قياس الحرارة العامة يعادل قياس الحرارة المتوسطة على سطح الكرة الأرضية بالمجمل. هذا القياس لا يتأتي بسهولة، ولا يمكن لمقياس حرارة وحيد أن يقيس الحرارة الأرضية. المعطيات الخاصة بقياس درجة حرارة الكوكب ككل تأتي من بالونات اختبار والأقمار الصناعية وآلاف الآلات المحرارية المنتشرة فوق الأرض والمرتبطة بمثيلاتها التي تقيس درجات حرارة سطح البحار والمحيطات. وحسب المعطيات المجمعة من هذه الترسانة العلمية يتبين أن الحرارة الأرضية ارتفعت ب 0.85 درجة مئوية منذ العام 1880 . تمكن العلماء من إعادة تركيب مستويات درجات الحرارة الأرضية خلال الألفين سنة الماضية، وتبين من خلال هذه الإعادة أن الحرارة الأرضية سجلت انخفاضا ملموسا خلال الألف سنة الأخيرة، انتهى بارتفاع مفاجئ خلال القرن العشرين، وهو ما يعرف لدى المتخصصين بمنحنى ‘‘ صليب الهوكي ‘‘. وبقدر ما يصعب تسجيل قياس التغيرات المصاحبة لتفاوت درجات الحرارة بالدقة اللازمة، فإن العلماء يتوفرون على مناهج وآليات لتحديد ما إذا كان درجات الحرارة في الماضي تميل إلى الانخفاض أو الارتفاع . ‘‘ البيت الزجاجي ‘‘ : الأسباب والنتائج ولعل المتابع لهذا الموضوع قد يعتبر أن ارتفاعا في درجة حرارة الأرض في حدود 0.85 درجة مئوية، غير ذي أهمية وهامشيا للغاية لدرجة أن الانسان العادي قد لا يحس بهذا الارتفاع. لكن قياس هذا الارتفاع على المستوى الأرضي، دفع العلماء لملاحظة الأثر الكبير والمهم لهذا الارتفاع على المناخ العالمي. ولفهم هذا الأمر نسوق المثال الآتي : خلال الفترة الأبرد التي عاشتها الأرض خلال العصر الجليدي الأخير (قبل 18 ألف سنة ) لم تكن الحرارة الأرضية تقل عن معدلاتها الحالية سوى بأربع درجات مئوية، في الزمن الذي غطت فيها الكتلة الجليدية أوروبا والنصف الشمالي للقارة الأمريكية . وبالتالي فإن ارتفاعا من قبيل 0.85 درجة مئوية الذي تعرفه الأرض الآن يشكل تحولا كبيرا بالنسبة لكوكب الأرض إذا ما تمت مراقبة تداعياته على مستوى العالم ككل .
الكربون : المتهم الأول الاحترار الأرضي ( ارتفاع معدل درجة حرارة السطح على الكوكب ) مرتبط عضويا بارتفاع نسب بث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الجو . الغازات الدفيئة أو المتسببة في الاحتباس الحراري تنفث في الأجواء نتيجة استهلاك الطاقة الأحفورية كالبترول والغاز الطبيعي. خلال عملية احتراق مصادر الطاقة الأحفورية ينبعث على الخصوص غاز ديوكسيد الكربون ( ثاني أوكسيد الكربون ) المتسبب الأول في ظاهرة الاحترار الأرضي. من العوامل الأخرى المسببة للاحترار الأرضي نذكر الإجهاز المكثف على الغابات في مناطق مختلفة من العالم . تركيز ديوكسيد الكربون في الهواء العالمي وصل إلى حدود شهر يونيو 2015 إلى 400 ‘‘ بي بي ام ‘‘، أي أن معدلات تركيزه الحالية تفوق معدلات ديوكسيد الكربون في الهواء العالمي مع انطلاق العصر الصناعي ب120 ‘‘بي بي ام‘‘. وهو ما يعني أيضا أن تركيز ديوكسيد الكربون في الهواء العالمي ارتفع بنسبة 40 في المائة عن مستواه المفترض مع بداية الثورة الصناعية منتصف القرن الثامن عشر . التركيز المتواتر للغازات المسببة للاحتباس الحراري تفاقم من ظاهرة ‘‘ البيت الزجاجي ‘‘ وتزيد بالتالي في المعدل المتوسط للحرارة الأرضية، ما ينتج عنه الاختلال المناخي أو ما يعرف بالتغيرات المناخية . هذه الظاهرة تسمى ‘‘ الاحتباس الاضافي ‘‘ أو الاحتباس الذي يتسبب فيه النشاط الإنساني . ‘‘ الاحتباس الإضافي ‘‘ يتسبب في اختلال ما يعرف علميا ‘‘ بالمبيان الإشعاعي ‘‘ بشكل يجعل الأرض تتشرب بنسبة من أشعة الشمس تتجاوز بكثير نسبة الأشعة التي تعكسها في الفضاء . نقطة ‘‘ اللاعودة ‘‘ يعبر العلماء رياضيا عن نسب تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الهواء بملايين الجزيئات ( بي بي ام ). ويتعلق الأمر بعدد جزيئات هذا الغاز المحتواة في نطاق ما والمقدرة بالملايين . وبما أن غاز ثاني أوكسيد الكربون هو أهم مسببات ظاهرة البيت الزجاجي، فإن الطاقة الحرارية لباقي الغازات المتسببة أيضا في الظاهرة يعبر عنها نسبة لثاني أوكسيد الكربون . فمثلا إذا كانت طاقة جزيئة واحدة من غاز الميثان تفوق في نظيرتها في ثاني أوكسيد الكربون ب21 مرة، فإن طنا واحدا من غاز الميثان يعادل 21 طنا من ثاني أوكسيد الكربون . قياس ظاهرة الاحتباس الحراري مرتبط أساس بقياس نسب ثاني أوكسيد الكربون العالقة في الأجواء الأرضية، لكن هناك غازات أخرى تدخل في تركيب ظاهرة ‘‘ البيت الزجاجي ‘‘ وتساهم بالتالي في تداعيات التغيرات المناخية التي بدأ العالم في تلمس ملامحها مؤخرا . 260 بي بي ام قبل الثورة الصناعية كان تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الهواء يتراوح بين 260 و 280 بي بي ام 350 بي بي ام هذا هو المعدل الذي يجب أن يحافظ عليه في الأجواء الأرضية لكي نظل بعيدين عن التغيرات المناخية وهو المعدل الذي تجاوزه العالم سنة 1988 400 بي بي ام الاستعمال المكثف للطاقة الأحفورية والغازات الناتجة عن عمليات اقتلاع أشجارر الغابات رفعت تركيز ديوكسيد الكربون إلى معدل 400 بي بي ام سنة 2015 وهي المعطيات الواردة في تقارير منظمة هيئة الأممالمتحدة ولجانها المتخصصة في البيئة، وعلى رأسها المجموعة البيحكومية للتغيرات المناخية في نيويوركالأمريكية. وإذا أضفنا باقي نسب تركيز الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري فإننا قد نصل لما يعادل 435 بي بي ام . وهي معطيات جد مقلقة وخطيرة على المناخ العالمي، وتفاقم من آلية ظاهرة ‘‘ البيت الزجاجي ‘‘ حيث لم تعد الأرض قادرة على عكس أشعة الشمس في الفضاء كما في السابق . 450 بي بي ام اذا استمر المناخ العالمي في الاختلال يخشى العلماء أن تتشكل ظاهرة طبيعية خطيرة أخرى تتعلق بإصدار كميات كبيرة ممن غاز الميثان من منطقة سيبيريا الروسية وهو ما سيؤدي إلى توسيع دائرة التغيرات المناخية … لتفادي هذا الوضع، تم اقتراح سقف درجتين مئويتين كحد أقصى مسموح به في المقياس الحراري العالمي خلال القرن الواحد والعشرين، وهو السقف المعروف علميا ب ‘‘ نقطة الانقلاب ‘‘ أو ‘‘ نقطة اللاعودة ‘‘‘. وعليه فعلماء البيئة والمناخ يحذرون دول العالم من تجاوز سقف 500 /550 بي بي ام باحتساب مساهمات الغازات الأخرى في الاحترار الأرضي، مع العلم أن فريقا آخر من المتخصصين يعتبر أن سقف 450 بي بي ام في حد ذاته خطير على المناخ العالمي ويتوجب تقليصه مهما كانت الكلفة .