نقاش السينما في المغرب نقاش مغلوط للغاية. فيه جهتان تتجاذبان الحديث عنه والكلمة حوله, جهة متفائلة للغاية ترفض سماع أي كلمة بخصوص انتقاد المشهد السينمائي المحلي, وجهة متشائمة للغاية تستغل أخطاء المنتسبين إلى هذا المشهد لكي تطالب بإقفاله نهائيا. الجهة الأولى تعتبر أننا وصلنا «للطوب» في المجال السينمائي وأن ماقطعته السينما العالمية على امتداد عقود قطعناه نحن في سنوات. لذلك تأبى هذه الجهة تقبل أي ملاحظة حول المشهد السينمائي اليوم. أما الجهة الثانية فتتمنى أن تستيقظ يوما على خبر منع النشاط السينمائي في البلد, واعتبار السينما من المحرمات, وتهديد من يقترب منها بالسجن أو التعزير ولم لا الجلد وإقامة الحد عليه. غير أن الفرق بين الجهتين كبير, فمتفائلو المشهد السينمائي يدافعون عن تصورهم بالإقناع, فيما يرفض المتشائمون كل وسائل الحوار المتعارف عليها, ويلجؤون إلى الضرب تحت الحزام من أجل إيصال أفكارهم على افتراض أن لديهم أفكارا في هذا المجال, والمسألة مشكوك فيها إلى درجة كبرى. نحن من جهتنا, نحب السينما ونعرف قيمتها في مجتمع مثل مجتمعنا, مثلما نعرف التطور الذي عرفته في السنوات الأخيرة، والذي جعل المغرب رقما أساسيا في المعادلة السينمائية الإقليمية والقارية, أو بمعنى آخر أكثر تبسيطا في العالم العربي وفي إفريقيا. لابد من قول هذا الكلام، لأنه وعلى مايبدو اليوم هناك رغبة في محو كل إنجازات القطاع السينمائي المحلي، اعتمادا على حزازات شخصية. وإذا ما أردنا الحديث الصريح الذي عودنا قراءنا عليه, فسنقول إن صراع سنة 2003 بين محمد العسلي وبين نور الدين الصايل لازال يلقي بظلاله على الساحة السينمائية المحلية حتى اليوم. في تلك السنة, كان لشابة مغربية قادمة من ديار المهجر الفضل في إطلاق سراح نقاش ثقافي «قدو قد الخلا» بسبب فيلم صغير وبسيط يحمل اسم «ماروك». الفيلم تناول لأول مرة في تاريخ السينما المغربية الهوية اليهودية المغربية, وطرح بسلاسة سؤال إمكانية وجود علاقة غرامية يوما بين يهودي مغربي ومسلمة مغربية. أجابت ليلى مراكشي في فيلمها «ماروك» «نعم». وقالت عبر مشهد شهير للغاية يضع فيه المحب قلادة في عنق حبيبته، إنه من السهل أن يحب مغربي مغربية بغض النظر عن دينهما معا, لأن مايهم هي المواطنة التي تجمعهما معا تحت راية البلد ذاته أي المغرب. وحتى في اللحظة التي قتلت فيها المخرجة الحبيب لكي تهرب من السؤال الأكبر: هل سيتزوجان؟ فهم مشاهد العمل أن الرسالة وصلت وأن السينما المغربية تجرأت لأول مرة لكي تطرح سؤالا أساسيا على المكونات المختلفة المشكلة للمجتمع المغربي عن معنى التعايش بيننا وعن مدى قدرتنا على هذا التعايش حقا, بغض النظر عن الشعارات التي يرددها بعضنا دون أن يكون قادرا على الإيمان بها فعلا. رد السينما كان واضحا, لكن رد «بعض» المجتمع عبر رد فعل المخرج محمد عسلي كان أوضح, وكان يقول «لا». في تلك السنة التي تبدو بعيدة اليوم, وقف المخرج المغربي في قاعة سينما روكسي لكي يقول رأيه بصراحة: «أنتم أقلية في المجتمع المغربي...نحن الأكثرية...اتركوني أتحدث...لن تقمعوني... سوف ننتصر عليكم». تساءلت القاعة كلها ليلتها «عمن يتحدث الرجل؟», وطرحت سؤالا آخر عن الأقلية والأكثرية في المجتمع المغربي, وخشي لأول مرة مغاربة كثر على أنفسهم من أن يعبروا عن قرارة تفكيرهم وهم يسمعون مخرجا مغربيا يمارس فعل السينما الحضاري، يقول لمخرجة زميلة له إنها ليست مغربية فقط لأنها أنجزت فيلما لم يرقه, وصعق الكل لسماع الرجل ذاته يقول لليلى مراكشي «من أعطاك حق الدخول إلى البلد؟ ومن سمح لك بالمشاركة في هذا المهرجان؟». بالنسبة لليلى مراكشي, وقد التقيتها بعد سنوات من هذا الحدث، الذي طبع ذاكرتها إلى الأبد «المغرب خصو يخاف على راسو من أمثال هذا السيد, أنا بعدا خلعني», وبالنسبة للكثيرين ممن كانوا في قاعة روكسي تلك الليلة, الاقتناع كان أكيدا أن لهذا المشهد الأول مشاهد أخرى ستتلوه وستؤثر عليه, وستكون عبارة عن تداعيات له في مستقبل الأيام. منذ تلك اللحظة أصبح نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي عدوا شخصيا للعسلي ولكل من يقترب من العسلي. تحولت المعركة حول السينما في المغرب من نقاش فني فكري يجب أن يدخله أناس مسلحون بغير قليل من الأدب أولا ثم الثقافة السينمائية فالثقافة الأخرى «تو كور», إلى نقاش سب وشتم وتخوين ومساس بالأعراض حتى الأكثر شخصية منها. فهم المتتبعون للمشهد السينمائي المحلي أن «للازينة وزادها نور الحمام»، فما كان ينقص سينمانا التي ابتليت بعدد لابأس به من الأدعياء الذين ركبوا على موجة ازدهارها الحالية, هو أن يواكب هذا الركوب «ركوب» من نوع آخر, يستغله الظلاميون من أجل إيصال فكرة أساسية للمغربي, مفادها أن «هاد الناس كيضيعو ليكم فلوسكم فالسوليما. واش نتوما بقات خاصاكم غير السينما؟». وحين كان هذا المبرر يعجز عن الوصول إلى المطلوب, أي تكفير الناس كلية بهذا الفن, كان اللجوء إلى الذريعة الأخرى الأكثر سهولة وكذبا التي تقول «هاهوما كيعريو بناتكم فالسينما ديالهم. واش هاد الشي اللي بغيتو؟». المشهد على كاريكاتوريته محزن, وهو يذكر القدماء من بيننا بما وقع إبان دخول «البومادا» إلى المغرب، حين كان بعض الفقهاء يحذرون الناس من وضعها في أعينهم، لأنها ستسبب لهم العمى ويقولون لهم «المستعمر غادي يعمي ليكم عينيكم بلعاني». الأشياء لم تتغير كثيرا في أذهان العديدين, فهم لازالوا يعيشون في تلك العصور القديمة. غدا نكمل شرح المسائل, لكي تفهموا جيدا أسرار وخفايا الهجوم الشرس على السينما المغربية, وعلى من يسيرونها اليوم. ملحوظة لاعلاقة لها بما سبق هل ستنقل قناة «الرياضية» لقاء القمة المرتقب بين أول الدوري الوطني في مجموعته الثانية بوصيفه الأسبوع المقبل؟ كل الأجوبة المنطقية تقول نعم. فلقاء الحسيمة بتادلة سيحسم اسم المتأهل الأول للصعود إ لى قسم النخبة السنة المقبلة, ونقل اللقاء في بلدان أخرى أمر محسوم نهائيا. لكن في بلادنا لابد من طرح السؤال وانتظار الجواب. لو أن الأمر تعلق «بشي رياضة أخرى» لنقلت, لكن بما أن الأمر يتعلق فقط بالحسيمة وتادلة فالقضية «فيها الشك». لننتظر وسنعثر على الجواب.