لم ينتظر عبد المومن اليملاحي، طويلا، بعد محاولته الأولى في الانتحار من أعلى دافعة للريزو بتطوان، خلال شهر يوليوز المنصرم، حيث تم إقناعه بالعدول عن الارتماء من أعلاها، وأنه سيتم حل مشاكله، وعلى رأسها تمكينه من رخصة «كورتي»، لتنظيم سيارات الأجرة بشارع عبد الخالق الطريس، سواء بالقرب من محطة «إيسو» أو عند مدخل حي السكنى والتعمير. لا وعود نفذت سوى وعده هو بالانتحار في حال لم تحل مشاكله، فقد اختار عبد المومن ذي ال 40 ربيعا أن يضع حدا لحياته، مساء يوم الأحد المنصرم، في صمت من خلال شنق نفسه بغرفة نومه، بالمنزل الصغير، الذي يكتريه وعجز عن آداء مستحقات كرائه، وأصبح مهددا بالإفراغ في الأيام القليلة المقبلة. ترك خلفه زوجة وابنين أحدهما في الثامن من العمر، والثاني لم يتجاوز الست سنوات، بعد أن عجز عن توفير أبسط شروط الحياة الكريمة لهم، وفق ما كان قد صرح به خلال زيارته لمكتب الجريدة بتطوان، في منتصف شتنبر المنصرم، حيث شرح أسباب وتفاصيل ما حدث له وما دفعه للصعود للدافعة والتهديد بالانتحار، خلال الوجود الملكي بالمنطقة. الرجل الذي كان يشتغل بين الفينة والأخرى، بشكل غير رسمي كمنظم لسيارات الأجرة «كورتي»، بالقرب من محطة إيسو، كان يسعى ليل نهار للحصول على رخصة رسمية للقيام بهذا العمل، خاصة وأن «تحكم» إحدى النقابات وفق قوله، كان وراء عدم تمكينه من رخصة، استفاد منها ابن أحد المسؤولين بها، وطرد هو للبحث عن موقف سيارات آخر. اختار عبد المومن موقف مدخل حي السكنى والتعمير، وهو موقف غير مرخص، ليجد نفسه تحت رحمة المطاردات اليومية، حيث أصبح عاجزا عن توفير مدخول يسد رمقه ورمق أبنائه، بعد أن أصيب بمرض مزمن يتجلى في هشاشة العظام، وبعد أن فقد عملين سابقا في شركتين إسبانيتين لبيع الخطوط الهاتفية «أطينطو» و«طانجيس». انغلقت الأبواب في وجه الرجل، ونفذ صبره على ما يبدو، ولم يف بأي وعود قدمت له، رغم اتصالاته الهاتفية، ورغم محاولاته الحصول على رخصة لعمل بسيط جدا. كل ذلك سيبقى معلقا كما كان هو معلقا في الرافعة ذات اليوم، وبعد «مهرجان» الرافعة، الذي حوله لشخصية مشهورة، اختار الموت في صمت، وفي مساء ممطر وبارد جدا، داخل منزل كان يعلم أنه سيغادره كرها بعد أسبوع أو أقل.