في لقائه الصحفي مع المجموعة الإعلامية ل" الأحداث المغربية" و" ميدراديو" صرح الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الياس العماري بأنه كان بإمكان البام أن يحصل على المرتبة الأولى في انتخابات نونبر 2011، وكان بإمكانه أن يتجاوز عدد المقاعد التي حصل عليها إخوان بنكيران ويحتل الرتبة الأولى بما يفوق 107 من المقاعد، لكنه استجاب للطلب الذي قدم له، واختار أن يحتل الرتبة الرابعة بدل أن يتصدر الترتيب، ولم يقدم الحزب من المرشحين ما يسمح له بتجاوز عتبة الخمسين مقعدا في مجلس النواب.." ما مدلول هذا التصريح، وما هي مراميه، وكيف يمكن أن يفهم في سياق الإعداد للانتخابات التشريعية القادمة؟. لقد كتب الزميل يونس دافقير مقالا بجريدة الأحداث المغربية (عدد5840) يسائل فيه بجرأة مفهوم الحزب السري ويقول" في هذه التفصيلات تلميح صريح إلى أن احتلال حزب العدالة والتنمية للرتبة الأولى، كان مرتبا له من طرف الجهات التي لم يسميها، والتي ربما اختار أن يسميها لا حقا ب " الحزب السري، وربما قد يكون هذا هو الحزب الذي يريد الياس العماري أن يقلب عليه الطاولة في انتخابات سابع أكتوبر المقبل ويتنافس على احتلال الرتبة الأولى، وكي تكتمل لدينا ملامح الصورة، يكفي أن نستحضر أن هناك الآن وجهتي نظر في تدبير ثاني انتخابات تشريعية تجري بعد خفوت عشرين فبراير..الأولى ترى أنه حان الأوان لإغلاق قوس" الربيع العربي" في نسخته المغربية وتكرار السيناريو التونسي، حيث أسقط حزب " نداء تونس" حزب النهضة الإسلامي" من الحكم، بينما تدافع وجهة النظر الثانية عن استمرار روح المعادلة الانتخابية التي تشكلت في نونبر 2011 وترك الإسلاميين يواصلون العمل الحكومي بدل إزاحتهم منه..". وإذا كان الزميل يونس دافقير قد استعرض المقاربتين اللتين قد تتحكمان في الإخراج النهائي لانتخابات 07 أكتوبر، إما بهندسة محبوكة تعيد إخوان بنكيران إلى الحكم – تماما كما حصل في انتخابات نونبر2011، أو بانتخابات مفتوحة قد تمكن حزب الأصالة والمعاصرة أو أي حزب آخر من تحقيق الصدارة عبر شرعية صناديق الاقتراع ، وإسقاط إخوان بنكيران، فان السؤال المطروح..لماذا لم يعترف حزب العدالة والتنمية رسميا بسلامة ( أو نزاهة) العملية الانتخابية التي أو صلته للسلطة؟،ثم إذا كان يحلو لحزب العدالة والتنمية أن يشتكي مما يسميه ب" الحزب السري" ، ها هو الياس العمري بدوره يتهم " الحزب السري" بالتحكم في نتائج تشريعيات نونبر 2011، وبالتالي..هل يمكن اعتبار نتائج الانتخابات التشريعية لنونبر 2011 ، بالصورة والأرقام المعلنة نتائج مفبركة على المقاس ؟،وهل هذا يعني أن مهندسي الانتخابات تدخلوا ، لصناعة الفوز الانتخابي للحزب الإسلامي بالطريقة المعروفة؟ولماذا طلب من البام أن لا يلعب كل أوراقه الانتخابية؟وهل يفيد هذا، والحالة هاته، إمكانية توضيب سيناريو مماثل لسيناريو 2011 بمناسبة الاستحقاقات القادمة .؟. و في سياق متصل ، تسعى بعض الجهات اليوم، ومن ضمنها حزب العدالة والتنمية، مسنودا بقنواته الإعلامية والدعوية، إلى صناعة رأي عام انتخابي مفاده أن معركة 07 أكتوبر الانتخابية ستكون معركة بين المسلمين أنصار العدالة والتنمية، وغير المسلمين( أو ما يسمونه بالحداثيين)، معركة بين " "المصلحين"، و" دعاة الحرية" من جهة ،و دوائر " التحكم" ، "والمفسدين" من جهة أخرى. وعليه، يتم إفراغ العملية السياسية والانتخابية من أبعادها الحقيقية (باعتبارها ثاني انتخابات بعد دستور 2011)، وتحويلها إلى معركة " للنوايا الحسنة" " وللإرادات الصالحة" عوض أن تكون محطة للحساب، وتقديم حصيلة البرامج، والوعود،التي أعلنها حزب العدالة والتنمية في سياق الدستور الجديد. ونظرا لأن المبشرين بفوز العدالة والتنمية بولاية ثانية،أو من الحالمين بذلك، سواء من الأصوات الأمريكية ( تماما كما حصل عشية انتخابات 2012 أو كما يحصل اليوم بعد خرجة هيلاري كلينتون) أو من بعض أصوات الداخل يعملون على تهريب النقاش السياسي الحقيقي إلى مدارات تسعى إلى خلق الوهم لدى الكتلة الناخبة ولدى الرأي العام، إما بالترويج مجددا لأطروحة " الاستقرار السياسي" والتي يدعي الحزب الحاكم أنه هو ضامنها، وقد تردد هذا الأمر مرارا على مسامعنا ،وبالتالي سيكون من المنطقي- حسب مروجي هذا الطرح- أن تعمل الهندسة الانتخابية القادمة على استحضار الأبعاد الدولية، والجهوية، والإقليمية، في سياق دولي وقاري غير مستقر، بما يعني، ضمان ولاية ثانية للحزب الحاكم استنادا على هذه المعطيات، وإما بالترويج "لأسطوانة مواكبة الإصلاحات" ، بما يفيد أن الحزب الحاكم مازال لم يكمل " مشروعه الإصلاحي"، وهو المشروع الذي يستجيب لتمرير ما لم تستطع أية حكومة سابقة تمريره، وما لم تكن تقدر أية حكومة اتخاذه من قرارات لا شعبية خدمة لأجندة البنك العالمي ولأصحاب القرار المالي، في الداخل والخارج.وإما بالترويج لنظرية القطبية الإيديولوجية على قاعدة الصراع بين " القطب الإسلامي" في مواجهة " القطب العلماني"،حيث تذهب بعض التصريحات السياسية ، والإعلامية إلى القول بأن انتخابات 07 أكتوبر ستكون انتخابات بين قطبين أساسيين، قطب إسلامي محافظ يمثله العدالة والتنمية، وقطب حداثي يمثله الأصالة والمعاصرة.ونظرا لما تحمله هذه الثنائية من تمويهات،و مخاطر تمس جوهر العملية السياسية ببلادنا لأنها تدفع في اتجاه تقسيم المجتمع، وخلق الوهم لديه، بأن المعركة الانتخابية هي معركة تخص " الهوية"، وهي بين المسلمين وغير المسلمين،ونظرا لأن هذه الثنائية تتعارض أصلا، مع طبيعة التشكيلات السياسية، والمجتمعية، والثقافية، والخيارات الدستورية المحسومة في بلادنا، وتحول المعركة من معركة تخص البرامج والخيارات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية إلى معركة " هوياتية" تخدم مصالح التشكيلات المحافظة وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية الذي يعمل جاهدا، وكلما استطاع إلى ذلك سبيلا، إلى استدراج خصومه إلى دائرة الصراع باسم الهوية والدين والخصوصية، وهي دائرة مربحة له، ويكسب بموجبها مساحات إضافية ،لأنها بكل بساطة، هي الرقعة التي ينتعش فيها رأسماله الدعوي والانتخابي،وبالتالى،إن تصوير انتخابات 07 اكتوبر بأنها انتخابات بين قطبين متناقضين، قطب يمثل المسلمين ، وقطب يمثل غير المسلمين. هي معادلة خطيرة بقدر ما تشوش على مسار العملية السياسية، والانتخابية ببلادنا، بقدر ما ترسم صراعا "مفتعلا" يعفي العدالة والتنمية من تقديم الحساب على تجربته الحكومية، ويدفعه مجددا إلى تنصيب نفسه محاميا على قيم المجتمع. إن القطبية السياسية، المبنية على اعتبارات إيديولوجية، ولأسباب تاريخية وسوسيولوجية، لا يمكن أن تكون إفرازا لصناديق الاقتراع ما دام أن الديناميات الثقافية،و الاجتماعية والسياسية لا تسمح بتحويل العملية الانتخابية إلى معركة هوياتية بأبعاد " ايديولوجية"، ولا لآلية تقسم المجتمع المغربي إلى صنفين صنف المصلحين، وصنف الفاسدين أو دعاة الخير من جهة، ودعاة الشر من جهة أخرى.وعليه، ينبغي أن يرجع النقاش العمومي إلى مجراه الحقيقي وهو المتعلق أساسا بتقييم الحصيلة الدستورية والتشريعية للحكومة الراهنة،وكذا تقييم حصيلتها الاقتصادية، والاجتماعية،والثقافية، والبيئية، والأداء الديبلوماسي للسياسة الخارجية. إن انتخابات 07 أكتوبر، بوصفها تندرج في سياق المسار الديمقراطي بالمغرب منذ ما سمي بالمسلسل الديمقراطي، مرورا بتجربة التناوب التوافقي، وصولا إلى المرحلة الراهنة ينبغي أن يكون عنوانها البارز تمتين أسس العملية الديمقراطية من أجل ترسيخ قواعد الشرعية الانتخابية باحترام قواعد، وأعراف الخيار الديمقراطي المحسوم دستوريا،وتأهيل المشهد السياسي بما يضمن للتعددية الحزبية مساحات موضوعية تسمح في المستقبل بخلق التقاطبات السياسية على قاعدة الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وليس على قاعدة الثنائيات الأخلاقية، والهوياتية، وهي الثنائيات التي تنعش حركات الإسلام السياسي من بوابة الاقتراع العام.