يعتبر العديدون باراك أوباما، السيناتور الديمقراطي عن ولاية ألينوي والمرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية الخطيب الأكثر موهبة والنجم الصاعد في جيله والفصيح الذكي إلى حد مدهش على هذا المستوى من الطموح السياسي. وقد ساعد أوباما على ذلك كاريزميته التي تنبع من قدراته اللغوية والخطابية العالية، مما دفع الكثير من الكتاب والصحفيين الأمريكيين إلى مقارنته ببعض الشخصيات العامة الأمريكية ذات الكاريزما المتميزة وتحديدا جون كيندي. من هو أوباما؟ باراك أوباما من مواليد 4 غشت 1961، ولد لأب كيني وأم أمريكية في هونولولو بولاية هاواي. كان باراك أوباما ابن العامين عندما انفصلت أمه عن أبيه، ثم انتقل باراك بعد ذلك مع أمه وزوجها إلى إندونيسيا، ثم عاد إلى أمريكا لكي يتربى في منزل جديه لأمه. عاش فترة مراهقة صعبة بسبب ظروف العائلة وأزمة هوية عاشها، ثم تمكن من الخروج من أزمته بالإصرار والعزيمة اللذين قاداه إلى التفوق الدراسي، فحصل على شهادات جامعية وأتم دراساته العليا بأكبر الجامعات الأمريكية، حيث درس الحقوق بجامعة هارفارد، ليعود بعد ذلك إلى خدمة المجتمع المحلي والأفارقة الأمريكيين والأحياء الفقيرة بمدينة شيكاغو، ويدرس القانون بإحدى جامعاتها. وقد أدى ذلك إلى انتخابه عضوا في مجلس شيوخ الولاية منذ عام 1997 وحتى عام 2004، وهو العام الذي انتخب فيه أوباما عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي بعد فوزه بأغلبية 70% على منافسه الجمهوري. المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأمريكي الذي انعقد قبيل انتخابات عام 2004 الرئاسية، في يوليوز 2004 كتب شهادة ميلاد باراك أوباما السياسية على النطاق الوطني بالولاياتالمتحدة، إذ حول المؤتمر أوباما من مرشح لانتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ألينوي إلى أحد ألمع السياسيين الأمريكيين على الإطلاق. وقد خرجت صحف أمريكية عديدة في اليوم التالي للمؤتمر بمقالات تتنبأ بميلاد نجم سياسي جديد يتمتع بكاريزما قوية، وبقدرة خطابية عالية، وبخطاب جديد. وقدم أوباما نفسه كمثال للأمريكي الجديد متعدد الأعراق والخلفيات والمنفتح على الجميع، الذي يريد بناء أمريكا جديدة متحدة تتخطى الفوارق العرقية والسياسية، إلا أن كتاباته تنم بالشيء الآخر. في كتاب له بعنوان «أحلام من والدي»، يتكلم أوباما عن ذكريات طفولته مع والده، ويقر بأن لا وجود لأبيه في حياته، وأن صورته بهتت في ذهنه إلا سوادها الذي يشبه الزفت! نلتمس من هذه السطور شعور أوباما بالإحباط مما دفعه في العشرينات من عمره إلى تعاطي المخدرات وشرب الخمر، وكتب أنه كان يفعل ذلك من أجل أن يبعد الأسئلة المتعلقة بعرقيته المختلفة. هنا يحدد أوباما شعوره بالدونية والخوف من أصوله ولونه وما قيل عن إسلامه. في السياسة الخارجية الأمريكية: تاريخ السياسة الخارجية للديمقراطيين والجمهوريين يكمن في ميزان قوة الولاياتالمتحدة ونفوذها في العالم، وأن ما يحاول أن ينتزعه الديمقراطي بالتجارة، يحاول الجمهوري أن يفرضه بالقوة. والوضع الحالي، كما يقول اليمين الأمريكي المتطرف، يقتضي القوة لدحر «التطرف الإسلامي» ومواجهة «القاعدة» والعثور على أقصر الطرق لمنع إيران من حقها في الطاقة النووية السلمية. كل هذا يتطلب تمتين التحالف مع إسرائيل، وإطلاق الآلة العسكرية مجدداً لفرض الأمر الواقع من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية على العالم. وعليه، يصعب على باراك أوباما تحديد السياسة الخارجية الأمريكية بشكل أساسي، لاسيما وأن الديمقراطيين يفضلون الدبلوماسية أولا والقوة «المحدودة» ثانيا. وهكذا، بدلا من بيان واضح بشأن العراق، وملفات أخرى، نجد أوباما ينزلق في الكلام المزدوج. فهو يتحول من معارض للحرب في العراق إلى مساند لها مع بعض التكتيكات، كرغبته في سحب القوات الأمريكية من العراق بشكل كامل قبل أوائل أبريل 2008، وفي تقوية المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وإصلاحها، وفي تحسين علاقة أمريكا بالعالم من خلال بناء التحالفات وتقديم المساعدات الخارجية. إلا أنه حذر عام 2002 من أن صدام حسين لا يشكل أي خطر أو تهديد مباشر على الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن غزو العراق من دون رؤى واضحة ومن دون دعم دولي لن يؤدي إلا إلى تأجيج الوضع في الشرق الأوسط، ونشر الفرقة، والكراهية في العالم العربي، وتعزيز ذراع تنظيم القاعدة. نفس الازدواجية نجدها عنده عندما يتعلق الأمر بكوبا. فأوباما يتحول بين ليلة وضحاها من مساند لرفع الحظر عليها إلى متشدد في إبقائه. أما جون ماكين، الخصم العنيد وأكثر المتشددين في إدارة المحافظين الجدد، فهو يصرح علانية: لقد مكثت قواتنا في اليابان لمدة 60 عاما، ومكثت في كوريا الجنوبية 50 عاما، وسيكون مناسبا أن يمكث الأمريكيون في العراق مثل ذلك، مادام الأمريكيون لا يقتلون أو يصابون. سيكون ذلك جيدا. فماكين يؤيد الاحتلال العسكري للعراق ويقولها صراحة، كما أنه يساند الوجود العسكري في العراق لمدة زمنية لا سقف لها. أما في ما يخص إيران، أكد أوباما استعداده لإجراء محادثات مع زعماء إيران بدون شروط مسبقة لمناقشة كل المشاكل العالقة بين واشنطن وطهران. لكن ماكين انتقد ذلك قائلا إنه لا جدوى من الحوار مع دولة لا تعترف بإسرائيل، ولا تمتثل إلى القوانين الدولية عندما يتعلق الأمر بالطاقة النووية. كل ذلك دفع أوباما إلى تغيير رأيه عندما قام بإلقاء كلمة في شهر مارس الماضي أمام منظمة إيباك، وتعهد بمنع إيران من الاستمرار في برنامجها النووي حتى ولو تطلب ذلك عملا عسكريا على حد قوله. في الإرهاب: مر ما يقرب من عشرين عاما على نهاية الحرب الباردة، لكن الحسابات العسكرية الأمريكية لا تزال تهيمن على المدى الطويل في التفكير في العلاقات العالمية الرئيسية. الإرهاب هو بدون جدال العدو الرئيس، لكنه في الحقيقة هو خدعة تتخذ كاحتياط ضد القوة المتزايدة للصين وروسيا والهند، إن لم نستثن منها أوربا التي أصبحت على خلاف واضح مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. فها هو بوش يوقع ميثاقا نوويا مع الهند، وباراك أوباما يهدد بضرب الأسلحة النووية في باكستان الحليف الصديق، وهيلاري كلينتون تعد «بطمس إيران» إذا هاجمت إسرائيل، وجون ماكين يؤيد نشر الدرع الصاروخي في أوربا الشرقية. كل هذا يشير إلى الميول إلى الحلول العسكرية وتصاعد خطر الحرب. مؤسسة الحرب: إن الذي يهيمن على مجرى الانتخابات الأمريكية هو المال والهيمنة السياسية لبعض الأقطاب مثل اللوبي اليهودي. فالكل يتذكر سقوط الرئيس الأمريكي السابق جون كيندي وهو في أوجه. ف«مؤسسة الحرب» هي التي أسقطته والسبب الرئيس هو آراؤه حول الحرب في فيتنام واستعداده للانسحاب منها. فهو بذلك يكون قد خرق قاعدة مقدسة، وهي التطاول على مصدر دخل للكثير من الشركات الأمريكية التي يقوم عليها جزء كبير من الاقتصاد الأمريكي، والذي يوفر الأموال لنخبة استطاعت أن تقيم تحالفا بين شركات السلاح والبنتاغون. هذا التجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي يسيطر على أمريكا، سمح لأوباما بأن يستمر في المنافسة ضد هيلاري كلينتون، لمصلحة ماكين مرشح هذا التجمع الذي لا يمكن أن يسمح لأوباما بالاقتراب من البيت الأبيض. فأوباما حدد طريقة الموت لنفسه عندما تكلم عن الانسحاب من العراق. كما أن له حساب خاص مع لجنة العلاقات العامة الأمريكية-الإسرائيلية المشهورة أكثر باسمها المختصر «إيباك»، الجماعة الصهيونية الأقدر والأكثر قوة في أمريكا، والتي تؤيد إسرائيل وسياساتها تأييدا مطلقا. فهذه اللجنة سترغم أوباما على السجود المعلن لكافة المجموعات اليهودية على اختلافها، وستستنطقه علنا وتهزأ منه جراء تذبذب آرائه بشأن القدس، حيث يقول مرة إن القدس عاصمة إسرائيل الموحدة، ويتراجع بعد ذلك ليقول إن ملف القدس يجب أن يوضع على الطاولة للحوار والتشاور. وستمتد إليه كل الأيدي لتخنقه على تصريحاته بفتح القنوات الدبلوماسية في معالجة الملف النووي الإيراني. في العنصرية: في الوقت الذي تتزايد فيه احتمالات تولي رئيس أمريكي من أصل إفريقي رئاسة البيت الأبيض، لا تزال الهوة سحيقة بين السود والبيض في المجتمع الأمريكي، الذي مازال يعاني من العنصرية، على الرغم من التقدم الذي تحقق منذ إقرار الحقوق المدنية للسود. وفي هذا السياق، فإن السيناتور أوباما بدأ يتعرض لحملة عنصرية تبث بشكل متواصل على الشبكات التلفزيونية الأمريكية نتيجة التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها القس حيريمي ورايت حول أمريكا والعنصرية والإرهاب. يقول القس ورايت إن على الأمريكيين ألا ينشدوا «بارك الله أمريكا»، وعوضا عن ذلك يجب أن ينشدوا «لعن الله أمريكا». وقال القس أيضا إن الولاياتالمتحدةالأمريكية جلبت لنفسها اعتداءات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية بسبب إرهابها. وقال ورايت في 16 سبتمبر 2001: «قصفنا هيروشيما، وقصفنا ناغازاكي، وأصبنا لنا بأسلحتنا النووية أكثر بكثير من بضعة آلاف قتلوا في نيويورك والبنتاغون، ولم يغمض لنا جفن». وبهذا يكون القس رايت، كونه المرشد الروحي لأوباما، قد سبب له المشاكل الكثيرة وهيأ الأرضية الصالحة للهجوم عليه. فكانت النتيجة دعاية قبيحة ضد السيناتور حملّته مسؤولية تصريحات ورايت رغم أن أوباما قطع علاقته معه. بعد ذلك بدأت وسائل الإعلام تربط أوباما بلويس فرخان، وتتهمه بأنه مسلم يخفي إسلامه بعد أن اعتنق الإسلام في إندونيسيا، وأن قلبه مع الجهاديين الإسلاميين. وأقبح ما في هذه الحملة وولف بليتزر، نجم القناة الإخبارية «سي، إن، إن» واسعة الانتشار، عندما غير اسم باراك أوباما مباشرة على الهواء وعلى مرأى ومسمع من المشاهدين إلى «باراك أوسامة». وتواصل الهجوم عليه في شخص حاكم جمهوري يطلق العنان للتنكيت بأوباما وهو يتفادى الاغتيال والتصفية جسديا! كما أن وزارة الخارجية الأمريكية فتحت ملفه في انتهاك سافر، واطلعت على بياناته الشخصية وجواز سفره وبيانات أسرته. ووصلت الأمور إلى أدنى حد وبدرجة أقل إنسانية، عندما طبع صاحب مطعم أقمصة في ولاية جورجيا تحمل صورة قرد واسم أوباما وعرضها للبيع! وستواجه المرشح الديمقراطي عدة مخاطر أبرزها وجود تسجيل صوتي لزوجته ميشيل تفوهت فيه بعبارات عنصرية حادة ضد البعض. ويتخوف الديمقراطيون من إذاعة الشريط من قبل الجمهوريين مع احتدام النزال بين مرشحهم جون ماكين وباراك أوباما. وأخطر ما في الأمر هو شرارة لسان المحافظين، إذ كتب أحد أقطاب الحزب الجمهوري والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية توبيخا شديد اللهجة ضد القس رايت، بمقال حاد عنصري حدد فيه وجهة نظره تجاه السود الأمريكيين. يقول بات بوكانن: «أمريكا كانت ولا تزال أفضل دولة في العالم للسود الأمريكيين. تم إحضار 600 ألف من السود من إفريقيا في سفن العبيد، وتزايد عددهم إلى 40 مليونا، وتم تقديمهم إلى المسيحية لضمان نجاتهم يوم القيامة، وحصلوا على أعلى مستويات الحرية والرفاهة يمكن أن يعرفه السود على الإطلاق... يجب على القس ورايت أن يركع على ركبتيه ويشكر الرب لأنه أمريكي». < ماجستير في العلاقات الدولية-جامعة أوهايو-الولاياتالمتحدة الأمريكية