كشفت حالة الطوارئ الصحية المطبقة بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، بشكل أكثر وضوحا، عن الوضعية الهشّة التي يوجد فيها العاملون في القطاع الفني، بمختلف صنوفه، في المغرب، رغم وجود عدد من النصوص القانونية والتشريعية المحدَثة من أجل توفير الحماية الاجتماعية لهم، وفي مقدمتها قانون الفنان والمهن الفنية. وصدر القانون رقم 68.16 المتعلق بالفنان والمهن الفنية بالجريدة الرسمية منذ شهر شتنبر 2016، لكن الفاعلين في القطاع الفني يقولون إن هذا القانون لم يضمن الحماية الاجتماعية للفنانين إلى حد الآن، لكون المادة 20 منه المنظمة لهذا الجانب لم تتم ملاءمتها مع مقتضيات مدونة الشغل؛ ويذهب بعضهم إلى القول إن الفنان المغربي مازال يشتغل في القطاع غير المهيكل. وتنص المادة 20 من قانون الفنان والمهن الفنية على أن أنظمة الحماية الاجتماعية الجاري بها العمل تطبق حسب طبيعة العقد وطبيعة النشاط الذي يزاول في إطاره الفنان أو تقني أو إداري الأعمال الفنية الذين تسري عليهم أحكام القانون. غير أن هذه المادة الموضوعة لحماية الفنان "غيرُ مفعّلة"، حسب سيدي محمد منصوري إدريسي، رئيس النقابة المغربية للتشكيليين المحترفين. ويوضّح مولاي أحمد العلوي، رئيس النقابة المغربية للمهن الموسيقية، أن الإشكال يكمن في عدم مراعاة مدونة الشغل لخصوصية عمل الفنان، ذلك أنها تشمل الأشخاص الذين يزاولون عملهم في إطار مهني معيّن، كالمقاولات والمؤسسات... وتجمعهم بالمشغّلين عقود تتسم بالاستمرارية، بينما أغلب الفنانين يشتغلون بعقود محدودة الأجل. وقال العلوي في تصريح لهسبريس: "وزارة الشغل تقول إن المشمولين بمدونة الشغل يجب أن يكونوا مشتغلين ضمن إطار عمل معين، وهذا غير ملائم للفنان، فهناك عدد من الفنانين يشتغلون ثلاثة أو ستة أشهر في السنة فقط، ووضعيتهم لا تتلاءم مع مقتضيات مدونة الشغل"، مضيفا: "لا بد من إعادة النظر في هذه المسألة لتخطي هذا الإشكال، لأن وضعية الفنانين ليست مثل وضعية باقي الأجراء". في الإطار ذاته قال عبد الكبير الركاكنة، رئيس الاتحاد المغربي لمهن الدراما، إن مدونة الشغل لا تعترف بالشق المتعلق بالحماية الاجتماعية من قانون الفنان والمهن الفنية، على اعتبار أن الفنانين لديهم وضعية خاصة، إذ يشتغلون بعقود محدودة الأجل، وليس لديهم عمل قار مثل باقي الأجراء. وأردف الركاكنة بأن تمكين الفنانين من الحماية الاجتماعية يقتضي تعديل مدونة الشغل، أو إدخال تعديل على قانون الفنان والمهن الفنية، من أجل مواءمتهما، ومن أجل اعتراف المدونة بمجموعة من المهن الفنية غير المعترف بها حاليا، مضيفا: "الفنانون لديهم جميع الحقوق، ولكنهم لا يستفيدون منها، لغياب الآليات القانونية لتفعيلها". بدوره قال سيدي محمد منصوري إدريسي إن تعديل مدونة الشغل أو قانون الفنان والمهن الفنية أصبح حتميا من أجل ضمان الحماية الاجتماعية للمشتغلين في الحقل الفني، لافتا إلى أن هذا الموضوع مطروح على طاولة الحوار الذي تباشره الهيئة النقابية التي يرأسها مع الفرق البرلمانية. وذهب إدريسي إلى القول إن فترة حالة الطوارئ الصحية الحالية بيّنت أن الوضعية الاجتماعية للفنان المغربي متدنية جدا؛ فالفنانون، الذين لهم مكانة اعتبارية في المجتمع، يردف، "أغلبهم غير منخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهذا يعني أنهم يشتغلون في القطاع غير المهيكل". وفي وقت أعلنت وزارة الثقافة والشباب والرياضة إطلاق برنامج استثنائي لدعم الفاعلين الثقافيين في مجالات الفنون والكتاب، قال مولاي أحمد العلوي إن النهوض بوضعية الفنانين "يتطلب فتح نقاش جدّي، لأن أغلبهم لا يتوفرون على التغطية الصحية ولا التقاعد أو أي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية". وقدم المتحدث ذاته مثالَ المبدعين الذين يعملون في النوادي الليلية، متسائلا: "هل تراقب وزارة الشغل، عبر مفتشيها، ظروف عمل هؤلاء المبدعين؟ وهل تتأكد من توفرهم على عقود عمل، وهل يتمتعون بالحماية الاجتماعية، علما أنهم يشتغلون في ظروف صعبة ومعرضون لأنواع خطيرة من الأمراض؟"، مضيفا: "هناك إجحاف في حق المبدعين".