اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    الكعبي ضمن قائمة أفضل الهدافين    لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    توقيف سائقي سيارتي أجرة بمدينة طنجة بسبب القيادة بشكل متهور قرب المطار    *بعيدا عن المنطق الاقتصادي: الأسرة تآلف بين القلوب لا تخاصم بين الجيوب    وزارة النقل تؤجل تطبيق معيار "يورو6" على بعض أصناف السيارات    وليد كبير: الرئيس الموريتاني يستبق مناورات النظام الجزائري ويجري تغييرات في قيادات الجيش والمخابرات    أمريكا: روسيا وراء إسقاط طائرة أذربيجانية    بوطوالة: الأزمة السورية تكشف عن سيناريوهات مأساوية ودور إسرائيل في الفوضى    الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن هجمات جديدة ضد إسرائيل واستهداف مطار تل أبيب    خطة استبقاية قبل ليلة رأس السنة تُمكن من توقيف 55 مرشحاً للهجرة السرية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب من السبت إلى الإثنين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    الحكومة ترفع الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء المضيق    استعدادا لرحيل أمانديس.. مجلس مجموعة الجماعات الترابية طنجة-تطوان-الحسيمة للتوزيع يعقد دورة استثنائية    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    الجولة 16 من الدوري الاحترافي الأول .. الرجاء يرحل إلى بركان بحثا عن مسكن لآلامه والجيش الملكي ينتظر الهدية    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته ضد الرجاء    منظة تكشف عدد وفيات المهاجرين بين طنجة وإسبانيا خلال 2024    الرئيس الألماني يعلن حل البرلمان ويحدد موعدا لإجراء انتخابات مبكرة    رفض دفوع الناصري وبعيوي يثير غضب المحامين والهيئة تستمع للمتهمين    صديقة خديجة الصديقي تعلن العثور على والد هشام    هل يُجدد لقاء لمجرد بهاني شاكر التعاون بينهما؟    بلغ 4082 طنا.. جمعية تشيد بزيادة إنتاج القنب الهندي المقنن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الحكمة المغربية بشرى كربوبي تحتل الرتبة الخامسة عالميا والأولى إفريقيا    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    حضور وازن في المهرجان الدولي للسينما و التراث بميدلت    فنانات مغربيات تتفاعلن مع جديد مدونة الأسرة    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    نواب كوريا الجنوبية يعزلون رئيس البلاد المؤقت    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرى: هكذا احتفى أمير المؤمنين في المغرب بالمولد النبوي على امتداد التاريخ
نشر في الأحداث المغربية يوم 11 - 12 - 2016

دأب أمير المؤمنين سيدي محمد بن الحسن العلوي (محمد السادس) على الاحتفال بذكرى ليلة المولد النبوي الشريف. حيث يسير على نهج أسلافه من أمراء المؤمنين العلويين ومن سبقهم من الموحدين والمرينيين والسعديين الذين سبقونا بإحسان. فيما يلي شذرات عن احتفال من تكفل بمسؤولية إمارة المؤمنين في هذا البلد الآمن الأمين برحمة الله التي وسعت كل شيء. سبحانه على نبيه صليت وباسم جلاله ابتدأت.
أول أمير مؤمنين يحتفل بالذكرى المجيدة:
أشار الأمير محمد العزفي إلى أمير المؤمنين عمر المرتضى الموحدي بأهمية الاحتفال بذكرى المولد النبوي. فكان السلطان المذكور "يقوم بليلة المولد خير قيام ويفيض فيه الخير والإنعام". بل أنشد في شهر ربيع الأول ووقوع المولد النبوي فيه مقطوعة شعرية من بينها:
وافى ربيع قد تعطر نفحه اذكى من المسك العتيق نسيما
بولادة المختار أحمد قد بدا يزهو به فخرا وحاز عظيما
(البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب- قسم الموحدين، ص445، وص446؛ وورقات عن حضارة المرينيين، ص520).
أميرا مؤمنين مرينيان يحتفلان بالذكرى:
أقام أمير المؤمنين يعقوب بن عبد الحق المريني ليلة المولد النبوي بفاس، واستمع إلى القصائد والخطب بهذه المناسبة الجليلة. واحتفل ابنه أمير المؤمنين يوسف بهذه الذكرى العطرة لما كان ببلاد الريف عام 691 ه/ 1292 م. حيث أمر "بعمل المولد وتعظيمه والاحتفال له في جميع بلاده". فناب عنه في الاحتفال بالذكرى "بحضرة فاس الفقيه الخطيب أبو يحيى ابن أيوب (أبي الصبر)". وبذلك أصبح "يوم الثاني عشر من ربيع الأول عيدا مولديا عاما بالمغرب" (الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، ص505؛ ووصف إفريقيا، ج1، ص260- 261؛ وورقات عن حضارة المرينيين، ص521- 522).
إضافات مرينية:
أضاف أمير المؤمنين أبو سعيد المريني إلى ليلة المولد الشريف الاحتفال باليوم السابع من المولد. حيث ظل يشرف على ذلك ولي عهده أبو الحسن المريني. واستمر الأمر إلى عهد أمير المؤمنين أبي عنان المريني. حيث "تبنت الدولة القيام بنفقات الاحتفالات بليلة المولد في سائر جهات المملكة" خلال عهد السلطان الأخير الذي كان يصنع، بمدينة مراكش، "دينارا ذهبيا كبيرا من وزن مائة دينار، ليقدمه إلى إحدى الشخصيات الزائرة ضمن صلة عيد المولد النبوي". وكان يزين قاعة الاحتفال بساعة ميكانيكية اخترعت في عهده (أزهار الرياض في أخبار عياض، ج1، ص39؛ والمسند الصحيح الحسن في مآثر مولانا أبي الحسن، ص154؛ وورقات عن حضارة المرينيين، ص522، وص523- 524).
احتفال مريني بهيج:
عثرنا على نص جميل يصف الاحتفال البهيج بذكرى المولد النبوي الشريف خلال عهد أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن عثمان المريني. حيث كانت "العادة أن يستعد لها بأنواع المطاعم والحلاوات وأنواع الطيب والبخور، وإظهار الزينة والتأنق في إبداء المجالس. فإذا صلينا المغرب، ركع" السلطان المذكور "ركعات، ثم قصد مجلسه الحافل، فيستدعي حينئذ الناس على ترتيبهم، ويأمر بأخذهم المجالس على طبقاتهم على أحسن وأجمل شارة، فإذ ا فرغ الترتيب وأخذ الناس مجالسهم، دعي بالطعام فاشتغل به على ترتيب ونظام، وهو مباشر للأقربين منه، وربما يجلس الجالس بين يديه على أطراف ثيابه والمطرح الذي بين يديه، فإذا قضي شأن الطعام أحضر من الفواكه الحاضرة في الوقت ما يوجد في إبانه، ثم يؤتى باليابس بعدها، ثم يؤتى بالكعك والحلاوات، ثم يؤتى بملاح السكر، وربما اختلفت العوائد في التوالي مرة وفي الفترة الأخرى، وذلك على أعجب ما يتحدث به كثرة وحسنا. وتارة يقع الإطعام بعد العشاء الآخرة، فإذا استوت المجالس وانقضى اللغط، ولا تكاد تسمع صوتا إلا همسا، قام قارئ العشر فقرأ، ثم تقدم زعيم المسمعين بصفه فيقضي بعض نوبته، ويشرع في قصائد المدح والتهاني فتقرأ على نظام محفوظ وترتيب محوط على قدر المنازل والرتب والمناصب، فتطير القلوب فرحا، وتسرد المعجزات، وتكثر الصلوات على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي من أعاجيب ما يرى في بلاد المغرب وبركاتها على هذا القبيل ظاهرة، والخيرات لا تزال بسبب الاعتناء بها عليهم متضافرة متكاثرة. وجميع ما يفضل من بخور وشماع على كثرتها، ووفور عدتها يقتسمه الفقراء المسافرون على قدر استحقاقهم، ويجمع لهم من ذلك العدد الكثير. وإذا قضيت صلاة الصبح، جلس الناس للطعام، فيؤتى بأنواع الطعام المختص بذلك. ثم في ليلة السابع مثل ذلك سواء، فإذا كان صبح يوم السابع، جلس الكتاب للعطاء للشرفاء والكبار من الفقهاء والأئمة والخطباء والقضاة الواردين، فيعطى كل على قدره كسوة تخصه، وإحسانا لبعضهم" (المسند الصحيح الحسن، ص153- 154؛ وورقات عن حضارة
المرينيين، ص522- 523).
احتفال المنصور الذهبي:
كان أمير المؤمنين أحمد المنصور الذهبي إذا هل شهر ربيع الأول "صرف الرقاع إلى الفقراء أرباب الذكر على رسم الصوفية من المؤذنين" المكلفين "في الأسحار بالآذان. فيأتون من كل جهة ويحشرون من سائر حواضر المغرب. ثم يأمر الشماعين بتطريز الشموع وإتقان صنعتها. فيتبارى في ذلك مهرة الشماعين". حيث "يصوغون أنواعا من الشموع التي تحير الناظر". حتى إذا كانت "ليلة المولد النبوي تهيأ لحملها وزفاف كواعبها الحمالون المحترفون بحمل خدور العرائس عند الزفاف. فيتزينون ويكونون في أجمل شارة وأحسن منظر. ويجتمع الناس من أطراف المدينة كلها لرؤيتها. فيمكثون حيثما يسكن حر الظهيرة وتجنح الشمس للغروب، فيخرجون بها على رؤوسهم كالعذارى يرفلن في حلل الحسن، وهي عدد كثير كالنخيل. فيتسابق الناس لرؤيتها وتمتد لها الأعناق وتتبرج ذوات الخدور وتتبعها الأطبال والأبواق من أصحاب المعازف والملاهي، حتى تستوي على منصات معدات لها بالإيوان الشريف". فإذا طلع الفجر خرج السلطان المذكور، "فصلى بالناس وقعد على أريكته، وعليه حلة البياض شعار الدولة، وأمامه تلك الشموع المختلفة الألوان". وتم استحضار "أنواع الحسك والمباخر"، بشكل "يدهش الناظر ويبهر الجالس". ثم تدخل "أفواج الناس على طبقاتهم. فإذا استقر بهم الجلوس، تقدم الواعظ فسرد جملة من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وذكر مولده وإرضاعه" على سبيل الاختصار. "فإذا فرغ اندفع القوم في الأشعار المولديات. فإذا فرغوا تقدم أهل الذكر". فيتخلل ذلك نوبة المنشدين. "فإذا فرغوا من ذلك كله قام الشعراء" يلقون قصائدهم في مدح الرسول عليه السلام، والتي تنتهي بمدح السلطان. "فإذا طوي بساط القصائد نشر خوان الأطعمة والموائد، فيبدأ بالأعيان على مراتبهم، ثم يؤذن" لباقي الناس "فيدخلون جملة" (نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، ص228 وما بعدها؛ ومناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا، ص235 وما بعدها).
احتفال الجلالة السلطانية العلوية بالمولد النبوي:
كان أمراء المؤمنين العلويين يقيمون "حفلات شائقة ومهرجانات فائقة في ليلة عيد المولد النبوي وستة أيام ابتداء من يوم العيد" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص172).
استدعاء لحضور ليلة المولد الشريف:
حين تحل ليلة المولد النبوي الزهراء يقوم "الصدر الأعظم عن الأمر السلطاني" بإمضاء بطائق استدعاءات "لكل فرد من أعيان الشرفاء والقضاة والموظفين والوجهاء لحضور صلاة العشاءين بمسجد القصر الملكي " رفقة أمير المؤمنين (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص172).
قدوم المدعوين وممثلي الأقاليم إلى القصر الملكي:
فلما تحين صلاة العشاءين تؤم "الوفود الوافدة من سائر الأصقاع والنواحي القصر" الملكي "طبق الأوامر العالية الصادرة". فلما تؤدى صلاة "العشاء يخرج خليفة قائد المشور وأعوانه" لاستقبال "المدعوين والضيوف الوافدين وإدخالهم وإجلاسهم بالمحل المعين لهم"، بإشراف قائد المشور المكلف بذلك (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص172، وص173).
حضور أمير المؤمنين:
يهل من تكفل بمسؤولية إمارة المؤمنين في هذا البلد الآمن الأمين. فيجلس في "صدر المجلس يسار المحراب" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1،
ص172).
كيفية تنظيم المجلس العامر بالله:
لكل من الحاضرين "مقام معلوم لا يمكنه الافتيات في تعديه". فعن يمين أمير المؤمنين "يصطف القضاة وحملة الشريعة"، وعن يسار الجلالة السلطانية يجلس "أبناؤه وإخوانه والأفذاذ من بني عمه". وأمام الحضرة الأميرية يجلس المنشدون أو المسمعون. وخلف من ذكر يكون "باقي الأعيان من الأشراف والكتاب والوزراء". وفي صحن المسجد "يجلس القواد والعمال وأعيان الجيش" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص172).
تأثيث المجلس:
يضع المكلف بتأثيث المجلس "ثريا موقدة بالشمع المصفى من العسل". وتكون "بين يدي جلالته منجانة". ويتكلف الحاجب السلطاني عادة "بوضع الطيب في المجامير". فمع شروع الأمداح تعبق "مجامير العنبر والعود الهندي المفضضة" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص172، وص173).
شروع الأمداح:
يأخذ أمير المؤمنين "بيده سفرا به ما يتلى أمام حضرته من الأمداح ليشارك المادحين في تلاوة أمداح جده عليه الصلاة والسلام، ويشرع في تلاوة الأمداح بالنغمات الموسيقية المتخللة بالألحان" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص172).
مواد القراءة خلال ذكرى المولد الشريف:
كان من عوائد الجلالة السلطانية أن تنشد خلال الليلة السعيدة "البردة والهمزية، ويتخلل ما بينهما بالألحان والتوشيحات" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص173).
انتهاء الفترة الأولى من الاحتفال الديني:
كان من العادة المتبعة "إذا وصل المنشدون لقول البوصيري في همزيته: (الامان- الامان) قام قائد المشور بفسح الممر الذي يمر منه" أمير المؤمنين "ويكرر المادحون البيت المذكور ثلاثا ورابعا، ثم يقوم السلطان ويصطف الوزراء والأعيان، فإذا بارح السلطان المسجد أوقف المنشدون أناشيدهم" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص173).
تقديم العشاء للمدعوين والوافدين على القصر العامر بالله:
بعد خروج أمير المؤمنين من المجلس يأتي "أعوان قائد المشور يأخذون بيد كل فريق من الحاضرين ويذهبون به للمحل المعد لجلوسه بكل إكبار وإجلال، وبمجرد دخول السلطان إلى القصر تفاض عليهم أنواع الأطعمة الملكية وأطباق الحلويات وأواني" الشاي، "فياكلون ويشربون ويمرحون" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص173).
ابتداء الفترة الثانية من الحفل الديني:
ظلت العادة المقررة "إذا بقي لانشقاق الفجر نحو ساعة ونصف رجع كل لمحله وأخذ مركزه، ويشرع المنشدون في التلحين، ولا يتقدم لذلك إلا أصحاب الأصوات الرخيمة البارعون في صناعة التلحين والصناعات الموسيقية، فيخرج" أمير المؤمنين "والجلال يعلوه ويأخذ محله صدر المجلس، وبعد ختم الأمداح النبوية يتلى ما وقع اختيار السلطان عليه من القصائد الواردة على حضرته من شعراء دولته" في مديح جنابه الكريم. وغالبا ما يكون انتهاء قراءة قصائد المديح الأميري مع انشقاق الفجر (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص173- 174).
إذا الصبح تنفس…
إذا الليل عسعس وإذا الصبح تنفس "ضربت الانفاض، وتردد دوي المدافع في الفضاء، ولفظت بنادق الحرس الملكي من أفواهها طلقات تهتز الأرض لأصدائها استقبالا لطلعة عيد الأعياد، وإشعارا بالفرح والسرور بميلاد سيد السادة". وبعد أداء صلاة الصبح "وذكر الباقيات الصالحات يفتتح السلطان قراءة الحزب كعادته المقررة" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص174). حيث "يسترسل مع الحزابين في قراءة ما تيسر من القرءان وهو مستقبل القبلة" (العز والصولة في
معالم نظم الدولة، ج1، ص37).
استقبال ملكي أول:
يرجع أمير المؤمنين "للقصر ويتهيأ لاستقبال الجنود والوفود بالفسيح المعد لذلك بضواحي البلد، وبعده يبدأ المدعوون والوافدون في الخروج، فإذا خرجوا وجدوا بباب المسجد الحاجب السلطاني يوزع على كل من حضر صلة في غلاف مختوم". فيذهب "كل لحال سبيله يستعد للاستقبال" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص174).
خروج الموكب الملكي:
بعد بزوغ الشمس بنحو ساعة ونصف يخرج أمير المؤمنين "في موكبه فيجد الوزراء والكتاب والموظفين وأعيان الدولة مصطفين عن اليمين وعن الشمال كل في مركزه المقرر له، فتحييه الموسيقى الأندلسية بنغماتها الشجية وخلفه حاجبه ثم أعلام الجيش الشركَي"، بمعنى الجيش المتركب من قبيلة شراكة. إذ كانت فاس هي العاصمة العلوية. "وكلما مر بفرقة من فرق الجيش أدت تحيتها اللازمة، فيجيبها على لسان قائد أرواه"، بمعنى القائد المكلف بالخيول الملكية. فيستمر الموكب الشريف في التقدم "حتى يبلغ الفسيح المكتظ بوفود القبائل والأعيان الواردين لتقديم مراسم التهنئة العيدية، فيبادر قائد المشور بتقديم تلك الوفود للجلالة السلطانية وفدا بعد وفد، وقبيلا إثر قبيل، وكلما أدى قبيل تحيته تنحى وتقدم الموكب الشريف قليلا قليلا لاقتبال القبيل الآخر، وهكذا إلى أن يتم استقبال تلك الآلاف المؤلفة، وتضرب الأنفاض، وتنطلق أصوات المدافع في الفضاء مرات عديدة". ثم يعود الموكب إلى الديار السعيدة (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص174).
استقبال ملكي ثان:
حين يصل أمير المؤمنين باب القصر بعد استعراضه الوفود يجد "أصحاب الموسيقى فيحون جلالته بنغماتهم المرقصة المطربة"، ويجد "الوزراء والكتاب واقفين لتحيته والسلام عليه، إذ يسبقون جلالته إذا تم استعراض القبائل"، ويجد "داخل القصر على اليمين الشرفاء أبناء عمه مصطفين، فيتقدمون للسلام عليه، ثم يدخل قصره فإذا دخل تخرج أواني التمر والحليب للوزراء والكتاب والجيوش، ثم ينصرف كل لمحله، ويظل الفرسان يتسابقون ويطلقون طلقاتهم النارية، فإذا حان وقت العصر طلع الشرفاء والعلماء والأعيان للقصر للمثول بين يدي جلالته، وتهنئة جنابه العالي بعيد مولد جده" صلى الله عليه وسلم (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص174- 175).
وإلى جانب هذه العوائد السلطانية الرسمية خلال احتفال أمراء المؤمنين العلويين بذكرى المولد النبوي الشريف درجت السلطات العليا الشريفة على اتباع ثلاث عوائد موازية نتعرض إلى ذكرها الآن.
الاحتفال بوضع القصب وجريد النخل على البيوت:
دأبت "القصور السلطانية ومضافاتها على عادة" استمرت إلى عهد الحماية. "حيث تستعد قبل حلول طلعة المولد النبوي الشريف إلى أخذ زينة من القصب الأخضر وسعاف النخل فتوضع في البيوت على شكل مخصوص ويستمر ذلك طيلة أسبوع للعيد، ثم يستغنى عنها" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص175).
الاحتفال بتوزيع الملابس الفاخرة:
اختفت خلال سنوات قبل عام 1351 ه/ 1933 م عادة "توزيع الملابس الفاخرة ليلة العيد النبوي وصبيحته على سائر أعيان العائلة المولوية". حيث يقوم أمير المؤمنين بمنحهم "قفطان الملف وبرنوس منه أيضا، وكساء، وفرجية،
وقميص، وسروال، وعمامة، وقلنسوة". وكان ملابس منها "تنقصها العمامة والكساء". كل فرد من أعيان العائلة الملكية "على بزته القانونية، ومقدار مقامه وقرابته من السلطان".
مثل ما يوزع السلطان ملابس فاخرة أخرى "على الباشوات الموجودين بالبلد الذي أدى السلطان العيد به، وكذا سائر القواد، وعموم الجيش من غير تخصيص". إلا أن "بعض الفرق من الجيش كانت تعطى" لهم "بدل البرانيس الجلابيب كل على حسب ملابسه المرخص له في اتخاذها قانونا".
غير أنه "منذ أخذت شمس الدولة الحفيظية تميل إلى الغروب بدأ اختلال هذا
النظام يسري شيئا فشيئا إلى أن أصبح تاريخا في خبر كان" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص175- 176).
توزيع بعض المواد على القصور السلطانية:
إلى جانب العادتين السابقتين دأبت الأوامر المولوية على تأكيد "توزيع كمية وافرة من السمن والعسل والسميذ على سائر القصور السلطانية ومضافاتها يطبخ ذلك السميذ طبخا بالغا ويوضع عليه بعد نضجه السمن والعسل" فيتهيأ من ذلك أكلة العصيدة الشهيرة. ويبدو أن هذه العادة ظلت جارية إلى حدود سنوات الحماية. حيث "كان الجناب العالي يصدر أمره الشريف بالكتب لأمناء الصائر بتصيير ما يلزم لأطعمة هذه الليلة الغراء وأطعمة أيام عيد المولد السعيد" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص176).
وإذ فصلنا القول في نظام احتفال الجلالة السلطانية العلوية إجمالا بذكرى المولد النبوي الشريف. ننتقل الآن إلى الحديث عن احتفال بعض أمراء المؤمنين منهم بهذه الذكرى المجيدة.
احتفال محمد الثالث العلوي:
ورد على أمير المؤمنين سيدي محمد بن عبد الله العلوي، بمدينة الرباط، ليلة المولد عام 1200 ه "أهل فاس مع الحاج عبد الرحمن بن زكري" الذي يبدو ذا صلة عائلة بفرقة "المطرب في الملحون السيد عبد القادر بن المدني ابن زكري" (تاريخ الضعيف الرباطي، ج1، ص350؛ وزهر الآس في بيوتات أهل فاس، ج1، ص470). وقد ورد أهل فاس مع المنشد (المسمع) المذكور على أمير المؤمنين المتحدث عنه "ليقرأوا له الهمزية والبردة وغيرهما من القصائد وأخذ ابن زكري في تزيين الجامع بالمصابيح ثم وردت عليه طلبة تطاون لإقراء القصائد أيضا ففرق المال على أهل الرباط وأهل سلا نحو القنطارين أو أزيد وأمرهم يصنعون الطعام ويأتون به للجامع المذكور من الدجاج والمروزية والكعك والمقروط والحلوة الشباكية وغير ذلك وبعث الزرابي من داره وفرش الجامع ثم جلس أهل فاس أمام أهل تطاون وذلك ليلة العيد ثم خرج السلطان". فجلس بينهم وطلب منهم قراءة قصيدة كعب بن زهير في مدح النبي صلى الله عليه وسلم. "وبعد ذلك أمرهم السلطان بالذكر، فيذكر أهل فاس ساعة وأهل تطاون ساكتون ثم يذكر أهل تطاون وأهل فاس صامتون". حتى إذا كانت صبيحة يوم العيد "خرج السلطان خارج المدينة وأهل فاس وتطاون راكبين على بغالهم وهم يذكرون البردة بأحسن الطبوع ثم لعب السلطان أيده الله بالمزراق ثم فرق المال على الفقهاء والطلبة والمجاهدين" (تاريخ الضعيف الرباطي، ج1، ص350- 351).
احتفال الحسن الأول العلوي:
كان أمير المؤمنين المولى الحسن بن محمد العلوي (الحسن الأول) إذا وصل وقت العشاء من يوم 12 ربيع الأول خرج لأداء الصلاة. وبعد "الفراغ منها يصدر الإذن بدخول" المدعوين "للمسجد بواسطة قائد المشور ثم يجلس السلطان يمين المحراب ويجلس خاصة العائلة الكريمة عن يساره والقضاة والعلماء عن يمينه ثم يستدعي المنشدين فيجلسهم أمام الجلالة ثم يستدعي بقية الشرفاء من غير العائلة الملوكية فيجلسون وراء العائلة ثم يجلس الأعيان والكتاب ومن ذكر معهم وراء الجميع ويجلس الوزراء وراء الكل ويجلس الباشوات والعمال ورؤساء الجيش بصحن المسجد ثم يجيء الحاجب بمبخرة يضعها قريبا من السلطان بينه وبين المنشدين ثم يضع فيها قطعة من العنبر ولا يزال يجدد البخور ما دام الإنشاد ويتناول السلطان مجموعا مزخرفا مشتملا على البردة والهمزية وغيرهما من الأمداح النبوية فينشد المنشدون البردة والهمزية وغيرهما من الأمداح النبوية بأطيب نغمة وأحسن تخليل فإذا حان وقوفه على قول البوصيري الأمان الأمان نهض السلطان فتقدمه قائد المشور والفرايجية وقائدهم إلى الباب وأدوا له التحية الملوكية ودخل داره ثم خرج الناس من المسجد إلى المشور فجلس الشرفاء من العائلة الملوكية بمحل يناسبهم ثم جلست كل طائفة من المدعوين بمحل يناسبها ثم أخرج لهم الحلويات والأتاي والأطعمة ويخص الشرفاء الأقربون بطعام من طعام السلطان الخاص بعد تناوله منه تناولا لطيفا فإذا شربوا وطعموا وكان الليل طويلا خرج من كان محله قريبا فرقد به هنيئة ثم يرجع ومن كان محله بعيدا نام بموضعه فإذا بقي للفجر نحو الساعة ونصف رجع كل إلى محله من المسجد ثم يخرج السلطان فيجلس يسار المحراب ثم يأخذ مجموع المديح ويبتدئ المنشدون من حيث انتهوا إلى أن يختموا الهمزية والبردة ثم يقرءون بانت سعاد ثم يسردون ما تيسر من مختار القصائد المولدية التي قدمت للجلالة السلطانية من فحول شعرائه بمناسبة تلك الليلة فإذا طلع الفجر أطلق العسكر عدة طلقات بارودية ثم يصلي السلطان والحاضرون الفجر وبعد الفراغ من أداء فريضة الصبح يفتح السلطان الحزب ويقرأ مع الطلبة ما شاء الله أن يقرأ ثم يدخل داره الكريمة على الهيئة المتقدمة" (إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، ج2، ص521- 522).
احتفال المولى يوسف العلوي
كانت خلال عهد أمير المؤمنين المولى يوسف بن الحسن العلوي "تصدر الأوامر المطاعة بواسطة الصدر الأعظم للمدعوين للحضور إلى القصر السلطاني لصلاة المغرب. وبعد أداء" الصلاة "وقراءة الحزب يخرج السلطان ويُشْرَعُ في تلحين الأمداح طبق ما وصفنا". وبعد انتهاء الأمداح كان يُقتصر خلال أواخر الدولة اليوسفية على قصيدتين في مدح الحضرة السلطانية. "أولاهما لكاتب الصدارة الأول الأديب السيد العباس بن عبد الرحمن الشرفي. وثانيتهما لمؤدب أنجال الجلالة السلطانية الأديب السيد محمد معمري الزواوي" (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص173، الهامش رقم 3).
احتفال محمد الخامس العلوي:
أدرك الشيخَ ماء العينين بن العتيق الشنقيطي "عيدُ المولد الشريف بالرباط في دار حاجب السلطان، مولانا سيدي محمد بن مولانا يوسف، وهو الفقيه الصوفي السيد محمد الحسن بن القائد إدريس بنيعيش، أخو قائد المشور بتطوان السيد محمد المصطفى ومحمد فاضل". فلما صلوا "المغرب في دار الحاجب المذكور ليلة المولد الشريف" استدعاهم "إلى دار المخزن للاجتماع بالسلطان" فساروا معه واجتمعوا "بجلالة مولانا السلطان سيدي محمد في مسجده الخاص بدار المخزن، فاجتمع عنده تلك الليلة كثير من العلماء والأدباء والشعراء حتى غص المسجد بهم، والسلطان جالس بينهم كأحدهم لم يتميز بعلامة من أبهة الملك عنهم وباتوا مشتغلين في إنشاد المدائح النبوية، بالأنغام الحسنة والألحان المطربة، ومما ختموا منها قصيدتي البوصيري الميمية والهمزية الشهيرتين، وقصيدة كعب بن زهير، رضي الله عنه الشهيرة في مدحه صلى الله عليه وسلم، فلما كان قبل طلوع الفجر بقليل، ختموا المجلس بقصائد من إنشاء بعض تلك الأجلة، في مديح مولانا السلطان، وتهنئته بعيد الولد الشريف، وما تفرق النادي، حتى صلوا الصبح بمحضر من السلطان (الرحلة المعينية، ص218).
ويبدو أن إلقاء قصائد المديح الملكي كان يقتصر على ثلاث منها. أولاها: للكاتب "الأديب السيد العباس بن عبد الرحمن الشرفي". وثانيتها: "لمؤدب أنجال الجلالة السلطانية الأديب السيد محمد معمري الزواوي". وثالثتها: لمؤرخ أمير المؤمنين المولى محمد الخامس السيد المولى عبد الرحمن ابن زيدان (العز والصولة في معالم نظم الدولة، ج1، ص173، الهامش رقم 3).
وإذ تحدثنا بتفصيل عن احتفال أمراء المؤمنين المغاربة بذكرى المولد النبوي الشريف. نتساءل الآن عن كيفية استثمار هذه العادة الشريفة في زمننا المعاصر وكيفية جعلها في خدمة المواطن المغربي الحالي.
استثمار الاحتفال التراثي المغربي بذكرى المولد النبوي:
شكل الطقس الاحتفالي المغربي خلال ليلة المولد النبوي الشريف صلة وصل بين إمارة المؤمنين وبقية الشعب المغربي، ونسيجا ثقافيا وروحيا ذا ثلاثة أبعاد وطنية وإقليمية ودولية.
البعد الوطني للاحتفال:
إن تأكيد الصلة بين أمير المؤمنين وباقي أفراد الأمة المغربية خلال الطقس الاحتفالي المذكور وسيلة من وسائل الإجماع الوطني ضد التحديات الداخلية (عوائق التنمية المستدامة) والتحديات الخارجية (محاولات التفرقة ومناورات الانفصاليين).
البعد الإقليمي للاحتفال:
يبدو أن توسيع نقل طقوس الاحتفال بالذكرى المجيدة ليشمل مسلمي إفريقيا الذين لديهم صلة روحية بأمير المؤمنين، وليشمل الأقليات المسلمة ببعض الدول الإفريقية عن طريق النقل التلفزي والرقمي أو عن قيام السفارات والقنصليات المغربية في بعض هذه الدول المذكورة بإقامة حفلات دينية منظمة سيكون له جانب مهم في إنجاح المبادرات الملكية الأخيرة لخلق شراكات اقتصادية وثقافية بين المغرب وإفريقيا مما سيعود على المواطن المغربي والإفريقي بالنفع (رابح/ رابح).
البعد الدولي للاحتفال:
إن التشبث بالصلة الروحية بين المغاربة والنبي الكريم، والتشبث بمؤسسة إمارة المؤمنين التي تتشرف وتتكفل بإحياء ليلة المولد النبوي قوة أكيدة لمحاربة التطرف والإرهاب اللذين يصادران جميع الصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم مدعين كذبا وزورا أنهم الممثلين وحدهم له. حيث يسهم هدم ادعائهم ونسف مصادرتهم للصلة بين النبوة وباقي الأمة الإسلامية في هدم بنائهم الأيديولوجي. ومن ثمة سقوط نظامهم الهمجي إذا ما سقطت ادعاءاتهم وتهدم غرورهم.
(*)[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.