شهر رمضان الكريم لا يختلف كثيرا عن باقي الشهور، إلا بالنسبة إلى الذين يعتبرونه شهرا للعبادة، ليغفر لهم الله ذنوب سنة من الرذائل، أما الآخرون فهم مجرد مضربون عن الطعام، كما يعلق على ذلك بعض المواطنين باستهزاء، أو حسب كما يقال “عبادين لحريرة”. ومن هذه العينة نجد “القمارة”، الباحثين عن الحظ تحت هلال شهر الصيام. محمد محلا – نبراس الشباب: يحتشم “القمارا” في شهر الصيام، ولا يظهرون علنا، فقد وجدنا صعوبة للوصول إليهم والجلوس مع البعض منهم على طاولة الحظ الحامية الوطيس. فحرب الفوز والخسارة لا تنتهي إلا في وقت متأخر من الليل، ليكتشف القمار أنه فقد كل شيء، أو أن اليوم كان يوم حظ بالنسبة إليه. كل طبقة تقمر حسب مستواها الاجتماعي من “حك وفوز” إلى “لعيطا” مرورا من “البوكير”. أحد المواطنين الذين سألناهم عن الأسباب التي تدفع المغاربة إلى اللجوء إلى المحرمات ليلا، قال لنا إن هذا يدخل في باب النفاق الاجتماعي أو بالأحرى النفاق الديني، وأضاف: “تاتشوف السيد ولا السيدة صحا سلام جلابة والبلغة خارجين من صلاة التراويح، وتلقاهم مقصرين بالليل”. حك وفوز: “يحك ويحك” وهو في كامل التركيز والتوتر، وكأن عيناه ستخرجان من مكانيهما، الورقة الأولى لم تكن محظوظة، الثانية والثالثة كذلك، إلى أن انتفض الشاب في وجه صديقه قائلا: “راه خلصتهم من الفلوس لي سلفني داك المنحوس ديال خاليد، الله يحضر السلامة، ملّي سلفني هاد جوج دريال وهو تيدعي”. مثل هذه المشاهد كثيرا ما نراها في المحلات التي تبيع هذا النوع من لعب الحظ، التي يختلف حولها المواطنون بين من يراها محرمة تحريما قطعيا استنادا إلى الكتاب والسنة، ومن يرى أنها مجرد لعبة، ولا داعي لتضخيم الأمر. فالجدال بين الحلال والحرام لا ينتهي عند معشر “القمارا” الحالمين بكسب المال الوفير من هذه اللعب. من محل لآخر ترى ازدحاما كبيرا خلقته “المغربية للألعاب” محتضنة هذا النوع من ألعاب الحظ منذ 1962، فمنذ تأسيس هذه الشركة بترخيص من الدولة، وهي تبدع وتتفنن في أصناف الألعاب المقدمة، والتي تعرف إقبالا كبيرا من لدن المواطنين من كل الفئات العمرية. “في رمضان نعمل خصوصا في الليل، لأن المواطنين يعتقدون أن اللعب بالنهار محرم شرعا”، عبد الإله صاحب محل لبيع السجائر وأوراق الحظ وسط المدينة. وكباقي المحرمات فالقمار بدوره تنعكس عليه فلسفة “حرام بنهار” كما قال عبد الإله. “آرا ليا جوج ديال 5 دراهم” طلب حكيم) 29 سنة موظف( من البائع أن يعطيه ورقتين ليجرب حظها، فحسب قوله فهو يعرف أنه “منحوس” فكل مرة يقتني فيها الأوراق يخسر 10 إلى 30 درهما. فحكيم الذي يلعب منذ أزيد من 6 سنوات لعب الحظ، يحك ولا يفوز، وهو من بين المواظبين على اللعب كل يوم، إذ أنه لا يضيع يوما واحدا دون أن “يحك” ودون فوز يذكر. ويقول: “إني أعرف أن اللعب في شهر رمضان من المحرمات، لكن الإدمان هو الذي يدفعني لذلك”. هذا الموظف البسيط يتقاضى أجرة تناهز ثلاثة آلاف درهم، يذهب ثلثها في ألعاب الحظ، حتى إنه صرح لنا أن ميزانية اللعب قد تصل إلى أزيد من نصف راتبه. مروان 18 سنة بدوره يتعاطى للعبة كلما سنحت له الفرصة، وبالتحديد يقمر في ألعاب الحظ الرياضية، الذي، وحسب قوله، لا يعتبرها محرمة، بما أنه يخمن فوز إحدى الفرق الكروية الأوروبية وقال: “علاش حرام راها غير لعبة ويلا سهل الله نربحو فيها”. تركنا حكيم ومروان في الحك والتخمين رغبة في فوز منتظر، وكما قالت إحدى السيدات العجوزات في محل لبيع أوراق الحظ: “وكون غير كنتو تتربحو نقولو ما كين باس، ولكن نتوما غير مضيعين فلوسكم وفلوس واليديكم، لا حمار لا ستة فرانك”. العيطة: “زيد أرا لاص كوباص” ليست عبارة من “العيطة المرساوية” ولا من “العيطة الحوزية”، لأنها ببساطة ليست فنا شعبيا، وإنما لعبة الحظ الأشهر بين صفوف الطبقة الفقيرة من المواطنين. في إحدى الزوايا المظلمة من “الدرب”، ترى مجموعة من الشباب يحيط بلاعبين، أحمد ونور الدين، وصلت المزايدات في ما بينهم في هذه الليلة الرمضانية إلى 30 درهما. مزايدات انتهت في آخر الأمر إلى مشادات كلامية تلتها معركة حامية الوطيس. لماذا؟ فنورالدين الذي كان يمسك ب”الروندة” أو ما يسمى “الكارطة البلدية” معروف بأنه من أشهر الغشاشين في حيه، لكن هذه المرة كان له أحمد بالمرصاد، إذ شاهده وهو يغش أثناء توزيع الأوراق. “والله حتى بدلتي لكارطا”، “والله ما بدلتها”، “والله حتى شتك”، “وكون شتي كراه نضتي من اللول”. ملاسنات بين الطرفين، لكن ولأول مرة الكل كان مع نور الدين، إذ أجمع الكل أنه لم يغش، وأن أحمد لم يرضى، أن يخسر ماله كله (50 درهما) التي أعطاه إياها والده. ف”التعياط” يبدأ دائما بدراهم معدودة، ولا يدري أحد إلى أين سينتهي بهم الأمر. وكما قال لنا نور الدين إذا لم يكن الشخص خبيرا في فن “العيطة”، ليست “العيطة” الغنائية بطبيعة الحال، فلا يمكنه أن يجالس معشر القمارا الذين يبدعون في الغش. وأضاف: “راه العيطة حتى هي فن، حيت خص الواحد يكون ذكي باش يربح ديما، واخا تكون معروفة عليه غشاش، راه كل هادو لتتشوف كلهم غشاشة، غير تينافقوا الله والعباد”. فلعب “العيطة” دائما محاط بمجموعة من المشاكل والإكراهات كما يقول أحد الشباب الذين حضروا الجلسة، وقال: “الآن في رمضان لا يقتصر الأمر على الاختباء عن أنظار رجال الأمن فحسب، بل يجب أيضا الاختباء عن أنظار الناس بما أننا في شهر الصيام”. وأضاف أنهم يلعبون حتى قبل موعد الإفطار بدقائق لتمضية الوقت، وقال: “الله يعفو علينا وخلاص”. بعد الأخذ والرد و”التعياط” بدراهم معدودة أتى المنادي ليخبر أن سيارة الأمن قادمة اتجاههم، الكل هرب وتركوا “الروندة” التي أكسبتهم وأفقدتهم المال تواجه مصيرها مع رجال الأمن. البوكير: للوصول إلى مجالسة “قمارة هاي كلاص” رافقنا صلاح، اسم مستعار، صاحب شركة لبيع الأدوات المنزلية، الذي جعل من منزله مكانا للعب. تخيلنا أن المكان سيكون مثل ما نراه في أفلام رعاة البقر الأمريكية، سجائر وأكواب خمر وراقصات، لكن رمضان حال دون ذلك، بما أن الخمر محرم فيه)...(. الثامنة مساء، دخلنا منزل صلاح، حضر طاولة اللعب، وبدأنا نتحدث قبل مجيء اللاعبين، الذين لا يعرفون من يجالسهم إذ سيقدمني لهم كصديق جديد في جلسات “البوكير”. فصلاح كما صرح لنا مقتنع أن “البوكير” حرام، لأنه قمار، لكنه يكسب من ورائه المال ليس في الليلة نفسها وإنما في قضاء بعض المصالح. وأضاف: “سوف ترى من سيجالسنا هذه الليلة، هم أشخاص يمكن القول عنهم بسطاء من حيث مناصبهم، لكن هم مالكو مفاتيح لا يملكها حتى مديرو المؤسسات التي يعملون فيها، يأتون عندي للعب وأقرضهم في بعض الأحيان، ولا أتحاسب معهم”. لتزامن الليلة مع شهر رمضان قال صلاح إنه لن يكون هناك خمر وفتيات، واكتفى بجلب مشروبات وسجائر وقطعة من الحشيش. التاسعة ليلا، بدأ الحضور يقبلون، من بينهم أحد الفنانين المغاربة المعروف شيئا ما، واثنين آخرين من ذوي المفاتيح، كما سبق وأشار صلاح. المهم أن الثلاثة بالإضافة إلى أنهم موظفون فهم شركاء في مشروع للأدوات المنزلية، إضافة إلى صاحب الجلسة المستفيد الأكبر. بدأ اللعب وتذكرت “العيطة” ليس القمار هذه المرة، وإنما لمجالستنا أحد المحسوبين على فنها، أثناء اللعب طلب صلاح من الفنان المقتدر أن يطرب الحضور، فأخرج ما في جعبته وعيط ب”خربوشة”، الكل متوفر، الصوت و”الكامانجا”، التي يخبئها له صلاح، وكما علق هذا الأخير: “الحبة والبارود من دار القايد صلاح”. دار اللعب وصل المال فوق الطاولة إلى حوالي 5000 درهم، صلاح قال إن المال الذي لعب به هذه الليلة قليل لعدم وجود ما سماهم “الكوارطية”، ثم علق على غيابهم قائلا: “ثلاثة منهم مشاو يغسلوا عظامهم فالعمرة، الله يغفر ليهم، حتى يجيو ونعرض عليك تجي تشوف آش تيخسرو، دوك المتقين الله بعطينا براكتهم”. صلاح أكد لنا أن رمضان هو الذي فرض الجو العام للجلسة، إذ أنها تكون دائما بحضور قنينات الخمر وبعض الصديقات، رغم أن الكل متزوج. فالملاحظ أن الجلسة على “البوكير” لا تكتفي بصنف واحد من المحرمات، بل تتفنن فيها. منتصف الليل، وعلى غير عادتهم أنهوا الشركاء لعبهم، وجلسوا في حديث حول مشروعهم، وتركناهم في جلسة البحث عن المال، الذي يضيعونه في اليوم الموالي على طاولة “البوكير”. خرجت وأكد علي صلاح الحضور بعد رمضان لمجالستهم، أو بالأحرى يريد أن أصبح لاعب “بوكير” من طينته، لكن صراحة القول فأنا لا أعرف إلا اللعب ب”الكارطة البلدية” ومشكلتي أن حظي دائما معسر فيها. خرج من روندتك: “الروندا”هي لعبة ورق منزلية معتمدة بالخصوص في البحر الأبيض المتوسط، وبالخصوص في إسبانيا والمغرب، حيث تعتبر من أقدم اللعب في بلادنا. تتكون من أربعة ألوان اللاتينية : أورس (المال)، باسدوس (العصي)، شبادا (السيوف)، الكوباص (أكواب). باستخدام بطاقات والأربعين. هناك بطاقات مرقمة من 1 إلى 7 ، وثلاث بطاقات أخرى : سوطا (10)، الكابال (11)، الراي (12). من بين أشهر اللعب المعتمدة في الروندا ببلادنا: روندا، باطاي. أما لعب “القمارة” فهي “العيطة”، وهي تلعب بين شخصين الأول يمسك الورق والثاني يخمن ورقة من بين الأربعين الموجودين، والذي يقف أمامه الورقة المحدد يفوز بالمبلغ المقمر عليه، المحصور في دراهم قليلة، وفي أغلب الأحيان تنتهي اللعبة بمشاجرات.