أنهى، أمس الأحد، المبعوث الأممي الخاص في الصحراء، هورست كوهلر، زيارته إلى الأقاليم الجنوبية، التي تدخل في إطار جولة في المنطقة هي الثانية من نوعها بالنسبة له بعد تعيينه من طرف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. زيارة كوهلر، التي شملت أيضا مخيمات تيندوف والجزائر وموريتانياو تأتي بأجندة مرتبطة بالقرار الأممي 2414 الصادر في 27 أبريل الماضي. هذا القرار الذي ركز على ثلاث نقاط أساسية تتمثل في المنظومة الدفاعية الشرقية، أو ما يسمى بالمنطقة العازلة، وبحث سبل حل سياسي دائم وعادل، ثم انخراط دول الجوار في مسلسل تسوية سياسية و«إبداء التزام أكبر من أجل التوصل إلى حل سياسي». وإذا كان كوهلر مرتبطا بتقديم تقرير عبارة عن إجابات حدد له سقف زمني في أكتوبر القادم بخصوص الأسئلة الثلاث، فإن ما يهم هذه الورقة هو الوقوف عند بعض دلالات زيارته الأخيرة للأقاليم الجنوبية، وما يفرض من ضرورة وضع مقارنة مع واقع تنموي وحقوقي في الأقاليم الجنوبية، وفي مخيمات تيندوف. أولى المقارنات ترتبط بالمدة الزمنية لكل زيارة للمنطقتين. فكوهلر استغرق في زيارته لتيندوف مدة وجيزة مقارنة مع زيارته للأقاليم الجنوبية. قد يقول قائل إن المقارنة بالمدة الزمنية هنا لا تستقيم لكون الحيز الجغرافي في النقطتين لا يقبل بهذه المقارنة. إلا أن المضمون يقول العكس. لماذا؟ بكل بساطة لأن كوهلر في تيندوف لم يتمكن سوى من اللقاء مع قيادة البوليساريو، ومن حددتهم له بعيونها هي وليس بعيون الواقع. والدليل على ذلك أن كوهلر لم يتمكن من الالتقاء بأي معارض لقيادة الجبهة، على الرغم من وجود تنظيمين على الأقل أشهرا حراكهما منذ مدة، هما شباب التغيير والمبادرة الصحراوية من أجل التغيير، دون الحديث عن خط الشهيد الذي يشتغل منذ مدة. الخطير في العملية أن كوهلر تم التزوير عليه لما رأى محتجين على مقتل الشاب إبراهيم السالك أبريكة، الذي تم قتله تحت التعذيب في سجن الذهيبية، وتم تقديم هذا الاحتجاج لكوهلر على أنه يهم صحراويين داعمين للبوليساريو ومطالبين بالاستقلال. هذا ما حدث بتيندوف. أما في الأقاليم الجنوبية، فقد التقى كوهلر مع كل الحساسيات الموجودة من داعمين للبوليساريو، ومعطلين ووحدويين وشيوخ القبائل ومجتمع مدني ومجتمع سياسي ومجتمع حقوقي ومنتخبين وغيرهم. وهنا لابد من تسجيل نقطة ضوء يمكن اعتبارها تطورا في سبيل التعرف على الواقع الحقيقي للأقاليم الجنوبية وللقضية برمتها، هي حلول كوهلر بمقرات اللجان الجهوية لحقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية. فإذا كانت التقارير السابقة للأمم المتحدة قد تحدثت عن اللجان الجهوية لحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية ودورها في حماية حقوق الإنسان من الانتهاك، ووصفت التقارير، هذه اللجان بالاستقلالية والمصداقية، فإن الجديد هو حلول المبعوث الأممي بمقرات هذه اللجان والوقوف عن قرب على ما تقوم به. وقد لاحظ المتتبعون أن المدة الزمنية التي كان المبعوث الأممي قد خصصها للقائه مثلا بلجنة العيون، قد تمت مضاعفتها، وذلك بالنظر للعرض المهم والشروحات التي وجدها كوهلر في هذه اللجنة. نقطة أخرى أساسية تستدعي المقارنة، وذلك في ارتباط بالتنمية الاقتصادية والبشرية في المنطقة. فقد وقف كوهلر على المنجزات التي تحققت في الأقاليم الجنوبية في كل المجالات، ولاشك أنه أخذ فكرة وقارن الأمر بما رآه من بؤس في مخيمات تيندوف، التي تسميها البوليساريو ومن وراءها، ظلما، بمخيمات اللاجئين، في وقت ليست هي سوى منطقة عسكرية تتحكم في مصيرها الدولة الجزائرية. فهل ستكون زيارة كوهلر، هذه، فاتحة خير على الصحراويين، خصوصا الذين يعيشون في مخيمات العار؟ وهل تفطن الأممالمتحدة إلى حجم الكذبة التي عمرت لعدة عقود، وبالتالي تحرير منطقة برمتها من قضية مفتعلة عرقلت مسيرة تنميتها؟ نتمنى ذلك.