شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    الدورة الثانية للمعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2024.. مشاركة 340 عارضا وتوافد أزيد من 101 ألف زائر    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقامرون يقضون حياتهم جريا وراء الوهم


.. وآخرون غيّر الحظ حياتهم
يبدأ الرهان أول مرة بمحاولة بسيطة لتجريب الحظ، لكنه سرعان ما يوقع صاحبه في بحر «الإدمان»، فيدخل المراهن في منطقة أشبه بنفق مظلم ومسدود، يخسر فيها كل شيء: أمواله، أسرته وعلاقاته الاجتماعية.. لكنه في أحايين أخرى يبتسم له الحظ فتتغير حياته رأسا على عقب...
أمام أحد محلات بيع التبغ بشارع الأمير مولاي عبد الله (لبرانس) بوسط الدار البيضاء، وقف شاب في مقتبل العمر ينتظر حلول دوره ليسلم للبقال ورقة صغيرة.. خطف البائع الورقة من يدي الرجل بسرعة ثم أدخلها في جهاز أمامه يشبه "الفاكس"، بينما بدا الزبون متحمسا لما ستسفر عنه تلك العملية وهو يركز عينيه على شاشة الجهاز ويفرك يديه بسرعة وكأنما ليطرد عنهما برد تلك الصبيحة.
فجأة قطب الزبون جبينه وتوقف عن فرك يديه ماطّا شفتيه تعبيرا عن الغضب من النتيجة التي ظهرت على شاشة الجهاز.. "تفووو.. زكلتها عاوتاني.."، قال الرجل بعدما ضرب يديه ببعضهما البعض بقوة ثم بصق على الأرض وانصرف غاضبا على سوء حظه، تاركا الدور لزبون آخر كان خلفه.
إنه مشهد يتكرر صباح مساء، أبطاله ثلة من الناس وجدوا في ألعاب الحظ والرهان سبيلا لتحقيق أحلامهم بتوديع حياة الفقر و"الميزيريا"، ووسيلة لاقتناص فرصة الربح من أجل تحقيق ما لم يتحقق بالجهد والعمل.
وإذا كان العائد المالي، بالنسبة إلى أصحاب شركات ألعاب القمار والرهان، خياليا، فإن المراهنين الذين أدمنوا على هذا النوع من اللعب لا يجنون من ورائه في العادة إلا الندم وعض الأنامل غيظا وحسرة على مستقبل لم يدركوه وواقع بئيس لم يستطيعوا التخلص منه.
الجري وراء الوهم
منذ أن حصل الحسين على تقاعده قبل سنتين، أصبح شغله الشاغل هو ملء خانات لعبة الحظ "اللوطو" التي يخصص لها جزءا كبيرا من معاشه الهزيل.
يقول الحسين، الذي عاش حياته موظفا بسيطا، إنه أصبح مدمنا على هذا النوع من اللعب بسبب صديق له لا يفتأ يبني له قصورا من الرمال ويحرضه على المغامرة والاستمرار في اللعب، وهكذا اعتاد كل يومي أربعاء وسبت على ملء خانات "اللوطو"، دون كلل أو ملل، في انتظار أن يبتسم له الحظ يوما، كل ذلك على حساب زوجته وأولاده الذين يعانون من شظف العيش بسبب تهاون رب البيت في القيام بمسؤولياته.
وبالرغم من إدراكه أن ما يفعله لن يجني من ورائه إلا ركاما من خيبات الأمل، لا يبدو أن الحسين يستطيع أن يقنع نفسه بالتخلص من هذا الإدمان الذي يهدد استقرار وضعه المادي والاجتماعي، يقول مبديا تضايقه من الوضع الذي يعيشه: "مكرهتش نحيد عليّ هاد البلية.. ولكن الله غالب.. الله يعفو عليّا وخلاص".
أما جمال، وهو شاب في العشرينات من عمره، فإنه لا يتردد في القول بأنه مواظب على المشاركة في لعبة "طوطو فوت" الخاصة بالبطولة الإسبانية والمغربية لكرة القدم كل أسبوع، لكنه لا يعتبر نفسه مدمنا بل هاويا فقط.
ويقول إن قصته بدأت بالتجربة، ثم التحدي، لتنتهي به إلى الوضع الذي هو عليه الآن، إذ يجد في القمار متعة تحدي الواقع المزري الذي يعيشه، عسى أن ينتقل يوما إلى عالم أحلامه حيث الإقامة الفاخرة والسيارة الفارهة والزوجة الحسناء...
"بالله عليك أشنو غادير ليك ألفين درهم فكازا؟"، يتساءل جمال مستنكرا هزالة راتبه الذي يتقاضاه من عمله في إحدى شركات المحاسبة، وفي نفس الوقت يبرر إدمانه على القمار بأنه يسعى وراء إنقاذ نفسه من الأزمة التي يتخبط فيها.
ومثل الحسين وجمال وغيرهما من المقامرين، قضى رشيد (36 سنة) نصف حياته راكضا وراء الخيول سعيا منه للظفر بالمال، ورغم أن هذه الخيول التي ظل يلهث خلفها طيلة 18 سنة لم ترفق لحاله وتحقق حلمه بالربح ولو مرة واحدة، إلا أنه اكتسب خلال هذه المدة تجربة كبيرة في مجال الرهان على الخيول.
"بغيت نتزوج ونكوّن حتى أنا أسرة بحال عباد الله.. ولكن مزال مجابش الله شي حصيصة"، يقول رشيد (عامل بشركة) مبررا سبب إدمانه على لعب "التيرسي".
بلهجة الواثق من نفسه، يتحدث رشيد وهو يسرد أسماء الخيول التي يراهن عليها وأصلها ومدربيها وفرسانها، قبل أن يشرع في ذكر حالات كثيرة ابتسم فيها الحظ لمراهنين فازوا بمبالغ خيالية غيرت منحى حياتهم.
فجأة ضرب رشيد يده بقوة وهو يتذكر المرة الوحيدة التي أوشك فيها على الفوز لولا أنه وضع رقم 3 مكان 5، ثم غير من نبرة صوته وأضاف قائلا وهو يهم بملء استمارة أرقام يصر بشدة على أنها "نوامر مسوكرين" لن تخطئ الهدف هذه المرة: "لن أمل من اللعب لأني أعرف أن الحظ سيبتسم لي يوما ما".
ألعاب الرهان في كل مكان
بإحدى نقاط بيع وملء استمارات ألعاب الرهان قرب شارع مولاي يوسف، كان البائع محمد أوجير منهمكا في تلبية طلبات زبائنه الذين كان أغلبهم من المراهنين.
بعد أن تسلم محمد قطعة من فئة 5 دراهم ومعها استمارة من أحد الزبائن الذي فرغ من ملئها قبل قليل، قرب الورقة من جهاز كان أمامه ليبتلعها ويأخذ منها بياناتها ثم يعيدها في رمشة عين ومعها وصل يحمل اسم اللعبة وتكلفتها وجميع الأرقام التي أشر عليها الزبون في استمارة المشاركة.
ويشرح البقال أنه بهذه العملية قد أرسل الأرقام التي شارك بها زبونه إلى الحاسوب المركزي لشركة الألعاب، مشيرا بيده على "موديم" معلق في ركن من الدكان مرتبط بجهاز إرسال يتم عبره تبادل المعطيات بين نقاط البيع والحواسيب المركزية لشركات الألعاب.
ويضيف أن المراهن يحتفظ بذلك الوصل إلى أن يعلن عن نتائج السحب، وإذا ما انطبقت الأرقام التي شارك بها فإنه يستعمل الورقة كإثبات ليتسلم مبلغ جائزته من طرف الشركة.
وتستحوذ على السوق القانونية لألعاب الرهان بالمغرب ثلاث مؤسسات هي: "المغربية للألعاب والرياضات" والتي تختص في الرهانات الرياضية، ثم مؤسسة اليانصيب الوطني التي تتعامل بألعاب "لوطو" و" كينو" و"كواترو"، ثم "الرهان المتبادل الحضري المغربي" المختصة في سباق الخيول.
ويتنوع توزيع القيام بمهمة ترويج القمار وألعاب الرهان إلى 5 فئات، مكاتب التبغ التي تأتي في الرتبة الأولى، حيث يبلغ رقم معاملات الشركة حوالي 86 مليون درهم، والمحلات المتخصصة، التي تأتي في الرتبة الثانية، وحققت سنة 2008 رقم معاملات بقيمة 59,6 مليون درهم، أي ما يعادل 15,5 في المائة من رقم المعاملات الإجمالي، بالإضافة إلى المكتبات والوراقات، والدكاكين، والمخادع الهاتفية التي تتقاسم الحصة المتبقية.
وبالرغم من كثرة المداخيل التي يجنيها بائعو أوراق اللعب من أموال المراهنين الذين ينتمون إلى مختلف الفئات والأجناس والشرائح الاجتماعية، إلا أن هؤلاء الباعة الموزعين على أزيد من 1600 نقطة بيع على الصعيد الوطني، لا يحصلون في النهاية إلا على جزء يسير جدا لا يتعدى 5 في المائة من مجموع مداخيلهم من الألعاب. وهي نسبة "لا تكاد تغطي –أحيانا- حتى تكلفة الكهرباء التي يستهلكها جهاز الإرسال الذي يظل مشغلا دون انقطاع"، يؤكد البائع محمد أوجير وهو يدلي لنا بفواتير الاقتطاعات البنكية التي تخصمها شركة الألعاب من حسابه كل أسبوع.
زبون آخر يسلم البائع هذه المرة وصلا ليدخله إلى الجهاز ويرى إن حالفه الحظ بالفوز أم خانه.. لكن شاشة الجهاز لم تدع له مجالا حتى ليتخيل نفسه فائزا، لتصفعه بعرضها للنتيجة التي لم يكن راغبا فيها: "هذه الأرقام ليست فائزة".. فتلا ذلك مشهد الزبون وهو يكمّش الوصل بعنف ويغادر المحل بعد أن ألقى بالورقة بين رجليه...
أرضية الدكان كانت تعج بأوراق لعب عديدة، مرمية تدوسها الأقدام بعدما خان الحظ أصحابها.
مراهنون ابتسم لهم الحظ
عندما يتحول شخص ما بين عشية وضحاها من فقير معدم إلى غني فاحش الثراء، بضربة حظ، فمن الصعب أن يظل "على صباغته" محافظا على تواضعه، هذا ما خلصت إليه وأنا أحاول إقناع بعض المعنيين بهذا الموضوع بالحديث والإفصاح عن تجاربهم...
المثال الذي بين أيدينا الآن، لثلاثة أشخاص في الخمسينات من أعمارهم ينحدرون من منطقة قصبة تادلة التي انتقلنا إليها بغرض ملاقاتهم.
وبتدخل من فاعل جمعوي معروف بالمدينة، وافق واحد من بين الثلاثة الفائزين على الحديث إلى "أخبار اليوم"، بينما تبرم الآخران وتخلفا عن الموعد الذي تم تحديده مسبقا، تاركين إيانا ننتظر لأزيد من 4 ساعات، وعندما اتصلنا بأحدهما لنستفسره، أجاب بلهجة حادة بأنه "مامساليش" وأن لديه أشغالا أهم يتعين عليه القيام بها.
ضربة حظ
لم يكن كل من الرفقاء (ر) و(ب) و(م) يتصورون أن التجربة الأولى لهم في لعب الرهان ستقلب أوضاعهم وتغيرها إلى أخرى لم يحلموا بها قط.
عشية يوم الجمعة 12 يونيو الذي شهد حدث الاستحقاقات الانتخابية، كان الأصدقاء الثلاثة جالسين إلى طاولة بمقهى بوسط مدينة قصبة تادلة، الذي اعتادوا على "قتل" الوقت فيه بعد حصولهم على التقاعد.
"عندما سمعنا أن مبلغ السحب سيفوق ملياري سنتيم، قلنا لماذا لا نجرب حظوظنا لعل وعسى نفوز بهذا المبلغ وننقذ به أنفسنا من البؤس الذي نتخبط فيه؟"، يقول (ر) وهو يتذكر اللحظة التي اقترح فيها على زميليه المشاركة في اللعب على سبيل التجربة فحسب.
165 ريال هو النصيب الذي ساهم به كل واحد من الثلاثة من أجل ملء استمارة "لوطو" بمبلغ 25 درهما، وهو النصيب الذي أعاد على كل واحد منهم 698 مليون سنتيم.
"عندما أعلنت النتائج واكتشفنا أننا فزنا، لم نخبر أحدا، ولا حتى عائلاتنا، بل اتفقنا على السفر إلى الدار البيضاء للتأكد من صحة فوزنا من عدمه، ولما وصلنا إلى المقر المركزي للشركة أكدوا لنا فوزنا بمبلغ مليارين و95 مليون..".
بعد أن تسلم الثلاثة شيكا يضم المبلغ الخيالي الذي قادتهم الصدفة إلى الفوز به، توجهوا إلى مؤسسة بنكية وأودع كل واحد منهم نصيبه في حسابه الخاص، ثم عادوا في اتجاه مدينتهم الصغيرة.
دوخة المال
ماذا كان شعورك عندما فزت بذلك المبلغ الكبير؟ سألت (ر) فأجاب أنه لم يصدر منه أي تصرف غير طبيعي في تلك اللحظة، ولم يقم بأي رد فعل مثير للانتباه.. "فرحنا بناتنا ورجعنا لديورنا بشكل عادي ما بيّنا حتى حاجة للناس".
يؤكد (ر) أن حالته النفسية لم تتأثر بتغير حالته المادية، وأن علاقاته مع الناس لم تتغير أبدا بل لاتزال طبيعية كما كانت: "أنا من طبعي حدودي وشاد التيقار مع الجميع، وخا ربحت ما تغير فيا والو.. أنا طبيعي ما تغيرت ما والو".
من متقاعد إلى مستثمر
أول ما فكر فيه (ر) عقب تسلمه لجائزته المالية، هو تحقيق الحلم الذي طالما راوده: إنه مشروع إنشاء مزرعة.
"شريت فيرما فالنواحي ديال بني ملال، ودابا راني مخدم فيها شحال من واحد"، يقول (ر) بلهجة الواثق من نفسه، مكذبا ما راج من إشاعات حول تعرضه للنصب من طرف شخص باعه مزرعة "وهمية" بمبلغ 45 مليون سنتيم.
بالإضافة إلى مشروع المزرعة، استثمر (ر) قسطا من أمواله في شراء عمارة سكنية بمدينة بني ملال، كما اقتنى شقة بالدار البيضاء خصيصا لأحد أبنائه الذي يدرس هناك.
ويحتفظ (ر) بالقسط المتبقي من حصته في البنك، مشيرا إلى أنه يعتزم استثماره في مشروع ما بسبب توجسه من الفوائد الربوية.
وبالرغم من علم (ر) بحكم الشرع في ألعاب الرهان التي تصنف ضمن الميسر والقمار التي حرمها الدين الإسلامي بنص واضح وصريح في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، فإنه يعتبر الجائزة التي غنمها من خلال فوزه في لعبة "اللوطو" أموالا حلالا مادام سيستغلها في طرق مشروعة.
أما بالنسبة إلى كل من (ب) و(م)، فإن كلا منهما استثمر قسطا من المبلغ الذي فاز به في العقار على الخصوص. فالأول اقتنى منزلا بحي "نادية" حيث يسكن حاليا، فيما الثاني منشغل بتشييد بقعة أرضية تقع غير بعيد عن مسكنه بحي "الراشيدية"، بعد أن اشترى سيارة من نوع "كونغو" ووزع مبلغا مهما على بعض أقاربه.
وفيما انتقل (ر) من حي "البام" الذي كان يقطن به بقصبة تادلة نحو مسكنه الجديد ببني ملال، فإنه لا يزال يسافر عبر الحافلات العمومية وسيارات الأجرة، وحينما سألته لماذا لم يقتن وسيلة نقل على غرار ما فعله زميله (م)، قال إنه سيفكر في ذلك فيما بعد.. لكنه شدد على أنه سيقتني سيارة عادية جدا كأيها الناس...
نعمة أم نقمة؟
قبل خمس سنوات، ذاع خبر رجل ببني ملال فاز بمبلغ خيالي لا تجمعه إلا الأفواه. لكن الغريب في الأمر أن الرجل لم يتوصل ولا بسنتيم واحد، ومع ذلك ظل يعيش وعائلته مدة طويلة على هذا الحلم الذي لم يتحقق إلى الآن.
تعود فصول هذه القصة إلى سنة 2004، حين شارك جواد أفرني، الطالب بشعبة اللغة الإنجليزية بكلية بني ملال، في مسابقة استرالية توصل إثرها ببلاغ يعلمه بأنه فاز بمبلغ 12 مليار سنتيم!
وتقاطرت على موحا أفرني، والد الشاب "الفائز" تهاني وتبريكات كل من يعرفه بالمدينة، وأطلقت حول الأب عدة إشاعات أشهرها أنه سيترأس رجاء بني ملال لينقذه من موقعه في القسم الثاني، بحكم تعلقه بهذا الفريق وعمله كمراسل صحفي رياضي من بني ملال.
ويقول موحا إن هاتفه آنذاك لم يكن يتوقف عن الرنين طيلة اليوم، إذ ظل طيلة اليوم يستقبل مكالمات المهنئين والراغبين في كسب ود "المليونير" الملالي وطلب كرمه.
ويضيف أنه وبالرغم من عدم توصلهم بالمبلغ من طرف الجهة المسؤولة باستراليا، إلا أنهم ظلوا ينامون ويستيقظون على حلم ال12 مليار سنتيم.. خاصة بعد أن وكلوا محاميا لينوب عنهم في القيام بالإجراءات اللازمة لتسلم الجائزة، فأكد لهم أن "الربحة صحيحة" من الناحية القانونية.
اليوم وبعد مرور كل هذه السنين، استفاق الجميع من حلمهم الذي لم يعرفوا ما إذا كان نعمة لهم أو نقمة عليهم لو تحقق. وتحولت كل أماني أفراد العائلة إلى سراب.. غير أن موحا يرى له رأي مغاير، إذ ختم حديثه قائلا: "من الخير أننا لم نتوصل بال12 مليارا، وإلا لأصبنا جميعا بالحمق!".
طرائف فائزين أثناء تسلمهم لأموال ضخمة
بأحد مكاتب الطابق الأول من بناية الشركة المغربية للألعاب والرياضات الكائنة بشارع الراشدي، يستقبل موظفو الشركة كل يوم المراهنين الذين يحالفهم الحظ في الفوز بإحدى جوائز مختلف ألعاب الرهان التي تنظمها الشركة.
وقبل أن يصعد الزائر إلى المبنى الزجاجي الضخم، يكون عليه اجتياز عدة حواجز أمنية معقدة تنتهي بتسليمه شارة تسمح له بالولوج إلى الداخل.
وتقول وفاء بوسلهام، مسؤولة التسويق بالشركة: "إننا لا نستقبل هنا سوى المراهنين الذين يفوزون بمبالغ تفوق 10 آلاف درهم"، مشيرة إلى أن الفائزين بالمبالغ المتراوحة ما بين ألف و10 آلاف درهم يستلمون أموالهم من طرف مراكز الأداء، بينما يتسلم أصحاب المبالغ الأقل من ألف درهم جوائزهم من لدن نقط البيع.
وتحكي الموظفة مليكة، التي تستقبل الفائزين بالباب الرئيسي وترافقهم إلى مكتب الفائزين، أنها عاشت حالات كثيرة بعضها مضحك والبعض الآخر مؤثر، منذ التحاقها بالعمل في هذه الشركة.
وتتذكر مليكة قصة شاب فقير من مدينة الصخيرات، حاول أن يهاجر إلى الضفة الأخرى راكبا قوارب الموت أربع مرات، لكن سوء حظه لم يحالفه في أي من هاته المحاولات، إذ في كل مرة إما يتم إرجاعه من طرف السلطات وإما يغرق بهم القارب.. وتضيف مليكة معبرة عن اندهاشها من غرابة الموقف: "تصور أن القارب غرق بهم فماتوا جميعا إلا هذا الشاب.. سبحان الله!".
وتستطرد مليكة متحدثة عن الشاب الذي كان يعيش ظروفا اجتماعية صعبة أرغمته على طرق جميع الأبواب المتاحة له للخروج من تلك المحنة: "ملي لعب مرة وحدة هو يربح 160 مليون سنتيم".
وتضيف أنه لما حضر إلى مقر الشركة لاستلام جائزته، بدا عليه الارتباك ولم يدر ما يفعل بالمبلغ الضخم الذي ساقه له القدر... قاطعتها المسؤولة عن التسويق قائلة: "لقد ساعدناه وأرشدناه حتى يستثمر المبلغ في مشروع يعود عليه بالنفع.. لأنه لو ترك بغير إرشاد كان سيضيع المال في رمشة عين بلا شك".
وتحدثت الموظفتان عن بعض الصعوبات التي يواجهنها في بعض الحالات، حيث يأتي الفائز وفي ظنه أنه سيربح أموالا طائلة، وعندما يكتشف أن قيمة جائزته أقل بكثير ينتفض معبرا عن احتجاجه... كما يحدث في حالات أخرى أن ينهار الفائز وهو يتفحص الرقم الذي فاز به من شدة المفاجأة... وفي حالة الفائزين المشتركين غالبا ما ينشب عراك ما بين الفائزين، حيث يصر كل واحد منهم على استلام الجائزة باسمه، لكن المسؤولة أوضحت أن "هذا المشكل تم تجاوزه بعدما أصبحنا نقسم المبالغ على الفائزين المشتركين بالتساوي بينهم".
وتوضح نفس المتحدثة أنها وزملاءها في العمل يسعون دائما إلى إقناع الفائزين بضرورة استغلال الأموال في مشاريع مجدية عوض إنفاقها في اللعب.
وتعود بوسلهام بالذاكرة إلى الوراء قليلا لتتذكر امرأة مسنة تكبدت مشاق السفر من مدينة فاس إلى مقر الشركة من أجل استلام مبلغ مهم: "قلنا لها إنه لم يكن ضروريا أن تجهدي نفسك وتتكبدي صعوبات السفر بل كان عليك أن ترسلي أحد أبنائك أو أي شخص تثقين فيه.. فكان جوابها أنها حضرت بنفسها لتستلم أموالها لأنها لا تثق في أحد".
3ملايين مغربي مدمن على القمار
تشير إحصائيات «المغربية للألعاب والرياضات» إلى أن نحو 3 ملايين مغربي يتعاطون ألعاب الحظ والرهان (أي بمعدل 10 في المائة من المغاربة)، وأن مليون مغربي يصنف على أنه لاعب منتظم يلعب مرتين على الأقل في الشهر، فيما يعتبر مليونان منهم لاعبين مؤقتين يتعاطون لتلك الألعاب ما بين 3 إلى 4 مرات على الأقل في السنة.
لكن السيدة وفاء بوسلهام، المسؤولة عن التسويق بشركة المغربية للألعاب والرياضات، قللت من دقة هذه الأرقام بسبب غياب إحصائيات مضبوطة.
وقالت المسؤولة: "إنه لا يمكن الاعتماد على هذه الأرقام لأن عدد المراهنين يتغير". وأوضحت بوسلهام، في تصريح ل"أخبار اليوم"، أنه لا يمكن إحصاء عدد المراهنين بشكل دقيق لأن بعضهم يلعب مثلا ب10 أوراق دفعة واحدة، وهكذا يحتسب الشخص الواحد على أنه عشرة".
وتشير بعض الإحصائيات إلى أن الفئات التي تتراوح أعمارها ما بين 20 و60 سنة من كلا الجنسين، تتعاطى لعب "اللوطو" وألعاب الفوز الفوري. وحسب الإحصائيات ذاتها، فإن هذه الفئة يصل دخلها إلى 5 آلاف درهم، بينما يتعاطى لعب الخيل والرهانات الرياضية جميع الشرائح الميسورة منها والمتوسطة.
وحسب ما تكشف عنه النشرة السنوية لنفس الشركة، فقد أنفق المغاربة الباحثون عن الغنى المفقود عن طريق ألعاب الحظ والرهان نحو 2.7 مليار درهم خلال سنة 2006، منها 2 مليار درهم من مجموع الأرباح في مجال ألعاب الخيول، و11.4 مليون درهم في ألعاب "اللوطو".
وعلى عكس الرواج الاقتصادي الذي تخلقه هذه الألعاب لفائدة الجهات الوصية على القطاع، فإنها من الناحية الاجتماعية تتسبب للمدمنين على هذه الظاهرة والمحيطين بهم في عواقب وخيمة.
ويرى علي شعباني، المحلل الاجتماعي، أن "هذه الظاهرة التي تفشت في السنوات الأخيرة أصبحت تشكل خطرا على المجتمع".
وأوضح شعباني، في تصريح ل"أخبار اليوم"، أن هذا النوع من القمار له تأثيرات متعددة، منها نفسية واجتماعية، "فكثير من المراهنين يجرون وراء الربح الذي لا يتحقق ولا يحصدون من وراء سعيهم ذاك سوى خسارات متكررة يعقبها إدمان على القمار".
وركز المختص على أن الخسارة المتكررة تولد في نفس الإنسان الإحباط والفشل، وهو ما يخلف مشاكل خطيرة على المجتمع.
ويتفق المحلل الاقتصادي إدريس بنعلي مع شعباني في كون الظاهرة تضر بمصالح المجتمع لما لها من سلبيات على المدمنين على لعب القمار، لكنه لا يتفق مع منعها، حيث قال: "من الناحية الاقتصادية فإن ألعاب الرهان تساهم في تقوية الموارد المالية للدولة، لذا فإن أي قرار بمنعها سيكون غير صائب".
ويوضح، في تصريح ل"أخبار اليوم"، أن الرهان يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة من أجل تنظيمه وتقنينه وضبطه من أجل تفادي بعض الانحرافات التي تشوب هذا النوع من اللعب، وما له من تداعيات خطيرة تطال اللاعب ومحيطه.
غير أن المسؤولة عن التسويق في المغربية للألعاب والرياضة تؤكد أن هدف المؤسسة ليس جعل المراهنين يدمنون على القمار ليفقدوا توازنهم المادي والاجتماعي، وإنما تسعى إلى تخليق هذا النوع من الرياضة وجعله "لعبا مسؤولا".
وأوضحت بوسلهام أن مسؤولي الشركة لا يتوانون في تقديم النصح لكل مراهن فاز أكثر من مرتين، بالعدول عن اللعب مرة أخرى مخافة الإدمان.
وعاد علي شعباني، أستاذ علم الاجتماع، إلى التأكيد على أن ألعاب الرهان تمارس تأثيرا مباشرا على الاستقرار العائلي وعلى تربية الأبناء، مذكرا بوقوع حالات كثيرة تسببت فيها هذه الظاهرة في تشتيت شمل أسر بأكملها.
أين تذهب مداخيل ألعاب الرهان؟
حققت مؤسسة «المغربية للألعاب والرياضة» التي تحتكر ألعاب الرهان الرياضية والألعاب الفورية، رقم معاملات بلغ 704.2 ملايين درهم، حسب حصيلتها السنوية لسنة 2008، مقابل 411.7 مليون درهم سنة 2007، و366 مليون درهم سنة 2006، لترتفع حصتها في سوق الرهان من 11.2 في المائة سنة 2007 إلى 17.2 في المائة سنة 2008، في حين حققت شركة «اليانصيب الوطني» 453 ألفا و622 درهما، حسب ما ذكره موقع الشركة. أما «الشركة الملكية لتشجيع الفرس» فتحطم باستمرار الأرقام القياسية، لاحتكارها رهانات سباق الخيول التي تقام بفرنسا وكذا بالمغرب، إذ حققت مثلاً رقم معاملات بلغ ملياري درهم سنة 2006.
وتشير الإحصائيات إلى أن معدل إنفاق المغربي على ألعاب الرهان انتقل من 86 درهماً سنة 2006 إلى 120 درهماً سنة 2008.
ويعتبر صندوق الإيداع والتدبير المؤسسة المالكة لكل من اليانصيب الوطني والمغربية للألعاب والرياضات بنسبة 100 في المائة، والذي لا تتجاوز اليد العاملة فيه 20 مستخدما فقط، بينما تمتلك وزارة المالية مؤسسة الرهان المتبادل الحضري المغربي التي تشغل 500 مستخدم يعملون في 24 وكالة و310 نقط بيع، علما أن مسابقات اليانصيب الرياضي تشرف عليها لجنة تتكون من ممثلي وزارة العدل ووزارة المالية والأمن الوطني.
وبينما توجه نسبة 20 في المائة من مداخيل مؤسستي اليانصيب الوطني والمغربية للألعاب والرياضات لفائدة خزينة الدولة (90 في المائة للخزينة العامة و10 في المائة لصندوق الإيداع والتدبير)، و24 في المائة تذهب كمصاريف في حين توزع 56 في المائة على المراهنين، فإن مؤسسة الرهان المتبادل الحضري توجه 25 في المائة من مداخيلها إلى خزينة الدولة وتستفيد بنسبة 5 في المائة، فيما توزع 70 في المائة على المراهنين.
وحسب مصدر مطلع، فإن المغربية للألعاب حققت أرباحا قياسية بلغت السنة الماضية 618 مليون درهم، عادت 413 مليون درهم منها للاعبين الذين يفوزون في المراهنات، بينما يذهب جزء منه إلى صندوق تنمية الرياضة.
وأضاف نفس المصدر أن مجموع عائداتها تحول إلى صندوق تنمية الرياضة، إذ وصل العائدات هذا العام إلى 150 مليون درهم مقابل 105 ملايين درهم في العام الماضي.
وللإشارة، فإن "صناعة تاريخ ألعاب الرهان في المغرب" تعود إلى سنة 1920، وهو تاريخ صدور ظهير تأسيس "الرهان المتبادل الحضري"، ثم تلاه الإعلان عن تأسيس الرهان الرياضي سنة 1962، التي تحولت المؤسسة إلى اسم المغربية للألعاب والرياضات سنة 1995. وتتنوع ألعاب الرهان داخل المغرب بين ألعاب اللوطو والكينو وألعاب الرهان ذات الفوز الفوري ثم الرهان الرياضي مثل طوطوفوت وكذا ألعاب الرهان على الخيل.
يمكنكم زيارة موقع جريدة " أخبار اليوم المغربية " بالنقر هنا
أو عبر الرابط التالي :
http://akhbar.press.ma


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.