جدلٌ واسع أثاره الدّعم الاستثنائيّ للمشاريع الفنية، الذي نشرت لائحته وزارة الثقافة والشباب والرياضة، مطلع الأسبوع الجاري؛ إذ أثارت "ملايير" دعم فنانين، من بينهم وجوه بارزة مغربيّا، نقاشا واسعا في صفحات التواصل الاجتماعي المغربيّة، وداخل الوسط الفنّيّ نفسه. وفي مقابل تهم "الريع"، واستفادة بعض الفنانين الذين لهم استقرار مادي ومداخيل بديلة، وحديث أولوية فئات مجتمعيّة على أخرى، يقول معلّقون إنّ هذا الدعم الاستثنائي غير كاف، ولا يهمّ الأفراد، بل المشاريع الفنية؛ فيما ينفي آخرون صفة "الاستثنائيّة" عن هذا الدّعم، لعدم احتكام مساطِره إلى الظّرف الاستثنائيّ الذي تمرّ به البلاد وقاطنوها. في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونيّة، يثير مسعود بوحسين، رئيس النقابة المغربية لمهنيّي الفنون الدرامية، الحاجة إلى الدعم الاجتماعي المباشر للفنانين، ويوضّح تفاصيل الدّعم الاستثنائيّ، و"سوء التفاهم" الحاصل حوله. ما رأيك في الجدل المثار حول الدعم الاستثنائيّ للفنّانين الذي أعلنته وزارة الثقافة والشباب والرياضة؟ أوّلا، هو دعمٌ اعتماداتُه هي التي كانت تعطى في ما قبل لدعم الأعمال الفنية. في مرحلة الحَجر الصحي طالبنا بدعم الفنانين، ولاسيما الذين يعيشون مِنهم مِن المجال الفني، على اعتبار أنّهم فقدوا إمكانيات شغلهم، ولَم تكن هذه الإمكانيّة، فلجأ كثير مِنهم إلى الدّعم العاديّ المرتبط، غالبا، بالقطاع غير المهيكل، الذي تقدّمه لجنة اليقظة، وهو دعم مبالغه ضعيفة جدا. بعد ذلك قرّرت وزارة الثقافة أنّ الأموال التي تقدّمها في الدّعم العاديّ ستقدّمها في دعم استثنائيّ، وغيَّرَت دفتر التّحملّات بناء على السياق الحالي. لذا فهذا دعمٌ للمشاريع الفنية وليس دعما للأشخاص. والملاحظة الثانية أنّ القطاع الفني، مقارنة بالقطاعات الأخرى، لَم يستَفد نهائيا مِن أي دعم خاصّ به للمجال الاجتماعيّ، كما أنّ القطاع ممنوع مِن الممارسة لِما يقارب ثمانيّة أشهر، مرشّحة للزيادة. ومبالغ الدعم، في نهاية المطاف، هزيلة جدّا ولن تحلّ المشكل، فالفنانون مازالوا يعانون؛ من حصلوا على الدعم يعانون، ومَن لَم يحصلوا عليه يعانون أيضا، فهذه المبالغ لا تمنح لشخص واحد، بل لمشروع. ما صيغة الدّعم التي يمكن أن تحفظ ماء وجه الفنّانين المغاربة، خاصّة المشتغلين منهم في القطاع غير المهيكل؟. يجب أوّلا أن يكون هناك دعم مباشر اجتماعيّ؛ لأنّ هذا المجال واسع، فيه القطاع المهيكل أو شبه المهيكل، والقطاع غير المهيكل، والمشتغِلون فيه ليسوا أقلية، بل عددهم كبير جدا. ثانيا، يجب فتح القاعات بشكل يراعي الوضعيّة الوبائيّة، ويحترم بروتوكولات السلامة الصحية؛ زيادة على دعم الإنتاج لأنّ الحياة الثّقافيّة يجب أن تستمرّ. وحول ما يروج الآن في وسائل التواصل الاجتماعي حول دعم بعض الفنانين، فعندما نجمع كلّ شيء، نجد أنّ الدّعم لا يتجاوز أربعة مليارات من السنتيمات، وعندما نفكّر في هذا المبلغ كدعم لمجموعة من الأشخاص يبدو كبيرا، لكن يجب أن نرى حجم المشتغلين في الموضوع، في الفنون جميعها. نعطي مثالا بدعم الصحافة المكتوبة بعشرين مليارا، ولنقارنه بأربع مليارات. لا أقول إنّ قطاع الصحافة لا يعيش مشاكل، ولكن الإنسان يُصدَم حقيقة عندما يرى ردود الفعل الشّعبويّة، التي لا أدري هل ترى أنّ على الفنان ألا يعيش، علما أنّ الفنانين لا يشتغلون نهائيا. مثلا، في مجال الموسيقى لا توجد أعراس، ولا حفلات، وغيرها... كما أنّ الفنان ليس المغنّي فقط، بل الملحّن، والموسيقيّ، وفي مجال المسرح يوجد المخرج، والمؤلِّف، والسينوغراف، والتقنيون، والإداريون، ومثل هذا في باقي المهن المرتبطة بهذا المجال. بالتالي فهذا القطاع يحتضر بكلّ ما في الكلمة من معنى.. ومِن المؤسف أن يعبّر عن هذا أناس بسطاء عاديّون لَم يفهموا ما حدث، ويمكن أن يفهموه إذا شُرِح لهم. لكن، من الصّعب أن أتقبّل هذا مِن طبقة مثقفة، أو من طبقة منتمية إلى المجال السياسي أو النقابي، فهذا مؤشّر مقلق. لَم تكن الصّيغة التي صدر بها هذا الدّعم منتقدة فقط من جمهور المتابعين، بل مِن مجتمع الفنانين أيضا... هذا مشكل أيضا. وليس الأمر حديثا، فهناك فنانون يخرجون ويقولون كلاما غير مسؤول، لأنّهم ربما لَم يستفيدوا، مع العلم أنّ مِن حقّهم أن يستفيدوا، خاصّة في هذا الظّرف الذي لا تبقى فيه معايير الجودة والفنّ... لأنّه مرتبط بالمعيش.. لكن، يوجد فرق بين أن تقول إن هذا المبلغ، على هزالته، لن يكفي جميع الفئات، وبين أن تضرب في من حصل على الدعم.. ماذا تركت للآخرين ليقولوه إذا؟. بالتالي فهذا هو الإشكال في المجال الفني، حتى قبل جائحة كورونا، فهو محطّ الأنظار، على أساس أنّ الفنانين يأخذون أطنانا من الأموال، وهذا غير صحيح. كما أنّ المجال الفني ليس الوحيد الذي يُدعَّم، في حين لا نسمع شيئا عن المجالات الأخرى. المجال الفني أعطي أربع ريالات (مبلغ هزيل)، ويأتي فنان أو شخص محسوب على المجال الفني ليقول: "تُصرَف الملايير.."، ليروّج شعبويّة تُرضي الخطاب الشعبوي الذي ينتظره الناس. مَن سيأخذون الدّعم سيجدون أنفسهم أمام عقبة كيفية اقتسامه، وبعمليّة حسابيّة بسيطة جدا، فدعم بقيمة 16 مليون سنتيم لعشرة أشخاص، إذا قسم بالتساوي، على عدد الشّهور التي لَم يشتغل خلالها الفنان، دون حديث عن تفاصيل الإنتاج، وتكاليفه، إلى غير ذلك، إذا جاء معدّل 500 درهم في الشهر للشخص فقل "باز" (عجيب). هل يوجد مشكل في الرياضيات عند الناس ولا يعرفون كيفية الحساب؟ لا أدري.