في تحليل وتفكيك ونقد ونقض وإعادة تركيب أو تشييد للبنى الفكرية والاجتماعية من رؤى ومواقف وتصورات وفهوم وعلاقات ومؤسسات وأشكال تفاعل وتبادل... والكشف عن الإواليات الإبستمولوجية والسوسيوثقافية والتاريخية الظاهرة والمضمرة، والتي تتحكم في سيرورات اشتغالها وإنتاجها وإعادة إنتاجها : آليات ومضامين وإدراكا لمحددات ومكونات وظواهر الواقع الاجتماعي المبحوث المتطور والمتحول على الدوام.
وهكذا، فإن علم الاجتماع، حسب آلان تورين وغيره من الرموز التي سبقت الإشارة إليها قبلا، لا يمكن حصر مجال اشتغاله بموضوع محدد فقط، وإنما بالعمل النقدي الذي يوجه ويُميز طبيعة تدخله واشتغاله، مستندا في ذلك على موجهات وقواعد وقيم ومعايير وأعراف وتقاليد وأخلاقيات ومناهج البحث العلمي المنظم التي تتواضع عليها أُطر وأطياف «المجتمع العلمي» في سياق معرفي واجتماعي محدد في الزمان والمكان. إنها الأُسس والآليات التي تجعل من «المعرفة السوسيولوجية» المتولدة عن جهود عالم الاجتماع، لملاحقة ظواهر واقع اجتماعي هو بطبيعته دينامي متغير، ممتلكة لبعض القدرة على إقامة «تباعد نسبي» بينها وبين الإيديولوجيا - ولاسيما في بُعدها الانتقاصي بما هي في بعض جوانبها وعي زائف بالواقع أو تحريف له، وفق مصالح ومعتقدات ورؤى معينة للعالم...- وبينها أيضا وبين شتى أشكال «المعارف الاجتماعية» العامة، التي تقوم في أُسس انبنائها وآليات إنتاجها وترويجها وإعادة إنتاجها على التجربة العينية والمعيش اليومي، وعلى قيم ومقومات «الحس المشترك» وما يعتمده من منطق خاص، أو طرائق عفوية أو موروثة أو شائعة ومتداولة...، في سيرورات الافتراض والتنظيم والبرهنة والاستدلال والحجاج والإقناع والتأثير وربط المقدمات بالنتائج... مما يُفترض أن يختلف - جزئيا أو كليا- عن المعرفة السوسيولوجية السالفة الذكر، والتي تظل، رغم تحصنها بالأُسس والقواعد العلمية المنوه بها، مخترقة بالعديد من عناصر وتأثيرات الإيديولوجيا والحس المشترك، ومن جوانب النسبية والقصور، كما تعلمنا ذلك «سوسيولوجيا المعرفة»، وخاصة في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، فضلا عن العلوم الدقيقة ذاتها، ولعوامل واعتبارات معرفية إبستمولوجية واجتماعية مُتَشعّبَة ليس من أهداف هذه الكلمة تفصيل الحديث عنها والبحث فيما لها من أبعاد ودلالات وآثار...
ب- ولهذه الاعتبارات المسوقة أعلاه، فأن يكون المرء عالم اجتماع عليه أن يجتهد أيضا في إعمال «عدته النقدية» في تحطيم الكثير من «الأوثان أوالأوهام أوالأضاليل المعرفية» التي أضحت تتداولها في مجالات المشهد الفكري والإعلامي والثقافي والسوسيوتربوي العام مجموعة من الطروحات المتنامية الشائعة في مجتمعنا، والمعبّرة، في خلفياتها الرؤيوية وبراديغماتها، عن نزعات إطلاقية أو اختزالية أو دوغمائية أو ذاتوية أو أحادية المنظور أو إسقاطية فجّة وساذجة للعديد من المفاهيم والنظريات والمناهج ونماذج التحليل والتفسير والتأويل والفهم والتنبُّيء... مما لا يُنتظر منه سوى تنميط تجميدي للتفكير وتحنيط مفقر للممارسة... ومما لا يمكن تجاوزه إلا عبر التسلح بمنظور نقدي جدلي حواري وتبادلي منفتح...، يؤكد، في خصائص ومقومات وحدود «المعرفة السوسيولوجية»، على مواصفات وقيم النسبية والمرونة والدينامية وتعددية الأبعاد وتكامل أصناف المعارف والنظريات والمناهج ونماذج التحليل والتطبيق والتخصصات والاهتمامات والأُطر الإرشادية والمرجعية الموجّهة، وبالتالي على قابلية هذه المعرفة ل «التفنيد والدحض والتجاوز»، كما تؤكد ذلك «إبستمولوجيا العلوم الإنسانية والاجتماعية»، بل وكذلك تواريخ العلوم بشكل أعم وأشمل.
ج- ولعل من أهم وأنبل ما نتوخاه من هذه الدعوة إلى إعادة الاعتبار للوظائف النقدية للسوسيولوجيا - ونحن في هذا الملتقى العلمي المقام لتكريم الانتماء إليها- هو البحث عن الشروط الممكنة لتجاوز ما أصبح يعتور أوضاع العلوم الاجتماعية كافة في مجتمعنا المغربي والعربي على السواء من استقالة شبه تامة للعالم أو المثقف من النقاش العمومي، ومن أي انخراط ملتزم بالشأن السياسي والاجتماعي والإنساني العام. وذلك في مقابل هيمنة تهامت توجهات وممارسات تعمل ، باستمرار، على ترسيخ ما وسمناه آنفا بأنه تصورات أو أنماط تعاملات مكرسة لوعي «مقاولاتي» انتفاعي بالمعرفة والبحث العلمي كما لو كانا مجرد أشكال من البضائع أو السلع أو الخدمات... التي يتم إنتاجها وإعدادها وفق مقتضيات سوق خاصة، خاضعة لأساليب معينة من الماركيتينغ وتجاذبات وعلاقات العرض والطلب والوفرة والندرة والمنافسة... إلخ. إنها أوضاع مهترئة في مجملها، أو بعضها على الأقل، تتدنّى بقيمة ومكانة عالم الاجتماع بالخصوص والمثقف بشكل عام، من مستوى «منتج للمعرفة» ومساهم في تطوير العلم بالأساس، إلى مستوى وضعية «وكيل تجارة أو وسيط تسويق» لا تتعدى مهامه حدود بائع معلومات أو معطيات أو مقدّم استشارة أو خبرة... قد لا تستجيب، بالضرورة، للأهداف التربوية والعلمية والاجتماعية لعالم الاجتماع أو المفكر الملتزم عامة، بل قد تتناقض معها أحيانا تمام التناقض. هذا مع التذكير، من جديد، بأن نقدنا لهذه الأوضاع المأزومة لعلم الاجتماع ولغيره من علوم الإنسان والمجتمع في راهننا الوطني والقومي بالذات لا يعني تبنينا لأي موقف عدمي تعميمي من أي منظور اقتصادي ل «المعرفة العلمية» ولوظائفها العملية/ الاستعمالية. وذلك شريطة اندراجها في إطار «سياسات علمية وسوسيواقتصادية وإدارية وتربوية وثقافية...» واضحة المعالم، رافدة ل «تخطيط استراتيحي» لتدبير مستجدات التغير ولإدارة برامج ومشاريع التنمية الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة المتكاملة. ولاسيما في سياق تحولات نوعية لزمن جديد معولم، أمست فيه الهيمنة المتصاعدة لمفاهيم وقيم وسياسات وأساليب الحكامة والجودة والتنافسية وتحرير الأسواق وتثمين بحوث التنمية ودراسات «الخبرة والجدوى والتشخيص والتدخل والتقييم... » ترشيدا للقرار وتدعيما وإغناء وعقلنة للممارسات الاجتماعية والحضارية... وذلك على الرغم مما يمكن توجيهه لهذه العُدة المفاهيمية والأداواتية من نقد قيمي ومنهجي صارم متعدد المرجعيات والمواقف الفكرية والإنسانية...
د- إن من أهم ما نصبو إلى أن نخلص إليه من كل ما سبق هو تأكيدنا على أهمية النظر إلى عالم الاجتماع لا كمجرد صاحب مهنة أو حرفة أو اختصاص، وإنما، بالإضافة إلى كل هذه المقومات الوازنة، على اعتبار أنه «مثقف»، بالمعنى العضوي للكلمة، أي بما هو صاحب مبادئ أو حامل لرسالة أو قضية، يُؤمن بها، يدافع عنها، ويلتزم بها : وعيا نظريا وسلوكا عمليا في الواقع الملموس، وإن بدا ذلك «مُزعجا» لبعض القيم والسلط والنظم السائدة، المتحفّظة على الوظائف النقدية للسوسيولوجيا.
وبهذا المعنى، فلكي يكون المرء عالم اجتماع «حقيقيا وأصيلا» فإنه يفترض فيه امتلاك ذكاء نظري وعملي نفاذ، وفطنة معرفية وسياسية، واقتدار نقدي كاف.... أي كل ما يمنحه مؤهلات التحليل والتركيب وإعادة البناء... أي ذلك البعد الفكري الخلاق الذي يسميه رايت ميلز ب «الخيال السوسيولوجي» والذي يشكل، بالنسبة للباحث، تلك الحصانة النظرية والمنهجية التي تمكنه من شحذ الوعي وتطوير الإبداع، ومن الحذر أو التحوط من السقوط المجاني في غمار «رداءة فكرية واجتماعية»، أو في متاهات حرفية قاصرة أو تجريبية فجة أو اختزالية مبتذلة... مما من شأنه، كما أسلفنا، أن يشكل، أمام سيرورات وجهود إنتاج وتطوير وتجديد المعرفة العلمية، ما يدعوه غاستون باشلار «عوائق إبستمولوجية» منتجة للعديد من «الكوابح» النظرية والمنهجية الذاتية منها والموضوعية، والتي لا يتحرر الباحث من آثارها وتبعاتها على مضمون وعلمية ونجاعة المعرفة المعنية هنا إلا عبر تملكه لذلك «الخيال السوسيولوجي» النقدي الآنف الذكر.
ه إن تخليص السوسيولوجيا في مجتمعنا مما غدا يتهددها من منزلقات ومخاطر الانحدار إلى مهاوي النزعات والتصورات والمواقف الابتذالية المتحفظ عليها فيما سبق، والرهان على أن يجمع عالم الاجتماع في أدواره ووسائل عمله بين «مواصفات العالم وخصائص المثقف»، مع الوعي العميق بما بين العلم والثقافة من صلات وتداخلات وكذلك من مسافات وحدود وتمايزات...، إن ذلك هو ما يمكن أن يمنح فعل الممارسة السوسيولوجية بعض شروط وممكنات وخاصيات «العمل النضالي» المسؤول، المتفاعل مع متطلبات ومتغيرات وقضايا اللحظة السوسيوتاريخية والحضارية المتعينّة في الزمان والمكان، محققا بذلك فرص تطوير العلم وتجديد المعارف والقيم الثقافية والممارسية في آن... ولعل في تاريخ السوسيولوجيا ومجمل العلوم الاجتماعية والإنسانية من نماذج ومسارات العمل العلمي الملتزم بقضايا الحرية والعدالة والمساواة ما يقدم، في هذا المجال، دروسا مفيدة في مقاومة التخلف والاستبداد والفساد وانتهاك حقوق وكرامة الإنسان...
و- وإذا كانت صفوة من الأجيال المؤسسة في حقول العلوم الاجتماعية في وطننا العربي عامة قد حاولت جاهدة، وحسب إمكاناتها وشروطها وإكراهاتها الذاتية والموضوعية، تملّك استيعاب نقدي للمنتوج الكولونيالي والغربي عامة في هذه الحقول من جهة، والبحث عن الآفاق المعرفية والتاريخية المُمكنة للقطع معه وتجاوزه ب «بدائل علمية جديدة» من جهة أخرى - مما لم نتناوله بما يكفي من القراءة والمراجعة النقدية والتثمين المستحق...- فإن ذلك ينبغي، في تقديرنا، ألا يُفضي بجهودنا العلمية والتربوية والتكوينية... إلى أي تبنّ لأي تصورات أو نزعات ذاتوية ضيقة كثيرا ما تتحول أو تنحرف بالتفكير نحو «خصوصانية» إقصائية أو شوفينية متطرفة. وذلك من قبيل بعض أشكال الدعوة إلى تأسيس «علم اجتماع عربي أو علوم اجتماعية عربية». وإذ تقوم هذه الدعوة على محاولات «نقد حضاري تجاوزي» للخلفيات الاستعمارية والسوسيوثقافية والفكرية ل «المركزية الغربية» ومنظوراتها الاستشرافية الفوقية للآخر المغاير الهامشي والمتخلف... فإنها تقع في منزلقات إعادة إنتاج ما يكرس هذه المنظورات من وجهة نظر الآخر العربي أو العالمثالثي، أي وفق آليات حجاج واستدلال أو تموقف قائمة على «منطق استشراق معكوس»، هو بدوره متمركز حول الذات، متمحور حول خصوصياتها الذاتية الأصيلة المتفردة، التي تُبرز مجتمعاتنا وكأنها كيانات معزولة/منعزلة أو منفصلة بشكل شبه مطلق عن سياق التاريخ الكوني وعن انتمائها الإنساني العام. وذلك في إطار تبني الدعوة إلى «استقلالية فكرية مؤدلجة» مفتقدة للكثير من الأُسس والمبررات...
إن ما نحن في حاجة ماسة إليه في مجتمعاتنا العربية تحديدا هو تبني الدعوة إلى بناء «سوسيولوجيا نقدية في أو / للعالم العربي». وهي دعوة تختلف في المنطوق والمضمون عن نظيرتها المنتقدة الآنفة. ذلك أنها لا تسعى إلى تدعيم أي نظرة «إقليمية أو جهوية أو قومية...» للعلم إقصائية منغلقة، بقدر ما تطمح إلى اعتماد رؤية جدلية نقدية وحوارية منفتحة بين الخاص والعام ، والذات والآخر، والمحلي والعالمي... مما يمكن مجتمعاتنا من إنماء وترسيخ وتطوير «علم اجتماع أو علوم اجتماعية وإنسانية» مندمجة، من جهة، في شروط سياقاتها المحلية الخصوصية فعلا وانفعالا ديناميكيا منتجا، ومتجادلة ومتواصلة، من جهة ثانية، مع أسس ومقومات ومقتضيات المشروع المعرفي للعلوم تلك بما هو مشروع كوني إنساني، تنتظمه على الدوام جدلية الكثير من عناصر الوحدة والتنوع، والتماثل والتمايز، والتداخل والتعدد والاختلاف... في مجالات المعرفة كما في مقومات البنى الاجتماعية وتجارب التاريخ ومجمل المنتجات المادية والرمزية للنماذج الحضارية المتنوعة...
ز- وعلى علماء الاجتماع في محيطنا العربي مواصلة جهود أولائك الرواد الأوائل، تلك التي كانت بداياتها منذ عدة عقود خلت، ولاسيما بعد استقلال بلداننا. ولعل من أهم ما يستوجبه ذلك - إضافة إلى ما أنتجوه من تراكم مفيد - ضرورة العمل الجماعي المنظم على دعم وتطوير دور الهيئات والجمعيات والروابط العلمية، والمقاولات المختصّة والمهتمّة، والمؤسسات الأكاديمية ومُجمل فضاءات التربية والتعليم والتكوين، ومختلف المنظمات المدنية والسياسية والثقافية الموازية... وذلك بالنظر إلى ما أصبح لهذه الأطر والفضاءات من مكانة وازنة ومن وظائف هامة وحاسمة في المجتمع الحديث.
ونحن ، في هذا الميدان بالذات، أحوج ما نكون إلى تحقيق مسعى ذي دلالة هامة وشارطة، ألا وهو تحقيق «المَأْسَسَة المعقلنة الهادفة» المنظمة لآليات اشتغال البُنى المؤسسية الآنفة، وتأطيرها في منظومات أو أنساق من المعرفة النظرية والعملية ومن الخبرات والتقانات والتجارب والأعراف والتقاليد وأساليب الإدارة والتنظيم والعمل والتبادل والتعاون، وكذا الأخلاقيات والقيم والمبادئ الموجهة للتفكير والممارسة معا... وذلك بُغية رفد التراكم تلو التراكم، وتجاوز الاستفراد بالمبادرة أو الراي أو الموقف أو القرار، واللجوء اللاعقلاني المتكرر لتلك «البدايات أو القطائع الصفرية» التي ، غالبا ما تلغي السابق لتنطلق أحيانا من لا شيء... إلخ، الأمر الذي كثيرًا ما يؤدي بممارسات معينة إلى مآلات السقوط في الفوضى وتكرار التجارب الفاشلة والمراوحة اليائسة في الحلقات المفرغة من محاولات الإصلاح أو التجديد في مختلف ميادين التربية والثقافة والتكوين والتشغيل وإدماج النساء والأطفال والطاقات الشبابية المؤهلة ، ومجابهة المشكلات المتفجرة ل «المسألة الاجتماعية» من بطالة وفقر وتهميش وهشاشة اجتماعية وانحراف وتدهور لمستوى العيش ولحقوق الإنسان، وخاصة لدى الطبقات الوسطى وغير المحظوظة، فضلا عن ضرورة تطوير البحث العلمي والعمل الجمعوي والمشاريع العلمية والاجتماعية بشكل أعم وأشمل.
وكما نحن محتاجون إلى ترسيخ هذه «المَأْسَسَة» في مجتمعنا أولا، فنحن أيضا بحاجة أكيدة إليها على المستوى القومي العربي. وذلك استهدافا لربط جسور التواصل والتكتل والتعاون والتكامل بين أهم التوجهات والسياسات وبرامج وخطط وشراكات الإنماء التربوي والعلمي والسياسي والاجتماعي، وكذلك بين مجمل المؤسسات والفضاءات الأكاديمية والجمعوية السالفة الذكر... مما يُنتظر منه أن يشكل دعامة مفصلية للتنمية الإنسانية والاجتماعية المستدامة المتكاملة، ومستندا نوعيا ل «مشروع النهوض القومي العربي والتجدد الحضاري» الشامل، وخاصة بالتزامن مع ما يجري حاليا في واقعنا العربي من حراك ثوري فريد، غير مسبوق في تاريخنا المعاصر : سياقات جديدة، وعوامل، وفاعلين، وتفاعلات، وتبعات وتداعيات مستقبلية ممكنة...
وعطفا على كل ذلك وتأكيدا له ، فإننا محتاجون بالمثل إلى تدعيم التعاون الدولي والاستفادة من الآخر الغربي المتقدم، ولاسيما في مجالات العقلنة والتنظيم والشراكة والتخطيط والمَأْسَسَة وأساليب ومنهجيات تدبير هياكل ومؤسسات ودواليب الشأن التربوي والثقافي والعلمي والجمعوي والاجتماعي العام، وإدارة وإنجاح مشاريع الإصلاح والتنمية والتحديث، وكذلك ترشيد مجمل مسارات البناء الديمقراطي المتوازن السليم...
غير أن ذلك لا ينبغ أن يسقطنا - كما هو واقع بالفعل في جل سياقاتنا العربية - في دوامة تقليدية ساذجة أو تبعية إمّعية لبعض توجهات أو خطط أو توصيات بعض مراكز أو مؤسسات أو مصادر القرار المهيمنة على الصعيد العالمي، وإنما يجب أن يتم ذلك وفق وعي نقدي حضاري «مستقل» مدرك لمقومات وخصوصيات ومطالب الذات والآخر، ما يجمع بينهما وما يمايز، وما يُقرب وما يُباعد أحيانا من ظرفيات وشروط ومتغيرات سوسيوتاريخية معينة.
ح- ولذا فقد دعونا بهذا الشأن، وفي غير ما مناسبة متاحة، إلى اعتماد ما وسمناه ب «منظور نقدي متعدد الأبعاد» يرمي إلى تفكيك نقدي لمختلف ميكانيزمات ومقومات «الذات / النحن»، وكذلك «الآخر/المغاير أو المختلف الغربي...»، ثم «اللحظة التاريخية والحضارية» التي تشكل بوثقة خاصة لتفاعلهما، صراعا أو تبادلا أو تكاملا... حسب مقتضيات ومحددات الظرفية المعنية. وإذ تتعدد المكونات المشار إليها، والتي يتجه إليها هذا النقد ، فإن مجالات وأدوات اشتغاله تتعدد بدورها. فهو يرمي إلى أن يكون إبستمولوجيا وسوسيولوجيا وثقافيا وحضاريا... تتكامل فيه المنظورات والرؤى وزوايا التخصص والاهتمام النظري والعملي في آن... وذلك في إطار سيرورة بناء «سوسيولوجيا نقدية للممارسة السوسيولوجية» في سياقنا، وبما هي مطلب معرفي وضرورة اجتماعية وحضارية للعقلنة والتوجيه والتقويم والترشيد...
إنه بالضرورة، نقد حواري منفتح إيجابي بناء ومنتج... يؤكد على اعتماد قيم ومبادئ ومسلكيات تثمين الرأي والرأي الآخر، وعلى التعاون والتسامح ونبذ التطرف والعنف والانغلاق والتخندق المتصلب في المعتقد أو الموقف أو دوائر المطامح أو المصالح الخصوصية... وعلى التقبل المستوعب لكل أنماط التنوع والتعدد والاختلاف بين البشر والثقافات والحضارات... والارتقاء بها من مجرد أوضاع الصراع أو التناحر -سواء كان ذلك في حدوده الطبيعية المقبولة أو المبررة أو عكس ذلك- إلى مستويات التدافع أو التنافس المعقلن والحوار المبدع المنتج الخلاق...
وهكذا يبدو لي، وانطلاقا مما سلف ذكره، أنه لكي «يكون المرء عالم اجتماع»، ولكي نكون نحن جميعا «أصدقاء حقيقيين للسوسيولوجيا»، فإنه يتوجب علينا تدعيم المنظور النقدي المنوّه به أعلاه، والسعي الممنهج إلى امتلاك وعي نظري وممارسي بمختلف المتغيرات والشروط والمستجدات والتحديات والرهانات المعرفية والقيمية والحضارية... التي تميز هذه اللحظة التاريخية المعولمة، والتي تتطلب منا مهامنا ومسؤولياتنا والتزاماتنا الفكرية - كسوسيولوجيين أو مثقفين بشكل عام- ضرورة الاجتهاد في توجيه مساراتها بالعمل النقدي الإيجابي الجاد. وذلك بغرض «أنسنتها» وجعلها أكثر أخلاقية وعدالة كونية جامعة، لا إقصاء فيها ولا عنصرية ولا مفاضلة تمييزية فيها بين الأمم والمجتمعات والشعوب...
* * * * * * *
هذا أيها الأفاضل الأَعزّاء، نزر يسير من زخم هائل محتدم مما يسكنني من هموم واهتمامات وهواجس، ومما انتزعت بعضه من مسار حياة ذاتية واجتماعية ما فتئت تنوشها، على امتداد عقود، تجاذبات مؤرقة من أوضاع ومشاعر الأمل والألم، والطموح والإحباط، والرضى والتذمر، وبعض من بشارات التفوق والتألق وكثير من الهزائم والانكسارات والخيبات... وذلك لأجدني، بعد مسيرة عمر قلق مضطرب من التربية والتنشئة وتشرب ثقافة وقيم وتطلعات جيل مرحلة الاستقلال...، «هوية عجيبة غريبة التكوين والتركيب» تتفاعل فيها بشكل أكثر عجبا وغرابة شخصية الطفل الفقيه الذي كنته حينذاك، ثم مواصفات ذلك التلميذ المتفوق الذي أصبح يُداعب الأدب والفن والشعر خاصة، وهو في مبتدإ تعليمه الإعدادي، ليتنطع بعد ذلك لدراسة الفلسفة ومباحثها المدرسية بحماس منقطع النظير وهو لم يُنه بعد مرحلة تعليمه ذاك، ثم ليحط الرحال، في سبعينيات القرن الماضي في رحاب السوسيولوجيا والعلوم الإنسانية، هو ورفقة له من رجال التعليم ممن كان يزاوج بعضهم، في صبر وتحمل وأناة، بين العمل والدراسة في آن.
وها أنذا، أيها الإخوة الكرام، أحضر بينكم في هذا المحفل العلمي البهيج دون أن أدري ما إذا كنتم تتمثلون هذا الحضور وأنا في جبه فقيه أو أديب أو فيلسوف أو مربّ أو حامل لهوية الانتماء إلى علم الاجتماع؟ ولكني أصدقكم القول فأؤكد لكم أنني قلما طرحت عل نفسي ما يشبه هذا التساؤل، اللهم إلا في بعض حالات استحضار هموم الذات ومتاعبها والآنات المؤثرة الحاسمة في تطورها وانتقالها من حال إلى حال. ربما لأنني أعتبر ذلك مآلا طبيعيا لسيرورة تكوين وتربية وثقافة ووعي جيل أو أجيال بكاملها. ولا أكتمكم أيضا - وقد يختلف بعضكم معي- أنني لا أعتبر ذلك التعدد في «هويتي» تنازعا صراعيا في الأدوار والمهام والمواقف ومستويات وضروب الإدراك والتصور... أو عوائق معرفية واجتماعية... بقدر ما أحاول عيشه كإمكانية لتآزر وتكامل الرؤى والقدرات والقابليات وكفايات التعدد في المرجعيات ومصادر المعرفة ومناهج وأدوات التفكير والبحث وإنتاج الفهم والدلالة والمعنى في مختلف حقول العلم والأدب والفن والإبداع... مما يفترض أن يجعل من هذا التعدد قيمة مضافة إيجابية لا تشتتا مفقرا للمنتوج والجهود...
لست أدري، أيتها الثلة الطيبة من «أصدقاء السوسيولوجيا»، ما إذا كانت مساهماتي الفكرية المتواضعة - رغم أنها لا تشكل سوى جزء قليل هو فقط ما استطعت نشره مما تراكم لدي على امتداد أكثر من أربعة عقود خلت- يمكن أن ترقى إلى مستوى المداخل الأولية للإجابة على السؤال ذي الطبيعة الإشكالية الوجودية، والذي أوردته في مستهل خطابي إليكم هذا : «ما معنى أن يكون المرء عالم اجتماع في أيامنا»؟ وهل تشفع لي معاناة الاكتواء بحرّ هموم البحث والعمل التربوي والثقافي، وأنا الأعزل إلا من سلاح الصدق وإخلاص النضال والضمير والانتصار لقضايا المبدإ وللوطن والإنسان، في أن أحظى منكم بهذا التكريم المعبر البهي، وأنا أشخص أمامكم «هوية متعددة الأبعاد»، أو عالم اجتماع، أو واحدا منكم أيها الخلّص الأفذاذ من «أصدقاء السوسيولوجيا»؟ لأنتم، وهذا الحشد النوعي من الحضور الأجلاّء الأحرياء بالجواب، وبمنحني حظوة وشرف الانتماء إلى علم الاجتماع :فضاء للتفكير والعمل والانهمام، وقدراً أو مصيراً لا محيدَعنه !
غير أنني أود ألا تفوتني هذه الفرصة كي أُجزل لكم، ولكل من ساهم في هذه المبادرة الطيبة، كثير الشكر وعميق الامتنان، وأنتم تؤسسون بهذا الفعل المتحضر لتجذير «ثقافة الاعتراف» في بلدنا، متجاوزين بذلك واجبات وأدوار بعض المؤسسات الرسمية والأكاديمية والتكوينية التي يعجز بعضها - على ماله من إمكانات- عن القيام بأي التفاتة اهتمام أو تكريم. وخاصة لتلك النخبة من المثقفين والباحثين والمربين والمبدعين الذين أفنوا فيها أعواما من أعمارهم قياما بالواجب وخدمة لأهداف وطنية فكرية وتربوية واجتماعية نبيلة. كما أرجو أن أنتهز هذه المناسبة أيضا لأمحض ذات الشكر وعميق التقدير لأولائك الفضلاء الذي تجشموا عناء الحضور إلى هنا ليدلوا في حقي إما بشهادات أو بدراسات أو بخطابات التكريم أو بكلمات محبة صادقة في تعداد وامتداح ما يروني أهلا له من شيم ومناقب وقيم فكر وإيمان ووطنية وتضحية وإيثار ونضال... وكل أملي هو أن أكون، بالفعل، ممتلكا لبعض الاستحقاق لما أحاطوني به، في خطابات بوحهم العفوي الجميل، من عواطف ومشاعر الامتداح والحب والإعزاز والاحتضان الفكري والإنساني النبيل... مما يوقظ في الذاكرة والعقل والوجدان جذوات التحفّز والعناد والإصرار على المواصلة والاستمرار... رغم خذلان الجسد المُعتلّ، وشماتة الظروف، وتنكّر الحظوظ، وجور وتعنّت هذا الزمن العربي الغاشم الرديء !
بوركتم أيها الشباب الواعد السّني الطّموح والحماس، يا من أوقد في مراتعنا المقفرة «ربيعا عربيا» مباركا، نأمل جميعنا في أن ينقدح، غدا أو بعد غد، ثورة صيف خيّر وافر العطاء. وبودي أن أبلغكم رسالة هي شذرة فقط مما يعتلج في الدخيلة من هموم حارقة مؤرقة، فأقول لكم همسا حميميا أو بوحا صُراحا : إذا كان أساتذتنا الأجلاء ممن سبقونا من أجيال المفكرين والمربين ورواد علم الاجتماع... قد تمكن بعضهم من اختطاف نار المبادرة من أتون واقع مشاكس عتي، ليجلبوا منها قناديل مضيئة هادية لنا في حُلكة الطريق ومتاهات السير... وإذا كان بعض أبناء جيلي - هؤلاء الذين تؤثث نخبة منهم ببهاء حضورها معنا هذه «اللّمة» الفكرية الباذخة العبقة - قد استرقوا، عنوة، أقباسا نيرة من صنيع الأولين لمواصلة الجهد والمسير ، فإن علينا، أيها الأوفياء، ولكي نكون «أصدقاء حقيقيين للسوسيولوجيا»، وجديرين بالانتماء المستحق إلى القيم والمبادئ والأخلاقيات الأثيلة للعلم والثقافة والإبداع... أن نكون في مستوى حمل المشعل الذي تسلمناه من أيدي روادنا الأوائل، وفي مستوى تحمل مسؤولية التقدم به نحو الأمام، رفداً للمشاريع التي اجترحوها في مجالات الفكر والنضال، وإثراء لما خلفوه لنا من تراكم مثمر مفيد، وفاء بالعهد وتقديرا للجهود واعترافا بجميل الريادة والسبق... فلعلنا - في حمأة رعونة ابتذال الثقافة والفكر وفورة تمجيد الرواسم الخادعة وابتداع الشهرة وتصنيع النجوم والأبطال والعلماء والخبراء، بحق أو بدونه، في هذا الزمن العربي المتشدد العنيد - نظفر بالتماعات نور مجنّح ثائر، تنازل العتمة في دروبنا، تفتح للأفجار الوافدة كوات فرح في جدار انحطاطنا الممانع، لتعانق شعوبنا المشوقة إطلالة أصباح بهية واعدة باحتضان مستقبل دافئ جميل هو ترنيمة بداية الزحف المقدس نحو احتضان القيم والمبادئ والأهداف الخيرة النبيلة للوطن والأمة والإنسان !
فبوركت لكم النوايا والجهود أيها الأعزاء، وسدد الله لكم بتوفيقه الخطى والمساعي!
مصطفى محسن/ الرباط
[email protected]

(*) نص الكلمة التي ألقاها السوسيولوجي ذ. مصطفى محسن في افتتاح التظاهرة الفكرية التكريمية ، التي أقامتها احتفاء بفكره «جمعية أصدقاء السوسيولوجيا» . وذلك في إطار (الدورة الثالثة للمنتدى الوطني للفكر السوسيولوجي بالمغرب) المنظم من طرف الجمعية بتاريخ : (6-7-8 / أبريل 2012 )، في رحاب (دار الثقافة / تطوان). لذا وجب التنويه والتذكير .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.