أين هو إرديس لشكر؟ إنه هنا وهناك، في كل مكان وفي اللامكان، يخلق الحدث ثم يخنقه بيديه، لكنه يصر على أن يختفي ويتركنا نتتتبع أخباره عبر ما يصدره لنا من بلاغات أو نداءات وما يصلنا عنه من مذكرات. وفي الواقع منذ أن افترق الثلاثي إدريس وحميد وإلياس على وقع «خيانات» وخيبات الإنتخابات الجماعية والجهوية، وكبير الإتحاديين يعيش عزلة تحالفات جعلته يتوارى إلى الخلف، منذ مدة لم نعد نسمع دوي قذائفه صوب عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة، والظاهر أن معركته يريد أن يديرها مع جهات يتهمها بأنها تحرك المشهد السياسي المغربي من وراء ستار أو حجاب لافرق، إنه مؤمن حد العقيدة بأن هناك من يريد تحويل القاعدة الإنتخابية للاتحاد الاشتراكي صوب الأصالة والمعاصرة أو «البام»، أجل قالها الرجل حين استفاق على وقع صناديق الاقتراع في الرابع من شتنبر وقد تركته عاريا مطرودا من المدن التي كانت قلاعا اتحادية قبل أن تصبح بؤرا إسلامية يشد عليها إخوان ابن كيران بالأغلبيات المطلقة. مشكلة إدريس لشكر أنه يؤمن بنظرية المؤامرة التي يبدو أنها استحكمت كامل عقله السياسي، يمكنه بلغة الأرقام والإحصائيات ، والمقارنات بين فترة قيادته وبين سابقيه من عبد الرحمان اليوسفي إلى عبد الواحد الر اضي أن يقنعك بأنه الأفضل، حتى أنه يستطيع أن يخبرك بأنه لم يطرد من الإتحاديين عدد الذين طردهم عبد الرحيم بوعبيد، إنه ملاك في بيت تملؤه الشياطين، رفاق يتكالبون عليه لنسقف تنظيمه الحزبي، وجهات خفية تسرق أصواته لتصنع خارطة انتخابية جديدة. وأعترف للرجل بقدرته الفائقة على إغراقنا بالمبادرات التي تولد ميتة، في المؤثمر التنظيمي للنساء الإتحاديات دعا إلى نقاش حول المساواة في الإث بين الرجل والمرأة لكن نيران الأصوليين أرجعته إلى الخلف، وقبل أسبايع قليلة أصدر نداءا يبحث فيه عن بديل يساري جديد لكنه لم يقدم على أي مبادرة في اتجاه لقاء هذا الحزب أو ذاك أو تنظيم ندوة عمومية لطرح الفكرة للنقاش، وفي آخر تخريجاته مذكرة حول الإطار التشريعي للإنتخابات المقبلة، لكنها حتى الآن ضربة إعلامية لم تنتج أثرا سياسيا، وهي تريد أن تقول لنا إن الإتحاد الاشتراكي يمكن أن يفوز بالسباق الإنتخابي، لكن القوانين مجحفة وتحد من ليقاته البدنية. ومع ذلك أين هو إدريس لشكر في المشهد السياسي الوطني، في واجهة الصورة لايظهر غير عبد الإله ابن كيران وإلياس العماري وحميد شباط، وحتى نبيلة منيب صاحبة الحزب الذي يقول عنه رفاق لشكر إنه يساري صغير صارت أكثر حضورا منه في فضاءات النقاش العمومي، هل إدريس محبط؟ ربما. هل إدريس ناقم على السياسة والسياسيين؟ لست أدري، لكن إدريس غائب، والإتحاد الاشتراكي يحتضر. تتسائل وتأتيك الهمهمات والهمسات، إنه متفرغ لإعداد المفاجأة، هو الان منكب عل» تعبئة الهياكل التنظيمية للحزب، وهو لايثق في نظارتيه لذلك فهو يستعين ب «لالوب» للتنقيب عن المرشحين الأفضل حظا لانتزاع المقاعد في التشريعيات المقبلة لأن زمن «المقاعد لا تهمنا» مات مع عبد الرحيم بوعبيد، ومن ذات الهمسات تأتيك التوضيحات، إدريس يتمسك بمواقفه المبدئية: لاتحالف مع العدالة والتننية رغم الخصومة مع الأصالة والمعاصرة، إنه حزب حداثي ديمقراطي ولابد لابن كيران وإخوانه أن يطمئنوه ويجيبوه عن هواجسه ومخاوفه. شئنا ذلك أم أبيناه هو الرمز الأبرز لليسار مادام على الزقل كاتبا أول لحزب كان إسمه حزب القوات الشعبية، وبمنطق المقاعد وعدد الأصوات الإنتخابية هو الأجدر من نبيل بنعبد الله ونبيلة منيب بقيادة شعب اليسار، لكن منافسا جديدا يظهر على الساحة، وهاهو إلياس العماري يقول إن «البام» يتموقع في وسط اليسار ويبحث لنفسه عن قاعدة وسط أولئك اليساريين الذين تيتموا ويبحثون عمن يجمع شتاتهم. لن يغفر التاريخ لإدريس لشكر أن يسير بالإتحاد الاشتراكي نحو الهاوية، عليه أن يختار منذ الآن وقبل فوات الأوان بين أن يستعيد المبادرة أو ترتكن إلى الهامش، وهو يعلم أن التموقع الجيد في المشهد السياسي يحتاج لخلق الحدث، ولتجميع الحلفاء، لكن إدريس حتى الآن لا يخلق لنا حدثا ولا يجمع لنا شتات الرفاق، إنه ينشر فقط الضجيج هنا وهناك، بينما يتكتل الإسلاميون ويستجمع المحافظون قواهم، أما اليسار و، وشعب اليسار، فقدره أن يكون مثل إدريس: موجود في كل مكان ولا يوجد في أي مكان. يونس دافقير