في ليلة دامية عاشها الحي الذي يقطنه الجاني بمدينة الدارالبيضاء، كانت الفاجعة التي وضعت حدا لحياة شاب في مقتبل العمر. حي يوصف أمنيا بأنه “نقطة سوداء”. جريمة قتل يصفها أمني بأنهها «بشعة». يتذكر رجل الأمن الذي ساهم في التحقيق تفاصيل هذه القضية، قبل أن يقف عند ماهية وصفه للجريمة بصفة «آلبشاعة». فيقول لقد «نفذها أحد الآباء ضد فلذة كبده، بمنزل الأسرة الذي يقع قرب مخفر للشرطة، في منطقة تعرف معدلات كبيرة للانحراف والجريمة. ومن مكر الصدف أن الليلة ذاتها انطلقت بجريمة أخرى سبقتها، أصابت خلالها طعنات خطيرة، سددها شاب «مهلوس» ضد آخرين، بنفس الحي ونفس المنطقة. تفاصيل هذه الليلة الدامية تجلت في أول أيام ذات أسبوع انقضى قبل أشهر ليست بعيدة. في يوم الاثنين انطلقت الجريمة باكتشاف جثة يافع ملقاة بخلاء يقع خلف تجزئة سكنية تسمى «الحسنية». يتعلق الأمر بيافع يدعى «زهير» ويلقب ب “ولد الخضار” أو “احديدان”، لم تتجاوز سنين عمره العشرين، ولم يعرف بين أقرانه يوما أنه كان يحمل محفظته ليتوجه صوب المدارس الابتدائية القريبة، بمعنى أنه لم ينخرط يوما في سلك دراسة. بل عرف بأنه بائع جائل، يساعد والده في تجارته، التي تنطلق من محل لبيع الخضر، وحتى بعض مواد البقالة. وُجدت جثة الشاب مقتولا بمقلع قديم للأحجار يقع على مقربة من التجمع الصفيحي الذي يحمل اسم «دوار حمدي». وكان بعض المشردين والمتسكعين ممن يتخذون من هذا المكان ملجأ لهم، اكتشفوا الجثة في الساعات الأولى من ذات اثنين لم يمر كسائر الأيام بالنسبة للأسرة التي ينخرط أغلبها في التجارة غير المهيكلة. صباح اليوم الذي تلا الحادث توجه والد الضحية إلى مركز للشرطة، للإخبار أن ابنه قد تغيب عن منزل الأسرة الكائن بسيدي الخدير ليلة الحادث. لكن مجريات البحث والتحقيق أظهرت أن هذه الخطة لم تكن غير مجرد تمويه للمحققين لمداراة ما اقترفته يداه. مع الساعات الأولى لصباح اليوم الموالي زارت عناصر الأمن منزل الضحية، من أجل التأكد من صحة فرضية غياب الضحية عن منزل الأسرة ليلة مقتله. غير أن الأخ الصغير لليافع القتيل أخبر رجال الشرطة أن والده، قد ضرب أخاه بقوة وعنف... بَالَغَ الوالد/الخضار كما ذكر الصبي في “تأديب” أخيه، حتى لفظ أنفاسه. وفي محاولة لمداراة ما اقترفته يداه قام بحمل جثة ابنه القتيل على متن عربة مجرورة بدابة، وقام بإلقائها من مرتفع، في المقلع الذي تم اكتشافها به. وفي أسباب اقتراف الأب لقتل ابنه وردت في البداية روايتان. الأولى ذكرتها مصادر أمنية ذهبت إلى أن الأب القاتل الذي يشتهر في المنطقة بلقب “والد احديدان”، وينعت أبناؤه ب “إخوة احديدان” نسبة إلى شخصية السلسلة التلفزيونية التي أدرجتها القناة الثانية، اكتشف سرقة ابنه لمبلغ مالي من بيت الأسرة الذي يعتبر منزلا عشوائيا يقع على الطريق التي تخترق الحي الذي يقطنه باتجاه تجزئة النور، فقام بضربه. إلا أن مبالغته في الضرب والتعنيف الذي استخدم فيه سلسلة حديدية، أدت إلى وفاة الضحية، ليقوم بنقل الجثة إلى المكان الخلاء الذي اكتشفت فيه، على متن العربة المجرورة بدابة، التي كان الضحية يستغلها كبائع كتجول. فيما نفت الرواية الثانية اقتراف الضحية لأية سرقة من منزل الأسرة، لتشير إلى أن القتيل وأخ له كانا موضوعي مذكرة بحث صادرة عن دائرة أمنية 15، بعد أن تم تم اعتقال أحدهما، بخصوص سرقة زهيدة وضرب وجرح. وسرعان ما تم إطلاق سراحه، لأن الموقوف لا صلة له بمذكرة البحث. وهو الأمر الذي لم يستسغه الوالد المتهم، الذي “بالغ” في تعنيف ولده، في محاولة منهم ل “تأديبه”، إلى أن لفظ أنفاسه تحت التعذيب الذي مارسه عليه والده. كان الأب المتهم يزاول التجارة بدكان يقع في منزل الأسرة، حيث يبيع أواني الفخار، والخضر، ومواد غذائية أخرى. كما أنه كان يخصص لأبنائه عربات مجرورة بدواب تنطلق من منزل الأسرة بسيدي الخدير لتجوب شوارع ودروب الحي الحسني من أجل ترويج بضائع مختلفة في كل موسم وتبعا لكل مناسبة. لكن نرفزة زائدة من الخضار وضعت حدا لحياة ولده الذي كان يحاول بين الفينة والأخرى تجريب شقاوة اليافعين، والتمرد على السيطرة التي كان يفرضها الأب على أبنائه. ألزمهم منذ حداثة سنهم بالانخراط في تجارته، والعودة عند المساء بالمدخول اليومي. لم يعرفوا فرصة للراحة، ولا فترة للعطلة. إلا إذا قلت الحركة، وضعف الرواج. لأن كلمة الأب كانت تعلو، فيغيب الحوار، وينعدم النقاش للانصات إلى الأبناء ومتطلباتهم. وعند محاولة الاستمتاع كان الرد يكون عنيفا، وهو ما أدى إلى وفاة الابن بين يدي والده، جراء الإفراط في التعنيف.