أحيانا يكون للصدف دلالاتها، ففي يوم عيد الحب كانت لحظة جد حضارية تلك التي صافح فيها عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية إلياس العماري أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة. أن يتبادل السياسيون القبل في لقاءات عمومية أو خاصة أمر عادي، لكن في حالة إلياس وعبد الإله الأمر استثنائي بامتياز، ويدخل في خانة الحدث السياسي. وحتى وإن كان الرجلان لا يبادلان بعضهما البعض كثيرا من الود أو حتى القليل منه، إلا أن مصافحة عيد الحب قد تكون فأل خير لتهدئة أجواء التوثر بين الحزبين. وقد كان عاديا أن تغطي تلك اللقطة التي تصافح فيها الرجلان على ما عداها من الوقائع في احتفال موقع «فبراير كوم» بذكرى تأسيسه، خصوصا وأن المغاربة عموما حين يكونون في حالة خصام يتجنبون اللقاء المباشر ببعضهم البعض، فما بالكم بحالتي إلياس وعبد الإله التي تتجاوز الخصام إلى ما يشبه الحرب التي لم تشأ أن تضع أوزارها بعد، خصوصا بعدما صرح إلياس العماري بمجرد انتخابه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة أن حزبه جاء ليواجه الإسلامييين لحماية المسلمين. والظاهر أن الأمر يتعلق بتقليد عريق في سلوك النخبة السياسية المغربية، فحسب ما خلص إليه الباحث الأمريكي جون واتربوري» في مؤلفه حول «أمير المؤمنين: الملكية والنخبة السياسية بالمغرب»، فإن أفراد النخبة المغربية وحتى وهم يتقاتلون فيما بينهم يحافظون على شعرة معاوية ممتدة بينهم، وحتى حين ينتصر أحدهم على الآخر، فإنه لا يوجه إليه الضربة القاضية، لأن توازنات النظام تقتضي أن تبقى كل الأطراف محافظة على تواجدها إلى حين تستدعي الضرورة أن يكون لها دور ما في تدببير حالة سياسية طارئة. لنعد إلى ما يهمنا الآن من هذه المصافحة التي تزامنت مع ضربات عنيفة وجهها صلاح الدين مزوار رئيس التجمع الوطني للأحرار إلى رئيسه في الحكومة وحليفه في الأغلبية لبرلمانية، «البام» والعدالة والتنمية حزبان كبيران بمقياس عدد الأصوات وبميزان الحضور السياسي في ساحة الحدث الوطني، والعلاقة بينهما في صعودها نحو التوثر أو نزولها نحو التهدئة تعتبر بمثابة بارومتر لقياس حرارة السياسة الحزبية وحتى رصد توجهاتها، إنها يمكن مثلا أن تؤشر على توجه نحو استيراد النموذج العربي الذي ألقى بالإسلاميين خارج الحكومات، مثلما يمكن أن تبرهن عن توجه مغربي نحو المحافظة على ذلك الإستثناء الذي يجعل الرباط لا تغلق قوس الربيع العربي الذي حمل الإسلاميين من حافة جحيم حل الحزب إلى جنة اكتساح البرلمان وقيادة لحكومة. وقد أبانت الإنتخابات الجماعية والجهوية عن أن الحزبان يعيشان حالة «توازن الرعب» بمنطق اللغة التي كانت سائدة زمن الحزب الباردة ، لا إلياس العماري نجح في أن يحد من الاندفاعة الإنتخابية لابن كيران، ولا هذا الأخير استطاع أن يلقي بالأصالة والمعاصرة إلي خارج المشهد الإنتخابي، فقد احتل رفاق ابن كيران الرتبة الأولى في الجهات، وجاء رفاق إلياس في صدارة انتخابات الجماعات. وكل المراقبين ومن دون استثناء يؤكدون أن المواجهة في الإنتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر المقبل لا يمكن إلا أن تكون بين الرجلين والحزبين. ومن طباع السياسة المواجهة والسجال وحتى إثارة فضائح الخصوم، وأظن أن الحزبين قد استنفذا في السنوات الخمس الماضية مخزونهما من السباب والتهم المتبادلة، ولم يعد في جعبة ابن كيران من جديد يقذف به إلياس العماري، أما زعيم «الباميين» فقد استهلك بدوره ما بحوزته من بوليميك يثير استفزاز غريمه اللذوذ، يبقِى إذن أن يبحث الرجلان عن قاموس سياسي جديد، لا يلغي بالضرورة التناقض الحاد بينهما، لكنه يكون في قلب النقاش حول السياسات العمومية، وليس حول الحياة الخاصة للأشخاص. مشكلة العدالة والتنمية مع الأصالة والمعاصرة أنه لا يريد أن ينسى ما يسميه «أعطاب الولادة» التي أخرجت «البام» إلي الساحة السياسية سنة 2008، أما رفاق إلياس العماري، فلازالوا بدورهم أسيري تلك القراءة المتجاوزة التي تجعل العدالة والتنمية حزبا أصوليا يتهدد الإسلام المغربي. والحال أن الإنتخابات التشريعية لسنة 2011 واقتراع الرابع من شتنبر قد أعطيا «الجرار» وزنه الطبيعي في حقل السياسة المغربية وفي انتخابات لم يطعن فيها أحد قضائيا، أما العدالة والتنمية فقد صار ملكيا أكثر من الملك، وبعث أكثر من إشارة جديدة عن أنه يشتغل في إطار إمارة المؤمنين ويحاول إقامة حدود الفصل بين الدعوة والسياسة وإن كان ذلك بتردد واحتشام. وأظن أن هذا المسار التراكمي يسمح للحزبين بأن يتجاوزا حالة الاحتقان الحاد في علاقتهما، ويكفا عن أن يكونا عنصري توثير في المشهد الحزبي، فما يهم المغربي في نهاية المطاف ليس هل مول إلياس العماري حملته الإنتخابية من أموال الغبرة أو ما إن كان ابن كيران عميلا للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الأهم بالنسبة للذين ندعوهم للمشاركة في الإنتخابات هو ما يقدمه هذا الحزب أو ذاك لحل القضايا التي ترتبط بالمعيش اليومي للمواطنين، وما يسهم به في بناء الديمقراطية المغربية الناشئة. لن نذهب في الخيال والتوقع بعيدا ونطلب من ابن كيران وإلياس العماري أن يحولا مصافحة عيد الحب إلى زواج حكومي بعد تشريعيات سابع أكتوبر، وإن كانت السياسة لا تعترف بالمستحيلات مثلما أن لا شيء يحدث في المغرب كما يمكن أن نتوقعه، لكن وعلى الأقل، يمكن أن نطلب من الرجلين تمثل القول المغربي البليغ «العداوة ثابتة والصواب يكون»، ولما لا يرتقيان إلى مرحلة أرقى يكون فيها عدو الأمس حليف اليوم من أجل مغرب الغذ. يونس دافقير