أكثر من أي وقت مضى، تبدو حاجة المغرب للتعامل الإعلامي المسؤول مع الخبر، وانتشاره، وتعريف المواطنين بالفوارق الشاسعة الموجودة بين الأخبار الحقيقية، وبين الأخبار الزائفة، أو اللاأخبار حاجة ماسة وحساسة وحيوية. فيديو صغير هنا، أو مقطع صوتي عبر تطبيق يستعمل بشكل شخصي من خلال الهواتف النقالة، أو تدوينة عابرة لمدون أو متصفح في موقع للتواصل الاجتماعي قد تنسف جهودا كبيرة - يجب الاعتراف بذلك - يبذلها الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في دقائق قليلة. اليوم المعركة الإعلامية تلزمها توابل الوقت. الصراحة تفرض علينا الاعتراف أن الحرب تدور في مواقع التواصل الاجتماعي، وهاته المواقع تنبذ الخبر الرسمي المكتوب أو الملقى بطريقة تقليدية، أو الذي يبث بطريقة جافة جامدة. الناس في مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث لغة يوميها، لغة شارعها، لغة المنزل الذي تسكن فيه وتحيا فيه وتعيش فيه. لذلك وعندما نخاطبها من التلفزيون أوالإذاعة أو المواقع أو الجرائد باللغة العربية الفصحى، ونحن نرتدي ربطات عنقنا والبذلات تحس هاته الناس أنها غير معنية بكلامنا. هاته الخاصية البسيطة والبدائية في علم التواصل تبدو كما لو أنها غير قادرة على أن تدخل أذهان مسؤولي إعلامنا إلا فيما ندر. وحقيقة يجب التنويه ببعض الوصلات الإخبارية التي تسللت إليها لغة المغاربة اليومية، الدارجة أو المغربية، عبر دوزيم والأولى وميدي آن لكن الأمر فعلا غير كاف. ولكي نتأكد أنه غير كاف علينا أن نرى انعكاس هاته الوصلات على الشعب في الشارع، ولا نعني الشارع الذي نذهب إليه لكي نصوره ونحن نعرف وهو يعرف أننا سنصوره، بل نقصد الشارع المختفي، الأمكنة التي لاتريد أعيننا أن تصلها نقصد أزقتنا الشعبية الضيقة، تلك التي يخرج إليها الناس مجددا فور خروج طواقم الأمن والسلطات الراغبة في التأكد من احترام الجميع لحالة الطوارئ الصحية. نقصد الأماكن البعيدة عن الكاميرات التي يعتبر الدخول إليها مغامرة يومية بالنسبة لعدد كبير من المغاربة. نقصد أماكننا كلها التي يجب أن يصلها خطابنا كله لئلا نظل في واد وتظل أغلبية أو أقلية - الله أعلم - من شعبنا في واد آخر، نسدي لها النصائح يوميا، وهي تعتبر أننا نسدي لها هاته النصائح لأننا لا نعرف حقيقة الذي تعيشه فعلا، لذلك لا تستمع إلينا ولا تكترث... هذا الوباء، أو هاته الجائحة مرحلة مليئة بالدروس، ويجب فعلا أن نكون أذكياء بما فيه الكفاية لكي نخرج منها أفضل مما دخلنا إليها: متفهمين لعديد الأشياء التي لعبنا لسنوات وربما لعقود دور من لا يراها ولايريد حتى أن يحكي له أحد عنها أي شيء.