صدقوا أو لاتصدقوا، نصيب كل بيضاوي من المساحات الخضراء لايتعدى 35 سنتمترا مربعا، بمعنى أنها نسبة تقل 41 مرة عن المعايير العالمية ، التي تحصر المعدل المقبول في حدود 15 مترا مربعا لكل فرد0 هذا المعدل يعرف تفاوتا كبيرا بين مناطق الدارالبيضاء، حيث يزيد فداحة في جماعات حضرية مثل مرس السلطان والحي المحمدي، في حين ينعم سكان مناطق (أنفا وكاليفورنيا) بمعدلات أكبر تصل إلى 6 أمتار مربعة للفرد ، والغريب أن هذا النصيب المتدني من المساحات الخضراء ، يأتي في ظل تزايد الوعاء العقاري المخصص للفضاءات الخضراء، والذي انتقل من 350 هكتار إلى 410 هكتار، بين سنوات 2008 و 2014 . المدينة عاجزة عن إيجاد فضاءات ومنتزهات جديدة للسكان ، ورغم كل المجهودات، حيث ظل المسؤولون المحليون ومجلس المدينة يحاول بين الفينة والأخرى، تجديد وإعادة ترميم الفضاءات القديمة، و تشجير الشوارع وملتقيات الطرق، وفي السنة الماضية لوحدها تم تخصيص 3 ملايير سنتيم، لتسريع برنامج يهم تشجير حوالي 40 حيا في الدارالبيضاء و وتزيين شوارع سبع عمالات ، لكن الخصاص يظل فظيعا جدا. في الوقت الراهن تتوفر الدارالبيضاء على 46400 شجرة في المجموع ، منها 30100 نخلة من نوع (الواشنطونية) والتي تتميز بعدة مواصفاة منها ثمنها البخس، الذي لايزيد عن 600 درهم ، ومقاومتها للبرودة وصعوبة اعواجهها، كما تتوفر المدينة على 16300 شجرة مختلفة الأنواع يمثل (الفيكوس) الغالبية العظمى منها، فيما بدأت أشجار (الأوكاليبتوس) تنقرض من شوارعنا . كثيرون منا اليوم، يستحضرون بنوع من الحنين والشوق ، حديقة أو منتزها قضوا فيه لحظات طفولة لا تنسى، وكثيرون منا يفتقدون تلك الفضاءات ( مردوخ ، لارميطاج ، أليسكو، الشباب ، سانداي، فلسطين ، … ) وهم يشاهدون كيف اجتاح الإسمنت، كل الفضاءات وملأ جميع الفراغات حد الإختناق ، وبدون شك أطفال اليوم، بدورهم سيتحسرون بعد سنوات، على ماتبقى من جمال الطبيعة ورونقها ، وهي تحتضر أمام أعينهم . في سنة 1962 أنجز المؤلف والمخرج السينمائي الشهير (جورج لوكاس) ، شريطا قصيرا مبنيا على الخيال العلمي، تدور فكرة الفيلم حول وصف عالم القرن 25 و التحذير من مظاهر التكنولوجيا اللاإنسانية والثلوث، وكذا الهدر العشوائي للإمكانات الطبيعية على كوكب الأرض، حيث سيحول الناس الأرض إلى مكان غير مأهول، مما سيضطرهم للعيش تحت الأرض في مجتمع آلي صناعي، يفتقد كل مقومات رونق وجمال الطبيعة. بعيدا عن خيال الفن السابع، يحق لنا التساؤل هل أصبحنا فعلا نستعجل أربعة قرون قادمة ، و نعيش داخل مدن عملاقة محاصرين بين قلاع وأسوار إسمنتية و شوارع إسفلتية ؟ و هل سيحل قريبا يوم تنعدم فيه الساحات والمتنفسات الخضراء ، ويصبح نصيبنا من الفضاءات الخضراء صفرا ؟ عبد الواحد الدرعي