الهجوم الذي شنه سليم الشيخ مدير القناة الثانية على وزارة الاتصال على أمواج إذاعة «أطلانتيك» أول أمس واتهامها بكونها لم تستشر القناة في إعداد دفتر التحملات، وبكونها تلقت أوامر فرضها على القناة، لا يخلو من أحد أمرين: -إما أن الرجل بالفعل يتحدث من دافع المهنية والغيرة على مستقبل القناة، ويبني موقفه على معطيات سليمة. -وإما أن رياحا هبت في آخر لحظة، ودفعته إلى أن يصرف هذه المواقف في هذه اللحظة. على كل حال، هذه الخرجة من حيث توقيتها تعتبر جد مهمة ومفيدة، فهي ستكشف للرأي العام المخبوء في هذه القناة، وستضعه أمام الحقيقة كاملة، خاصة ما يتعلق بحكاية الأوامر والاستقلالية. شيء مهم أن يتم اليوم الاحتجاج بالمهنية والاستقلالية ورفض الأوامر والنأي بالقناة عن التأثير السياسي، وشيء مهم الاحتجاج بقضية إشراك المهنيين الأكفاء والأطر التي تحظى بها القناة، و أهم من ذلك كله الاحتجاج بخدمة المشاهد وحقه في الأخبار والترفيه. لكن، ألم تكن هذه الأشياء هي ما ينتقد على إدارة القناة الثانية قبل الحديث عن دفاتر التحملات لاسيما مسألة الاستقلالية وخدمة الأجندات وتمرير المناورات السياسية ضد الخصوم السياسيين من مختلف التوجهات؟ ألم يكن المأخذ الكبير على هذه القناة خاصة في الخدمة الإخبارية والبرامج الحوارية السياسية الإقصاء وخدمة توجهات بعينها؟ سندع هذه الأسئلة جانبا، ونمضي إلى ما به تنكشف الحقيقة للرأي العام، فالسيد مدير القناة ينتقد على هذه الدفاتر كونها تدخلت في كل شيء في البرمجة والتوقيت وحتى في استضافة الأشخاص، مع أن طبيعة دفاتر التحملات في كل بلاد الدنيا أن تضع المعايير الضابطة للممارسة الإعلامية الموجهة إلى العموم، بل إن من واجبها أن تفرض الشروط الضرورية التي تعكس هوية هذا البلد المنصوص عليها دستوريا ومن ذلك حضور اللغة العربية في هذه القناة، فكما هو معلوم فهذه القناة ليست قناة خاصة لها أن تختار ما تريد من غير أن تلزم بمعايير الخدمة العمومية. إن التحجج بالخوف على مستقبل القناة، والخوف على أن يضيع الرصيد الذي قدمته خلال 24 سنة لا ينبغي أن يهرب النقاش عن حقيقته، وهل تم بالفعل إقصاء القناة في مراحل إعداد دفاتر التحملات، أم أنها شاركت في ذلك إلى آخر لحظة، ثم تنصلت في آخر لحظة لاعتبار من الاعتبارات؟ ما يعرفه الراي العام أن السيد مدير القناة لم يبد أي موقف طوال المرحلة السابقة، وفي حالة إذا كان بالفعل تم إقصاؤه أ من إعداد دفاتر التحملات وسكت طوال هذه المدة، فهذا سيكون منه تفريطا في مسؤوليته وواجبه في أن يكون شريكا قويا في هذا الموضوع. إن النقاش عما تريد وزارة الاتصال فعله وما تريد «فرضه» هو نقاش لا يخدم الحقيقة، إنما النقاش الحقيقي الذي ينبغي طرحه هو هل شاركت القناة الثانية في إعداد دفاتر التحملات أم أنها أقصيت؟ المعطيات المتوفرة تقول بأن السيد سليم الشيخ قدم مذكرة إلى وزارة الاتصال بهذا الشأن، وأن وزارة الاتصال عقدت لقاء مطولا حول هذه المذكرة وأنها استجابت لمعظم مت ورد فيها بحكم استنادها على دراسة لتطلعات الجمهور خاصة ما يتعلق بالخدمة الإخبارية وبرامج الحوار السياسي، بل إن المعطيات المتوفرة تفيد أن وزارة الاتصال فتحت الباب واسعا أمام النقابات الممثلة في القناة، وهو ما لم تفعله حتى إدارة القناة نفسها، وتوصلت بما يزيد عن ثلاثين مذكرة تم بناء دفتر التحملات عليها، بل إن السيد سليم الشيخ كان حاضرا في الللقاءات الأخيرة التي تم بها بلورة النسخة النهائية وقدم بعض التعديلات وتم قبولها. كل هذه المعطيات تؤكد بأن موقف مدير القناة تكتنفه العديد من نقاط الاستفهام، خاصة وأن انخرط في العملية كلها، وبقي حاضرا مشاركا فيها إلى نهايتها ، ولم يصدر منه أي موقف معارض بها، فهل يكون السيد مدير القناة تلقى أوامر من جهات معينة متضررة من تفعيل دفاتر التحملات لشن هذا الهجوم؟