وأخيرا خرج عباس الفاسي عن صمته.. وأخيرا قرر الوزير الأول أن يرد على اتهامات حزب الأصالة والمعاصرة التي نهشت جسد الحكومة المنهك، وعبثت بسمعة حزب "سي علال" رحمه الله، فماذا جرى؟ أمس، اجتمع عباس الفاسي مع منتخبي حزبه بالرباط، واستغل المناسبة لشن هجوم ضد حزب فؤاد عالي الهمة، وقال: "إن هناك هرولة نحو تحالفات غير منطقية، وإن تحالف حزب في المعارضة مع حزب في الحكومة –في إشارة إلى تحالف حزب الأصالة والمعاصرة مع حزب الأحرار- أمر غريب ولا يوجد في أي ديمقراطية في العالم". وزاد عباس من إصراره على الانتقام من أصدقاء بيد الله، فأعلن، صراحة، تأييده لحميد شباط، الشعبوي رقم واحد في المغرب، في معركة هذا الأخير ضد الخمر في فاس وضد مناوشات الأصالة والمعاصرة، وقال عباس: "موقف شباط من الخمر هو استمرار لمواقف حزب الاستقلال التي كانت دائما مناهضة لهذه الآفة". سنرى إن كانت خديجة الرويسي سترد على الوزير الأول ببيان كذلك الذي صاغته ضد فتوى الريسوني. الآن، دعونا نتطلع إلى ما وراء خروج عباس عن صمته.. هذا الصمت الذي أصبح قاعدة يلتزم بها سليل حزب الاستقلال منذ مدة طويلة. عباس لا يشرب من حليب السباع، ولا يستعيد شجاعة سياسية طلّقها منذ مدة طويلة.. الرجل يمشي فوق البيض ولا يكسره، ويجيد قراءة الإشارات الصادرة من فوق، هذا كل ما في الأمر. بعد أكثر من سنة على خروج الأصالة والمعاصرة من جُبة الحكومة إلى ساحة المعارضة، وبعد اختطاف مجلس المستشارين من يد الأغلبية ووضعه سلاحا خطيرا في يد المعارضة، وبعد وقوف حزب الجرار خلف انقلاب أبيض ضد مصطفى المنصوري، ووضع مقرب من الهمة مكانه على رأس حزب الزُّرق هو صلاح الدين مزوار، وبعد تهديد الأغلبية الهشة للفاسي عن طريق تحالف بين حزب في المعارضة مع حزب في الأغلبية... بعد كل هذه المياه التي تسربت إلى بيت الحكومة من "جعبة" الأصالة والمعاصرة، والتي جعلت منزل الأغلبية منكوبا، خرج عباس ينتقد الحزب المكلف بمهمة زرع الفوضى الخلاقة في وسط الأحزاب السياسية. لماذا، يا ترى، تكلم عباس اليوم بعد أن صمت وصبر لمدة طويلة؟ عباس خرج عن صمته لأنه رأى إشارات صادرة من فوق تكبح جماح الوافد الجديد وتهدئ اللعب في ساحة ألفت الركود والسكون. أثناء اجتماع المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة في بوزنيقة، مؤخرا، رجع الحزب -الذي كان يستعجل التحالف مع الأحرار ويستعد لإذابة الحمامة في الجرار مثلما تذوب قطعة سكر في كوب ماء ساخن- وقال إننا نفضل التنسيق على التحالف.. أي أنه تراجع عن تشكيل قطب سياسي واسع، يهدد بإسقاط الحكومة ويتسلم زمام الإدارة، سواء الآن أو في مطلع 2012. والحزب الذي كان يستعجل الوصول إلى محطة 2012، رجع وقال إنه ينظر إلى سنة 2017، أي أن خطط الحزب الأغلبي الكبير مؤجلة إلى موعد آخر. لماذا تراجع الحزب عن مخططاته المعلنة أثناء التأسيس؟ لا يوجد جواب قاطع. تحرك عباس في هذا التوقيت يشجعنا على ترجيح كون إشارات صادرة عن القصر تقول: «Stop» على الأقل في الظرف الحالي، هي بالضبط ما دفع عباس إلى التحرك وانتقاد حزب بيد الله، والعزف على إيقاع استقلالية القرار الحزبي. عباس، إذن، لا يتصرف من عنده، ومادام في الحكومة فإن الأصفاد ستبقى حول معصميه، ومادام الحزب لا يتصور نفسه في مكان آخر غير كرسي الحكومة، فإن كل ردود فعله ستبقى محكومة بالإشارات والإشارات المضادة.