ماهو المشكل القائم حاليا بخصوص دوزيم ودفاتر التحملات؟ لم هذا الوضع المتوتر؟ لا أعتقد أن هناك وضعا متوترا. أعتقد أن هناك تبادلا للآراء، وهذا التبادل هو مفتوح أمام العموم. هناك نقاش أتصوره صحيا، وهناك طبعا مقاربة مختلفة تماما في التصور لدفاتر التحملات هاته، ما دام هذا هو الموضوع. مقاربة مختلفة لهاته الدفاتر على مستوى الشكل ومقاربة مختلف لها على مستوى المضمون. من وجهة النظر هاته، يبدو النقاش ضروريا بالنظر إلى الصعوبات العديدة التي تضعها أمامنا دفاتر التحملات هاته، وبالنظر أيضا إلى دوزيم، وتاريخها وتوجيهها التحرير ووسائلها ونموذجها الاقتصادي. اليوم أعتقد أنه من واجب المهنيين أن ينبهوا الرأي العام ومجموع الفاعلين والحكومة بنفسها إلى الصعوبات التي يطرحها دفتر التحملات هذا. مرة أخرى لا أعتقد أن الأمر يتعلق بأزمة أو مشكل، ربما هناك جهات توجد في وضع غير مريح داخل هذا النقاش، لكننا نحن مستعدون للنقاش ويجب أن ناقش، لأن الأمر يهم مستقبل الإعلام العمومي. وهنا يجب التدقيق بأن الأمر لا يتعلق بأشخاص أو بلوبيات صغيرة خرجت مثلما قرأت اليوم في بعض المواقع على الأنترنيت لأسباب غامضة أو غير واضحة لكي تقول “حذار”. حذار بالنسبة إلى الشكل وحذار بالنسبة إلى المضمون. أعتقد أنني أعرف أننا نعيش في ديمقراطية، وأعتقد أننا جميعا نطمح إلى وجود نقاشات عامة في هذا المجتمع، ومرة أخرى أقولها إنه واجبنا اليوم كمهنيين أن ندق ناقوس الخطر اليوم. ورد في رد لوزير الاتصال على حوار سليم الشيخ المدير العام للقناة كلام يصف خرجة الشيخ وتصريحاته بأنها لا مسؤولة، ماهو تعليقكم على هذا الأمر؟ يجب أن أسجل هنا أنني أتقاسم بشكل كلي وكامل وتام مجموع النقط التي طرحها سليم الشيخ في مختلف تدخلاته الإعلامية الأخيرة بخصوص دفاتر التحملات، ولا أعتقد أنه أدلى بتصريحات لا مسؤولة. بالعكس لقد قال كلاما مسؤولا للغاية ومهنيا جدا، وتحمل مسؤولياته من أجل حماية القناة ومكتسباتها ومستقبلها. الآن، أن يقول أحد اليوم بأن سليم قال كلاما غير مسؤول، أنا لا أتصور هنا أن هذه هي الطريقة المثالية التي تجب بها الإجابة على مهني من التلفزيون يريد أن يتحمل كل مسؤوليات وصلاحياته، ومن صلاحيات المدير العام أن يقول الحقيقة وأن يتكلم بشكل علني حين لزوم هذا الأمر. هناك دور للحكومة، وهناك دور للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، وهناك دور للإدارة العامة للقناة الثانية، وقد تحمل سليم الشيخ مسؤولياته الكاملة في هذا الصدد. أن يقال بأنه قال كلاما غير مسؤول فأتصور أننا بهذا الأمر تستصغر مسؤولي الإعلام العمومي، وبالتحديد استصغار سليم الشيخ ما دمنا نتحدث عنه. ولا أعتقد أنه من مصلحة أي كان اليوم أن يقطع الطريق على النقاش الذي يجب أن يكون اليوم في المشهد الإعلامي العمومي باستعمال عبارات مثل هاته. سأضيف شيئا آخر تعليقا على ما قرأته في الساعات الأخيرة في بعض مواقع الأنترنيت، حيث تم وصف سليم الشيخ بكونه ناطقا باسم لوبي فرنكوفوني علماني. هل تعتقدون هنا أن هذه تصريحات مسؤولة؟ هل تعتبرون أنها طريقة ملائمة لإطلاق النقاش؟ هناك إحساس بالخوف أمام تصريحات تعكس الحقيقة تماما، خوف أظهر وجوده، ويتم الرد علينا لإخفاء هذا الخوف بأننا لوبي فرانكوفوني علماني. هل سيقولون لنا غدا إن هذا اللوبي الفرانكوفوني العلماني يتقاضى مقابل من الخارج لكي يمارس هذا الدور المزعوم؟ ربما سيقولون لنا في وقت لاحق إننا نشتغل مع أعداء هذا الوطن. نحن نشتغل لما نعتبره مصلحة بلدنا ومصلحة شعبنا ومصلحة دولتنا. ولا يجب هنا أن نختزل دفاتر التحملات هاته في قضية لغوية عابرة، فهناك اليوم حقائق مادية تفرض نفسها على الواقع.. هل من أمثلة على الأمر؟ نعم هناك أمثلة عملية جدا تبرز كل شيئ بوضوح : اليوم نحن ننتج أربع ساعات ونصف يوميا بوسائلنا ومواردنا الخاصة. في دفاتر التحملات هاته التي نتحدث عنها يطلبون منا أن ننتج عشر ساعات يوميا انطلاقا من شهر شتنبر المقبل. هنا لماذا ندق ناقوس الخطر؟ ندقه لكي نقول كيف تتصورون عقلانيا بالموارد المالية والإمكانات البشرية الحالية أن نمر من أربع ساعات إلى عشر ساعات يوميا؟ نقول اليوم إننا عندما ننجز تغييرا راديكاليا بهذا الشكل نتحدث أولا عن الإمكانيات وبعد ذلك ننجز دفتر تحملات يلائم هاته الإمكانيات ولا نقوم بالعكس. وهذا الأمر بالنسبة إلى مسألة عمق وليست شكلية فقط. إنها تظهر التحكمية التي فرضت بها دفاتر التحملات هاته على وسائل الإعلام العمومية. أفسر قولي لكي يكون واضحا جدا. الأمر هذه المرة لا يتعلق بدفاتر تحملات، ولكنه يتعلق بشبكة للبرامج. في كل دفاتر تحملات القنوات العمومية نضع توجيهات عامة، الحكومة تقول إنها تريد برامج للأطفال وبرامج للناس وبرامج للشباب وبرامج حوارية وهكذا، في دفاتر التحملات هاته لا توجد توجيهات، توجد مواعد للبث، وتوجد مدة البرامج، ويوجد عددها، والوتيرة التي ستبث بها بل يوجد حتى التوجيه القاضي باستدعاء علماء للاجتماع أو علماء للدين فيها. هذه ليست دفاتر تحملات، هذه شبكة للبرامج. والمهنة والمنطق يقولان إن السياسي لا يضع شبكة للبرامج. المهنيون هم الذين يحددون شبكة البرامج اعتمادا على توجيهات السياسي. الوزير يقول إنه تشاور مع كل المهنيين وتحدث معهم؟ نعم كان هناك حديث وكانت هناك مشاورات، ومسؤولو الإعلام العمومي المغربي تقدموا باقتراحاتهم بخصوصها. لكن السؤال المطروح هو : هل تم الأخذ بعين الاعتبار بهذه الاقتراحات؟ المهنيون داخل القنوات، وأتحدث هنا مثلا عن مديرية الأخبار بالقناة الثانية، لم تتم استشارتهم نهائيا، وكانت هناك مذكرات منحت للوزير من طرف بعض الأفراد.. هو يقول إن عددها قارب الواحدة والثلاثين؟ من دوزيم فقط؟ من دوزيم ومن القنوات الأخرى. هنا أعتقد أنه تلقى ست أو سبع مذكرات من دوزيم، وأغلبها من أفراد، وهي لست نتاج تشاور جماعي داخلي مع المهنيين، لأنه لو تم طلب رأينا كمهنيين لأجبنا بأننا لا نستطيع أن ننتج عشر ساعات في اليوم. ولا يمكننا أن ننتج نشرة جهوية ابتداء من فاتح ماي المقبل بالوسائل والإمكانيات التي نتوفر عليها. لو طلب رأينا لقلنا هذا الأمر قبل أن يكتب في دفاتر التحملات، لكن لم يطلب أحد رأينا. إذن نحن أمام مشكل طريقة في العمل، حيث يتم فرض دفاتر تحملات علينا ويقال لنا بعد ذلك سنتحدث عن الإمكانيات فيما بعد. معذرة، لكن الأمور لا تتم هكذا أبدا : نحدد إمكانياتنا أولا، وعلى ضوء هاته الإمكانيات نكتب دفاتر تحملاتنا وما نستطيع وما لا نستطيع فعله من خلالها. هذه الدفاتر هي تعريف لقناة تلفزيونية جديدة بالنسبة إلى دوزيم. إنه منعرج ب180 درجة بين دوزيم التي كانت حتى اليوم قناة عامة تخبر وترفه وتربي وبين نموذج جديد يقترب من نموذج فرانس 3 في فرنسا، وهي قنوات لها تفرعات جهوية ولها إدارات مختلفة في كل جهة، وهي تكميلية في إطار القطب العمومي الفرنسي لقناة عامة هي قناة فرانس 2. اليوم نسب مشاهدة فرانس 3 التي تقدم لنا كنموذج هي نسب انهارت تماما، والنموذج الذي تمثله فرانس 3 انهار بالكامل، وهي وصلت بالكاد سنة 2011 إلى حاجز العشرة في المائة من نسبة المشاهدة. بخصوص مديرية الأخبار التي تشرفين عليها أنت شخصيا تم تفسير قرار تغيير توقيت نشرة التاسعة إلا ربع بالفرنسية بكونه رد فعل على نزول كبير في نسبة مشاهدتها، هل الأمر صحيح حقا؟ الأرقام. مرة أخرى الأرقام. لنبق في الأرقام لكي نكون علميين أكثر. اليوم النشرات الإخبارية للقناتين معا صممت ووضعت لكي تكون في إطار التكاملية بين القناتين. أتحدث عنا عن فترة المساء، الثامنة والنصف نشرة كبرى باللغة العربية على القناة الأولى، الثامنة وخمس وأربعون دقائق نشرة كبرى باللغة الفرنسية على القناة الثانية، وهو موعد تاريخي يجب أن أذكركم بذلك لأن الأمر يتعلق بنشرة تبلغ من العمر عشرين سنة. القناتان معا في نفس الوقت تحققان تكاملا يوصلنا إلى ما بين خمسة وستة ملايين مشاهد كل يوم. عندما نتحدث عن هاته الحصة فقط ننسى أن لدينا نشرة كبرى في الواحدة إلا ربع زوالا، وهي نشرة تاريخية هي الأخرى تحقق نسبة مشاهدة كبرى للغاية كل يوم، وهذه النشرة استطعنا أن نحولها إلى نشرة تعتمد مفهوم القرب من الناس بالنظر إلى الزوايا التي تتناولها و70 في المائة من المواضيع التي نقدمها في هذه النشرة هي مواضيع تأتينا من الجهات ومن مكاتبنا الجهوية. لنعد الآن إلى حصة المساء ونشرة الثامنة إلا ربع. عندما نأخذ النموذج الفرنسي الذي يتم تناوله باستمرار : لدينا في الثامنة مساء نشرة إخبارية كبرى على تي إف 1 ونشرة إخبارية كبرى على فرانس 2. قناة خاصة وقناة عمومية تتنافسان في نفس التوقيت. نحن لسنا في تنافس مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. نحن نعمل بشكل تكاملي، وغدا _ إذا كنا مضطرين لفعل هذا الأمر _ سنجد أنفسنا أمام نشرتين إخباريتين باللغة العربية في نفس التوقيت وبنفس التوجيه في المحتوى، ما يعني أننا سنأخذ بعض المشاهدين من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وحين سنقوم بعد النسبة سنجد أن هناك هبوطا فيها. ماذا سنقول حينها؟ الأمر لم ينجح؟ هل فرق الأولى والثانية منعدمة الكفاءة؟ الخطير هو أنه لم يطلب منا أن نضع برنامجا حواريا في ذلك التوقيت. لا، طلب منا أن نضع نشرة إخبارية باللغة العربية في نفس التوقيت قبالة القناة الأولى. هل تعتقدون أنه من الممكن مقارنة ما لا يقارن؟ اليوم نحن نشتغل في إطار التكامل. أريد أن أنتقل إلى سؤال أعمق : ألم يكن الأمر منتظرا في النهاية؟ العدالة والتنمية في وزارة الاتصال، ما الذي كنتم تنتظرونه بالتحديد؟ الإجابات التي يمكن أن تكون إجاباتي بالنظر إلى الهجومات الكثيرة التي تعرضت لها شخصيا في السنوات الأخيرة هي إجابة بسيطة تقول : أنا لدي حريتي الفكرية. نعم أنا مديرة للأخبار في القناة الثانية، لكنني أصلا وأولا صحافية في التلفزيون منذ 25 عاما. أنا أساسا مواطنة مغربية لدي الحق في أن تكون لدي مواقفي الشخصية وتصوراتي الشخصية لكل شيء، وحريتي في التفكير والتعبير، ولن أضحي بحريتي بأي ثمن كيفما كان نوعه. إلى جانب هذا أنا أحترم المؤسسات وأحترم اللعبة الديمقراطية. ناقوس الخطر الذي أدقه أنا أو سليم الشيخ، الذي أصر مرة أخرى على تبني كل ما قاله، مبني على انشغال مهني، ذلك أن ما يشغل بالي هو مبدأ استقلالية وسائل الإعلام عن السلطة التنفيذية، وعن السياسة. استقلالية الإعلام هي الطريقة الوحيدة لكي نصل إلى نقاشات عمومية إعلامية فعلية هي أن لا يكون الإعلام مرتبطا بالحكومة. طيب عمليا ما هو الحل اليوم؟ أعتقد أنه يجب أن نبدأ من الصفر مسار كتابة دفاتر التحملات هاته، مع استشارة المهنيين، وتحديد الممكن من المستحيل، وتحديد اللازم فعله اليوم، وتحديد الإمكانيات التي نتوفر عليها لتطبيق ما نريده بالتحديد. أعطيك مثالا آخر لا أريد أن أنساه : الترفيه الذي تم حذفه تماما وتم قصره على برامج الطفل لوحدها. نحن قناة عامة تخبر وتعلم، لكن ترفه أيضا. هل يعني هذا أي أثر للترفيه يجب أن يختفي من القناة ككل؟ أم أن من صنعوا هاته الدفاتر نسوا فقط هذا الجانب ولم يتذكروه نهائيا؟ إنها وقائع وانشغالات حقيقية، وهي التي تجعلنا نتحدث اليوم. وهي التي تفرض علينا أن ندق ناقوس الخطر قبل أن يفوت الأوان. هذا كل ما في الأمر. تعرفين في الوسط الإعلامي بطريقتك الصريحة في الحديث، هل من رسالة مباشرة إلى مصطفى الخلفي على سبيل ختم هذا الحوار؟ (تصمت طويلا) في أي لحظة من اللحظات وفي كل ما قرأته وما سمعته من كل ما قاله وكتبه أو أعطاه من حوارات بخصوص هذا النقاش، لم يكلف نفسه عناء قول كلمة شكرا أو “برافو” للناس الذين يصنعون الإعلام العمومي المغربي. أن يشكر احترافيتهم، أن ينوه بطريقة اشتغالهم رغم كل الظروف الصعبة التي يمارسون فيها مهامهم. يوميا يقوم هؤلاء بوسائل بسيطة للغاية مقارنة مع الوسائل المتاحة للآخرين بمرافقة التغيرات التي يعرفها بلدنا، وفي أي لحظة من اللحظات لم يبد حسنا للسيد الخلفي أن يقول لهؤلاء “أنتم لا تتوفر لكم وسائل الجزيرة التي لديها مئات الملايين من الدولارات، ولا البي بي سي التي تسهر ملكة بريطانيا على ميثاقها لضمان استقلاليتها، ولا وسائل العربية ولا السي بي إس، ولكنكم تستطيعون يوميا عكس مايقع في المجتمع المغربي. برافو لهؤلاء المهنيين الذين يتمكنون من ممارسة مهامهم رغم كل شيء. في أي لحظة من اللحظات لم يتذكرهم. في أي لحظة من اللحظات. الأحداث المغربية