عاد جيريمايا رايت، القس السابق لكنيسة «المسيح الموحدة للثالوث» التي ينتمي إليها، الساعي إلى نيل ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض سباق الرئاسة باراك أوباما، إلى الأضواء بعدما أدلى بتصريحات صحفية جددت الجدل الذي أثارته تصريحاته السابقة حول العرق في أمريكا، والتي لعن فيها الولاياتالمتحدة ووجه إلى حكومتها عددا من التهم الخطيرة، مما دفع أوباما إلى عقد ندوة صحفية تبرأ فيها من مرشده الروحي السابق وانتقد تصريحاته التي وصفها بالمشينة. قس مثير للجدل قصة القس جيريمايا رايت بدأت قبل أسابيع عندما بثت قناة فوكس نيوز وعدد من شبكات الأخبار داخل الولاياتالمتحدة مقتطفات من عظات اتهم فيها الحكومة الأمريكية باختراع فيروس الإيدز ونشره بين السود للقضاء عليهم، ونشر المخدرات بين شبابهم واعتقالهم وإيداعهم السجون. كما اتهم رايت بلاده بالدفاع عن إسرائيل وتجاهل الفلسطينيين والأفارقة، كما حمّلها مسؤولية هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقد أثارت تصريحات رايت جدلا كبيرا داخل الولاياتالمتحدة بسبب دعوته الأمريكيين السود إلى لعن أمريكا وعدم مباركتها في صلواتهم، حتى إن بعض الجهات اليمينية المتطرفة اتهمته بالخيانة العظمى وعدم الوطنية. وقد أحرجت تصريحاته والجدل الذي أثارته المرشح الديمقراطي باراك أوباما بسبب علاقة الرجلين القوية. فالقس رايت كان هو من أقام قداس زواج باراك أوباما بزوجته ميشيل أوباما، كما أنه عمّد ابنتيه في الكنيسة ذاتها، وكان يحضر معظم المناسبات العائلية الخاصة بالمرشح الديمقراطي. وانتقد أوباما بشدة، قبل فترة، تصريحات القس رايت، لكنه رفض التبرؤ منه ووصفه بأنه شيخ عزيز عليه رغم ما قد يتفوه به من كلام غير منطقي. لكن أوباما اضطر إلى مهاجمة مرشده الروحي السابق بشدة والتبرؤ منه أمام وسائل الإعلام يوم الثلاثاء الماضي بعدما أدلى رايت بسلسلة من التصريحات الصحفية دافع فيها عن مهاجمته للولايات المتحدة وأصر فيها على لعن أمريكا، واتهم خلالها وسائل الإعلام الأمريكية بالعنصرية والعجز عن فهم الفلسفة التي يعتنقها السود الأمريكيون في كنائسهم وخلال تعبدهم. عودة إلى الأضواء ألقى رايت بداية الأسبوع محاضرة في جامعة شيكاغو حضرها عشرة آلاف شخص صفقوا كثيرا للقس «المارق»، حسب تعبير بعض وسائل الإعلام الأمريكية. وقال رايت في محاضرته إن سوء الفهم الذي وقع بسبب بث مقاطع من عظاته يجب أن يكون سببا لفتح نقاش عميق داخل الولاياتالمتحدة حول العرق وحقوق السود، واغتنم الفرصة كي يجدد مطالبته الحكومة الأمريكية بدفع ملايين الدولارات للأمريكيين السود تعويضا لهم عن السنوات التي قضاها أسلافهم يعملون كعبيد في المزارع الأمريكية المرفهة. يومين بعد ذلك، نظم جيريمايا رايت ندوة صحفية ضخمة في مركز الصحافة بواشنطن، حمل فيها على الصحفيين ورفض الرد على أسئلتهم المحرجة بطريقة غير لبقة وتمسك فيها بتصريحاته السابقة، وقال إن طريقة تعبد الأمريكيين السود ليست غير وطنية أو متنكرة للمبادئ الأمريكية ولكنها مختلفة فقط عن طريقة تعبد الأمريكيين البيض. واتهم رايت، خلال الندوة الصحفية، وسائل الإعلام بالعنصرية، وقال إن علاقته بالمرشح الديمقراطي باراك أوباما ممتازة وإنه قال للأخير: «إذا ما انسحبت من سباق الرئاسة، فإن حسابك سيكون عسيرا معي»! ساعات قليلة بعد نقل مجريات الندوة الصحفية على الهواء مباشرة، عقد المرشح الديمقراطي باراك أوباما ندوة صحفية أخرى ندّد فيها بتصريحات مرشده الروحي السابق واتهمه بتأجيج مشاعر العنصرية ضد البيض. ولم يكتف أوباما هذه المرة بإدانة تصريحات رايت، لكنه تبرأ منه تماما وأنكر التحدث معه بشأن ترشحه للانتخابات التمهيدية أو الرئاسية، كما دعاه إلى التراجع عن تصريحاته التي يهاجم فيها «عظمة الأمة الأمريكية» و«طيبوبة الشعب الأمريكي». كما انتقد أوباما ما وصفه ب«مغالطات رايت في السياسة الخارجية وانتقاده إسرائيل بدل التطرف الإسلامي». وحوّل أوباما موقفه المهاجم للقس رايت إلى شعار لحملته الانتخابية الجارية في ولاية نورث كارولينا التي ستشهد الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الأسبوع القادم. وقال أوباما، في كلمة ألقاها هناك ونقلتها الشبكات التلفزيونية، إنه لا توجد أعذار للتصريحات «المرعبة» التي أدلى بها القس رايت. وأضاف أن تصريحات رايت تؤلمه وتؤلم جميع الأمريكيين. وشدد أوباما على ضرورة إدانة تلك التصريحات التي تمثل نقيض ما يمثله هو، على حد تعبيره. ضربة موجعة قال مراقبون إن تصريحات القس جيريمايا رايت شكلت ضربة موجعة للمرشح الأسود الذي دخل التاريخ كأول مرشح من أصل إفريقي يكاد يحصل على ترشيح الحزب الديمقراطي للمشاركة في الانتخابات الرئاسية. ونشرت مجلة نيوزويك، في عددها الصادر يوم الاثنين، استطلاعا للرأي أشارت نتائجه إلى أن بث عظات رايت المثيرة للجدل أدى إلى تراجع صورة أوباما لدى 41 في المائة من الناخبين. وأضاف هؤلاء المراقبون أن الأثر المدمر الذي أحدثته تصريحات رايت على حملة أوباما لم يكن أي هجوم من أي نوع أو جهة سينجح في أن يحدثه، وذلك بسبب العلاقة القوية التي كانت تربط بين الرجلين وبسبب «فظاعة» الاتهامات التي حملتها عظات القس رايت، في وقت يعاني فيه الأمريكيون من تضخم في الشعور بالوطنية بسبب الحربين الدائرتين في العراق وأفغانستان وأيضا بسبب أسطورة «المواطن الأمريكي الخارق» التي يؤمن بها ملايين الأمريكيين الذين يستعدون لاختيار رئيس جديد يعيد أمجادهم ويجدّد صورة البطل الأمريكي المفتول العضلات التي تسببت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي في تحويله إلى مجرد جندي منبوذ ومصاب بعدد لا يحصى من الأمراض النفسية!