لعل بشاعة الجرائم التي ارتكبها شاب في حق ثلاث أرواح بريئة بعدما انهال عليهم ضربا بواسطة معول “عتلة” على مستوى الرأس ليهشم جماجمهم بشكل مريب، هو ما جعل أحد عناصر الضابطة القضائية لدى مركز الدرك الملكي يستحضر تفاصيل هذه المجزرة بدقة متناهية، وكأنها وقعت بالأمس القريب.. يعد المتهم من مواليد سنة 1986 بدوار تابع لجماعة «خميس متوح»، بل وترعرع بين أرجائه حتى إذا ما بلغ سن التمدرس ولج مدرسة الدوار، فتابع دراسته إلى حدود المستوى الثالث ابتدائي ليغادر طاولة التعليم ويستبدلها بحصير الكُتاب، حيث انخرط في حفظ القرآن الكريم وتفرغ للقيام بالأعمال الفلاحية مساعدة منه لوالده الذي زحف به العمر قليلا. لم يكن سلوكه يدعو للشك أو الريبة بل على العكس من ذلك فقد ظل يتسم بأخلاق حميدة بين سكان الدوار رغم ما عُرف عنه من حب للعزلة والانفراد بالنفس، إذ بدا مواظبا على أداء الصلاة في أوقاتها بمسجد الدوار بل ودأب على صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع تشبثا منه بتعاليم الدين الإسلامي. محبوبته أولى ضحاياه يستحضر الدركي تفاصيل يوم الحادث الإجرامي حسب ما تم تدوينه في محضر الاستماع بشكل دقيق، إذ أكد أن المتهم استيقظ كعادته مع طلوع الشمس، توضأ وأدى صلاة الصبح قبل أن يتناول وجبة الفطور ليمتطي عربة مجرورة ويشق طريقه نحول الحقول التي قرر حرثها ذاك الصباح، غير أن حرارة الجو التي اجتاحت المنطقة جعلته يعدل عن فكرة الحرث وينخرط في إصلاح أحواض نبات العنب، حتى إذا ما توسطت الشمس كبد السماء واشتد لهيب الحرارة تلمس خطوات عودته نحو المنزل فأدى صلاة الظهر وتناول وجبة الغذاء وخلد للراحة في أفق أن يستأنف نشاطه الفلاحي بعدما يتلطف الجو مساء. وبينما هو يلقي بجسده على فراش الراحة، كان شقيقه قد حضر من سفر بعيد فتوجه لتوه رفقة أحد أعمامه نحو والده الذي كان منهمكا في توفير الكلإ للبهائم، إذ ما أن التفوا في جلسة عائلية وسط أحد الحقول حتى لاح لهم طيف الفتى وهو قادم نحوهم بواسطة عربته المجرورة، فهرع والده نحوه أملا منه في توقيفه والتحدث إليه، إلا أنه لم يستجب لنداءاته بل وهش على الحصان لتنطلق العربة مسرعة أمام ذهول الجميع في اتجاه حقل آخر حيث كانت فتاة ترعى الغنم. ظلت أعين أفراد عائلة الفتى ترصده من بعيد دون أن يدركوا سر السرعة الجنونية التي انطلق بها نحو الفتاة حتى راعهم منظره وهو ينهال عليها ضربا بواسطة المعول، حيث امتطوا سيارة شقيقه وانطلقوا مسرعين نحو مكان الحادث ليجدوا الضحية غارقة في بركة دماء بينما اختفى المتهم عن الأنظار، ليواصلوا سيرهم نحو مركز الدرك الملكي لإشعارهم بالواقعة. توالي جرائم القتل خرج رجال الدرك الملكي في رحلة بحث عن الجاني ليتناهى إلى علمهم بأنه ارتكب جريمة ثانية في حق شاب آخر كان منهمكا في رش فاكهة العنب بالأدوية الفلاحية اللازمة بعدما عالجه بضربة قاتلة من معوله، بل وثالثة في حق امرأة كانت على متن دابتها “حمار” وسط حقل فلاحي. يذكر الدركي أن سقوط الضحايا الثلاث بشكل متسلسل، استنفر مختلف السلطات الأمنية لاسيما أنه أثار موجة هلع في صفوف سكان المنطقة، فتشكلت عدة دوريات للإيقاع به قبل إزهاق مزيد من الأرواح، غير أن استغناءه عن العربة في مرحلة أولى والحصان في مرحلة آنفة بتزامن مع حلول ظلمة الليل زاد من صعوبة إيقافه، خاصة وأن نمو قصبات الحبوب وسط الحقول ساهمت في اختفائه عن الأنظار. الصدفة تضع حدا لفرار المتهم حضرت عدة تعزيزات أمنية إلى المكان مسرح الجرائم الثلاث وشنت حملات تمشيطية واسعة النطاق لم تسفر عن شيء حتى الساعات الأولى من اليوم الموالي، إذ بمحاذاة منطقة بني هلال وبينما بعض رجال الدرك الملكي يمرون بالقرب من شجرة تين إذا بالمتهم يقفز من فوق أغصانها ويطلق ساقيه للريح ثانية، لتتم مطاردته وسط الحقول لمسافة تقدر بحوالي 200 متر، حيث تم إيقافه وقد بدا مرتبكا وملطخا بدماء ضحاياه. يكشف الدركي بأنه تم اقتياد المتهم نحو المركز تحت جنح الظلام، إذ شرع المحققون في استنطاقه حول الأسباب الكامنة وراء ارتكابه لهذه المجزرة فأكد أن حبه الجنوني للضحية الأولى هو الذي دفعه إلى قتلها بهذه الطريقة الوحشية بعدما أضحى ينتابه إحساس بأنها على علاقة غرامية مع شاب آخر من أبناء الدوار، بينما الضحيتان الآخران اللذان صادفهما في طريقه دون أن تكون له سابق معرفة بهما فقد عزا أسباب قتلهما إلى أنهما ترآيا له وكأنهما من ذوي عشيق محبوبته الذي يكن لهم عداوة كبرى.