لم يكن الشيخ (م.س) يدري أن ذلك اليوم سيكون آخر أيام عمره. بعد أن كان جالسا في حقله يتأمل عمره المنفلت دوما، ويداعب ذكريات جميلة وقعت في هذا الحقل الموجود في الطريق الرابطة بين خريبكة وقصبة تادلة.بعد لحظات مر بقربه المعطي، شاب في مقتبل العمر، بدا أن حالته غير عادية، وتوقف أمامه طالبا منه مده بقنينة ماء ليروي عطشه. ولما أجابه الشيخ بالنفي، وأشار عليه بالتوجه إلى أحد المنازل القريبة لطلب الماء، أوسعه الشاب ضربا حتى لفظ أنفاسه في عين المكان. وألقي القبض على المتهم، الذي أكد دفاعه أنه يعاني من اضطرابات نفسية، وأن على المحكمة إجراء خبرة طبية له، لكن المحكمة ارتأت أن تدين المتهم ب 20 سنة سجنا نافذا، طبقا لمقتضيات الفصول 401، 303، 392، من القانون الجنائي. حياة غير عادية ولد المعطي في إحدى القرى القريبة من مدينة خريبكة، وتلقى تعليمه الأولي، قبل أن ينتقل إلى مدينة خريبكة، لإتمام تعليمه الإعدادي والثانوي، لكن القدر شاء أن يصاب بخلل عقلي، حال دون إتمامه لدراسته، بعد أن أصبح لا يستوعب دروسه، وباتت تصرفاته مريبة ومقلقة، ما دفع بأسرته لنقله إلى مستشفى الأمراض العقلية ببرشيد لتلقي العلاج، فمكث هناك لمدة ثلاثة أشهر، وبعد أن شفي نسبيا من مرضه، عاد إلى دراسته مرة أخرى، وبدأ يكتشف العالم من جديد، لكن سرعان ما عاوده المرض، فنقلته عائلته إلى المستشفى من جديد لتلقي العلاج، وهكذا ظلت حياة المعطي لا تستقر على حال، وبات مصدر إزعاج لسكان المدينة والقرية على السواء، خصوصا في فصل الصيف عند اشتداد الحر، إذ يهرب من المنزل ويتسكع حتى ساعات متأخرة من الليل. جريمة قتل في صباح يوم الحادث، وفي حوالي السادسة والنصف، كانت إحدى السيدات القرويات ترعى قطيعا من الغنم بالقرب من الدوار، فأثار انتباهها منظر رجل ساقط على الأرض، وآخر ينهال عليه بالضرب بواسطة حجر كبير، فنادت على شقيق زوجها الذي لم يكن يبعد عن مكان الحادث إلا بأمتار، لكن المعطي عندما أحس بالخطر، فر هاربا على الدراجة النارية التي تعود ملكيتها للضحية، وفور إخبار عائلة الضحية، نقل إلى المستشفى لتلقي العلاج، والتقى المتهم في طريقه بشيخ كان يجلس في أحد الحقول القريبة من منزله، فقصده المتهم وطلب منه قنينة ماء كانت بجانبه، فلما رفض الشيخ طلبه وأشار عليه بالتوجه إلى منزل قريب منهما، انهال عليه المتهم بالضرب بواسطة حجر كبير على مستوى رأسه، وأخذ القنينة ورفعها إلى فمه بحركة جنونية، دون أن يحس بما يدور حوله، وبعد أن أفرغ محتوى القنينة في جوفه، فر هاربا إلى وجهة مجهولة، قبل أن يقبض عليه رجال الدرك وهو يقترب من مدخل المدينة، بعد تلقيهم خبر الجريمة البشعة. اعترافات المتهم أكدت الاعترافات التفصيلية للمتهم، أنه استيقظ باكرا، وتوجه نحو المستوصف الصحي قصد تلقي حقنة مهدئة، وفي الطريق صادف رجلا يمتطي دراجة عادية يسير في الاتجاه نفسه، فظن أنه سرق الدراجة لشخص ما، فرشقه بالحجارة في رأسه، ولما سقط أرضا، ضربه للمرة الثانية، وأخذ الدراجة منه وقادها لمسافة غير بعيدة، ثم توقف في انتظار مجيء مالكها الذي سلبها منه بالقوة، واتجه بعد ذلك نحو المدينة ليلتقي بالشيخ، الذي قتله بعد رفضه إعطاءه قنينة الماء. إدانة المتهم رغم شهادات عائلة المتهم، وسكان الدوار الذي يسكنه، التي تفيد أنه مختل عقليا، بدليل أنه سبق أن دخل مستشفى الأمراض العقلية ببرشيد خلال ثلاث فترات متقطعة، زيادة على أن رجال الدرك الملكي، وجدوا مع الضحية مبلغا ماليا قدره 900 درهم، وهو ما يفيد كون الجريمة لم ترتكب بدافع السرقة، لكن النيابة العامة أمرت بمتابعته بتهمة القتل العمد بواسطة السلاح وجنحة الضرب والجرح بواسطة السلاح، طبقا لمقتضيات الفصول 401، 303، 392 من القانون الجنائي، وإحالة الملف على غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف في خريبكة، لتصدر حكما في حقه ب 20 سنة سجنا نافذا.