إنه رجل يمتلك شخصية كاريزمية مؤثرة، ويحظى بقبول شعبي واسع في بلده وخارجه. مفرداته تملك القدرة على إقناع الجماهير والاقتراب من مفتاح قلب رجل الشارع البسيط، حسه الخطابي العالي ولغته البعيدة عن التنظير والإيديولوجيا والتي ينهلها من تعبيرات البسطاء، إضافة إلى مواقفه الصلبة تجاه القضية الفلسطينية، جعلت من رجب طيب أردوغان بطل العالم العربي والإسلامي، و«الرجل الذي يعبر عن مكنون صدر العالم العربي»، حسب مجلة «تايم» الأمريكية. رفع آلاف المتظاهرين، أول أمس الخميس، أمام السفارة التركية في تل أبيب صورا له كتب عليها «إسلامي فاشي وإرهابي»، كما أن سخونة دمه وحماسته الكبيرة جعلته يتحدث مع رئيس أقوى دولة في العالم بحزم كبير طالبا منه توفير المساعدات الإنسانية لشعب غزة دون تقويض أمن إسرائيل.. إنه رجل الواجهة في الوقت الراهن على الساحة الدولية والإعلامية، حيث تتناقل تصريحاته النارية كل وسائل الإعلام العالمية بعد الهجوم الذي شنته إسرائيل على «رسل الإنسانية». رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، الذي يعد من بين أكثر الزعماء شعبية في العالم العربي والإسلامي في الوقت الحالي، أعلن عزمه ملاحقة المسؤولين عن الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية» المتضامن مع غزة قضائيا، وقال أمام كاميرات التليفزيون: «لن ندع الأمر يمر مرور الكرام». وقبلها قال أردوغان، وهو واحد من بين مائة شخصية الأكثر تأثيرا في العالم حسب صحيفة «التايم» الأمريكية، للرئيس الأمريكي باراك أوباما، في اتصال هاتفي، إن إسرائيل في طريقها إلى خسارة صديقتها الوحيدة في المنطقة (تركيا)، بعد الهجوم الذي تعرض له أسطول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. مواقفه القوية هذه، ذكرت الجميع بما قام به أردوغان في المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس في 2009، حيث استشاط غضبا وترك القاعة وسط تصفيق الحضور، بعدما رد بقساوة لافتة على كلام للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بشأن العدوان على غزة. بعدما أنهى بيريز كلمته، التي دافع فيها بحرارة عن العدوان، طلب أردوغان من منظم الحوار أن يسمح له بالكلام، فأجابه أن لديه «دقيقة واحدة»، عندها انتقد أردوغان دفاع بيريز بشراسة قائلا: «أذكر اثنين من رؤساء حكومتك قالا إنهما يشعران بالسعادة لأنهما تمكنا من الدخول إلى غزة عبر الدبابات»، مضيفا: «إن إسرائيل قد ارتكبت عملا بربريا في غزة، أجده أمرا محزنا أن يصفق الناس على ما قلته، لأن أشخاصا كثيرين قتلوا، أعتقد أن ذلك خاطئ جدا وغير إنساني». وقال أردوغان متوجها إلى الرئيس الإسرائيلي: «أعتقد أنك تشعر ببعض الذنب، لذلك تكلمت بهذه الحدة»، مضيفا: «لقد قتلتم أناسا، وأنا أتذكر أطفالا قتلوا على الشواطئ». في بحثها عن سبب شعبية أردوغان الكبيرة في كل أرجاء العالم العربي والإسلامي، تقول مجلة «تايم»، في مقال بعنوان: «هل أردوغان بطل العرب؟»، إن مأساة غزة أظهرت مدى ضعف الزعماء العرب عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع إسرائيل، سواء كانوا من المعتدلين مثل الرئيس المصري محمد حسني مبارك، أو من المتشددين مثل الرئيس السوري بشار الأسد. وشبهت «التايم» أردوغان بأحمدي نجاد، حيث أكدت أن هناك قاسما مشتركاً بين الرجلين، فكلاهما أهان الإسرائيليين. أحمدي نجاد وأردوغان يتمتعان بمكانة الأبطال في أعين العرب، تضيف «التايم»، حيث إن الناس في المنطقة يشعرون بالأسى من عجزهم عن منع معاناة وموت الأبرياء في قطاع غزة، ويسرهم قيام شخص ما بدفع الرئيس الإسرائيلي إلى أن يلقى القصاص العادل لأفعاله. طيلة حياته التي بدأت يوم 26 فبراير 1954 في حي قاسم باشا، أفقر أحياء إسطنبول، كانت لأردوغان مواقف صلبة لا يتزحزح عنها ولا يهمه ما قد تسفر عنه من نتائج قد تكون سلبية عليه، رغم أن شخصيته مرنة جدا ومنفتحة على أفكار جديدة، فبعد أن درس في مدرسة «الإمام الخطيب» في إسطنبول وتلقيه علم الإدارة في جامعة «مرمرة»، طلب منه رئيسه في إدارة المواصلات، وكان برتبة كولونيل متقاعد من الجيش، أن يحلق شاربه، تطبيقا لمجموعة من القوانين الجديدة، ومن بينها حلق الشارب والذقن ومنع النساء من دخول الجامعات والمؤسسات الحكومية بالحجاب، فرفض أردوغان حلق شاربه، وكلفه هذا عمله، بعدما اضطر إلى الاستقالة. أردوغان الذي وصل إلى منصب رئيس فرع حزب الرفاه، بقيادة نجم الدين أربكان، وهو في الخامسة والثلاثين، ثم رئيس بلدية إسطنبول، أكبر بلدية عامة بتركيا سنة 1995، رأى حلمه السياسي الذي فضله على مسيرة ناجحة في عالم كرة القدم، يتبخر بسبب الشعر. «مساجدنا، ثكناتنا، قبابنا، خوذاتنا، مآذننا، حرابنا، والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا»، هذه الأبيات الشعرية، التي ألقاها أردوغان وسط الجماهير الشعبية، أدت سنة 1999 إلى حبسه عشرة أشهر بتهمة التحريض على الكراهية الدينية ومحاولة قلب النظام العلماني، كما تم منعه من العمل في وظائف حكومية ومنها الترشح للانتخابات العامة. قضى أردوغان بالسجن فترة أربعة أشهر خرج بعدها، وبعد فترة أصدرت الحكومة عفوها العام عنه، وتم إدخال بعض الإصلاحات على قانون الجزاء التركي في البرلمان، مما أتاح الفرصة أمام أردوغان لممارسة نشاطه السياسي بحرية. وبعد أن تم تأسيس حزب الفضيلة على أنقاض «الرفاه» الذي صدر حكم قضائي بحله، قاد أردوغان، ومعه عبد الله غل، الجناح الإصلاحي في الحزب الجديد الذي أصبح نواة لحزب العدالة والتنمية. ولدى أردوغان قدرة كبيرة على تغيير مواقفه بنسبة 180 درجة كاملة والدفاع عن هذه المواقف في الحالتين بشكل يدهش خصومه ويجعلهم يقولون إنه ميكيافلي. حدث ذلك في قضية مشروع القانون الخاص بتجريم الزنا سنة 2004، عندما أصر على المضي قدما في إقرار المشروع في البرلمان رغم رفض الجيش والمعارضة والاتحاد الأوربي له، وعندما هدد الأخير بعدم منح موعد لبدء مفاوضات العضوية مع تركيا تراجع وسحب المشروع من البرلمان. ويرى البعض أن أردوغان لم يكن حكيما في بعض تصرفاته التي أعطت إحساسا بالعظمة، إذ وصف بأنه تظهر عليه أعراضا سلطانية مثل حفل الزفاف الأسطوري الذي أقامه لابنته سنة 2005، وبلغت تكلفته مليوني دولار في بلد حوالي ثلث سكانه تحت خط الفقر، إضافة إلى تلقيه وزوجته هدايا شخصية ثمينة. وبينما يرى كثيرون من أبناء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أردوغان بطلا استطاع أن يحقق ما لم يستطع أحد من قبله أن يقوله أو يفعله، يرى البعض الآخر أن التصريحات الأخيرة لأردوغان تدخل ضمن نطاق اللعبة السياسية مع اقتراب الانتخابات التركية، لتعزيز شعبية حزبه وضمان اكتساحه للساحة من جديد.