وزارة الخارجية: المغرب لا يعتبر نفسه معنيًا بقرار محكمة العدل الأوروبية بشأن الاتفاقات الزراعية والصيد البحري    وزارة الخارجية: المغرب يعتبر نفسه غير معني بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    المهنيون الإسبان أكبر المتضررين من قرار محكمة العدل الأوروبية..    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت        الجمع العادي للمنطقة الصناعية بطنجة برئاسة الشماع يصادق بالإجماع على تقريريه الأدبي والمالي.. وإشادة كبيرة بالعمل المنجز        آيت منا، أبو الغالي، رأفت وآخرون.. شهود يطلبهم سعيد الناصري في محاكمته في قضية "إسكوبار الصحراء"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    المكتب الشريف للفوسفاط بإفريقيا ومالي يلتزمان بدعم من البنك الدولي بإرساء حلول ملائمة لفلاحة مستدامة    محكمة أوروبية تصدم المغرب بقرار إلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول        إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    مصدر مقرب من "حزب الله": نصر الله دُفن مؤقتا كوديعة في مكان سري    إليك طرق اكتشاف الصور المزيفة عبر الذكاء الاصطناعي    تحالف للشباب يستنكر فشل الحكومة في التعامل مع أزمة طلبة الطب ويحمل ميراوي مسؤولية فشل إدارة الأزمة    بعد أيام من لقائه ببوريطة.. دي ميستورا يستأنف مباحثات ملف الصحراء بلقاء مع "البوليساريو" في تندوف    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    الحكومة تصادق على مشروع قانون يتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    ارتفاع طفيف في أسعار النفط في ظل ترقب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط    محكمة العدل الأوروبية تصدر قرارا نهائيا بإلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع المغرب    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    آسفي: حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    وزير خارجية إيران يصل إلى مطار بيروت    المجلس الوطني لحزب الاستقلال سيكون مغلقا في وجه الصحافة وإجراءات صارمة للدخول لقاعة المجلس    تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    الجيش الإسرائيلي ينذر سكان بلدات في جنوب لبنان بالإخلاء فورا ويقطع الطريق الدولية نحو سوريا    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصفة الحسن الثاني لإعداد الجالس على العرش
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 06 - 2010

يقدم الحسن الثاني هذه الندوة الصحفية التي عقدها بفاس سنة 1980، صورة عن الطريقة التي يتم بها إعداد الملك في دار المخزن، ومجلس الوصاية ودوره في ضمان الشروط السليمة لانتقال الحكم وتدبيره بكيفية رشيدة، والوصول بالجالس على العرش لاتخاد القرارات الصعبة والضرورية كما تمليها مختلف المواقف.
{ بعد التصويت الظافر ب«نعم» لصالح الإصلاح الدستوري، سيستفتي المغاربة ثانية في الثلاثين من مايو لأجل تمديد مدة البرلمان، وأود أن أضع سؤالين قصيرين في هذا الصدد. أولهما: لم هذا التمديد؟ وثانيهما: لم التخفيض من سن بلوغ الملك الرشد؟
سأجيب عن السؤال بدءا بشطره الثاني، فموضوعه سابق، لقد بينت أسباب ذلك ودواعيه في الخطاب الذي وجهته للأمة ليلة الاقتراع، وأعتقد شخصيا أن تكوين شخص مسؤول عن تكوين أمير، بالمعنى الأصيل لكلمة الأمير، هو في واقع الأمر تكوين مهني بلا جدال، أي أنه ليس مطلوبا من الأمير أن يبين ماذا يريد أن يصنعه مستقبلا، فلذا وجب أن يشجع فيه، من أول يوم، الاهتمام بما عليه أن يعمل في المستقبل، حتى لا تتركب فيه عقد نفسية، فمثلا لا ينبغي أن نفرض على الأمير الراغب في أن يصبح رساما أن يختار مهنة ملك، وهناك خطر ثان يكمن في كون تحديد سن تحمل المسؤولية الملكية في ثمانية عشر عاما يحصل في مرحلة يكون فيها الشاب يفضل الوسائط السمعية البصرية خصوصا، ملما بمعارف شتى لم نكن نملك ناصيتها عندما كنا نحن صغارا، ويطرح العديد من الأسئلة والاستفهامات، فمن هو الأب الذي يستطيع أن يجزم بأن ولده البالغ من العمر ستة عشر عاما لا يطرح مثل هذه الأسئلة، وحيث إن هذا الفتى يتساءل ويسأل لأحد الأمرين، إما أنه سيصبح ذلك الفتى الطائش الأهوج المتمرد، وإما سيصير ولدا مطيعا هادئا، وفي هذه الحال إما أنه سيكون معرضا لعقدة لويس الرابع عشر مع باريس، حيث أقصي عن ممارسة الشؤون العامة في اليوم الذي كان عليه أن يقوم بها، إذ ذاك سينظر إلى المؤسسات التي حالت دون تحمله المسؤولية بعين ناقمة، وإما ستنطفئ شعلته، حيث يعسر عليه في النائبات، أي في الوقت الذي يتحتم فيه الحسم في الأمور، وتصريفها، أو الوقوف في التيار المعاكس لها، يعسر عليه الاختيار، ولقد قال لينين: إن قولك نعم أو لا حين تساوى كفتيهما في الميزان يقدر بوزن بيض النمل، أقول في هذا الوقت لن يجد الأمير في نفسه الشجاعة، ولن يسعفه التكوين في اتخاذ ما ينبغي من قرارات وفي الظرف المناسب. وإما أخيرا سيكره البرلمان والحكومة وكل المؤسسات الدستورية، باعتبارها جميعا حاجزا موصدا بينه وبين ما كان هيئ لأجله من قبل.
وعلى العكس من ذلك، إننا نحرص على تدريبه على ممارسة الشؤون، ونحيطه بمجلس وصاية. على أية حالة هذا المجلس لا يتألف من مخلوقات جاءت من المريخ، كما أنه غير مكون من أشخاص أجريت عليهم القرعة، وإنما هو يتكون في الغالب من ثلاث شخصيات من وجهاء القوم يقومون بعملهم بصفة قارة، وهم رئيس المجلس الأعلى، وهو رجل قانون تسلق مبدئيا كل درجات السلم القضائي، ويتمتع بالخلق الحسن والاستقامة والنزاهة التامة؛ ثم يليه رئيس مجلس النواب، وهو منتخب المنتخبين؛ وأخيرا هناك رئيس المجلس العلمي للعاصمة؛ بالإضافة إلى هؤلاء الثلاثة القارين، الذين يمثلون في حد ذاتهم حراسا يقظين، هناك أعضاء مجلس الوصاية الذين عينهم والده، والوالد لا يعين أيا كان، بل إنه في غالب الأحيان يقع اختياره على رفقائه، أو على وزراء سابقين، من بينهم عديد من الشخصيات التي مارست تصريف الأمور ممارسة دقيقة؛ وسيكون هؤلاء الأعضاء المعنيون حاضرين إلى جانب الملك الشاب، ليس فحسب للعمل على مساعدته في جو من الثقة الكاملة، ولكن كذلك لكونهم سيكونون قادرين على التذكير بصداقتهم المتينة لوالده، حتى يحملوه، إذا اقتضى الحال، على قهر بعض المواقف التي قد تدفعه إليها حداثة سنه، أو يجره إليها تأثير بعض الناس؛ تلك هي الأسباب النفسية، فكل إنسان أنيطت به مسؤولية، مهما صغرت، هو ملزم بأن يكون متزنا، والاتزان ينبغي أن يكتمل قبل العشرين عند المدعو لممارسة المسؤوليات، فإما أن يكون الإنسان متزنا منذ نعومة أظافره، ويعرف ذلك الذين من حوله، فيركزون فيه اتزانه، وإما أن لا يكون متزنا فيقصى من المسؤوليات. ثم إن هناك ظاهرة تستحق الاعتبار، ألا وهي أن أي مغربي قد يصبح عضوا في مجلس الوصاية، وفي إمكان أي مغربي، هو الآن على قيد الحياة، وكل رب أسرة في هذا البلد، أن يتصور ولده وقد صار في يوم من الأيام رئيسا للمجلس الأعلى، أو للبرلمان، أو مجلس العاصمة العلمي، فالأمر يتعلق، لا أقول بتحرير، ولكن بتوسيع المحيط العائلي؛ فعوض أن نجعل من مجلس الوصاية قضية تسوى بين أفراد العائلة الصغيرة، جعلنا منها أمرا موكولا للعائلة الكبيرة، فهذه تشارك في مجلس الوصاية، مما يجعل كل مغربي يعتبر نفسه مسؤولا خلقيا وبالصلاحية عن هذا المجلس.
أما بصدد الموضوع الثاني، فلن يكون له نفس الأهمية الحيوية بالنسبة إلى سير مؤسساتنا، وإن كان في وسعنا أن تستمر مدة الاقتراع المباشر أربعة أعوام، ومدة الاقتراع غير المباشر ستة أعوام، من غير أي حرج يدرك، غير أننا لاحظنا، لأسباب تتعلق بالتنسيق، أنه ليس من الطبيعي أن يعوض الثلثان من أعضاء المجلس كل أربع سنوات، ويستبدل الثلث الآخر المنبثق عن الانتخابات غير المباشرة كل ست سنين، فكان يتحتم إما أن تعود الأربع سنوات ستا أو الست أربعا.
إن المخططات، في زمننا، تكون عادة حماسية، فيصرف عام قبل المدة لتهيئ المخطط، بحيث يمكن للبرلمان في فترة الست سنوات أن يفكر في المخطط، ويبدي بشأنه ملاحظاته، ويصوت عليه، كما يتيسر له خلال خمسة أعوام، أن يتتبع مراحل ذلك التخطيط بانتظام.
وفي مجال التربية، وبالنظر إلى الوضع الذي يجتازه بلدنا، والذي يتطلب تعبئة كاملة ووحدة مستمرة، فإن من شأن تعريض شعبنا لحملات انتخابية متكررة، لا أقول أنه يمس بالوحدة، وإنما من شأنه أن يخلق توترا بين الجماعات والأسر السياسية، ففي الواقع، مهما كانت درجة التسامح في نفوس أولئك الذي يحرضون المعارك الانتخابية، فإنه لا ريب في مثل تلك المعارك لابد وأن يكون لها أثر، وأن تسبب بعض الخدش، ونحن على علم من عواقب حب النفس، وقد كان الإغريق يقولون: «إن حب النفس وعاء مليء بالريح، إن أنت ثقبته انبعثت منه العواصف».
لم أشأ أن أعرض الناخبين والمنتخبين لمثل هذه العواصف، ثم أننا ارتأينا، طلبا لتحسين سير مؤسستنا، أن تجديد رئيس مجلس النواب كل سنة ليس من شأنه فحسب أن يجرد ذلك الرئيس من وزنه داخل البلاد بل يجرده أيضا من وزنه على المستوى الخارجي.
ولنضرب مثالا على ذلك وضعية المغرب، فبلدنا هو الذي يقوم في هذه السنة بدور الرئيس في الاتحاد البرلماني الدولي، ومن مصلحة المغرب أن يبقى رئيس ذلك الاتحاد مغربيا أطول حقبة ممكنة، فالاستقرار يختل إذا كان التغيير يجري كل سنة، حتى عندما يعني الأمر الشؤون البرلمانية داخل البلاد، وعلى المستوى الدولي، ذلك جوابنا على سؤاليكم القصيرين.
{ إن نزاع الصحراء المغربية، والمعارك التي تدور فيها، تبدو غالبا غامضة، فبلاغات القياديين العسكريين مختلفة بل متناقضة، هل لكم أن تقوموا تطور الأوضاع في الصحراء؟
إن للمغرب سمعة يجب المحافظة عليها، أما الذين لا وجود لهم، فلا سمعة يخشون ضياعها، إننا نقوم بالإعلام، أما الطرف الآخر فيقوم بالدعاية، فيوما عن يوم نسيطر على الوضع أكثر فأكثر. وبإمكاني أن أؤكد لكم، بصفتي مغربيا أولا ومسؤولا عن القوات المسلحة الملكية وبصفتي ملكا للمغرب، أنه لم يسبق لي أن كنت مطمئنا مثل ما أنا مطمئن اليوم على المعركة، لقد حاولت أن ألخص كل شيء في هذه الكلمة وأنا مستعد لأعطيكم المزيد من البيان.
{ لماذا يصعب على ممثلي الصحافة الدولية زيارة منطقة العمليات من الجانب المغربي؟ لقد أطلعنا في بعض المجلات الفرنسية، بالخصوص، على تحقيقات تم إنجازها من الجانب الآخر، تبرز خسائر جسيمة إلى حد ما في الجانب المغربي؟
إنكم تعلمون أنه من السهل بمكان إقامة عمود في الصحراء، وبإمكاني غدا أن أقودكم إلى قرية جزائرية، على الحدود المغربية، وأقول لكم: ها نحن في الجزائر، خاصة أنه لا شيء يفرق بين كتيب رمل وآخر.
إننا لم نمنع أحدا من زيارة الصحراء، بل بالعكس كلما سنحت الفرصة تركنا لكل الذين يريدون زيارة الصحراء الحرية في أن يزوروها، ومن الأكيد أنه لا يمكن لنا السماح للأشخاص بالمخاطرة بحياتهم. ومع هذا كله، فإننا على استعداد للسماح لكل صحفي يريد المغامرة بالتوجه إلى عين المكان، ولقد كررت ذلك مرارا، وإذا أردتم ولم يكن مانع، فمن الغد يمكنكم تناول فطوركم هناك، والتنقل أينما شئتم، وإذا أردتم في أبطيح التي تعتبر آخر منطقة شهدت الاشتباكات.
{ لقد قلتم إنكم واثقون من تطور الوضع فيما يخص قضية الصحراء الغربية، أفلا تعتقدون بأن المغرب يوجد وكأنه في حالة حرب؟
إننا في حالة حرب، لأننا نتعرض للاعتداء، وأؤكد أننا في حالة حرب، بمعناها الكامل، وليست عصابات، إننا نواجه أسلحة تفوق مستوى حرب العصابات، مما جعلني أقول في أحد تصريحاتي للصحف: إن الاتحاد السوفياتي قد دخل الحرب ضدنا، دون إعلانها دبلوماسيا، وحين قابلت سفير هذا البلد، أكدت له أنه عادة عندما تبيع دولة السلاح لدولة أخرى، هناك بند يقول بعدم استخدام هذه الأسلحة ضد بلد صديق أو حليف، وأبلغت السفير أن هذا البند وقعتم عليه ولا شك أنتم والقذافي حينما بعتموه السلاح، لكن هذا الأخير لا يحترم ذلك البند، ومن جهتكم أنتم لا تقومون بأي شيء لحمله على احترامه، فكان استنتاجي أنه عندما لم تحركوا ساكنا فإنكم في حالة حرب معنا.
{ إن حالة عدم الاستقرار تعم مناطق من العالم، وخاصة إفريقيا، فما هو رأيكم في التدخلات الأجنبية التي بدأت تظهر؟ وهل ترون أن المغرب واثق من أنه سيبقى في منأى عن هذه المخاطر؟
كما تعلمون، لا يمكن لأي أحد أن يعتقد أنه في منأى عن المخاطر، فنحن بنو البشر نتعرض يوميا للاعتداءات، وهذا ما سيؤكده لكم علماء البيئة، فالمشكل قائم سواء بالنسبة إلى الأفراد أو البلد أو المجتمع، والمشكل ليس هو البقاء بمنأى عن المخاطر، وإنما هو التسلح بما يكفل مواجهة هذه الاعتداءات البيئية، والعالم يتعرض يوميا للهجوم بواسطة الترانزيستور الذي يعتبر أشد فتكا على المستوى الإيديولوجي من صاروخ نووي متعدد الرؤوس.
وفي رأيي، أن المغرب سيظل في منأى عن كل ما من شأنه المساس باستقراره، مادام مصمما العزم على أن يبقى هو المغرب، أي ملزما بأن يتطور ولن يساير، لا أقول كل قرن، لأن التاريخ لا يحسب الآن بالقرن، وإنما كل عشر سنين، وعليه أن يساير فلسفة كل عقد، ولكن بطريقته وبعبقريته الخاصة، وإذا ما نهج ذلك وظل ينهجه، فلن يتزعزع استقراره أبدا، وهذا لن يجعله بمنأى عن المخاطر، ويجب أيضا أن لا يكون سليما أكثر من اللازم، لأنه سينهار بمجرد تعرضه لأول جرثومة، غير أنه في هذه الحالة لن يركع، وأقول هذا بكل صدق واعتزاز بوصفي مغربيا، وبقطع النظر عن وضعيتي الخاصة.
{ ما هي الجرثومة الأولى؟
إنها الحرية، فما دمنا قبلنا الحرية، فمن المفروض أن نقبل كل ما ينتج عنها، ومادام ليس هناك في المغرب تأشيرة للخروج ولا تأشيرة للدخول، ومادامت الأبواب مفتوحة لكل الوسائل السمعية البصرية، ومادمت لم أضبط كل أجهزة الراديو في المغرب على قناة واحدة وموجة واحدة، ومادمت أسمح للعمال المغاربة بالتوجه إلى هولندا، حيث رأوا أنه في يوم الاحتفال بتتويج الملكية، قام الرعاع بإثارة فوضى في المدينة. وما دمت أقبل بأن يصوت أولئك العمال ويعودون للمغرب، مادمت أقبل كل هذا فإنني أقبل الجرثومة الأولى، غير أنني أجد في غريزتي وتاريخي وأصالتي ما يمكنني به مقاومة تلك الجرثومة. وأؤكد لكم أنه من اللازم أن يتوفر المرء على شجاعة كبيرة لقبول هذه الجرثومة «الحرية»، غير أنه لا يمكن للدولة أن تصبح دولة عظيمة إلا في ظل الحرية.
{ هل بإمكان المغرب أن يقوم بدور «جسر» في الحوار بين الشمال والجنوب، ذلك الحوار العزيز على فرنسا؟ فهل تفكرون، يا صاحب الجلالة، في اتخاذ مبادرات في هذا الشأن؟ إن كان الأمر كذلك، فما هي هذه المبادرات؟
لقد أجدتم التعبير حينما استعملتم كلمة «جسر»؛ لأننا، في الواقع، منكبون حاليا على دراسة مشروع إقامة نفق أو جسر عبر جبل طارق، وإذا ما نحن توصلنا إلى حل مشكلة الربط بين قارتين، فإن إقامة جسر أسهل بكثير من إقامة نفق. وأعتقد أنه بالنظر إلى أننا من جيل واحد، فإننا سنتمكن من مشاهدة الجسر وعبوره. وفي رأيي، أن هذا الجسر بين أوربا وإفريقيا، إذا تمكنا من إقامته، سيكون من الناحية المعنوية الرمزية مهما للغاية. أما فيما يخص الحوار بين الشمال والجنوب، فأعتقد أنه سيبقى مختلا، مهما كان حسن نية المتحاور، لأن المشكل لا يكمن فقط في طرح الملفات، ولا في الجلوس سويا على مائدة المفاوضات. إنه يكمن، ببساطة، وهذا هو بيت القصيد، في المسألة التالية: من جهة، نعرف الملفات وعناصرها وجزئياتها لأننا دول، وإن كنا غير مصنعين فإننا مصنعون على الصعيد البشري، إن صح التعبير. ومن جهة أخرى، لو أعطيت لنا نفس الملفات، ونفس عناصرها، فإننا سنظل بلادا متخلفة على الصعيد البشري. وهكذا سيفشل الحوار، وإن توفر حسن النية لدى الأطراف، لأن طرفا سيقرأ النصوص، بينما الطرف الآخر سيقرأ بين السطور، هذه هي الهوة في نظري، وأكاد أجزم بأن أوربا بلغت من الوعي والنضج تجاه الخطر الذي يهددنا جميعا، لأننا بفعل مشكلة الطاقة نحس بذلك أكثر منكم، فعندما يتضاعف سعر الطاقة عندكم ضعفين، فإنه يضاعف ثلاثة أضعاف عندنا، لأننا نشتري وسائل التجهيز، نؤدي ثمن الفيول والبنزين وبدائلهما بنفس الثمن الذي تدفعونه أنتم، غير أننا، علاوة على ذلك، ندفع ثمن الانعكاسات التي تترتب عن التجهيزات الطبية والزراعية وغيرها، ولهذا أعتقد أن كلا الطرفين قد استعاد وعيه، حيث تجاوزنا المرحلة التي كان فيها كل واحد يحاول خداع الآخر.
وكما قلت لكم إنكم تقرؤون ما بين السطور، وإفريقيا تقرأ السطور، وهذا سيظل الحوار غير متكافئ، ولهذا داع إضافي لإفريقيا لكي لا تتلهى ببعض المسائل التي ألفتها، وعلى إفريقيا وقادة دولها أن يعودوا إلى المدرسة من جديد وأنا من بينهم.
{ لقد ذهلت منذ قليل بما تحدثتم به عن البوليساريو، حيث واخذتم القذافي، ولكن لم تتحدثوا عن الجزائر، فهل ما زالت تساند البوليساريو؟
طبعا إنها تسانده، والقذافي لا ينتظر إلا شيئا واحدا، وهو أن تتخلى الجزائر عن البوليساريو، لكي يحتضنه هو، وحينئد فإن البوليساريو سيتوجه إلى التشاد، لأن فرنسا بارحت التشاد، وأعتقد أن ذلك خطأ، ثم سيتوجه إلى مالي، وبالتالي سيناوش الرئيس سنغور، هذا إذا وقع البوليساريو تحت رحمة القذافي. مادام البوليساريو بين يدي الجزائر، فإنه مطوق نوعا ما، نظرا لأن الجزائر ليست هي ليبيا، ولأن الرئيس الشاذلي بن جديد ليس هو العقيد معمر القذافي، وهذا لا يمنع البوليساريو من أن يتلقى تدريبه على التراب الجزائري، حيث تزود بالوقود والذخيرة والمواد الغذائية من الدولة الجزائرية، رغم أن هذه المواد الغذائية التي يتوصل بها لا تأتي من الحقول الجزائرية.
{ صاحب الجلالة، هل حصل أخيرا تطور في العلاقات المغربية الجزائرية؟
لا، وكل ما أعلمه هو أننا نحاول على أعلى مستويات، سواء في الجزائر أو المغرب، أن نعمل على أن تأخذ الأمور أبعادا أخطر، لكن ليس هناك جديد.
{ ما هي آفاق أمنية المغرب العربي الموحد؟
إنه، على مستوى النقد الذاتي، لا يمكن أن يقام مغرب عربي إلا في الحدود التي يتحمل فيها المرء عناء لدراسة الأسس الاقتصادية والاجتماعية للبلدان التي تنتمي إليه، فمن المؤكد أنه مادامت الجزائر متمسكة باختياراتها الاقتصادية والاجتماعية، التي لا يمكننا إلا أن نكن لها الاحترام الواجب لأي بلد تجاه بلد آخر وتجاه سيادته، من المؤكد أنه مادامت تونس والمغرب ليست لهما نفس الاختيارات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فإنه لا يمكننا بتاتا إقامة مغرب عربي كبير، حتى لو أصبح سفراؤنا وزراء مقيمين. وحتى ولو كانت حدودنا مفتوحة، فإنه من المؤكد أن تنقل الأشخاص عندما يحملون جوازات سفرهم في حقائبهم، فإنهم لن يحملوا معهم حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية في هذه الحقائب، ففي اليوم الذي نتوصل فيه إلى القيام بنقدنا الذاتي، في محاولة من هذا الجانب، وذلك لتقليص الهوة بين الفوارق، من المؤكد في ذلك اليوم أن نتوصل إلى التفكير في المغرب العربي الكبير، ولكن مادامت هناك هذه الهوة الاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك سيكون مجرد أمنية بعيدة المنال، ولو أنها قابلة للتحقيق.
{ كان بودي أن أتناول مشكلا آخر أتمنى ألا يثير استغرابكم يا صاحب الجلالة، قيل لي إن المرأة في المغرب ناخبة، ولكن حسب معلوماتي فإنه لا توجد أية امرأة منتخبة، فهل ترون أنه من المهم، بل من العاجل، تطوير الأمور في هذا الشأن؟
لا يمكنني أن أحل محل الناخبين، ذلك أن النساء مؤهلات ليكن ناخبات ومنتخبات.
{ سأجازف وأتجرأ على جلالتكم لأسأل. لماذا لا يبدو لكم ضروريا أن تكون للمغرب، الذي له ملك وولي للعهد، ملكة؟
سيدتي، إن هذا ليس تطفلا بل هو سؤال وجيه أقول في البداية ليس في الإسلام دور دستوري للملكة، فليست هناك ملكة تحكم، أو تكون وصية على العرش، فجميع زوجاتنا، من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، مرورا بالخلفاء سواء منهم الأمويون أو العباسيون أو أمويو الأندلس أو الأسرة الملكية بتركيا أو غيرها، لم تكن هناك ملكات، لأنه لا وجود في الإسلام والتشريع الإسلامي للملكة، فزوجاتنا اللائي ينتمين إلى صميم الشرع يقتصر دورهن على أن يكن زوجات وأمهات، فليس لهن أي دور سياسي، ولهذا لا يحملن اسم «ملكة»، فهذا ليس عندنا وحدنا، بل عند الجميع، وعادة عريقة لم يتجرأ الأتراك، الذين أدخلوا عدة بدع على الإسلام، على تجاوزها، وأعتبر شخصيا أنها عادة سليمة، لأنه إذا اطلعنا على تاريخ فرنسا مثلا، وجدنا أن أسوأ الكوارث وقعت في عهد الوصيات على العرش، وربما حدث هذا في غير فرنسا، لأنني لا أكاد أعرف جيدا سوى تاريخ فرنسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.