إذا لم تحقق دفاتر تحملات القطب العمومي أي هدف الآن فيكفي أنها أخرجت الشاب سليم الشيخ من الكهف، وجعلته يفتح فمه في الإذاعات والصحف بطريقة لم يفعلها حتى في عز الأزمات التي مرت منها القناة الثانية منذ أن قدم إليها من عالم الإشهار بدون مقدمات قبل أربع سنوات... سليم الشيخ، مدير القناة الثانية، قلب الطاولة في وجه وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، وأعلن تمرده على دفاتر التحملات الجديدة ورفضه لها، لأسباب عدة،,,, مهنية وتجارية وسياسية وإيديولوجية... وفي الأخير، قال إن 2M ملك للمغاربة، وهي في خطر لأن وزيرا جاء يهدد الفرنسية على شاشتها، ويلغي إعلانات القمار فيها، وهذا ما يمس نموذجها الاقتصادي. والأخطر أن القناة الضاحكة ستصبح عابسة تعيسة، لأن الحكومة رسمت جدولة برامج «أصولية» لهذه القناة المتفتحة، التي تضم 750 عاملا من أفضل الموارد البشرية الموجودة في العالم العربي! السيد سليم الشيخ، سنسلم، بدون نقاش، بكل انتقاداتك لدفاتر الخلفي، لكن، ولتكون ثوريا، صاحب لحية تشبه لحية غيفارا، قدم استقالتك من إدارة قناة ترى أنها مهددة في وجودها، وحرر ورقة خروجك من قناة عين السبع، وابعثها إلى رئيسك، فيصل العرايشي، لأنك مهني -لا أعرف عن أي مهنة نتحدث عنها، هل هي مهنة الصحافي أم التاجر المتخصص في الإعلانات-، يختلف مع الوزير الوصي على القطاع جملة وتفصيلا... شيء من الجدية لن يقتل أحدا يا سيد سليم. أنت لم تفتح فمك عندما نشبت حروب كثيرة في القناة بين العاملين والسيدة القوية في 2M، التي آثرت أن ترجع إلى الوراء وتتركك في الواجهة «تحترق تدريجيا»، وأنت لم تفتح فمك عندما خرج شباب 20 فبراير في 24 مدينة وإقليما يرفعون الشعارات واللافتات ضد 2M والقطب الإعلامي المتجمد الذي تتحكم فيه قوى غير مرئية. للذين ينتحبون الآن ويندبون على الوجه الحداثي والمتحرر للقناة الثانية ولقنوات السيد العرايشي، الذي التزم بالصمت إلى الآن مادام كرسيه بخير، لهؤلاء نقول: هل كانت للمغرب تلفزة مهنية ناجحة قريبة من الجمهور وفي خدمة دافعي الضرائب وفي مستوى الأحداث، والآن جاء الخلفي من كهوف الظلام ليطفئ النور الذي كان يشع من قطب غارق في الدعاية الفجة والممارسات غير المهنية والاختلالات المالية، المعروضة الآن على وزارة العدل للتحقيق فيها؟ الذين حولوا دفاتر تحملات القطب العمومي إلى حائط مبكى، لم ينتبهوا إلى أن الحكومة لم تتدخل إلا بعد فشل قادة الإعلام العمومي في إنتاج عرض سمعي-بصري محترم، يلقى رضا الرأي العام، وإذا كنا، من حيث المبدأ، ضد تدخل سلطة تنفيذية في عمل السلطة الرابعة، التي من المفروض أن تبقى مستقلة في يد المهنيين، فإننا، في الوقت نفسه، لا يمكن أن نقبل أن تسيّر مراكز قوى الإعلام العمومي بدون حسيب ولا رقيب. هل نسي هؤلاء الذين يلطمون خدودهم على 2M أن جنرالا قويا كان يسير هذه القناة كل مساء، وأن سياسيين ورجال سلطة ومال ونفوذ كانوا، ومازالوا، يتحكمون في ما يعرض على المغاربة في الليل والنهار يضعون لوائح سوداء للممنوعين من الظهور على شاشات الإعلام الرسمي ويوظفون نشرات الأخبار للحرب على الأحزاب غير المرغوب فيها والصحافيين الملعونين من قبل أصحاب الأمر والنهي والحقوقيين الذين يخرجون عن اللحن الرسمي المعتمد؟ إذا خيرتُ بين إعلام تسيره حكومة منتخبة سأحاسبها كل خمس سنوات، وبين إعلام تسيره الأيادي الخفية دون أن أتمكن من محاسبتها، فأفضل الإعلام الأول على الثاني، وإن كان الخياران أحلاهما مر. النقاش الحقيقي الذي يهرب منه الكثيرون هو مهنية واستقلالية وسائل الإعلام عن السلطة والمال والأحزاب واللوبيات الفرنكوفونية وغير الفرنكوفونية