أمقت العنف اللفظي، و العنف اللفظي صار في مركز الريادة هاته الأيام مباشرة بعد الإفضاء بنتائج الدعم الاستثنائي المخصص للفنون، و أيضا الدعم الموجه للكتاب و النشر. أول ملاحظة هي أن طريقة الإفضاء بالنتائج بدون تقديم شرح، هيجت الخلق و سرعت اختصار المسافات. لا أهتم بكل أولئك الذين ينتفضون و ينزعجون في كل مرة يبلغ مسامعهم، خبر منح درهم واحد للثقافة و الفن. هؤلاء، لا يمكن أن أسمح لنفسي بأن أتدحرج إلى القاع و أتوجه إليهم، و لا رغبة لي في الدخول في نقاشات عقيمة معهم. هؤلاء، ينسون بأن القطاع الخاص في المغرب اعتبر و يعتبر بأن الاستثمار في الفن و الثقافة عملية خاسرة من ألفها إلى يائها. بالنسبة لي كل نقاش، يجب أن يبنى على حد أدنى من معرفة. أكتب اليوم بعد أن سمعت كثيرا من مغالطات تمرر، و شاهدت كثيرا من شعبوية تستأسد، و قرأت مقالات تبلغ النهايات قبل الاطلاع على البدايات. أكتب بهدوء من موقعي الشخصي كصب محب للفن و مدافع عنه، و أكتب أيضا من موقعي المهني مسؤولا عن القسم الثقافي و الفني بقناة ميدي 1 تيفي و إذاعة ميدي1. هي محاولة للشرح و وأد سوء الفهم.. يجب أن يخبر المتلقي تفاصيل مهمة قد تساعده على الفهم، و أولها أننا في المغرب لا نتوفر على سوق فني حقيقي، و ثانيها أننا لم نألف أن ندفع سنتا واحدا مقابل تحميل قانوني لشريط سينمائي أو ألبوم غنائي أو اقتناء لوحات و كتب. نبحث في أحسن الأحوال عن استهلاك الفن و الثقافة بالمجان، و بالتالي فالفن و الثقافة لا يمكن أن تقوم لهما قائمة عندنا بدون دعم. في ظل غياب الشرح و التواصل من جانب المسؤولين عن القطاع، علي أن أتولى هذا الدور للتوضيح بأن الدعم، لا يعني نهائيا منح المال لشخص ما ليتصرف فيه من تلقاء ذاته و حسب أهوائه. قطاع الثقافة و الفن ليس مجرد ترف يقحم في خانة الكماليات، و الفكرة الغريبة التي يروج لها في البلدان الثالثية أن الفن يستنزف مال الخبز و من هنا تبدأ كثير من مآس. الدعم يرمي إلى تقريب الفن و الثقافة من المواطن، و في عام يستأسد فيه فيروس كورونا، صار للدعم دور آخر و هو المساعدة على تفادي موت قطاع بأكمله. ما يدعو للقرف، هو أن لائحة المدعمين، تضم أشخاصا أو جمعيات يشرف عليها أناس لهم دخل آخر، أو عائد مالي من وظيفة أخرى. هؤلاء في نظري، لا يستحقون الاحترام لأنهم من رواد الجشع، و يسخرون الفن وسيلة لتحقيق مآرب أخرى. في الموسيقى مثلا، لا يمكن أن أستوعب بأن شخصا له ما له من إمكانات، و يعبر بدون خجل ليضع ملفا متكاملا للحصول على الدعم، في حين يستثنى آخرون لم يعد لهم مورد رزق بعد أن قرر فيروس كورونا توقيفهم عن العمل. مثل كل المتتبعين، قرأت قائمة المستفيدين، و طالعت أسماء أشخاص كثر عليهم الآن أن يتفادوا تبرير ما لا يبرر. أشخاص يلهثون وراء مال، يستحقه فنانون آخرون لم يقدموا ملفات ترشيحهم أو رفضت طلباتهم. من ضمن من رمقت العين أسماءهم، موظفون لهم دخل آخر، و أشخاص لهم مشاريع أخرى مذرة للدخل. مع ذلك، سارعوا لنيل نصيبهم في عام يفترض فيه أن يترفع غير المحتاج عن منافسة المحتاج لمال الدعم لكي يشتغل و يبدع. هي محاولة للشرح و وأد سوء الفهم.. سبق و كتبت قبل أشهر بأن الوزارة المشرفة على القطاع، تحتاج بالخصوص لكفاءات تخبر كيفية الدفع بالفن و الثقافة. معايير تشكيل لجان الدعم في السينما و المسرح و الموسيقى كانت و لا زالت تثير الريبة، و هو ما يجعل الدعم لا يبلغ غايته. في هذا الظرف العصيب، كان من المفترض أن يوجه الدعم للشاب المبدع، و للفنان الذي يعيش ظروفا قاهرة، و لدور النشر التي لازالت على قيد الحياة و المهددة بالانقراض. في هذا الظرف العصيب، لم يكن من الضروري أن تعثر على فنان له مصدر عيش آخر أو رصيد بنكي محترم، يحاول ببؤس أن يشرح لنا بأنه مستعد للتنازل عن قيمة الدعم الذي لم يكن عليها أصلا أن يطالب به و يطلبه. في هذا الظرف العصيب، كان من اللازم أن ندعم الفنان الموسيقي الذي يعيش في مدن صغيرة، و توقف مورد رزقه بتوقف الحفلات و الأعراس و محلات اشتغاله التي تدفع الضرائب و أقفل فيروس كورونا أبوابها مؤقتا. في هذا الظرف العصيب، كل موظف تابع لوزارة الثقافة أو لأي قطاع آخر، كان عليه أن يمتلك ذرة شهامة و أن يترفع قليلا و ينأى بنفسه عن كل حرج. للأسف، حصل العكس و بسبب أخطاء البعض صار الناس يهاجمون كل من نال الدعم. تمييع لمرامي الدعم، و تمييع للفن و للثقافة، و صمت من الجهة الوصية التي كان عليها أن تشرح إن توفرت لها أصلا عناصر الشرح. وضعوا أنفسهم في موضع حرج، و جعلوا فئة كبيرة من الرأي العام تعتقد بأن الدعم هو مال يدفع بطريقة اعتباطية. هي محاولة للشرح و وأد سوء الفهم.. في بلدان أخرى، صار العباد الغيورون على الفن و الثقافة، يشتغلون على الصالات الافتراضية و العروض التي ستقام في مقبل السنوات في الهواء الطلق لاستدراك الزمن الضائع، و مساعدة فنان الشارع، و دعم رواد التراث في البلدات البعيدة. عندنا، هناك من له موارد مالية كافية و يحرم فنانا حقيقيا من مال يمكنه من أن يواصل و يبدع. هل يعتقد أحدكم بأن الفن و الثقافة في المغرب يمكن أن يعيشا بدون دعم؟ أبدا.. الدعم يجب أن يستمر و أن نرفع من قيمته، لكننا ملزمون فقط بالبحث عن الكفاءات التي تخبر كيف و لمن توجه الدعم. أشباه الفنانين، من عبدة النقد الذين يكرهون النقد الفني، عليهم أن يخرسوا الآن، و أن يفهموا بأن تبريراتهم و خرجاتهم و شطحاتهم تجعلنا نشمئز منهم أكثر و أكثر. هؤلاء، لم يخجلوا في الماضي و لا يخجلون في الحاضر و لن يخجلوا في المستقبل. هؤلاء، بينهم و بين الفن و الثقافة مسافة حياة. هؤلاء، أضعهم في نفس مكانة الظلاميين من أعداء الفن و الثقافة. أولئك الذين كنا و لا زلنا و سنبقى دائما، متأهبين للوقوف في وجه محاولاتهم البئيسة. في بلدي الذي أحب، الفنان المبدع و الحقيقي، إنسان محترم و له منزلة خاصة. لنحذر فقط من المرتزق المسترزق باسم الفن، و من الظلامي الذي يكره الفن. الدعم ضروري لكي يعيش الفن و نرعى الثقافة، لكني أمقت الطبيب أو المهندس أو الصحافي الشعبوي الذي ينتقد دعم الفنان و المثقف، و أمقت أكثر شبه الفنان الذي يستكثر على فنان الحلقة و فنان الشارع و الفنان المدافع عن التراث الشعبي المحلي حصوله على الدعم. أمقت أكثر و أكثر، شبه الفنان الذي له ما يكفي من إمكانات مالية و يضع ترشيحه للحصول على الدعم، و يحرم المبدع الحقيقي المحتاج في زمن الجائحة من فرصة نيل دعم يستحقه و يساعده على الإبداع. هؤلاء، لم و لا و لن أحترمهم ما حييت، و سأذكرهم في كل مرة بهذا الأمر. نعم، سأذكرهم في كل مرة بأن الفن و الجشع لا يلتقيان أبدا و السلام. #CBM