قد تكون حركة النهضة في تونس خسرت عددا من المقاعد والمئات من الأصوات، وقد لا يكون نصرا كبيرا أنها احتلت الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، لكنها ما تزال مع ذلك تقبض، ولو بهشاشة، على ذلك الوزن السياسي الذي هو نتاج براغماتية مبدعة. ستتحكم النهضة في منصب رئيس الجمهورية من بوابة أصوات قواعدها الانتخابية، وستكون لاعبا حاسما في تشكيل الحكومة ومراقبتها، وفي البرلمان ماتزال تحتل الصدارة. لكن الصعود البارز لأسهم حزب قلب تونس، والذي يتابع رئيسه بتهم غسيل الأموال والتهرب الضريبي هو مؤشر قوي على بداية أفول النظام الحزبي القديم، ومع ذلك سيكون الأمر مجازفة. قبل سنوات ظهر نداء تونس كمنافس قوي للنهضة، لكنه الآن يحتل ذيل الترتيب. لا شيء يبدو مستقرا في المشهد الحزبي التونسي حتى الآن لكي يكون صالحا لاستخراج خلاصة نهائية، على الأقل بشأن النهاية الانتخابية للإسلاميين، لكن من الواضح أن الاختيارات السياسية للتونسيين لم تعد مؤطرة بصراع القطبية بين المحافظين والحداثيين، بين التقدميين والرجعيين. بل يبدو وكأن الناخب التونسي قد عاقب كل التشكيلات التي قادت هذه المواجهة، وخسائر النهضة في الأصوات والمقاعد ما هي إلا وجه من العملة بينما وجهها الثاني التقهقر المريع لأحزاب اليسار. ومن الواضح، أيضا، وفضلا عن هذه الاختيارات الحزبية أن نسبة المشاركة، التي لم تتجاوز 42 في المائة في حين تجاوزت عتبة 60 في المائة سنة 2014، تبين أن التونسيين لم يعودوا مزهوين بالبذخ الديمقراطي والوفرة المبالغ فيها في اللعبة السياسية، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وأداء الحكومات فيما يخص تحسين مؤشرات العيش صارت هي المعيار الحاسم في التصويت. وشيء ما مما يجري هنا، قد يحدث بيننا أيضا. هل من الممكن أن نشهد في المغرب سقوطا مدويا لحزب الأصالة والمعاصرة على شاكلة ما وقع لحزب نداء تونس؟ الأمر وارد، ويزيد من احتمالية وقوعه ما يعيشه الحزب من تطاحنات داخلية لا تؤهله ليكون لاعبا جيدا في سباق 2021. وهل من الممكن أن تتراجع أصوات العدالة والتنمية ومقاعده كما حصل للنهضة الذي تقهقر من 89 مقعدا سنة 2011 ،إلى 69 مقعدا سنة 2014، ثم 40 مقعدا في اقتراع أول أمس الأحد؟ الأمر وارد أيضا بالنظر لسلسة الهزات التي عصفت بالعذرية السياسية لإسلاميي البرلمان في المغرب. هل يكون التجمع الوطني للأحرار هو المستفيد من تصدعات المشهد الحزبي، كما حدث لحزب قلب تونس الذي فاجأ الجميع في الاقتراع الرئاسي والتشريعي؟ وهل يطوي التجمع مسافة الأصوات الفاصلة بينه وبين البيجيدي لتصير قريبة من الفارق الضئيل بين قلب تونس والنهضة حتى إن لم يفز بالانتخابات؟ الأمر وارد أيضا وهذا هو هدف الدينامية التنظمية التي يعيش على وقعها رفاق عزيز أخنوش. وهل تنزل نسبة المشاركة في انتخاباتنا التشريعية، مثلما حدث في تونس، إلى ما دون عتبة الأصوات المعبر عنها سنة 2016 الأمر وارد جدا أيضا، وما عشناه في السنوات القليلة الماضية من تعبيرات اجتماعية وتنامي حالة فقدان الثقة في المؤسسات والسياسة يؤشر على ذلك بقوة. من الممكن أن تختلف تجربتنا وسياقنا الوطني عن تجربة تونس وسياقها الخاص، لكن ما نلمسه من متغيرات يكاد يكون قانونا مشتركا: البذخ الديمقراطي وحده لا يكفي، الإفراط في السياسة يقتل السياسة، الانتقال الديمقراطي الذي لا ينتج معيشا يوميا يبقى انتقالا غير مكتمل وموضوع احتجاجات الجماهير، خطابات الدين في السياسة لم تعد تجني نفعا، والمقارعات الأيديولوجية الحادة لم تعد تجد في السوق السياسي من يحتفل ببضاعتها. في تونس كما في المغرب، سيحكم الناخبون على الأحزاب وعلى صناديق الاقتراع، ليس بما يسمعونه من خطابات ووعود، ولكن بما يتحسسونه في معاملهم ومستشفياتهم ومدارسهم، وحسابهم البنكي أيضا.