لفت نظري خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة حرارة المشاعر التي كانت سمة غالبة في لقاءات أوباما الجماهيرية. حتى أنه رغم الوضع الاقتصادي المتأزم وجد الأمريكيون في انتخاب أوباما فرصة للفرح والتعبير عن مشاعر التفاؤل التي تملؤهم. فالمتأمل لهذا الوضع يجد من الصعب تصديق أن أوباما مجرد شخصية محبوبة أو حتى كاريزمية. واستند الزخم السياسي الذي شهدته الولاياتالمتحدة خلال حملة أوباما على تحفيز جهود فئات بعضها لم يسبق لها أن اهتمت بالحياة السياسية من قبل، فحولها إلى مشاركين ومتطوعين ومتفاعلين مع واقعهم السياسي والاجتماعي. واستمدت فئة الشباب في سن الجامعة إلى منتصف العشرينيات حيويتها من شخص أوباما ذاته. ومن هنا فإن مصير تأثيرها سيرتبط أيضًا به. "" وأحد أهم هذه الفئات هو قطاع الشباب الذي شارك بحيوية أعادت النشاط السياسي الذي شهدته واشنطن في ستينيات القرن العشرين من خلال الحركات الشبابية التي عارضت حرب فيتنام وغيرها من التنظيمات التي اتخذت منحىً يساريًّا وعارضت شكل العلاقات الاجتماعية في الولاياتالمتحدة. ورغم أن تأثير هذه الحركات قد صار محدودًا مع الوقت، فإنه من المؤكد أن الشباب الذي نجح أوباما في تعبئتهم سياسيًّا يمكن أن يصبحوا نواة لحركة اجتماعية مؤثرة. وهذه الملاحظات دفعتني إلى محاولة التعرف على مشاعر الأمريكيين، خاصة الشباب، تجاه الرئيس الجديد الأمريكي، باراك أوباما. الحب عنوان حملة أوباما الانتخابية قالت لي زميلتي بالجامعة الأمريكيةبواشنطن، برندا مانلي، أن أوباما حرك داخل الأمريكيين مشاعر الحب، وبدلاً من كلمة حب Love استعمل أوباما كلمة الأمل Hope لأنها أكثر اتساقًا مع الثقافة الأمريكية، التي تميل للعقلانية. ترى مانلي أن الحب الذي حركه أوباما كان موجودًا بالفعل داخل الأمريكيين لكنه كان محبوسًا أو حتى مخنوقًا، لكن أوباما عرف كيف يجده ويفجره. وتضيف أنه عندما يعطيك شخص الثقة في نفسك والإحساس بالقدرة على التأثير فإنك بالتأكيد سوف تحبه. وذهبت برندا للمقارنة بين أوباما والرئيس الأسبق كلينتون، الذي كان أيضًا رئيسًا محبوبًا، ولكن أوباما يمثل ما هو أكثر من ذلك لأنه يؤمن بقدرته وقدرة المجتمع ككل على التغيير، فترى أن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب، ولهذا حصل أوباما على ثقة واسعة بين زعماء العالم، ومنهم الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو، الذي أعلن عن رغبته في مقابلة أوباما. وترى كاثرين، وهي طالبة بالفرقة الرابعة بالجامعة الأمريكيةبواشنطن، أن أوباما بالنسبة لها يمثل نموذجًا للبطل، الذي يبدأ غالبًا بداية غامضة، ثم يصعد بإمكاناته وقدرته على التأثير، ثم تواجهه ضغوط في مرحلة معينة يصعد بعدها إلى المجد. إنها قصة المسيح الذي ترى كاثرين أن بدايته كانت غامضة، حيث ولد لأم دون أب، ثم صعد نتيجة قدرته على التأثير فيمن حوله، فيما توالت الأحداث التي أدت إلى صلبه ثم صعوده للسماء. وترى قصة أوباما على هذا النمط ذاته. فغموض بدايته يرجع إلى والده الكيني الذي لم يره إلا مرات قلائل، وسنوات طفولته التي قضاها في إندونيسيا مع والدته. ورغم نجاحه في الصعود بفضل قدراته، إلا أن حدود العنصرية واجهته بعقبات استطاع بعدها أن يصعد لأعلى منصب بالولاياتالمتحدة. أوباما فارس الأحلام يبدو أن المشاعر التي تكنها الفئات الأصغر سنًّا تجاه أوباما أقرب للإعجاب بنجم سينمائي أو مغني مشهور. وليس من الضروري أن يعني هذا تغييبًا للعقل طالما تم توجيه هذه المشاعر لتصبح طاقة فاعلة في الحياة السياسية. وتؤكد أكتا وهي طالبة بالفرقة الأولى بالجامعة الأمريكية، أنها بالفعل مولعة بأوباما، وقالت لي "I have a crush on Obama, I love him” فهو جذاب ويجيد الرقص، بينما غيره من السياسيين مملون. وتضيف أن أوباما لديه قبول، وهو شيء ضروري في الرئيس لأنه ينبغي أن يتعامل مع حكومات العالم، كما أنه متفتح. وتقول:إن كبار السن سيطروا على الحياة السياسية لفترة أطول من اللازم. وترى أن بعد أوباما عن دوائر السياسيين الأكبر سنًّا والمتحالفين مع رأس المال هو ما جعله يحظى بمكانة خاصة ويحفز أفرادًا للمشاركة في الحياة السياسية ربما لأول مرة في حياتهم. وبالطبع لم تكن جميع الآراء التي صادفتها على هذا القدر من الرومانسية، فبعضها كان أكثر عقلانية. حيث ترى رايزي، وهي أيضًا طالبة بالفرقة الأولى، أن انجذاب جيلها تجاه أوباما ينبع من قدرته على إعطاء الأمل في التغيير، وهي ترى أن الحب الذي يكنه الشباب لأوباما مصدره الانجذاب لإيمانه الشديد بإمكانية التغيير. هل يمكن أن تتغير المشاعر؟ كان هذا هو السؤال الثاني الذي أردت أن أتعرف على آراء الأمريكيين حوله. كيف يمكن أن تتغير مشاعر الحب التي تولدت تجاه أوباما؟، وما الذي يحوله من بطل إلى رجل سياسة مثله مثل غيره من السياسيين الذين يمكن أن يحصلوا على تأييد الناخبين ولكن ليس بمقدورهم أن يحفزوا مؤيديهم للمشاركة في صنع أهداف عليا؟. إن فاعلية جيل الشباب الذين حمسهم أوباما لأفكاره وبرنامجه يحتاج إلى قوة دفع مستمرة، وإلا فقد المجتمع الأمريكي قوة محركة أكثر ليبرالية وأكثر قدرة على العمل التطوعي والمشاركة. وفي هذا السياق تقول لي برندا مانلي، وهي مناصرة قوية لأوباما : إن مشاعرها يمكن أن يغيرها الكذب. فهي لن تقبل أكاذيب فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية أو الخارجية. ففي المجال الخارجي، تتمنى أن تكون الولاياتالمتحدة وسيطًا محايدًا في أي نزاع إقليمي ومحل ثقة من دول العالم. وتشاركها كاثرين الاهتمام بالعامل الخارجي، ولكنها ترى أن وقوع حادثة إرهابية على الأراضي الأمريكية ربما يكون عاملاً فاعلاً في تبديل مشاعر الحب تجاه أوباما. فرغم رفض كثيرٍ من الأمريكيين لسياسات بوش لمكافحة الإرهاب، إلا أن الولاياتالمتحدة لم تشهد حادثة إرهابية واسعة النطاق في عهده منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وبوجه عام لاحظت أن الأمل يزيد من القدرة على تجاوز بعض الأخطاء البسيطة طالما التزمت إدارة الرئيس الجديد بالصراحة وبالمبادئ الأمريكية. فمثلاً ترى رايزي أن كل ما على أوباما هو أن يحاول ويحاول، بينما أكدت لي زميلتي ريبيكا أن الرئيس لا يمكن أن يغير كثيرًا على أي الأحوال. درس أوباما الذي يجب تعلمه تمثل رحلة أوباما للوصول إلى أعلى منصب في الولاياتالمتحدة، بعد شهرته على الساحة الأمريكية على نطاق واسع بعد خطابه لتأييد ترشيح جون كيري للرئاسة الأمريكية عام 2004، نموذجًا للقدرة على تعبئة الجماهير لإحداث حراك سياسي واسع النطاق. والواقع أن أغلب النظريات التي سعت لتفسير نمط القيادة الكاريزمية، منذ نظريات ماكس فيبر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تشير إلى أن هذا النمط القيادي بطبيعته قصير العمر لأنه يرتبط بوضع أزمة معينة ويقتصر أمده على فترة بقاء الزعيم الكاريزمي في الحكم، إلا أنه في مجتمع قائم على مؤسسات ديمقراطية وحريات سياسية مستقرة، فإن عمر القيادة الملهمة التي جسدها أوباما سيستمر مع أجيال الشباب التي أسهمت بقوة في إيصاله للحكم، والذين سيكونون في بدايات حياتهم المهنية مع انتهاء فترة ولايته الأولي. وكما تشير استطلاعات الرأي في الولاياتالمتحدة، فإن الأجيال الأصغر سنًّا أكثر ليبرالية وانفتاحًا وأقرب رغبة في الاتصال بالآخر والخروج عن سيطرة المؤسسات الحاكمة في مجالات الإعلام و توجيه الرأي العام. وفيما يتعلق بالدرس الذي يمكن أن يتعلمه العالم العربي يتمثل في أن الشباب طاقة متجددة تسعى للتغيير الحقيقي في الأفكار والمؤسسات وليس فقط في الأشخاص، وأن القيادة التي يمكن أن تعبِئَ إمكانات الشباب لا يمكن فرضها من المؤسسة الحاكمة، فالأقرب للواقع أن تأتي هذه القيادة من خارج تلك المؤسسة لإحداث التغيير الذي تتطلع إليه الأجيال الصاعدة. يبقى القول: إن التاريخ سيذكر أوباما ليس فقط على أساس قدرته على تحقيق وعوده الانتخابية، ولكن أيضًا قياسًا على مدى نجاحه في توجيه طاقات جيل من الأمريكيين كان بالنسبة لهم ملهمًا وحلمًا ودافعًا على العمل.