لمن كان يحتاج دليلا على أن المغاربة يلتقطون حس التواصل عندما يكون سليما وسويا ومتصلا بهم بالفعل، يكفي العودة إلى الإقبال الكبير الذي تسجله الوصلات التحسيسية التي يقدمها الوجه التلفزيوني المعروف صلاح الدين الغماري على شاشة القناة الثانية « دوزيم » هاته الأيام. المغاربة تفاعلوا بشكل غير مسبوق مع هاته الوصلات التحسيسية لأنهم أحسوا بها تخاطبهم، وتتحدث معهم بلغتهم، وتهتم بمايهمهم بالفعل. هنا لابد من التنويه باستعمال اللغة المغربية في هاته الوصلات، وهي اللغة التي ظل التلفزيون يعتقد لعقود إنها لغة ثانية وفي مرتبة أقل وأنه من الأفضل الحديث بالغة الفصحى وإن لم يفقه الناس ماتريد قوله هاته اللغة !!! ثانيا، لابد من التنويه بإعادة الاعتبار لواحد من الوجوه الجادة في القناة الثانية. الرهان على وجوه البوز واللغة الساقطة التي لاعلاقة لها بلغة الشارع، بل لها علاقة بلغة « الهموز والهوتات»، ومحاولة إقناع المغاربة أن « الشو الفارغ» هو الحل الوحيد هو رهان وصل اليوم إلى نهايته. المغاربة يريدون لغتهم الدارجة في التلفزيون، ويريدون معها حمولة صحافية ومعرفية تشفع لمن يتحدث إليهم في أن يخاطبهم، ولا يريدون أن يتم فتح الباب لمن هب ودب حتى أصبحت أكبر إنجازات تلفزيوننا هي استضافة كل من ارتكب مصيبة ما في اليوتوب، أو استقبال كل من قضى حاجته على رؤوس الناس في إنستغرام أو تويتر. ثالثا، قنواتنا التلفزيونية دوزيم والأولى (بكل تفرعاتها) وميدي آن تي في، فهمت أو شرعت في استيعاب المطلوب منها من طرف المغاربة. وهذه حسنة تحسب لهذا الداء، ونعمة تلفزيونية عثرنا عليها في قلب هاته النقمة التي تجتاح العالم بأسره. ونتصور أن هذا الدرس القاسي الذي نتلقى يوميا تعليمه جميعا ودون استثناء، سينفعنا بعد مرور أيام الشدة هاته لكي نراجع كثير الحسابات، ولكي نستفيد من كثير الأخطاء التي كان يتحدث لنا عنها الناس الصادقون دوما وأبدا، وكنا نعتقد أنهم يفعلون ذلك لأن لديهم « حسابا وهميا » معنا قبل أن نكتشف أن الناس كانت تغار فقط على صورة بلدها، وتتمنى أن ترى تلفزيون بلدها مسايرا لوعي الناس ولوعي مشاهدات الناس ولوعي اطلاع الناس في هذا البلد، الذي لم يكن غبيا ولا رديئا في يوم من الأيام لكي يقبل أن تتم مطرقته يوميا عبر تلفزيونه بالغباء والرداءات.. برافو لقنواتنا على الصحوة وإن كانت متأخرة، ونتمناها صحوة دائمة، وليس مجرد رد فعل على هذا الوباء اللعين .