تصبح ملكة بريطانيا، إليزابيث الثانية -التي استطاعت حشد الدعم للملكية، رغم ما عانت منه أسرتها الشهيرة من اضطراب، وما أحاط بها من بلبلة- أطول ملوك البلاد جلوساً على العرش، الشهر المقبل. ولم تتوقع إليزابيث قط أن تجلس على العرش، ولم يحدث ذلك إلا لأن عمها تخلى عن العرش، لكنها يوم التاسع من سبتمبر (أيلول) المقبل ستكسر الرقم القياسي للحكم، والذي تحتفظ به جدتها الكبرى الملكة فيكتوريا، التي حكمت البلاد لأكثر من 63 عاماً. وقالت الملكة إليزابيث (89 عاماً) ذات مرة "إنها وظيفة مدى الحياة" وليس من المتوقع أن تتخلى عن العرش على النقيض من بعض ملوك أوروبا في الآونة الأخيرة بل وأحد البابوات. ورغم أن العالم والمجتمع البريطاني تغيرا بشكل كبير خلال فترة حكمها، فقد بدا دوماً أن الملكة شخصية يعتمد عليها تبث الطمأنينة. ورغم صدمات فترة التسعينيات مثل وفاة الأميرة ديانا ، التي بدا وكانها تهدد وجود النظام الملكي ذاته، إذ استطاعت الملكة أن تقود المؤسسة التي يبلغ عمرها ألف عام إلى عهد جديد من الشعبية. وقال سكرتير الاتصالات السابق للملكة، سايمون لويس: "مفتاح التغيير يكمن في التنبوء بما سيأتي بعد ذلك، الدرس المستفاد من الأعوام العشرين أو الثلاثين الأخيرة هو أن تكون المؤسسة دائماً متقدمة ولو بفارق بسيط عن الشعب البريطاني". ملكة الشعب؟ أصبحت بريطانيا نفسها مجتمعاً أكثر مساواة بعد انهيار نظام التقسيم الطبقي الأمر الذي انعكس على الملكية نفسها. وقال كاتب السيرة الملكية، روبرت ليسي: "لقد أصبح الوضع أقل نخبوية بكثير، تواصل الملكية النأي بنفسها عن الهرم الاجتماعي الذي كانت تجلس الارستقراطية على رأسه وتحاول أن تكون لا طبقية". وفي بداية حكمها كانت إليزابيث شخصية آسرة بدت وكأنها تجسد نهضة بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن بحلول الذكرى الأربعين لحكمها كانت الأسرة الملكية أصبحت موضوعاً من موضوعات المشاهير في الصحف الشعبية. ورغم أن زواجها من الأمير اليوناني فيليب ظل صامداً فقد وصفت الملكة عام 1992 بأنه "سنة مروعة" عندما انهارت علاقات ثلاثة من أبنائها الأربعة بتفاصيل فاضحة ذكرت باستفاضة في الصحف. ومما لا شك فيه أن وفاة الأميرة ديانا في حادث سيارة بباريس في 1997 كانت أحلك لحظة في حكمها الطويل واضطرت إليزابيث للعودة من اسكتلندا لتلقي خطاباً للأمة في ظل حالة عامة من الحزن والغضب. وقال لويس: "على مدى أسبوع بدا وكأن المؤسسة اهتزت من جذورها". لكن من خلال حملة إعلامية محترفة ومعقدة انتشلت الأسرة الملكية سمعتها من فترة التسعينيات المظلمة بل وصعدت بها إلى آفاق جديدة. ويقول محللون إن "هذا يبرز أيضاً كيف استطاعت الملكة أن تحقق الاستقرار في فترة اضطرابات اجتماعية كبيرة وسخط متزايد من القادة المنتخبين، وكيف منحت البريطانيين شعوراً بالهوية. وقال البروفسيور فيليب ميرفي المؤرخ ومؤلف كتاب (موناركي أند ذا إند أوف ذي إمباير) أي الملكية ونهاية امبراطورية "مرت الملكية بأحداث رفعتها إلى الذرى وهبطت بها إلى الحضيض. لم تتغير (اليزابيث) في الحقيقة لكن رد الفعل الشعبي تجاهها هو الذي تغير". وتابع قوله "أصبح الأمر جزءاً كبيراً من نظرتنا لأنفسنا كأمة". لعبة القدر لم تصبح إليزابيث ملكة إلا بسبب تحول مفاجئ في الأحداث، بعد أن تخلى عمها إدوارد الثامن عن العرش، بسبب حبه للمطلقة الأمريكية واليس سيمسون الأمر الذي أدى إلى جلوس والدها جورج السادس على العرش عندما كان عمرها عشرة أعوام. وكان عمرها 25 عاماً عندما أصبحت الملكة إليزابيث الثانية يوم السادس من فبراير(شباط )1952 بعد وفاة والدها. وفي ذلك الوقت كانت في جولة لكينيا مع زوجها الأمير فيليب الذي ظل بجانبها طوال فترة حكمها. وقالت الملكة بعد ذلك بأربعين عاماً: "بشكل ما لم أمر بفترة تأهيل لذلك. توفي والدي في سن صغيرة للغاية لذا كان تولي (العرش) مفاجئاً، وكان علي أن أبذل أفضل ما أستطيعه". وتوجت إليزابيث ملكة على بريطانيا وبلاد أخرى منها أستراليا وكندا يوم الثاني من يونيو (حزيران) عام 1953 في مراسم بثها التلفزيون من وستمينستر آبي. وأصبحت إليزابيث الحاكم الأربعين لبريطانيا في المؤسسة الملكية التي تعود إلى وليام الفاتح الذي تولى العرش في 1066 بعد انتصاره في معركة هاستينجز. وخلال فترة حكمها شهدت 12 رئيساً للوزراء بداية من ونستون تشرشل وودعت الإمبراطورية البريطانية التي كونها أسلافها وامتدت حدودها من كينيا إلى هونغ كونغ. الملكة الصامتة لا تزال وجهات نظرها بشأن الموضوع لغزا لأنها لم تقم بأي مقابلة خلال فترة حكمها الطويلة، ولم يكن هناك سبيل للتعرف على آرائها وشخصيتها إلا من خلال الظهور لفترات قصيرة على التلفزيون أو من خلال تصريحات أفراد آخرين في أسرتها. وألقى الفيلم الوثائقي (رويال فاميلي) نظرة أكثر قرباً على حياتها الشخصية. وعرض الفيلم في1969 بعد أن تتبعت الكاميرات الملكة لمدة عام. لكنه لم يعرض منذ ذلك الحين للاعتقاد بأنه يجعل الأسرة المالكة تبدو عادية أكثر من اللازم. وقال البروفيسور ميرفي إنه "لإنجاز مذهل أن تكون تحت دائرة الضوء لفترة طويلة دون أن يعرف أحد حقا ما هي وجهات نظرها". ورغم أنها أقدم ملوك العالم الأحياء فإن اليزابيث هي ثاني أطول الملوك جلوساً على العرش في العالم في الوقت الحالي، بعد الملك بوميبول أدولياديج ملك تايلاند الذي يسبقها في العمر بستة أعوام تقريباً. وأطول ملوك العالم حكماً هو الملك سوبوزا الثاني الذي حكم سوازيلاند 83 عاماً تقريباً حتى وفاته في 1982، بينما كان أطول الملوك حكماً في إحدى الدول الكبرى في أوروبا الملك لويس الرايع عشر الذي حكم فرنسا 72 عاماً. وخلال فترة حكمها قامت الملكة بأكثر من 250 زيارة خارجية لأكثر من 100 دولة والتقت أربعة ملايين شخص بشكل شخصي. وقال عنها رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، للبرلمان في 2012: "بالتأكيد سافرت على نطاق أوسع من أي رئيس دولة في التاريخ، وكما سُمعت هي نفسها تقول، ينبغي أن تروني لتصدقوني".