لأول مرة منذ خمس سنوات تتحدث سميرة سيطايل عن كل شيء. مديرة أخبار القناة الثانية اختارت «الأحداث المغربية» وحدها لكي تقول عبرها كل شيء، ولكي تتحدث بالصراحة والشجاعة اللتين يعرفهما عنها المشهد الإعلامي والسياسي المغربي كله، لكي تقول رأيها في دفاتر التحملات، لكي تدق ماتعتبره ناقوس خطر يهدد دوزيم في مقتل، لكي توجه رسالة مباشرة إلى وزير الاتصال، ولكي ترسم المشهد التلفزيوني المغربي مثلما هو دون أي رتوشات خادعة. سميرة تتحدث وتقول كل شيء في الأسطر التالية... لندخل صلب الموضوع قدما، ماهو المشكل القائم حاليا بخصوص دوزيم ودفاتر التحملات؟ لم هذا الوضع المتوتر؟ لا أعتقد أن هناك وضعا متوترا. أعتقد أن هناك تبادلا للآراء، وهذا التبادل مفتوح أمام العموم. هناك نقاش أتصوره صحيا، وهناك طبعا مقاربة مختلفة تماما في التصور لدفاتر التحملات هاته، مادام هذا هو الموضوع. مقاربة مختلفة لهاته الدفاتر على مستوى الشكل ومقاربة مختلفة لها على مستوى المضمون. من وجهة النظر هاته يبدو النقاش ضروريا بالنظر إلى الصعوبات العديدة التي تضعها أمامنا دفاتر التحملات هاته، وبالنظر أيضا إلى دوزيم، وتاريخها وتوجيهها التحريري ووسائلها ونموذجها الاقتصادي. اليوم أعتقد أنه من واجب المهنيين أن ينبهوا الرأي العام ومجموع الفاعلين والحكومة بنفسها إلى الصعوبات التي يطرحها دفتر التحملات هذا. مرة أخرى لا أعتقد أن الأمر يتعلق بأزمة أو مشكل، ربما هناك جهات توجد في وضع غير مريح داخل هذا النقاش، لكننا نحن مستعدون للنقاش ويجب أن ناقش، لأن الأمر يهم مستقبل الإعلام العمومي. وهنا يجب التدقيق بأن الأمر لايتعلق بأشخاص أو بلوبيات صغيرة خرجت مثلما قرأت اليوم في بعض المواقع على الأنترنيت لأسباب غامضة أو غير واضحة لكي تقول: «حذار». حذار بالنسبة للشكل وحذار بالنسبة للمضمون. أعتقد أنني أعرف أننا نعيش في ديمقراطية، وأعتقد أننا جميعا نطمح إلى وجود نقاشات عامة في هذا المجتمع، ومرة أخرى أقولها إنه واجبنا اليوم كمهنيين أن ندق ناقوس الخطر اليوم. ورد في رد لوزير الاتصال على حوار سليم الشيخ المدير العام للقناة كلام يصف خرجة الشيخ وتصريحاته بأنها لا مسؤولة، ماهو تعليقكم على هذا الأمر؟ يجب أن أسجل هنا أنني أتقاسم بشكل كلي وكامل وتام مجموع النقط التي طرحها سليم الشيخ في مختلف تدخلاته الإعلامية الأخيرة بخصوص دفاتر التحملات، ولا أعتقد أنه أدلى بتصريحات لا مسؤولة. بالعكس لقد قال كلاما مسؤولا للغاية ومهنيا جدا، وتحمل مسؤولياته من أجل حماية القناة ومكتسباتها ومستقبلها. الآن، أن يقول أحد اليوم بأن سليم قال كلاما غير مسؤول، أنا لا أتصور هنا أن هذه هي الطريقة المثالية التي تجب بها الإجابة على مهني من التلفزيون يريد أن يتحمل كل مسؤوليات وصلاحياته، ومن صلاحيات المدير العام أن يقول الحقيقة وأن يتكلم بشكل علني حين لزوم هذا الأمر. هناك دور للحكومة، وهناك دور للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وهناك دور للإدارة العامة للقناة الثانية، وقد تحمل سليم الشيخ مسؤولياته الكاملة في هذا الصدد. أن يقول بأنه قال كلاما غير مسؤول فأتصور أننا بهذا الأمر نستصغر مسؤولي الإعلام العمومي، وبالتحديد استصغار السيد سليم الشيخ مادمنا نتحدث عنه. ولا أعتقد أنه من مصلحة أي كان اليوم أن يقطع الطريق على النقاش الذي يجب أن يكون اليوم في المشهد الإعلامي العمومي باستعمال عبارات مثل هاته. هل تمتلك دوزيم اليوم عمليا إمكانيات تطبيق هذه الدفاتر؟ هناك أمثلة عملية جدا تبرز كل شيء بوضوح: اليوم نحن ننتج أربع ساعات ونصف يوميا بوسائلنا ومواردنا الخاصة. في دفاتر التحملات هاته التي نتحدث عنها يطلبون منا أن ننتج عشر ساعات يوميا انطلاقا من شهر شتنبر المقبل. هنا لماذا ندق ناقوس الخطر؟ ندقه لكي نقول كيف تتصورون عقلانيا بالموارد المالية والإمكانات البشرية الحالية أن نمر من أربع ساعات إلى عشر ساعات يوميا؟ نقول اليوم إننا عندما ننجز تغييرا راديكاليا بهذا الشكل نتحدث أولا عن الإمكانيات وبعد ذلك ننجز دفتر تحملات يلائم هاته الإمكانيات ولا نقوم بالعكس. وهذا الأمر بالنسبة لي مسألة عمق وليست شكلية فقط. إنها تظهر التحكمية التي فرضت بها دفاتر التحملات هاته على وسائل الإعلام العمومية. أفسر قولي لكي يكون واضحا جدا. الأمر هذه المرة لا يتعلق بدفاتر تحملات، ولكنه يتعلق بشبكة للبرامج. في كل دفاتر تحملات القنوات العمومية نضع توجيهات عامة، الحكومة تقول إنها تريد برامج للأطفال وبرامج للناس وبرامج للشباب وبرامج حوارية وهكذا، في دفاتر التحملات هاته لا توجد توجيهات، توجد مواعد للبث، وتوجد مدة البرامج، ويوجد عددها، والوتيرة التي ستبث بها بل يوجد حتى التوجيه القاضي باستدعاء علماء للاجتماع أو علماء للدين فيها. هذه ليست دفاتر تحملات، هذه شبكة للبرامج. والمهنة والمنطق يقولان إن السياسي لايضع شبكة للبرامج. المهنيون هم الذين يحددون شبكة البرامج اعتمادا على توجيهات السياسي. الوزير يقول إنه تشاور مع كل المهنيين وتحدث معهم؟ نعم كان هناك حديث وكانت هناك مشاورات، ومسؤولو الإعلام العمومي المغربي تقدموا باقتراحاتهم بخصوصها. لكن السؤال المطروح هو: هل تم الأخذ بعين الاعتبار بهذه الاقتراحات؟ المهنيون داخل القنوات وأتحدث هنا مثلا عن مديرية الأخبار بالقناة الثانية لم تتم استشارتهم نهائيا، وكانت هناك مذكرات منحت للوزير من طرف بعض الأفراد... هو يقول إن عددها قارب الواحدة والثلاثين ؟ من دوزيم فقط؟ من دوزيم ومن القنوات الأخرى.. هنا أعتقد أنه تلقى ست أو سبع مذكرات من دوزيم وأغلبها من أفراد وهي ليست نتاج تشاور جماعي داخلي مع المهنيين، لأنه لو تم طلب رأينا كمهنيين لأجبنا بأننا لانستطيع أن ننتج عشر ساعات في اليوم. ولا يمكننا أن ننتج نشرة جهوية ابتداء من فاتح ماي المقبل بالوسائل والإمكانيات التي نتوفر عليها. لو طلب رأينا لقلنا هذا الأمر قبل أن يكتب في دفاتر التحملات، لكن لم يطلب أحد رأينا. إذن نحن أمام مشكل طريقة في العمل، حيث يتم فرض دفاتر تحملات علينا ويقال لنا بعد ذلك سنتحدث عن الإمكانيات فيما بعد. معذرة لكن الأمور لا تتم هكذا أبدا: نحدد إمكانياتنا أولا، وعلى ضوء هاته الإمكانيات نكتب دفاتر تحملاتنا ومانستطيع وما لانستطيع فعله من خلالها. هذه الدفاتر هي تعريف لقناة تلفزيونية جديدة بالنسبة لدوزيم. إنه منعرج ب180 درجة بين دوزيم التي كانت حتى اليوم قناة عامة تخبر وترفه وتربي وبين نموذج جديد يقترب من نموذج فرانس 3 في فرنسا وهي قنوات لها تفرعات جهوية ولها إدارات مختلفة في كل جهة، وهي تكميلية في إطار القطب العمومي الفرنسي لقناة عامة هي قناة فرانس 2. اليوم نسب مشاهدة فرانس 3 التي تقدم لنا كنموذج هي نسب انهارت تماما، والنموذج الذي تمثله فرانس 3 انهار بالكامل، وهي وصلت بالكاد سنة 2011 إلى حاجز العشرة في المائة من نسبة المشاهدة. إذا كان لي أن أبدي ألمي لشيء فأنا أتألم أننا نقدم للجمهور المغربي الإعلام العمومي المغربي كما لو كان مفلسا وسيئا وغير قادر على شيء. علما أنني اليوم أريد إعطاءكم بعض الأرقام لكي توضح لنا كل شيء. هذا ترتيب ينجز سنويا بين قنوات العالم من طرف «الأوروداتا» وهو ترتيب معترف بها عالميا. ما الذي يقوله بالنسبة لسنة 2012؟ يقول لنا إن دوزيم تحقق 25 في المائة وهي مرتبة من بين 5800 قناة في العالم في المرتبة التاسعة والعشرين. أكرر المرتبة التاسعة والعشرين. خذوا مثالا آخر يتعلق بقناة خاصة في فرنسا، قناة قوية جدا ولديها إمكانيات هائلة جدا هي «تي إف 1». هذه القناة الفرنسية حققت نسبة تصل إلى 23 في المائة. لنأخذ الإعلام المغربي العمومي في شموليته. القطب العمومي المغربي يحقق نسبة 40 في المائة ونحن نحتل من بين 100 دولة المرتبة السادسة عشر. مصر تصل بالكاد إلى 19 في المائة، في فرنسا النسبة هي 31 في المائة، في السعودية هي 1.2 في المائة في بريطانيا هي 43 في المائة، ولدينا 800 قناة تنافسنا في ظروف شرسة جدا ورغم ذلك يتمكن القطب العمومي المغربي بصفة عامة، ودوزيم بصفة خاصة من تحقيق هذه النسبة والترتيب المشرفين جدا، بنموذج اقتصادي غير موجود في أي مكان آخر غيرنا. نحن قناة عمومية تمول نفسها بنسبة 95 في المائة من عائداتها الإشهارية، واليوم يطلب منا أن نقوم بهذا المنعرج الكبير في خطنا التحريري دون دراسة الوقع الذي سيكون للمسألة على نسبة مشاهدتنا وعلى عائداتنا الإشهارية وبالتأكيد على جمهورنا. أنا لا أطلب إلا أن يتم إقناعي بوجاهة هذا التصرف، والحال هو أنه لا شيء قد يقنع بهذا الأمر لا على المستوى التحريري ولا على المستوى الاقتصادي الذي نريد اليوم منحه للمغاربة. بخصوص مديرية الأخبار التي تشرفين عليها أنت شخصيا تم تفسير قرار تغيير توقيت نشرة التاسعة إلا ربع بالفرنسية بكونه رد فعل على نزول كبير في نسبة مشاهدتها، هل الأمر صحيح حقا؟ الأرقام. مرة أخرى الأرقام. لنبق في الأرقام لكي نكون علميين أكثر. اليوم النشرات الإخبارية للقناتين معا صممت ووضعت لكي تكون في إطار التكاملية بين القناتين. أتحدث هنا عن فترة المساء، الثامنة والنصف نشرة كبرى باللغة العربية على القناة الأولى، الثامنة وخمس وأربعون دقيقة نشرة كبرى باللغة الفرنسية على القناة الثانية، وهو موعد تاريخي يجب أن أذكركم بذلك لأن الأمر يتعلق بنشرة تبلغ من العمر عشرين سنة. القناتان معا في نفس الوقت تحققان تكاملا يوصلنا إلى مابين خمسة وستة ملايين مشاهد كل يوم. عندما نتحدث عن هاته الحصة فقط ننسى أن لدينا نشرة كبرى في الواحدة إلا ربع زوالا، وهي نشرة تاريخية هي الأخرى تحقق نسبة مشاهدة كبرى للغاية كل يوم، وهذه النشرة استطعنا أن نحولها إلى نشرة تعتمد مفهوم القرب من الناس بالنظر إلى الزوايا التي تتناولها و70 في المائة من المواضيع التي نقدمها في هذه النشرة هي مواضيع تأتينا من الجهات ومن مكاتبنا الجهوية. لنعد الآن إلى حصة المساء ونشرة الثامنة إلا ربع. عندما نأخذ النموذج الفرنسي الذي يتم تناوله باستمرار: لدينا في الثامنة مساء نشرة إخبارية كبرى على «تي إف 1» ونشرة إخبارية كبرى على «فرانس 2». قناة خاصة وقناة عمومية تتنافسان في نفس التوقيت. نحن لسنا في تنافس مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. نحن نعمل بشكل تكاملي، وغدا – إذا كنا مضطرين لفعل هذا الأمر – سنجد أنفسنا أمام نشرتين إخباريتين باللغة العربية في نفس التوقيت وبنفس التوجيه في المحتوى، مايعني أننا سنأخذ بعض المشاهدين من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وحين سنقوم بحساب النسبة سنجد أن هناك هبوطا فيها. ماذا سنقول حينها؟ الأمر لم ينجح؟ هل فِرق الأولى والثانية منعدمة الكفاءة؟ اليوم لدينا خمسة إلى ستة ملايين مشاهد يوميا، منهم 1.2 إلى 1.6 مليون مشاهد لدوزيم وحدها وهو رقم يزداد في الأحداث الكبرى، أين نرسل هؤلاء. اليوم يقال لنا إن المغاربة يشاهدون البرنامج الفلاني على قناة الجزيرة مثلا، يجب أن يعرف المغاربة أن الجزيرة في نفس التوقيت تحقق رقم 500 ألف مشاهد، وأننا من أجل بضعة آلاف من المشاهدين الإضافيين سنضحي بملايين موجودين أصلا في نفس التوقيت. الخطير هو أنه لم يطلب منا أن نضع برنامجا حواريا في ذلك التوقيت. لا طلب منا أن نضع نشرة إخبارية باللغة العربية في نفس التوقيت قبالة القناة الأولى. هل تعتقدون أنه من الممكن مقارنة ما لايقارن؟ اليوم نحن نشتغل في إطار التكامل. البعض يقول إن اللوبي الفرانكوفوني يخاف فقدان هذا الموعد الناطق باللغة الفرنسية؟ لا ليس هناك أي لوبي فرانكوفوني يعبر عن نفسه عندما نتحفظ على هذا القرار الذي تم اتخاذه بشكل تحكمي. تذكروا أن دفاتر التحملات تقول لنا «الثامنة وخمس وأربعون دقيقة». هي لاتقول نشرة إخبارية باللغة العربية في فترة البرايم تايم، لا هي تحدد التوقيت، لأنه لو قيل لنا البرايم تايم كنا سنجيب لدينا نشرة إخبارية في البرايم تايم الزوالي في الواحدة إلا ربع، ولدينا نشرة إخبارية تشاهد بشكل كثيف في حدود الحادية عشرة ليلا. لدينا نشرة بالأمازيغية تشاهد أيضا بشكل جيد في الثانية ظهرا. المغاربة ليسوا مغفلين ولا يجب أن يكون الجواب الذي يعطانا على هذا التحفظ هو أن هناك لوبيات فرانكوفونية وعلمانية تتناقش هذا الاختيار. مانناقشه اليوم هي إمكانية التوفر على نشرة إخبارية باللغة العربية في نفس التوقيت على القناتين الأولى والثانية. هنا أخاف أن نعرف هبوطا حادا في نسبة المشاهدة في هاته الفترة من البث، ولا يجب أن ننسى أن نشرة الفرنسية تبلغ من العمر أكثر من عشرين سنة من الوجود التلفزيوني. إنه موعد تاريخي في هاته القناة ويجب أن نطرح السؤال لمن يتوجه هذا الموعد بشكل يومي؟ أنا سأجيبكم. هاته النشرة تتوجه وتستجيب للتنوع الذي يعيشه بلدنا. نحن بلد عربي أمازيغي بروافد عبرية، نحن بلد لديه أربعة ملايين مغربي يعيشون في الخارج، نحن بلد لديه وسائل رائعة مثل قناة «دوزيم موند» التي لم ترد أي إشارة إليها في دفاتر التحملات لا من قريب ولا من بعيد، مايعني أنه بإمكاننا إقفالها نهائيا طالما لم يتم التنصيص عليها في هاته الدفاتر. هناك أربعة مليون مغربي في الخارج من بينهم مليونان في دول فرانكوفونية. مليونا مغربي معهم أجيال ثانية وثالثة من المهاجرين أنا منهم للتذكير. هل يعني إلغاء هاته النشرة أن هؤلاء غير معنيين بما يقع في بلدهم الأصلي؟ هل يعني أنهم ليسوا مهمين بالنسبة إلينا؟ هل هذا يعني أنه ليس مفيدا للمغرب أن يتواصل معهم عبر ماتقوم به دوزيم بهاته النشرة؟ المسألة الأخرى المهمة هي أننا لا نشاهد فقط من طرف الجالية المغربية في الخارج، ولكننا نشاهد أيضا من طرف الجالية المغاربية التي ترى في دوزيم وسيلة إخبار ونموذج انفتاح للارتباط الاجتماعي والهوياتي الإيجابي مع البلد الأصل. عندما تذهب اليوم إلى السنغال أو الكوت ديفوار أو مالي، وتجد أن دوزيم هي نموذج تتابعه هاته الدول لكي ترى ما يفعله المغرب عبر تلفزيونه، تقول إن هذا هو دورنا، وأقول هنا إن هاته النشرة ليست فقط رابطا اجتماعيا وهوياتيا ولكنها وسيلة تواصل رائعة في اتجاه هاته الشعوب، وهي وسيلة سياسة خارجية لبلادنا. لماذا يريدون أن يصنعوا من المسألة اللغوية حصارا عوض أن يجعلوها أداة انطلاق؟ هذا التعدد اللغوي في بلدنا هو امتياز إيجابي وليس نقطة سلبية، ونحن الآن بصدد العمل على تحويله إلى أمر سلبي. اليوم لدينا سبعة ملايين مغربي يتحدثون الإسبانية، ولدينا ملايين أكثر تتحدث الفرنسية، وآخرون يتحدثون الأمازيغية، بمختلف تفرعاتها اللسنية، ولدينا مغاربة يتحدثون الدارجة. عندما تقول لي دفاتر التحملات إنني ملزمة بأن أتحدث في التلفزيون لغة عربية سليمة ومبسطة أطرح السؤال «باش كيهضرو المغاربة؟ شنو هي العلاقة اللي بيني وبينك وبين اللي فالصحرا واللي فالريف واللي فوجدة واللي فأوربا؟ هي الدارجة». علينا الاحتياط كثيرا في هاته المسألة، لأن الهجومات التي كانت في الساعات الأخيرة والتي تتحدث عن لوبي فرانكوفوني علماني هاته الهجومات خطيرة جدا وهي سوف تجعل المغاربة يواجهون بعضهم بعضا، علما أننا لا نوحد الناس بجعلهم يواجهون بعضهم البعض. نحن نوحد الناس بالحوار وليس بالاتهامات. وعندما نقول اليوم لوبي علماني فرانكوفوني أو نصف الانتقادات الموجهة لدفاتر التحملات بأنها تصريحات لامسؤولة، فإننا نرد على النقاش بالاتهامات، والمغرب الذي يطمح إلى الديمقراطية، يحتاج إلى نقاش، ولكي يكون لدينا نقاش يجب أن يكون لدينا...مناقشون. سأضيف شيئا آخر تعليقا على ماقرأته في الساعات الأخيرة في بعض مواقع الأنترنيت, حيث تم وصف سليم الشيخ بكونه ناطقا باسم لوبي فرنكوفوني علماني. هل تعتقدون هنا أن هذه تصريحات مسؤولة؟ هل تعتبرون أنها طريقة ملائمة لإطلاق النقاش؟ هناك إحساس بالخوف أمام تصريحات تعكس الحقيقة تماما, خوف أظهر وجوده, ويتم الرد علينا لإخفاء هذا الخوف بأننا لوبي فرانكوفوني علماني. هل سيقولون لنا غدا إن هذا اللوبي الفرانكوفوني العلماني يتقاضى مقابلا من الخارج لكي يمارس هذا الدور المزعوم؟ ربما سيقولون لنا في وقت لاحق إننا نشتغل مع أعداء هذا الوطن. نحن نشتغل لمانعتبره مصلحة بلدنا ومصلحة شعبنا ومصلحة دولتنا. ولايجب هنا أن نختزل دفاتر التحملات هاته في قضية لغوية عابرة, فهناك اليوم حقائق مادية تفرض نفسها على الواقع.. أريد أن أنتقل إلى سؤال أعمق: ألم يكن الأمر منتظرا في النهاية؟ العدالة والتنمية في وزارة الاتصال، ما الذي كنتم تنتظرونه بالتحديد؟ الإجابات التي يمكن أن تكون إجاباتي بالنظر إلى الهجومات الكثيرة التي تعرضت لها شخصيا في السنوات الأخيرة هي إجابة بسيطة تقول : أنا لدي حريتي الفكرية. نعم أنا مديرة للأخبار بالقناة الثانية، لكنني أصلا وأولا صحافية في التلفزيون منذ 25 عاما. أنا أساسا مواطنة مغربية لدي الحق في أن تكون لدي مواقفي الشخصية وتصوراتي الشخصية لكل شيء، وحريتي في التفكير والتعبير، ولن أضحي بحريتي بأي ثمن كيفما كان نوعه. إلى جانب هذا أنا أحترم المؤسسات وأحترم اللعبة الديمقراطية. ناقوس الخطر الذي أدقه أنا أو سليم الشيخ الذي أصر مرة أخرى على تبني كل ماقاله، مبني على انشغال مهني، ذلك أن ما يشغل بالي هو مبدأ استقلالية وسائل الإعلام عن السلطة التنفيذية، وعن السياسة. استقلالية الإعلام هي الطريقة الوحيدة لكي نصل إلى نقاشات عمومية إعلامية فعلية هي أن لا يكون الإعلام مرتبطا بالحكومة. هناك مثال آخر إذا سمحتم. اليوم لو أردنا من باب تقني وبشري تغيير طريقة اشتغالنا يجب أن نقتني عتادا تقنيا جديداو يجب أن نوظف صحافيين جددا وكاميرامانات جددا، ويجب أن نبني استوديوهات جديدة أو أن نكتري لها مقرات، يجب فتح مكاتب جهوية جديدة، بمعنى أننا يجب أن نضاعف ثلاث مرات الإمكانيات الحالية التي نشتغل بها الآن. بمعنى آخر أن نعرض النموذج الاقتصادي الذي أسسته دوزيم للخطر بشكل كامل. هذا يعني أن تقلص الإشهار الذي تعتمد عليه دوزيم، يعني زيادة نسبة تدخل الحكومة في تمويلها، أي يعني تعرض استقلاليتها للمزيد من الهشاشة والارتباط الكامل بالحكومة. هذا تهديد إضافي لخطي التحريري، لأنني سأكون مرتبطة أكثر بالمال الذي ستعطيني إياه هذه الحكومة بغض النظر عن شكل هاته الحكومة التي تسير الشأن العام. اليوم الدستور الجديد يقول لنا استقلالية الإعلام العمومي من خلال الاستقلال التحريري والاستقلال المادي لأجل مرافقة هذا النموذج الديمقراطي الذي نطمح له. أعتبر من جهتي، ولا أعتقد أنني قاسية جدا أو أنني أبالغ، فأنا صحافية في التلفزيون منذ خمسة وعشرين سنة، أن هذاا المنعرج ب180 درجة على المستوى التحريري وعلى المستوى الاقتصادي غير قابل للتطبيق. هناك برمجة آلية لقتل قناة تعني الانفتاح وتعني الدينامية والتنوع. اليوم يراد قتل كل هذا ومسؤوليتي، مسؤوليتنا جميعا هن أن ننبه الرأي العام المغربي، والسياسيين والمجتمع المدني إلى هذا القتل المبرمج. نحن هنا لمرافقة الدولة وعكس تغيرات هذا المجتمع، لكن نحن هنا أيضا لكي نقول «لا، الأمر غير ممكن»، حين يتطلب الأمر ذلك. قتل مبرمج لقناة دوزيم؟ أليست العبارة كبيرة بعض الشيء؟ لقد أعطيتك كل الأرقام التي أمتلكها، والوعود التي أعطيت لنا بخصوص رفع مصادرنا التمويلية مازالت وعودا إلى حد الآن، وفي فاتح ماي المقبل عندما سأكون ملزمة بتطبيق الشق الأول من هذه الدفاتر يجب أن أقول من الآن إنني لا أمتلك لا الموارد المالية ولا الموارد البشرية لفعل هذا الأمر. هذا يعني أن علي أن أزيل أشياء لدي اليوم في الشبكة من أجل القدرة على الاستجابة للمتطلبات الجديدة، أي أنني ملزمة بالنقص من جودة المنتوج الذي أقدمه اليوم، وهو ماسينعكس على مستوى المشاهدة ونسبها، وسيجر معه انخفاضا في واردات الإشهار، وإلى أين سيقودنا كل هذا؟ إلى الموت طبعا. طيب عمليا ماهو الحل اليوم؟ أعتقد أنه يجب أن نبدأ من الصفر مسار كتابة دفاتر التحملات هاته، مع استشارة المهنيين، وتحديد الممكن من المستحيل، وتحديد اللازم فعله اليوم، وتحديد الإمكانيات التي نتوفر عليها لتطبيق مانريده بالتحديد. أعطيك مثالا آخر لا أريد أن أنساه: الترفيه الذي تم حذفه تماما وتم قصره على برامج الطفل لوحدها. نحن قناة عامة تخبر وتعلم، لكن ترفه أيضا. هل يعني هذا أي أثر للترفيه يجب أن يختفي من القناة ككل؟ أم أن من صنعوا هاته الدفاتر نسوا فقط هذا الجانب ولم يتذكروه نهائيا؟ إنها وقائع وانشغالات حقيقية، وهي التي تجعلنا نتحدث اليوم. وهي التي تفرض علينا أن ندق ناقوس الخطر قبل أن يفوت الأوان. هذا كل ما في الأمر. طيب لا يمكنني أن أنهي هذا الحوار دون سؤال عن الشريط الوثائقي الذي بثته دوزيم عن «يهود تنغير» والذي جلب عليكم اتهامات بالصهيونية وبالتطبيع. ما الذي وقع مجددا؟ هذا سؤال هام للغاية، لأن هناك قدرا كبيرا من اللاأخبار حول الشريط ومن التضليل الإعلامي حول هذا الوثائقي الجميل جدا جدا لكمال أشكار. كمال هو على شاكلة صورة هذا البلد، مغربي، غادر بلده في شهره السادس، هو من تنغير، أمازيغي، يحمل هوية متنوعة للغاية، ومن خلال بحثه الشخصي عن هويته، تمكن من صنع هذا الشريط الذي يعكس تنوع وتعدد هذا البلد. لدينا كنز بين أيدينا. لدينا تراث نادر جدا في العالم، وحيد في العالم العربي، وهذه وقائع تاريخية. كمال ذهب للبحث عن كل هذا، عن اليهود المغاربة هناك في عمق تنغير، وأيضا ذهب بحثا عن الآخرين الذين اختاروا في سنوات الستينيات الهجرة إلى إسرائيل ومغادرة المغرب، وخلال هاته الرحلة، نرى في الشريط ألم مغادرة المغرب، والأمل في العثور على شيء آخر، والخيبة مما وجدوه هناك وبالتحديد في إسرائيل. هذا تاريخ، ويجب أن يعرف أبناؤنا هذا الجزء من تاريخ بلدهم. أن يعرفوا أن المغاربة هم كل متعدد عاش تاريخا خاص من نوعه، صنع هذا التعدد الثري والغني لثقافتنا المغربية، وهو تعدد يريد البعض له أن يختفي أن يزول، أن يمحي تماما من الوجود لكأنه لم يكن في يوم من الأيام. لكن هذا تاريخ ولن يزول. المناورات التضليلية والسياسوية الضيقة التي رأيناها وسمعناها بعد بث الشريط الذي لاعلاقة له نهائيا لا بالصهيونية ولا بالتطبيع هي مناورات مهينة لكرامتنا جميعا لأنها تسب تاريخنا المشترك، وتسب مستقبل أبنائنا من خلال حرمانهم من التعرف على ماضي بلدهم الغني في هذا المجال، وهي تسب مانحن عليه وتسب فخرنا بالمغرب الغني الذي نعيش فيه. لايجب أن نكون فاقدين للذاكرة، بالعكس علينا رعاية هاته الخصوصية المغربية، ولا أعتبر أنها شجاعة من القناة الثانية أنها بثت هذا الشريط، لا ، أنا أعتبر أنه أمر عادي أن نبث شريطا مثل هذا عن تاريخ بلدنا. كما يدخل هذا في إطار الخدمة العمومية حيث تم إحداث خانة للوثائقي تبث أسبوعيا في وقت الذروة لتمكين المشاهد من نظرة متعددة ومتنوعة لغنى ثقافة هذا البلد. تعرفين في الوسط الإعلامي بطريقتك الصريحة في الحديث، هل من رسالة مباشرة إلى مصطفى الخلفي على سبيل ختم هذا الحوار؟ .....(تصمت طويلا) في أي لحظة من اللحظات وفي كل ماقرأته وماسمعته من كل ماقاله وكتبه أو أعطاه من حوارات بخصوص هذا النقاش، لم يكلف نفسه عناء قول كلمة شكرا أو «برافو» للناس الذين يصنعون الإعلام العمومي المغربي. أن يشكر احترافيتهم، أن ينوه بطريقة اشتغالهم رغم كل الظروف الصعبة التي يمارسون فيها مهامهم. يوميا يقوم هؤلاء بوسائل بسيطة للغاية مقارنة مع الوسائل المتاحة للآخرين بمرافقة التغيرات التي يعرفها بلدنا، وفي أي لحظة من اللحظات لم يبد حسنا للسيد الخلفي أن يقول لهؤلاء «أنتم لا تتوفر لكم وسائل الجزيرة التي لديها مئات الملايين من الدولارات، ولا البي بي سي التي تسهر ملكة بريطانيا على ميثاقها لضمان استقلاليتها، ولا وسائل العربية ولا السي بي إس، ولكنكم تستطيعون يوميا عكس مايقع في المجتمع المغربي». برافو لهؤلاء المهنيين الذين يتمكنون من ممارسة مهامهم رغم كل شيء. في أي لحظة من اللحظات لم يتذكرهم. في أي لحظة من اللحظات. آخر سؤال في الحوار: هل ترين نفسك مستمرة في منصبك مع هاته الحكومة؟ أن أبقى مديرة للأخبار؟ مادامت لدي ثقة مسيري دوزيم، سأكون هنا في خدمة هذه القناة وهذه الحرفة التي أحبها. أنا أمارس هذه المهنة منذ خمسة وعشرين سنة، واتخذت يوما قرار العودة إلى بلدي، أنا لا أعيش مغربيتي وسط الآلام، أنا أعيشها بكل الفرح الممكن وبكل الفخر الممكن أن أحمل هذا البلد في دواخلي وفي قلبي. لم يفرض علي أي شيء في هاته الحياة، بل اتخذت قرار المغرب بكل اختيارية في يوم من الأيام ولست نادمة، لأنه اختيار تحركه مبادئي وشخصيتي، وهو اختيار أكثر من ثلاثين مليون مغربي يفخرون بانتمائهم إلى هذا البلد. أنا فخورة بأن أشتغل في دوزيم، وفخورة بأن أكون مغربية، وفخورة أن أعيش في ظل الملكية المغربية كما تقدم نفسها اليوم، وعندما أرى الصعوبات التي يمر منها العالم العربي، ومستوى المشاكل التي تكبر يوما بعد الآخر في دول الشمال أقول لنفسي إن المعركة تستحق أن تخاض، طالما أعطاني الله الصحة والقدرة على ذلك وطالما احتفظت بالثقة التي وضعتني في هذا المنصب. لنتذكر أن لكل شيء بداية ولكل شيء نهاية. مهامي هنا تستطيع أن تنتهي غدا، لكن فخري بما حققته وفخري ببلدي لن ينتهيا أبدا. حاورها المختار الغزيوي