رغم نضالها وشراستها وجرأتها وفدائيتها، إلا أن الكثير من العرب والمغاربة أنفسهم لا يعرفونها ولا يعيرون أهمية لقصتها التي تشبه إلى حد كبير أفلام الأكشن؛ هي التي إستهوتها فلسطين فهي ( لا ) تقل بصفاتها وثوريتها عن النساء الفلسطينيات اللواتي شاركن بأعمال فدائية في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة . «نادية البرادلي» تلك الفتاة الجميلة العربية الشقراء مغربية الأصل والنشأة، فلسطينية العشق والانتماء اختارت أن تصبح فدائية تضع حياتها ثمنًا للقضية الفلسطينية ؛ فدافعت وبكل شراسة عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة من خلال «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
تلك الفتاة التي اقتحمت إسرائيل لتنفيذ عملية استشهادية، ولدت عام 1945 من أب مغربي مسلم وأم اسبانية كاثوليكية، وتابعت دراستها في الفلسفة والآداب بجامعة السوربون، انطلق الوعي لدى برادلي سنة 1970 حينما حاولت الانتحار لينقذها رئيس المكتب الأوروبي ل«الجبهة الشعبية» حين ذاك فخلق الحادث بينهما صداقة أطلعتها على الوحشية الصهيونية التي تطال نساء وأطفال فلسطين فشحنت أفكارها ووجهتها لضرورة القيام بعمليات فدائية.
قررت برادلي المشاركة في أول عملياتها الفدائية، ما دفعها إلى قضاء خمسة أيام بباريس، تتلقن خلالها طريقة تركيب المتفجرات وإعداد الخطة، وحانت ساعة الحسم حيث كان الهدف لنادية وشقيقتها تفجير 6 فنادق في تل أبيب، في ما سيتوجه باقي أفراد المجموعة التي تنتمي إليها إلى مدن أخرى وكانت تقضي الخطة بأن تتم التفجيرات بجميع الفنادق في يوم كان سيتوجه فيه غونار يارينغ، المبعوث الأمريكي إلى إسرائيل، كما كان مخططا أن يتوجه كافة المشاركين في العملية إلى روما.
قبل ساعات من التفجيرات وبتاريخ 11 أبريل 1971 وبمجرد ما وصلت نادية برادلي إلى مطار “اللد” بجواز سفر فرنسي مزور تحت اسم هيلين ماترين برفقة شقيقتها مرلين ألقي القبض عليها وكان قد عثر بين أمتعتها على بودرة متفجرات، شديدة الانفجار وبطاريات لأجهزة التفجير كانت معدة بشكل محكم وداخل أكعاب أحذية وضمن مساحيق التجميل وداخل الملابس، ومن ثم أصدرت إحدى المحاكم الإسرائيلية حكماً بسجنها لمدة اثنتي عشرة سنة، وسجن شقيقتها لمدة عشر سنوات، وفي أبريل عام 1974 أي بعد مرور ثلاث سنوات من الاعتقال في السجن الإسرائيلي المخصص للنساء ” نفي تريستا “، أفرج عنها جراء تدهور وضعها الصحي وإصابتها ببعض الأمراض وتم إبعادها من السجن الإسرائيلي في طائرة توجهت بها إلى باريس، في حين بقيت شقيقتها بالسجن، وبعدها توجهت إلى لبنان وعملت مع الثورة الفلسطينية وتزوجت من أستاذ جامعي فلسطيني يُعتبر من نشطاء “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”.
تقول في أحدى مقابلاتها ( بعد إطلاق سراحي، توجهت إلى لبنان حيث توجد المقاومة الفلسطينية، ومكثت هناك سبع سنوات، فقد خرجت من السجن وأنا أكثر إصرارا من ذي قبل على مواصلة النضال… لعل معايشتي اليومية للفلسطينيات في السجن كانت وراء هذا القرار، فقد عرفت منهن حقائق كثيرة أجهلها)، وتتابع نادية : عندما خرجت من السجن كنت ممزقة للغاية ولا أنسى أبدا وجوه وأصوات الفتيات وهن ينادين علي ” ناديه تشجعي ” ، كما أنني تركت أختي في السجن ولم تخرج إلا بعد ذلك بعامين، وقد عدت إلى المغرب قبل غزو إسرائيل للبنان بشهر واحد .
توفت نادية في صيف عام 1995 ، بعد سنوات من عودتها للمغرب واستقرارها فيه وعملها في الصحافة والإعلام متأثرة بالأمراض التي ورثتها عن السجون الإسرائيلية أثناء فترة اعتقالها .
نادية ليست هي وحدها من أبناء الشعب العربي المغربي، الذين ناضلوا وضحوا بجانب الشعب الفلسطيني في مسيرته الكفاحية ضد الإحتلال الإسرائيلي ومن أجل نيل حريته، لكن عكست قصة نادية حالة وحقيقية المرأة المغربية ومشاركتها الفاعلة في النضال الوطني والقومي وفي الشأن السياسي والدبلوماسي، لتذكرنا بكوكبة من المغربيات اللواتي كان لهن بصمات واضحة في كافة المجالات وعلى كافة الصعد أمثال ” فاطمة الفهرية “ “نوال المتوكل “، والفلكية المغربية ( مريم شديد ) التي وصلت إلى القطب الجنوبي المتجمد.